NaZmiUS ORIGINALITY MOVEMENT NEW WEBSITE

























جديد المقالات New Articles مخطوطات البحر الميت Dead Sea Scrolls

اخبار الموقع Site News

 

Manufacturing Consent

Noam Chomsky


 

خلال مؤتمر صحفي عقده في رام الله

 

البرغوثي: القرار الاسرائيلي  ضد تشومسكي تصرف فاشي

 

تشومسكي : التصرف الاسرائيلي لا يحدث الا في الدول الدكتاتورية الشمولية

 

رام الله:اكد النائب الدكتور مصطفى البرغوثي الامين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية ان منع اسرائيل المفكر والكاتب ناعوم تشومسكي من دخول الاراضي الفلسطينية مخالف للقانون الدولي والاعراف الانسانية والدولية ويعبر عن قمع اسرائيلي لحرية الراي والتعبير   . وقال البرغوثي خلال مؤتمر صحفي عقده في مركز وطن الاعلامي في رام الله ان زيارة تشومسكي كانت ستشمل القاء محاضرتين في جامعة بير زيت وزيارة الهيئة المستقلة لحقوق الانسان وان يلتقي رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض والبرلمانيين الفلسطينيين والقيام بسلسلة من الزيارات الميدانية برفقة حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية للاطلاع بنفسه على الاستيطان وجدار الفصل العنصري ونظام الفصل العنصري وزيارة الخليل ونعلين وبلعين.واضاف البرغوثي ان سلطات الاحتلال اوقفت المفكر والمناضل ناعوم تشومسكي وابنته واحد مساعديه مع زوجته واحتجزتهم خمس ساعات على معبر الكرامة واجرت تحقيقا منفردا معهم بطريقة غير مقبولة قبل ان تخبرهم بمنع تشومسكي من دخول الاراضي الفلسطينية.واكد النائب مصطفى البرغوثي ان سلطات الاحتلال ابلغت تشومسكي ان قرار منعه جاء من من وزارة الداخلية تحديدا نظرا لارائه ومواقفه المعارضة لاسرائيل وان المحققين ابلغوه استياءهم لانه جاء ليحاضر في جامعة فلسطينية وزيارة الاراضي الفلسطينية وليس اسرائيل.واشار البرغوثي الى ان الاسباب التي ساقتها اسرائيل لتبرير منعها تشومسكي من دخول الاراضي الفلسطينية غير مقنعة وغير منطقية مؤكدا ان وزارة الداخلية الاسرائيلية التي اعطت الامر بمنع تشومسكي تعطي معلومات مضللة ومتناقضة من خلال الحديث مرة عن ان منعه يعود لانه حضر عبر معبر الكرامة ومرة لانه لم يحاضر في اسرائيل.واضاف البرغوثي ان المؤسسات الداعية لتشومسكي تؤكد ان التصرف الاسرائيلي هو تصرف فاشي من قبل حكومة اسرائيل لا يليق باي دولة تدعي انها ديمقراطية ويحاكي هذا التصرف  تصرف الحكومات الدكتاتورية التي تمنع حرية الراي والتعبير حتى عن اكاديميين معروفين مثل تشومسكي.واوضح النائب مصطفى البرغوثي ان قرار اسرائيل يؤكد عندما يمارس ضد شخصية عالمية مدى شعور اسرائيل انها فوق القانون الدولي مشيرا الى ان اسرائيل امعنت في صلفها وغرورها وتجاوزها كل الاعراف بعد قرار مجلس التعاون الاقتصادي الاخير الذي قبلها عضوا فيه رغم خرقها للقانون الدولي .واشار البرغوثي ان هدف اسرائيل من منع تشومسكي من زيارة الاراضي الفلسطينية هو منعه من رؤية الواقع في الاراضي الفلسطينية وان يصل الى فلسطين ويقوم بواجبه والتاكيد على الامر العسكري رقم 1650 بانه لا سلطة في الاراضي المحتلة الا للاحتلال وان الاحتلال والحاكم العسكري الاسرائيلي هو الوحيد الذي يقرر من يتواجد في الاراضي المحتلة بشكل يدلل على مدى خطورة الامر العسكري المذكور لانه يمس ليس فقط من يزور الاراضي الفلسطينية بل يمس كل مواطن فلسطيني موجود في الضفة الغربية.وقال البرغوثي ان ادعاء اسرائيل بان تشومسكي  يجب ان يقدم طلبا للاسرائيليين للسماح له بشكل مسبق بزيارة فلسطين هو امر مرفوض وهذا ما اتفقت عليه مع السيد تشومسكي لان هذا تكريس لسابقة خطيرة لا يمكن السماح بها.واكد البرغوثي ان ما جرى يعبر عن مدى التخبط الاسرائيلي وغباء السياسة الاسرائيلية والعنجهية والامعان في الغطرسة وان كل ذلك قاد اسرائيل الى ارتكاب حماقة كبرى ستكون لها انعكاسات كبيرة وستؤدي الى تعزيز حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني ونضاله الشعبي واستنهاض حملة عقوبات ضد اسرائيل وسحب الاستثمارات منها والتي من شانها ان تؤدي الى تغيير ميزان القوى الى جانب استراتيجية وطنية نادينا بها مرارا وتكرارا  تجمع بين المقاومة الشعبية وحركة التضامن الدولي ودعم الصمود الوطني واستعادة الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام .وبعد ذلك قدم الدكتور مصطفى البرغوثي المفكر والعالم نوعم تشومسكي الذي تحدث في المؤتمر الصحفي عبر الهاتف من عمان قائلا ان الذي فعلته معه سلطات الاحتلال واضح كالشمس ،وقد سبق وزرت جامعة بير زيت والقيت محاضرات فيها وفي جامعات اسرائيلية ايضا وانتقدت مرارا السياسات الاميركية والاسرائيلية بحرية ولم تكن هناك مشكلة وان الشيئ المختلف هذه المرة انني دعيت من جامعة بيرزيت لتقديم اكثر من محاضرة حول السياسة الاميركية وان جدول زيارتي لم يشمل أي جامعة اسرائيلية.واضاف ان الخطوة الاسرائيلية اريد منها القول ان اسرائيل هي فقط من تملك الحق في اتخاذ القرار بشان من يحاضر في الجامعات الفلسطينية ومن يزور الاراضي الفلسطينية.واكد تشومسكي ان التصرف الاسرائيلي ضده لم يحدث الا في الدول الشمولية ،وان هذا لم يحدث معه في حياته من قبل الا في تشيكوسلوفاكيا عام 1968 من اجل زيارة احد المعتقلين بعد دخول الجيش السوفييتي الى ذلك البلد حين منح تاشيرة دخول وهذا امر مختلف حتى عما حصل مع الجيش الاسرائيلي.واشار تشومسكي الى ان اسئلة المحققين الاسرائيليين معه على معبر الكرامة كانت تاتيهم من وزارة الداخلية الاسرائيلية حيث ابلغوه وركزوا في التحقيق على انهم يعارضون اراءه وافكاره تجاه اسرائيل وسياساتها وانهم لا يفضلون زيارته جامعة بير زيت والاراضي الفلسطينية ولا يزور اسرائيل وجامعاتها.ورجح تشومسكي سبب منعه من دخول الاراضي الفلسطينية انه يريد ان يحاضر في جامعة بير زيت ولا يريد ان يحاضر في جامعات اسرائيلية وان هذا تصرف غير معهود.وشكر البرغوثي تشومسكي قائلا اننا كفلسطينيين نشعر بالتقدير والاحترام لدور تشومسكي خاصة وانه من الرواد الاوائل الذي دعموا نضال الشعوب وقضاياهم العادلة خاصة وقفته الى جانب الشعب الفلسطيني  . واكد البرغوثي ان ما جرى مع مفكر بحجم تشومسكي يجب ان ينبه العالم الى حقيقة ما يجري للشعب الفلسطيني يوميا .

 

 

نعوم تشومسكي: إذا لم يعمد العالم العربي إلى استخدام مورد البترول لإحداث التنمية، فإن الأمر سوف ينتهي به إلى الإبادة الجماعية

 

نشر: 20/5/2010 الساعة .GMT+2 ) 01:09 a.m )  |   

 

الزميلان علاء أبو زينة ومحمد أبو رمان يحاوران المفكر الأميركي نعوم تشومسكي يوم الاثنين الماضي -(تصوير: أمجد الطويل)

 

"الغد" تحاور الناشط السياسي والمفكر العالمي المؤيد للقضية الفلسطينية

 

حاوره: علاء الدين أبو زينة

 

ربما يكون من حسن طالعنا في الأردن، رغم الخلفيات السلبية للحدث، أن تكون إسرائيل قد منعت عالم اللغويات الشهير والمفكر العالمي نعوم تشومسكي من دخول المناطق الفلسطينية لإلقاء محاضرة في جامعة بير زيت، لأن ذلك أتاح للجمهور الأردني أن يستضيفه بعض الوقت، ويستمع إلى رؤاه العميقة في أكثر من مكان ومناسبة ظلت كلها غنية ولو أنها جاءت مرتجلة.. وبعد كل شيء، استطاع نعوم تشومسكي (أو نوم تشومسكي، ولا يهم لفظ الاسم) أن يقول كلماته التي جاء ليقولها، وأن يتحاور مع الجمهور الفلسطيني في جامعة بير زيت عبر مؤتمر بالأقمار الصناعية عقد أول من أمس في الجامعة الأردنية. ولم تستطع إسرائيل كتم صوته بمنع دخوله، وإنما أضافت المزيد من النقاط السوداء التي يغصّ بها سجلها. وحتى لو لم يجئ تشومسكي إلى المنطقة، فإن صوته كان يصل إلينا دائماً فيمن يصل إليهم صوته في العالم، وهو الدائم الحديث عن المهمشين.. لكن حضوره الشخصي يظل يحمل أكثر من معنى، وهو ما أدركته المؤسسة السياسية الإسرائيلية وردّت عليه بأسلوبها المتغطرس المعهود في الحادثة الأخيرة.أما أهمية تشومسكي بالنسبة إلينا، بالإضافة إلى منجزه العلمي الإنساني في حقل اللغويات، فتكمن في اصطفافه الواضح والعنيد إلى جانب قضايانا في جملة القضايا الإنسانية التي يدافع عنها.. وهو شخص تمكنه سلطته العلمية الهائلة، ومنطقه التحليلي العميق في طرح القضايا من ممارسة تأثير غير قليل على الرأي العام الأميركي والغربي والعالمي، وهو ما يعطي لدفاعه عن قضايانا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، أهمية بالغة نحن في أمس الحاجة إليها الآن، خاصة مع ندرة الأصوات المؤثرة التي ما تزال تتبنى هذه القضايا.عندما تقابل البروفيسور تشومسكي، فإنك تحس بأنك تعرفه شخصياً من قبل، خاصة إذا كنت قد رأيت صوره وقرأت شيئاً مما يكتب.. ويدهشك فيه تواضع العالِم واستقباله لك بابتسامة على الرغم من التعب وكثرة المريدين، ويعطيك الإحساس بأنك أهم شخص يقابله.. ثم لا يبخل عليك بفيض من الحديث الصبور والطويل، وكأنك مستمعه الوحيد.. وقد تسنت لصحيفة الغد فرصة إجراء هذه المقابلة الحصرية معه يوم الاثنين، 17 أيار (مايو) في عمان، حيث تفضل بالإجابة عن بعض القضايا التي تتصل بالحدث الراهن.. وشارك في هذا الحوار الزميل د. محمد أبو رمان، كاتب العمود ومدير تحرير دائرة "آراء ومواقف" في صحيفة الغد.

 

ولد أفرام نعوم تشومسكي Avram Noam Chomsky في 7 كانون الأول (ديسمبر) من العام 1928 في فيلادلفيا، بنسلفانيا. وهو يشغل منصب أستاذ جامعي مدى الحياة في اللغويات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ويقف على رأس منجزه الأكاديمي وضعه نظرية "القواعد التحويلية" أو "النحو التوليدي"، والتي كثيراً ما تعتبر أهم إسهام قدم إلى حقل اللغويات النظرية في القرن العشرين. وقد أسهم كذلك في إحداث ما وصف بأنه ثورة إدراكية في علم النفس من خلال مراجعته للسلوك الفعلي للعالم ب. ف. سكينر، وتفككيه للمقاربة السلوكية لدراسة العقل واللغة التي كانت سائدة في الخمسينيات. وأثرت مقاربته الطبيعية لدراسة اللغة كذلك على فلسفة اللغة والعقل، وينسب إليه الفضل أيضاً في تأسيس ما أصبح يُعرف باسم تراتب تشومسكي، وهي تصنيف للغات الشكلية حسب قدرتها التوليدية.بالإضافة إلى عمله في اللغويات، يُعرف تشومسكي على نطاق واسع كناشط سياسي، وناقد لاذع للسياسة الخارجية للولايات المتحدة والحكومات التسلطية الأخرى. ويصف تشومسكي نفسه بأنه اشتراكي تحرري، ومتعاطف مع التضامنية اللاسلطوية. وهو عضو في نقابة عمال العالم الصناعيين، وكثيراً ما يُعتبر منظراً رئيسياً للجناح اليساري في السياسة الأميركية. وحسبما ورد في فهرس مراجع الفنون والإنسانيات، فقد تم اقتباس اسم تشومسكي ومقولاته في الأعوام ما بين 1980 و 1992 أكثر من أي شخص آخر ما يزال على قيد الحياة، وكثامن شخص يجري اقتباسه في تاريخ الإنسانية على الإطلاق.

 

بروفيسور تشومسكي.. نرحب بك غاية الترحيب، ونود أن نستعلم منك عن رفض إسرائيل الأخير السماح لك بدخول الأراضي الفلسطينية للتحدث في جامعة بير زيت. هل كنت تتوقع منعك من الدخول، وما هي الأسباب التي ترى أنها كانت وراء ذلك المنع؟

 

- لم أتوقع حقيقة أن يتم رفض منحي الإذن بالدخول. وكنت قد سمعت في الحقيقة عن حالات أخرى حيث يتم إيقاف الناس على الحدود، لكني لم أسمع عن إيقاف مثقف.. كان ذلك أمراً غير عادي.. وعندما أفكر في القضية، أجد أنني لم أكن أتوقع ذلك.. وكنت في الحقيقة قد تحدثت في بير زيت من قبل، لكن لم يسبق لي أن طلبت إذناً بذلك، ولم يكن أحد يسأل أيضاً.. غير أن هناك فارقاً واحداً بين هذه الحالة وبين الحالات الأخرى، وهو السبب الذي استمر المحقق في التحدث عنه، والأمر الذي ظل يتكرر خلال اتصالاتي مع وزارة الإعلام: لماذا كنت سألقي محاضرة في جامعة بير زيت ولا ألقي محاضرات في جامعات إسرائيلية؟ في المرة الأخرى التي كنت قد تحدثت فيها في جامعة بير زيت، كان ذلك في رحلة جانبية على هامش الزيارة الأساسية لإسرائيل.. وكنت أتحدث في الجامعات الإسرائيلية، وفي بعض الأحيان عن الاحتلال بالتحديد، لكنني قمت بزيارة جانبية إلى بير زيت.. وهنا يمكنني أن أرى الفرق، وهو السبب في منعي من الدخول كما أعتقد.. إنهم لم يحبوا حقيقة أنني كنت أستجيب لدعوة من بير زيت. وقد أرادوا القول بكل وضوح إن من غير المسموح لبير زيت أن تعمل بشكل مستقل كجامعة، ويجب أن تكون مخولاً بالحديث بموجب إذن من إسرائيل قبل التحدث فيها.

 

نود الانتقال إلى الاستماع إلى وجهات نظرك حول بعض الأسئلة السياسية بشكل عام. عندما جاء الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض، كان هناك تفاؤل كبير في العالم العربي. وساد توقع بأن يطرأ تغيير على السياسة الخارجية الأميركية. وكنا قرأنا مقالات للبروفيسور تشومسكي، والتي لم يكن يتفق فيها مع تلك التوقعات. في تقديركم، هل يكون إجراء تغيير في السياسة الأميركية الخارجية صعباً إلى هذا الحد؟ عندما جاء أوباما، كان قريباً إلى الرأي العام العربي، لكن التغيير لم يحدث على الرغم من ذلك. هل هناك كل هذه الصعوبة في تغيير السياسات الأميركية من إدارة إلى أخرى؟

 

- في حقيقة الأمر، لم تكن هناك أي أسباب على الإطلاق للاعتقاد بحدوث أي تغيير. وحتى قبل الانتخابات التمهيدية، كنت قد كتبت عن سياسات أوباما معتمداً فقط على ما جاء في موقعه الإلكتروني، ونشر الموضوع في كتاب صدر قبل حوالي سنتين. وكانت توجهاته إزاء الشرق الأوسط واضحة من محتوى موقعه. وعلى سبيل المثال، كان لديه قسم طويل عن إسرائيل على موقعه حتى قبل الانتخابات التمهيدية. وكان يتحدث فيه عن حبه الكبير ودعمه لإسرائيل. بل إنه تباهى في واقع الأمر بأنه كان قد رعى خلال الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 2006، إصدار قرار في مجلس الشيوخ للمطالبة بعدم فعل شيء يعيق العمليات الإسرائيلية في لبنان حتى يتم استكمالها تماماً من وجهة نظر الإسرائيليين.. وكان فخوراً بذلك، وكان ذلك هو ذكره الوحيد للبنان على موقعه. ولم يكن هناك أي شيء تقريباً عن الفلسطينيين سوى بضع كلمات لطيفة، لكنها لم تكن أي إشارة على الإطلاق مما كتبه وقاله على أنه سيكون هناك تغيير في السياسات. وفي حقيقة الأمر، وإذا فكرت في الحملة الانتخابية، فستجد أنه قام فعلاً بزيارة إلى إسرائيل في شهر تموز (يوليو) 2008، خلال الانتخابات التمهيدية. وكان نتنياهو آنذاك معجباً جداً به وامتدح كل شيء فيه، وكان بيرس معجباً جداً به أيضاً. وكان أحد المعلقين الإسرائيليين، وأعتقد بأنه ألوف بن، قد قال بأنه لم يكن من المفاجئ أن يتفق أوباما مع كل من نتنياهو وبيرس لأنه يتفق مع الجميع.. وهذا صحيح بطريقة ما، لأنه بارع في الكيفية التي يقول بها للآخرين كم يحبهم.. إنه نجم "روك أند رول"، ويمكنك أن تكتب مجلدين عن هذه النوعية من النجوم، وقد فعل بعض الناس ذلك فعلاً، خصوصاً في العالم العربي. لكن لم تكن هناك أي أسس لذلك الإعجاب.. وقد اتضح ذلك في حرب غزة على سبيل المثال، حيث رفض الإدلاء بأي تعليق.. وقال إن هناك فقط رئيساً واحداً، ولا أستطيع أن أدلي بأي تعليق.. وكان من الواضح أنه تم التخطيط لتوقيت حرب غزة بعناية كبيرة جداً، بحيث شرعت بالانتهاء عندما شارف على استلام المنصب.. وهكذا، وقبل ساعات من توليه المنصب أتت الحرب إلى نهايتها، وبذلك لم يكن مضطراً لقول أي شيء عنها. واستطاع فقط أن يدلي بتصريحات تقول: دعونا ننسى الماضي ونتطلع إلى المستقبل. وكان ممثلوه سلبيين بدورهم، وكان الشيء الوحيد الذي فعلوه هو تكرار التصريح الذي كان قد أدلى به في إسرائيل، حين قال متحدثاً عن سيدروت عندما كان هناك: "لو تعرضت ابنتاي لقصف الصواريخ، فإنني كنت سأفعل أي شيء لإيقافها". وتم تكرار ذلك طوال فترة حرب غزة. وكان يفترض أن يعني ذلك أي أطفال من دون تحديد، لكنه لم ينطبق على أطفال الفلسطينيين. وبعد بضعة أيام من استلامه المنصب، ألقى خطاباً حول قضايا الشرق الأوسط مركزاً على القضايا الجدية، وكان ذلك في شهر كانون الثاني (يناير) 2009، عندما قدم ميتشل ليكون مبعوثة إلى المنطقة. وكانت تلك فكرة جيدة لأن ميتشل كان شخصاً عقلانياً كما يقول سجله، لكنه لا يستطيع القيام بأي شيء إلا إذا توفرت له بعض الإمكانيات، وكان عليه أن يعمل ضمن إطار عمل يضعه رئيس الولايات المتحدة، وهو ما بيّنه أوباما بكل وضوح.. إنه شخص بالغ الذكاء ويستطيع أن يقنعك بأنه جاد فيما يقول. وقد قال في خطبة كانون الثاني (يناير) إن هذا الوقت جيد لصنع السلام، وقال إن هناك في الحقيقة اقتراحاً بناءً مطروحاً على المائدة هو مبادرة جامعة الدول العربية. ثم دعا الدول العربية إلى المضي قدماً إلى تطبيق ذلك الاقتراح، وبشكل خاص تطبيع العلاقات مع إسرائيل. لكنه كان يعرف جيداً أن تلك لم تكن حقيقة الاقتراح. كان الاقتراح هو أن على إسرائيل أن تقبل أولاً بالإجماع العالمي العام على التسوية القائمة على أساس حل الدولتين، وفي ذلك السياق فقط، يمكن أن تذهب الدول العربية شوطاً أبعد نحو تطبيع العلاقات. لكن أوباما أفرغ الاقتراح من المحتوى بعناية، وقال: حسناً، امضوا قدُماً نحو تطبيع العلاقات.. وكانت تلك طريقة واضحة تماماً للتعبير عن الاستمرار في رفض الإجماع العام، على نحو لم يكن ليصبح أوضح مما كان. ومضى الأمر على هذا النحو منذئذ. وحتى عندما ذهب ليلقي خطابه الجميل في القاهرة ليعبر فيه عن مدى حبه لكم في هذا الإطار، فقد أخذ الناس ذلك على محمل الجد لسبب ما. ولو أنك نظرت جيداً لما حدث أثناء ذهابه إلى القاهرة، لوجدت أنه كان قد سئل في مؤتمر صحافي عما سيقوله عن مصر، عما وصف بأنه النظام السلطوي في مصر. وكانت إجابته: حسناً إنني لا أحب استخدام التصنيفات عندما أتحدث عن أفراد العائلة، وأنت تعرف أن السياسي الأميركي عندما يتحدث عن "أفراد العائلة" فإنه يتحدث داخل الخطوط العامة، لأن هذا التعبير يستخدم غالباً عندما يتحدث عن شعبه. وقال إنني لا أحب وضع الشواخص على "الأقارب"، ومبارك رجل طيب، ويعمل أشياء جيدة، وهو يديم الاستقرار بطريقة تخدمنا، وهذا كل ما يمكنني أن أقوله عن مبارك. وقد اعتقد الجميع بأن ما قاله كان مجرد تصريحات عشوائية عن نظم لها سجل دولي معروف في مجال حقوق الإنسان مثل نظام مبارك وأنظمة أخرى معروفة في المنطقة. لكن ليس هناك سبب للاعتقاد بوجود اختلاف بينه وبين بوش في هذا الإطار. وكان بوش في فترته الرئاسية الأولى قد قال للأوروبيين بأنه ينبغي أن تكون لهم صلة، وبأن عليهم الاستماع إلينا. وكان ما يحبون أن يسمعوه هو القول بأننا نحبكم وأنكم شركاؤنا، لكن الحقيقة هي أنه لم تكن لهم صلة. لكن أوباما كان قد تعلم من صناعة الإعلان التي كانت تسوقه، وكان يفهم بالضبط ما يقدمه الإعلان ويدرك حقيقة أن الانتخابات في الولايات المتحدة كانت تقوم على صناعة الإعلان. وكان المديرون التنفيذيون يقولون إن هذه أو تلك هي الطريقة المثلى لبيع المرشحين على الناخبين. وقد تغيرت أساليب التسويق في مكاتب المديرين التنفيذيين منذ عهد ريغان، لكن الأمر كله يظل مسألة تسويق. وكان لذلك تأثير هائل في القضايا المحلية. وعلى سبيل المثال، انظر إلى ردة الفعل على برنامجه للرعاية الصحية. فقد تبين أن برنامج الرعاية الصحية لم يكن شعبياً ولقي الكثير من الرفض والاعتراض. وانظر إلى نتائج الاستطلاعات، وستجد أن هناك الكثيرين ممن يرفضونه لأنه تخلى عن الكثير. لقد تخلى أوباما عن كل شيء تريده النقابات العمالية في خطة الرعاية الصحية، وأصر على شيء واحد لم يتغير، وهو استيفاء الضرائب عن البرامج الصحية. وكانت النقابات المهنية قد تخلت عبر العقود عن الكثير من الأشياء، ولكن ليس الرعاية الصحية التي يصرون على أن تكون جيدة، لأن لديهم إيمان مطلق بتلك البرامج التي أصر أوباما على استيفاء الضرائب عنها. وهناك الآن إحساس كبير بفقدان الأوهام حياله، إن كانت ثمة أوهام منذ البدء.

 

بروفيسور تشومسكي، لدينا سؤال يتعلق بإجابتكم.. كيف تفسرون الأزمة القائمة الآن بين الولايات المتحدة وإسرائيل؟

 

- إنك في حاجة إلى مكبر لترى أنّ هناك أزمة.. إن ما يحدث الآن في حقيقة الأمر هو شديد الشبه بما كان قد حدث قبل 20 سنة مضت.. قبل 20 سنة، إن كنتم تذكرون، كان إسحق شامير هو رئيس الوزراء في إسرائيل. وكان يشبه بوش إلى حد ما.. كان متغطرساً وبالغ العدائية وعصابياً.. هكذا كان يُنظر إليه. وكان بوش (الأب) وبيكر أرستقراطيين.. كانا أميركيين متغطرسين ثريين ولم يكونا يحبان التعرض للإهانة.. وعندما كان بيكر يظهر في القدس، كان شامير يختار ذلك اليوم بالتحديد ليعلن عن بناء مستوطنة جديدة، وكان بيكر يشعر بالإهانة. وهكذا كان يعود ويشعر بوش نفسه بالإهانة. وقاما بفرض عقوبات، عقوبات خفيفة متعلقة بضمانات القروض. وكانت إسرائيل بلداً مختلفاً في ذلك الحين، وفهمت الرسالة على الفور، وقامت فوراً بإسقاط شامير ونصبت شمعون بيرس في مكانه. وشمعون بيرس هو منافق مثالي. وكان يفهم العقلية الغربية وأصول التهذيب، ولذلك لم يكن يعلن عن مشاريع استيطانية عندما يأتي بيكر وإنما كان ينتظر إلى وقت لاحق. وقد فهم بوش وبيكر ذلك. وهما لم يكونا يعترضان على السياسات، وإنما لم يكونا يريدان التعرض للإهانة. وذلك هو ما يحدث الآن. فعندما ظهر بايدن في القدس، عمد وزير محلي نسيت اسمه، والذي يبدو أنه متغطرس مثل شامير إلى إهانته عن قصد، وأهان الولايات المتحدة.. لقد تغيرت إسرائيل فعلاً، فقبل 20 عاماً، عمد الإسرائيليون إلى إقالة شامير ونصبوا بيرس مكانه، لكن الدولة انجرفت الآن وتحولت باتجاه اليمين الديني المتطرف، وهي مستمرة في تبني مثل هذه الممارسة. ولكم أن تتأملوا حادثة السفير التركي. ليس هناك دولة يمكن أن تتصرف على هذا النحو، خاصة مع تركيا التي تظل حليفاً قوياً للولايات المتحدة. إن الإسرائيليين يلحقون الضرر بأنفسهم بالتصرف على هذا النحو، ويضرون بمصالحهم الوطنية، وهو ما سيندمون عليه. إذا كنتم تتابعون النقاش الداخلي في إسرائيل، فستجدون أن إسرائيل ترتكس إلى الداخل. إنهم يقولون: إن كل العالم يكرهنا والجميع يغمطوننا حقوقنا، ولذلك دعونا نفعل ما يحلو لنا. وما دامت الولايات المتحدة تقف إلى صفنا فإننا بخير.. لكن هناك نظيراً تاريخياً والذي ينبغي حمله على محمل الجديد: حالة جنوب إفريقيا.. هناك الكثير من نقاط المقارنة بين إسرائيل وجنوب إفريقيا، والتي ربما يكون الكثير منها غير دقيق. لكن هناك شبهاً واحداً مخصوصاً يستحق الانتباه.. إنك إذا عدت وراء إلى العام 1960، فستجد أن جنوب إفريقيا قد شرعت بإدراك أنها ستكون في ورطة. لم يعد العالم يقبل موقفها من الأبارتهيد والبانتوستانات وما شابه، وبدأت بالتحول إلى دولة منبوذة. وكانوا مدركين لذلك، ولذلك عمد وزير خارجية جنوب إفريقيا إلى عقد اجتماع مع السفير الأميركي، وقال فيه شيئاً وثيق الصلة بما يحدث اليوم. قال: إننا نعرف أن الجميع يتحولون ضدنا في الأمم المتحدة، لكن هناك صوتاً واحداً هو الذي يهم في الأمم المتحدة، وهو صوتكم. وطالما بقيتم إلى جانبنا، فإننا سنقف في وجه العالم كله. وهو ما تبين أنه صحيح في الحقيقة. وإذا ما تأملت فيما حدث عبر السنين، فقد كان الأفارقة الجنوبيون يزدادون عزلة باطراد. لكنهم استمروا في سياساتهم طالما كانت الإدارة الأميركية، إدارة ريغان، تساندهم. وإذا عدت وراءً إلى العام 1988، فستجد أنهم قد بدوا وأنهم قد فازوا، وبدوا واثقين تماماً، وكانت إدارة ريغان تجنبهم العقوبات من جانب مجلس الشيوخ وتزيد من حجم التجارة معهم. وقد أعلن مجلس الشيوخ اعتبار حزب المؤتمر الإفريقي واحداً من أكثر الجماعات الإرهابية سوءا في العالم. ولم يحدث سوى في العام الماضي فقط في حقيقة الأمر أن تمت إزالة اسم نيلسون مانديلا من قائمة الإرهاب، ولم يكن بالوسع أن يأتي إلى الولايات المتحدة بغير ذلك. وطالما استمرت الولايات المتحدة في دعمهم، فقد استمروا في فعل ما يريدونه. ثم غيرت الولايات المتحدة موقفها في حوالي العام 1990، وسُمح لمانديلا بمغادرة السجن، ومُنحت البلاد سنتين من أجل إجراء استفتاء عام متحضر، وخلال سنتين انتهى نظام الأبارتهيد. ولم تكن تلك هي الحالة الوحيدة، فقد حدثت بطريقة مختلفة في العام 1999 في إندونيسيا. وكانت إندونيسيا قد غزت تيمور الشرقية في العام 1975، ونفذت فيها عملية تطهير عرقي واضحة، لكن أميركا ساندتها، وبريطانيا ساندتها، ولذلك كانت تستطيع المضي قدماً. لكن الجيش الإندونيسي بدأ بالتساؤل في العام 1999: متى سنشرع بالمغادرة، خاصة مع حدوث الكثير من المشكلات في إندونسيا. وأصبح كلينتون تحت الضغط في شهر أيلول (سبتمبر) 1999، وجاء الضغط من الكنيسة الكاثوليكية في داخل الولايات المتحدة. وعند نقطة معينة أدلى كلينتون بتصريح قال فيه إننا لن نمنح المزيد من الدعم العسكري لإندويسيا، وفي اليوم التالي انسحبت إندونيسيا. هذه هي الطريقة التي يعمل بها العالم. هناك طرف يدعمك، وفي اللحظة التي يقول فيها إن الأمر انتهى، يكون الأمر قد انتهى. وأنا أعتقد بأن إسرائيل تتبنى موقفاً خطيراً.. وقد تغير كل شيء منذ العام 1990.. في التسعينيات، لم تكن للولايات المتحدة قوات تحارب في الميدان. والآن لديها مثل هذه القوات. وهناك تعليقات مستمرة على ذلك، والتي وصل بعضها إلى المنافذ العامة، مثل تعليقات ديفيد بترايوس على العمليات. وعندما طلب إليه أن يصمت، عمد إلى التراجع، لكن هناك أشخاصا آخرين لديهم المعلومات يقولون الأمر نفسه، ويصل ذلك إلى الجماهير. وعندما تعرف الجماهير الحقيقة، فإنها ستشرع بالقلق من أن المغامرات الإسرائيلية تهدد القوات الأميركية.. وأعتقد بأن إسرائيل أصبحت قريبة من هذه الخطوط، بسبب التطورات الداخلية، حيث لا يعترفون هناك بأعراف الدبلوماسية الغربية.. ويعود ذلك في جزء منه إلى أن الولايات المتحدة تتغير. كما أن الرأي العام يتغير أيضاً في الولايات المتحدة، خاصة منذ حرب غزة.. وهناك الآن قدر أكبر بكثير من المعارضة الجماهيرية للقضية الإسرائيلية، خاصة منذ حرب غزة، لكنك لا تراه، لأنه لا يظهر في الكونغرس، ولا يظهر في وسائل الإعلام. لكنه يظهر في أوساط الجمهور بعامة. وهو أمر مفاجئ، وسيكون له أثره إن عاجلاً أم آجلاً. ولذلك ترى بعض أبرز المدافعين عن إسرائيل، مارتن إنديك على سبيل المثال، وهو يكتب في مقال له في صحيفة "النيويورك تايمز" يحذر فيها إسرائيل.

 

متى كان ذلك؟

 

- قبل نحو أسبوعين. نشر إنديك مقالة في "نيويورك تايمز" يحذر فيها الإسرائيليين من مغبة الإفراط في الضغط على الولايات المتحدة. وهم في حقيقة الأمر لا يدفعون بالولايات المتحدة، لكن الظروف هي التي تغيرت.

 

كان عدد من المثقفين، بمن فيهم أنت والراحل إدوارد سعيد، قد دعموا خيار الدولة الواحدة ثنائية القومية، باعتباره الحل المثالي لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. هل ما تزالون ترون ذلك الحل قابلاً للتطبيق في السياقات الراهنة؟

 

- أريد أن أعلق بخصوص إدوارد سعيد.. إنك إذا عدت لتفحص هذه المسألة، فإنك سترى أن إدوارد سعيد لم يتخذ هذا الموقف المتعلق بالدولة ثنائية القومية حتى التسعينيات حسب ما أعتقد.

 

بعد اتفاقيات أوسلو؟

 

- بعد أن شجب اتفاقيات أوسلو.. نعم، ذلك صحيح كما أعتقد، وبعد ذلك شرع بالتحدث عن دولة ثنائية القومية.. ولعل من الجدير بالانتباه أن الحديث عن هذه الدولة المتحدة قد أصبح أمراً مشروعاً في الولايات المتحدة.. وهكذا، كتب إدوارد مقالة في "النيويورك تايمز" وأنا كتبت مقالة في "نيويورك ريفيو أوف بوكس".... في الماضي كان ذلك الحديث أشبه باللعنة، أو الوقوع في المصيدة.. وكنت قد كتبت عن الموضوع في السبعينيات، لكنه كان مكروها من الأطراف كافة. ويخطر لي الآن هذا السؤال: لماذا كان هذا الموضوع لعنة في السبعينيات، بينما يتم التسامح معه اليوم؟!. أعتقد بأن هناك سبباً وجيهاً لذلك.. في أوائل السبعينيات، كان ذلك الأمر ممكن التحقق.. كانت إسرائيل تسيطر على كامل الأراضي، وكانت بعض النخب الفلسطينية والشخصيات تطالب بنوع ما من الحكم الذاتي، وكانت حتى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تقترح على الحكومة "ربما كان علينا أن نسمح بنوع من الحكم الذاتي"، وهو ما كان ليشكل خطوة باتجاه نوع من الحل الفيدرالي، وقد رفضت الحكومة الإسرائيلية ذلك. وفي أواخر التسعينيات أصبح ذلك الحل غير ممكن التحقيق بالمطلق. أعني أنه أصبح من الممكن التفكير به كهدف بعيد الأمد. لكن التأثير الوحيد المهم لاقتراحه اليوم هو مجرد قطع الطريق على ما هو ممكن التحقيق: حل الدولتين.. وفي حقيقة الأمر، ما أزال أعتقد بأنه هدف جيد على المدى البعيد، لكن بوسعك التفكير أيضاً بالكثير من الأهداف الجميلة الأخرى، مثل العيش معاً في سلام وما شابه.. إنه يصبح اقتراحاً جيداً، واقتراحاً جدياً، إذا استطعت أن تقول كيف نصل إلى هناك.. ولم أسمع أبداً بأي طريقة للوصول إلى هناك الآن سوى على مراحل.. في أوائل السبعينيات لم تكن القومية الفسطينية قضية مطروحة في الولايات المتحدة، ولم يكن معترفاً بها حتى في العالم العربي. ولم تصبح خياراً مطروحاً على الأجندة الدولية حتى أواسط السبعينيات عندما أعلن الأردن فك الارتباط. ومنذ ذلك الحين، لم يكن هناك أي بديل سوى أمتين تعيشان في دولة واحدة، وما أزال أعتقد بأن ذلك يظل الهدف على المدى البعيد، لكنني أعتقد أيضاً بأن علينا، إذا كنا جديين إزاء تحقيق ذلك الهدف، أن نعرف كيف نصل إلى هناك. ولم أسمع مطلقاً عن أي اقتراح لكيفية الوصول إلى هناك سوى المرور في مراحل.

 

هل تعتقد بأن حل الدولتين المطروح الآن، يمكن أن يشكل الخطوة الأولى بهذا الاتجاه في شكله الحالي.. أعني ما يقوله الناس عن إقامة بانتوستان فلسطيني معزول ومقسم وما شابه؟

 

-الأمر يعتمد.. أعني إذا كان هناك.. بل إن هناك إجماعاً دولياً قائماً منذ 35 سنة، والذي جاء في حقيقة الأمر إلى مجلس الأمن في العام 1976، حين قدمت الأردن وسورية ومصر مشروع قرار في العام 1976 يدعو إلى أقامة دولتين وفق الحدود الدولية.. وقد تضمن ذلك أيضاً عبارات من قرار الأمم المتحدة 424 ذات الصلة بالموضوع أيضاً، مثل ضمانات الأمن، وهكذا. وقد صوتت الولايات المتحدة ضد القرار باستخدام حق النقض (الفيتو)، ورفضت إسرائيل حضور الجلسة.. بل لقد ردت إسرائيل في الواقع بقصف لبنان من دون أي ذريعة من أي نوع، وقتلت حوالي 50 شخصاً في تحذير للأمم المتحدة حتى لا تمضي في الأمر، وقد أوقفت الأمم المتحدة القرار. ومرة أخرى في العام 1980. والآن، يبدو العالم كله وأنه قد وصل إلى إجماع قائم على مبادرة الجامعة العربية ومنظمة الدول الإسلامية، وسوف تحتاج الولايات المتحدة وإسرائيل إلى المساومة.. والآن، إذا تم تطبيق ذلك، فإنه ممكن التحقق. وشعوري الشخصي هو أنه إذا طبقت إسرائيل شيئاً قريباً مما كان قد اتفق عليه تقريباً في طابا في كانون الثاني (يناير) 2001، حيث كانت الأطراف قريبة من العمل على التفاصيل، فإن الحاصل سيكون شيئاً قريباً من اتفاقيات جنيف.. ولم تلك الاتفاقيات رسمية، ولم تضم بعض التفاصيل في المفاوضات.. ولا أظن بأن ذلك حاصل جميل، لكنه يظل ممكن التحقق. ومهما كان سيحدث أو يتم العمل به، فإن شعوري هو أن الناس على كلا الجانبين سيدركون، مع مرور الوقت، أنه ليس هناك أي منطق في رسم خط يقسم فلسطين. وكل من ذهب إلى هناك يستطيع أن يرى أن أي جزء هناك ينبغي أن يكون جزءا من فيدرالية أوسع.. وسوف تتطور القوى داخلياً لتتغلب على الانقسامات، كما يحدث في كل مكان آخر.. وهو يحدث في أوروبا، التي ظلت تتجه تدريجياً منذ العام 1945 نحو مزيد من الوحدة، لكن ذلك يحتاج إلى وجود مجتمعين قوميين يعملان باتجاه دولة ثنائية القومية. والآن فإن البديل عن ذلك هو شيء من نوع ما رأيته في مقابلة مع سيلفان شالوم، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي كان قد سئل في مقابلة قبل نحو أسبوعين عن اقتراحات فياض الخاصة بالتحضير لإقامة دولة فلسطينية.. وقال شالوم: آه.. إنها فكرة جيدة ونحن نفضل ذلك، إن بوسعهم أن ينالوا دولة في مكان ما، وبطبيعة الحال لن تكون لتلك الدولة حدود، لكن ذلك لا يهم في الحقيقة، لأن دولتنا ليس لها حدود أيضاً.. ولم يتكلف حتى عناء القول بأن مثل تلك الدولة ستكون مجرد نكتة. ولن تكون حتى بانتوستان، لأنه كان على جنوب إفريقيا أن تحافظ على البانتوستانات وتضمن ديمومتها، لأنها كانت تضم القوى العاملة. ولم يكن من الضروري الاعتراف بها قومياً.. ستكون هناك بعض القطع المتفرقة هنا وهناك، وستأخذ إسرائيل ما تريد... ستكون شيئاً.. ليس لدي اسم لذلك.. لكن الحكومة الأولى التي أتت حتى على ذكر دولة فلسطينية كانت حكومة نتنياهو. عندما غادر بيرس المنصب في 1996، كان آخر تصريح صحافي له هو أنها لن تكون أبداً دولة فلسطينية.. ثم جاء نتياهو، وقال وزيره للإعلام الذي سئل في أول مؤتمر صحافي له عما إذا كانوا سيقبلون بدولة فلسطينية، فقال: حسناً، سوف نترك لهم بعض المناطق المتفرقة التي لا نريدها، وسيقبل الفلسطينيون بتلك الدولة من دون اعتراض. ثم قال إن بوسعهم أن يسموها "دجاجاً مقلياً" (بمعنى القطع على طريقة الدجاج المقلي).. وهكذا، فإن هذا هو ما سيكون.. هذا ما تسعى إليه إسرائيل، وهنا تجد شخصاً مثل ألان ديرتشويتز، محامي إسرائيل، وهو يقول بعد لقائه مع فياض أنه يشعر بالرضى، وأنا واثق أنه في عقله الباطن كان يفكر: "لا بأس، يستطيعون الحصول على دجاج مقلي". هذا هو البديل..

 

سؤال أخير، بروفيسور تشومسكي.. في ضوء المعطيات الحالية في الشرق الأوسط والعالم العربي.. حيث يغيب الإصلاح السياسي وتعاني التنمية من الأزمات وتسود مظاهر البطالة والفقر.. كيف ترى مستقبل العالم العربي في ضوء المؤشرات الحالية.. وما هي مفاتيح الخروج من هذه الأزمة من وجهة نظرك؟

 

- في أواخر السبعينيات، كان خبير فرنسي في شؤون الشرق الأوسط، لا أذكر اسمه، من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد تنبأ بمستقبل العالم العربي.. وقال إن لدى العالم العربي نافذة فرصة قصيرة.. إن لديه مورد: البترول.. وهو مورد قابل للنفاد ولن يكون هناك للأبد، ولدى العالم العربي اليوم فرصة لاستخدام ذلك المورد من أجل التنمية.. وإذا لم يستخدم هذا المورد ليتطور، فإن الأمر سوف ينهي به إلى إبادة جماعية.. وبشكل عام، تبدو تلك النافذة وأنها قد شرعت فعلياً بالانغلاق.. وما لم يتصالح العالم العربي بشكل كامل مع عملية من التطور والتنمية الجدية، فإنه سيواجه مستقبلاً بالغ القتامةً.. وذلك يحصل جزئياً بطريقة ما، ولكن بطريقة محدودة جداً.. وذلك النوع من المتحف الملون الذي نراه قطر ليس قابلاً للديمومة.. والسعوديون يفعلون شيئاً ما، لكنه لا ينطوي على الكثير من المعنى.. وليس هناك تطور سياسي جيد يجري هنا والذي يشبه ذلك الذي يجري في أوروبا.. ولا يلعب اللاعبون الخارجيون دوراً بناءً في العالم العربي، لكنك لا يجب أن تتوقع منهم مثل ذلك، لأنهم معنيون بعد كل شيء باستنزاف الموارد بعد كل شيء.. هناك مسألة توريث الحكم المقلقة في مصر... وهناك أسئلة جدية تثور إزاء تدمير العراق وانهياره السياسي.. وهناك إيران التي أصبحت المنتصر في المنطقة العراقية بعد الغزو الأميركي.. وقد خسر الجميع هناك وكفت الولايات المتحدة عن حفرياتها الاستكشافية وتعرضت لكارثة سياسية، لكن إيران كسبت من الغزو الأميركي للعراق، وهي دولة ليس لديها نظام محبب. وربما تجدر مراجعة موقف الجامعة العربية بهذا الخصوص.. كما يجدر النظر إلى مثال تركيا التي شرعت بالعودة إلى منطقتها الطبيعية، بما في ذلك علاقاتها مع إيران، وهي علاقات طبيعية.. وتتعاون تركيا في حقل الطاقة والتصنيع، وهي تدخل على الخط مع البرازيل التي تشكل أهم دولة في منطقتها، وتراهما تحاولان التوصل إلى حل لمسألة تخصيب اليورانيوم بطريقة معقولة. وسيكون من الصعب على الولايات المتحدة أن تتجاهل ذلك، خاصة وأن هناك القليل من الدعم الدولي لنظام العقوبات الذي تحاول الولايات المتحدة أن تفرضه على إيران.. هناك دول تعمل بقوة ضده، كما أن الدول الإقليمية تقف ضده.. ومع أن تركيا والبرازيل تتخذان الآن خطوات عملية، إلا أن الصين ودولاً أخرى تقف ضده.

 

"الغد": بروفيسور تشومسكي.. شكراً جزيلاً لك على وقتك وحديثك المفيد.

 

 

الديمقراطية حسب رايخمان

 

جدعون ليفي

 

5/20/2010

 

في النهاية سنبقى هنا فقط مع البروفسور اوريئيل رايخمان. بعد أن طردنا البروفسور نوعام تشومسكي وبعد ان مر طرده بصمت مخجل من رؤساء الاكاديمية الاسرائيلية، اولئك الذين يكافحون بضجيج كبير ضد المقاطعة الاكاديمية على اسرائيل (ويؤيدون بصمت المقاطعة على جامعة بيرزيت) سنبقى مع عالم ثقافي ضيق ومخيف، عالم يصمم في المركز متعدد المجالات في هرتسليا، كلية الضباط والاغنياء، برئاسة الرئيس رايخمان.بروفسور في القانون، وبالتأكيد متنور بنظر نفسه، مرشح سابق بمنصب وزير التعليم، رايخمان يقول انه لا يؤيد منظمة 'بتسيلم'. هذا بالطبع من حقه؛ من حقنا ان نقرر، بأن في رأس كلية هامة في اسرائيل يقف شخص لا يفهم شيئا في الديمقراطية. فما الذي تفعله 'بتسيلم'؟ تجبي شهادات مصداقة عن تنكيلات الجيش الاسرائيلي، قلة منها، اذا ما كان هناك على الإطلاق، دحضت في أي وقت مضى. رايخمان لا يؤيد ذلك؟ في العالم حسب رايخمان سنبقى فقط مع بلاغات الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي. وسنصدق أنه لم يكن هناك فوسفور أبيض في غزة، وأن 'اجراء الجار' هو نظام لجان المنازل، وانه اذا هاتفنا العائلة وأعطيناها 5 دقائق قبل قصف بيتها فان هذا يجعلنا الجيش الاكثر اخلاقية في العالم. طلاب في متعدد المجالات يشهدون أنهم سمعوا رئيسهم يقول إن الحديث يدور عن 'طابور خامس'. رايخمان ينفي، ونحن نصدق ما يقول. في كل الاحوال أفادت الناطقة بلسان الكلية: 'طريقة عمل بتسيلم ليست مقبولة لدى رايخمان'. وما هو المقبول لدى رايخمان؟ مجتمع بدون نقض ذاتي. هذه هي، اذا، النخبة الثقافية لاسرائيل، هؤلاء هم مفكرون: بدون 'بتسيلم'.رئيس كلية وبروفسور في القانون، مروج كبير لتغيير طريقة الانتخابات والدستور لاسرائيل، لا يشرح لطلابه أهمية منظمات حقوق الانسان هو ظلامي بقدر لا يقل وخطير بقدر اكبر من رؤساء المدارس الدينية الذين لا يعلمون المواضيع الاساسية. ولكن ضد رؤساء المدارس الدينية بالذات هتف المفكر من هرتسليا: 'كل المعطيات تدل على أننا على شفا كارثة اذا لم يكن هناك تغيير في الطائفة الاصولية'، قال رايخمان في شروحاته للالتماس الذي رفعه في موضوع تعليم المواضيع الاساسية. ولكن الاساس الحقيقي يجب ان يكون دروسا في الديمقراطية، قبل كثير من الرياضيات والانكليزية، وهذه، كما يتبين، لا يعلمونها في المدرسة الدينية لرايخمان، حيث أن حتى 'يوم الديمقراطية' هو يوم الاسكات. دون تعليم الرياضيات في المدارسة الدينية لن تسقط شعرة من شعر رأسنا؛ دون تعليم المواطنة الحقيقية في المتعدد المجالات، ذاك الذي يتباهى بتربية الجيل القادم من سياسينا، سيتربى هنا جيل جاهل ومجهل في كل ما يتعلق بالديمقراطية على روح رايخمان. هذا هو الاساس الممزق، هذه هي الكارثة الحقيقية التي نقف أمامها.الجامعات في العالم تشكل مصدر قوة للديمقراطية، والمحاضرون، وليس فقط أبرز من في الجيل مثل تشومسكي، هم غير مرة قدوة لليبرالية لدى طلابهم. ليس صدفة أنه في 'كلية رايخمان' كما تسمى، لم يطلق أبدا صوت دور سياسي. الان يمكن ان نفهم لماذا. فلعله 'متعدد المجالات' ولكن ينقصه مجال واحد. اذا عاد رايخمان الى كتبه عن التاريخ يمكنه ان يقرأ عن شخصيات وحركات رائعة قاتلت من أجل حقوق الانسان. مؤسسو 'بتسيلم' بالتأكيد سيكونون في هذه القائمة. ولعلهم ذات مرة سيعلمون هذا في متعدد المجالات، بعد رايخمان.عندما يقترح عتنئيل شنلر على مفكر كتشومسكي 'أن يدخل عبر الانفاق'، يمكن بالطبع للمرء أن يهزأ فقط. فلا أحد يتوقع من شنلر أن يكون يعرف عمن يدور الحديث؛ أما عندما لا يعتذر رئيس الوزراء، الذي خلافا لشنلر يعرف جيدا من هو المحاضر المحبوب من مؤسسة مساشوستس لتكنولوجيا المعلومات، حيث يعلم هناك، ويعرف أن اساس انتقاد تشومسكي موجه ضد الولايات المتحدة وليس ضد اسرائيل، لا يعتذر فورا ويدعو تشومسكي عائدا الى البلاد، فيمكن للمرء ان يحزن؛ وعندما تغلق اسرائيل بواباتها امام كل من لا يسير على خطها الرسمي، فانها تغدو تشبه كوريا الشمالية؛ وعندما تعمق كتل اليمين طوفان مشاريع القوانين المناهضة للديمقراطية فيما تنطلق من كل صوب الهتافات لاخراج منظمات عن القانون ينبغي بالطبع للمرء ان يقلق. ولكن عندما يلف كل هذا صمت وعندما حتى الاكاديمية تتصمم باضطراد حسب مزاجات خطيرة وظلامية مثل تلك التي لدى رايخمان، فان الوضع سيبدو كما هو بعد اليأس.

 

هآرتس 20/5/2010

 

 

أخطاء: ما المعنى من المقاطعة والنبذ؟

 

يوسي بيلين

 

5/23/2010

 

مرت أيام منذ أن منع البروفسور نوعام تشومسكي من المرور كي يحاضر في جامعة بيرزيت والسماء لم تسقط. اسرائيل لم تطرد من منظمة دول التعاون والتنمية الـ OECD ولم تقطع أي دولة علاقاتها الدبلوماسية معنا. احد ما يمكن ان يقول: الكلاب تنبح والقافلة تمر. ولكن الى أين بالضبط تسافر القافلة؟ كل فعل سخيف كهذا، يمنع فيه أناس مشهورون (ومشهورون أقل) من الدخول الى اسرائيل او الى الضفة دون أي صلة بالمخاطر الأمنية، يعرض اسرائيل التي تتباهى، وعن حق، بكونها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة كدولة تستخدم وسائل غير ديمقراطية كي تبعد عنها منتقدي النظام. في وضع نفقد فيه كل يوم عطف الرأي العام العالمي حتى في الدول التي كانت في الماضي ودية لاسرائيل، تؤدي قرارات عديمة المعنى كهذه الى الحاق ضرر متواصل باسرائيل، وثمنها سندفعه في المكان الأقل توقعا وفي الزمن الأقل راحة.اسرائيل هي دولة سيادية. نحن نسيطر على معابر الاردن، واذا ما نشأ خطر أمني من فلان او علان، من حق الجهة المخولة في الدولة (بالمناسبة، من هي هذه بالضبط؟ وزير الداخلية، الادارة المدنية؟) أن تمنع دخوله. ولكن في مثل هذا الوضع ولا سيما اذا كان الحديث عن يهودي ابن 81 سنة، بروفسور، يعتبر عظيم اللغويين في المعمورة، كتبه توجد في كل محل للكتب يحترم نفسه في العالم، وكان يمكن له لو أراد أن يحصل على جنسية اسرائيلية دون ابطاء بفعل قانون العودة، فان اسرائيل ملزمة بأن تشرح مبرر اتخاذ القرار.اذا ما وقع خطأ (ربما لان الموظف الصغير يعمل حسب روح القائد)، فينبغي الاعتراف بذلك، الاعتذار والاقتراح على تشومسكي بأن يعود ويأتي.اذا لم يكن هذا خطأ، ودولة اسرائيل توصلت الى الاستنتاج بأن هناك خطراً من أن يثير هياج الطلاب ويدفعهم الى انتفاضة ثالثة او موجة عنف أخرى، فان الدولة ملزمة بأن تقول هذا بصوت عال. صحيح أن المعادين لاسرائيل لن يقتنعوا بذلك، ولكن سيكون لمحبيها ما يتمسكون به ويشرحونه. ولما لم يتم الامر في أي من الاتجاهين، يبقى رفض تشومسكي بمثابة قرار تعسفي واعتباطي.تشومسكي هو ليبرالي، يساري، يعارض المستوطنات ويؤيد حل الدولتين. وحتى لو كان كلغوي رجل علم متعمق، فانه في كتاباته السياسية ـ في نظري ـ هو البروفسور ادوارد سعيد للفقراء. تبسيطي، معاد لاسرائيل ولمجرد نشوئها، ومؤمن كبير في نظرية المؤامرة. كاتب هذه السطور ملزم كاعتراف شخصي بأن يعترف بأنه أحد 'نجوم' كتب تشومسكي. فهو مقتنع بأني بادرت الى مسيرة أوسلو كي أواصل الاحتلال والاستيطان بوسائل اخرى، وأنه في التفاهمات بين محمود عباس (ابو مازن) وبيني انا الذي قمت بـ 'خداعه'، وأن مهمتي في الحياة هي أن أقوم بدور 'الشرطي الطيب' في نظام ظالم.على أي حال. مسموح له ان يفكر هكذا ومسموح له ان يكتب هكذا.فليس هو من سيمنع اتفاق السلام بيننا وبين الفلسطينيين اذا كان على جانبي الطرفين زعماء شجعان بما فيه الكفاية. دافع محاضرته في بيرزيت وموقف اسرائيل الرسمية من ذلك كان خطأ منحه علاقات عامة بالمجان، والكثير من الكلمات في وسائل الاعلام الالكترونية والمكتوبة، بما في ذلك هذا المقال.

 

اسرائيل اليوم 23/5/2010

 

 

Militarizing Latin America

 

 

Noam Chomsky

 

 

chomsky.info, August 30, 2009

 

 

The United States was founded as an "infant empire," in George Washington's words. The conquest of the national territory was a grand imperial venture, much like the vast expansion of the Grand Duchy of Moscow. From the earliest days, control over the hemisphere was a critical goal. Ambitions expanded during World War II, as the US displaced Britain and lesser imperial powers. High-level planners concluded that the US should "hold unquestioned power" in a world system including not only the Western hemisphere, but also the former British Empire and the Far East, and later, as much of Eurasia as possible. A primary goal of NATO was to block moves towards European independence, along Gaullist lines. That became still more clear when the USSR collapsed, and with it the Russian threat that was the formal justification of NATO. NATO was not disbanded, but rather expanded, in violation of promises to Mikhail Gorbachev that NATO would not even fully extend to East Germany , let alone beyond, and that "NATO would be transforming itself into a more political organization." By now it is virtually an international intervention force under US command, its self-defined jurisdiction reaching to control over energy sources, pipelines, and sea lanes. And Europe is a well-disciplined junior partner.

 

 

Throughout, Latin America retained its primacy in global planning. As Washington was considering the overthrow of the Allende government in Chile in 1971, Nixon's National Security Council observed that if the US cannot control Latin America , it cannot expect "to achieve a successful order elsewhere in the world." That policy problem has become more severe with recent South American moves towards integration, a prerequisite for independence, and establishment of more varied international ties, while also beginning to address severe internal disorders, most importantly, the traditional rule of a rich Europeanized minority over a sea of misery and suffering.

 

 

The problem came to a head a year ago in the poorest country of South America, Bolivia , where for the first time the indigenous majority had entered the political arena and elected a president from its own ranks, Evo Morales. After his victory in a recall referendum in August 2008, with a sharp increase in support beyond his 2005 electoral success, the opposition of the US-backed traditional elites turned violent, leading to assassination of many peasant supporters of the government. In response to the massacre there was a summit meeting of UNASUR, the newly-formed Union of South American Republics. The participants Ð all the countries of South America -- declared "their full and firm support for the constitutional government of President Evo Morales, whose mandate was ratified by a big majority." Morales thanked UNASUR for its support, observing that "For the first time in South America's history, the countries of our region are deciding how to resolve our problems, without the presence of the United States ."

 

 

An event of historic significance.

 

 

Other developments have intensified the problem for US planners, including the decision of Ecuador's president Rafael Correa to terminate Washington's use of the Manta military base, the last one open to the US in South America .

 

 

In July 2009, the US and Colombia concluded a secret deal to permit the US to use seven military bases in Colombia . The official purpose is to counter narcotrafficking and terrorism, "but senior Colombian military and civilian officials familiar with negotiations told The Associated Press that the idea is to make Colombia a regional hub for Pentagon operations," AP reported. There are reports that the agreement provides Colombia with privileged access to US military supplies. Colombia had already become the leading recipient of US military aid (apart from Israel-Egypt, a separate category). Colombia has had by far the worst human rights record in the hemisphere since the Central American wars of the 1980s wound down. The correlation between US aid and human rights violations has long been noted by scholarship

 

 

AP also cited an April 1999 document of the U.S. Air Mobility Command, which proposes that the Palanquero base in Colombia could become a "cooperative security location" (CSL) from which "mobility operations could be executed." The report noted that from Palanquero, "Nearly half the continent can be covered by a C-17 (military transport) without refueling." This could form part of "a global en route strategy," which "helps achieve the regional engagement strategy and assists with the mobility routing to Africa ." For the present, "the strategy to place a CSL at Palanquero should be sufficient for air mobility reach on the South American continent," the document concludes, but it goes on to explore options for extending the routing to Africa with additional bases.

 

 

On August 28, UNASUR met in Bariloche ( Argentina ) to consider the military bases. After intense internal debate, the final declaration stressed that South America must be kept as "a land of peace," and that foreign military forces must not threaten the sovereignty or integrity of any nation of the region. It instructed the South American Defense Council to investigate the document of the Air Mobility Command. Problems of implementation were left to subsequent meetings.

 

 

The official purpose of the bases did not escape criticism. President Morales was particularly bitter, with his background in a coca growers union. He said he witnessed U.S. soldiers accompanying Bolivian troops who fired at his union members. "So now we're narcoterrorists," he continued. "When they couldn't call us communists anymore, they called us subversives, and then traffickers, and since the September 11 attacks, terrorists.'' He warned that "the history of Latin America repeats itself."

 

 

Morales observed that the ultimate responsibility for Latin America's violence lies with U.S. consumers of illegal drugs: "If UNASUR sent troops to the United States to control consumption, would they accept it? Impossible!"

 

 

Morales's rhetorical question can be extended. Suppose that UNASUR, or China, or many others claimed the right to establish military bases in Mexico to implement their programs to eradicate tobacco in the US, by aerial fumigation in North Carolina and Kentucky, interdiction by sea and air forces, and dispatch of inspectors to the US to ensure it was eradicating this poison -- which is far more lethal than cocaine or heroin, incomparably more than cannabis. The toll of tobacco use, including "passive smokers" who are seriously affected though they do not use tobacco themselves, is truly fearsome, overwhelming the lethal effects of other dangerous substances.

 

 

The idea that outsiders should interfere with the production and distribution of these lethal substances is plainly unthinkable. The fact that the US justification for its drug programs abroad is accepted as plausible, even regarded as worthy of discussion, is yet another illustration of the depth of the imperial mentality.

 

 

Even if we adopt the imperial premises, it is hard to take seriously the announced goals of the "drug war," which persists despite extensive evidence that other measures -- prevention and treatment -- are far more cost-effective, and despite the persistent failure of the resort to criminalization at home and violence and chemical warfare abroad.

 

 

Last February, the Latin American Commission on Drugs and Democracy issued its analysis of the US "war on drugs" in past decades. The Commission, led by former Latin American presidents Fernando Cardoso (Brazil), Ernesto Zedillo (Mexico), and César Gavíria (Colombia), concluded that the drug war had been a complete failure and urged a drastic change of policy, away from forceful measures at home and abroad and towards much less costly and more effective measures. Their report had no detectable impact, just as earlier studies and the historical record have had none. That again reinforces the natural conclusion that the "drug war" -- like the "war on crime" and "the war on terror" -- is pursued for reasons other than the announced goals, which are revealed by the consequences.

 

 

Establishing US military bases in Colombia is only one part of a much broader effort to restore Washington 's capacity for military intervention. There has been a sharp increase in US military aid and training of Latin American officers, focusing on light infantry tactics to combat "radical populism" -- a concept that sends shivers up the spine in the Latin American context. Military training is being shifted from the State Department to the Pentagon, eliminating human rights and democracy conditionalities under congressional supervision, which has always been weak, but was at least a deterrent to some of the worst abuses. The US Fourth Fleet, disbanded in 1950, was reactivated in 2008, shortly after Colombia's invasion of Ecuador, with responsibility for the Caribbean, Central and South America , and the surrounding waters. The official announcement defines its "various operations" to "include counter-illicit trafficking, Theater Security Cooperation, military-to-military interaction and bilateral and multinational training."

 

 

Militarization of South America is a component of much broader global programs, as the "global en route strategy" indicates. In Iraq, there is virtually no information about the fate of the huge US military bases, so they are presumably being maintained for force projection. The immense city-with-in-a-city embassy in Baghdad not only remains but its cost is to rise to $1.8 billion a year, from an estimated $1.5 billion this year. The Obama administration is also constructing megaembassies that are completely without precedent in Pakistan and Afghanistan . The US and UK are demanding that the US military base in Diego Garcia, used heavily in recent US wars after Britain expelled the inhabitants, be exempted from the planned African nuclear-free-weapons zone, just as U.S.bases are exempted from similar efforts in the Pacific to reduce the nuclear threat. Not even on the agenda, of course, is a NFWZ in the Middle East , which would mitigate, perhaps end, the alleged Iranian threat. The enormous global support for this move, including a large majority of Americans, is as usual irrelevant.

 

 

In short, moves towards "a world of peace" do not fall within the "change you can believe in," to borrow Obama's campaign slogan.

 noam.jpg

 

What Obama Didn't Say in His Cairo Address
Speaks Volumes About His Mideast Policy

 

 

Noam Chomsky

 

 

Alternet, June 4, 2009

 

 

A CNN headline, reporting Obama's plans for his June 4 address in Cairo, Egypt , reads "Obama looks to reach the soul of the Muslim world." Perhaps that captures his intent, but more significant is the content hidden in the rhetorical stance, or more accurately, omitted.

 

 

Keeping just to Israel-Palestine -- there was nothing substantive about anything else -- Obama called on Arabs and Israelis not to "point fingers" at each other or to "see this conflict only from one side or the other."

 

 

There is, however, a third side, that of the United States , which has played a decisive role in sustaining the current conflict. Obama gave no indication that its role should change or even be considered.

 

 

Those familiar with the history will rationally conclude, then, that Obama will continue in the path of unilateral U.S. rejectionism.

 

 

Obama once again praised the Arab Peace Initiative, saying only that Arabs should see it as "an important beginning, but not the end of their responsibilities." How should the Obama administration see it?

 

 

Obama and his advisers are surely aware that the initiative reiterates the longstanding international consensus calling for a two-state settlement on the international (pre-June 1967) border, perhaps with "minor and mutual modifications," to borrow U.S. government usage before it departed sharply from world opinion in the 1970s. That's when the U.S. vetoed a U.N. Security Council resolution backed by the Arab "confrontation states" (Egypt, Iran, Syria), and tacitly by the PLO, with the same essential content as the Arab Peace Initiative, except that the latter goes beyond by calling on Arab states to normalize relations with Israel in the context of this political deal.

 

 

Obama has called on the Arab states to proceed with normalization, studiously ignoring, however, the crucial political settlement that is its precondition. The initiative cannot be a "beginning" if the U.S. continues to refuse to accept its core principles, even to acknowledge them.

 

 

In the background is the Obama administration's goal, enunciated most clearly by Sen. John Kerry, D-Mass., chairman of the Senate Foreign Relations Committee, to forge an alliance of Israel and the "moderate" Arab states against Iran . The term "moderate" has nothing to do with the character of the state, but rather signals its willingness to conform to U.S. demands.

 

 

What is Israel to do in return for Arab steps to normalize relations? The strongest position so far enunciated by the Obama administration is that Israel should conform to Phase I of the 2003 Road Map, which states: " Israel freezes all settlement activity (including natural growth of settlements)." All sides claim to accept the Road Map, overlooking the fact that Israel instantly added 14 reservations that render it inoperable.

 

 

Overlooked in the debate over settlements is that even if Israel were to accept Phase I of the Road Map, that would leave in place the entire settlement project that has already been developed, with decisive U.S. support, to ensure that Israel will take over the valuable land within the illegal "separation wall" (including the primary water supplies of the region), as well as the Jordan Valley, thus imprisoning what is left, which is being broken up into cantons by settlement/infrastructure salients extending far to the east.

 

 

Unmentioned as well is that Israel is taking over Greater Jerusalem, the site of its major current development programs, displacing many Arabs, so that what remains to Palestinians will be separated from the center of their cultural, economic and sociopolitical life.

 

 

Also unmentioned is that all of this is in violation of international law, as conceded by the government of Israel after the 1967 conquest, and reaffirmed by Security Council resolutions and the International Court of Justice. Also unmentioned are Israel's successful operations since 1991 to separate the West Bank from Gaza , since turned into a prison where survival is barely possible, further undermining the hopes for a viable Palestinian state.

 

 

It is worth remembering that there has been one break in U.S.-Israeli rejectionism. President Clinton recognized that the terms he had offered at the failed 2000 Camp David meetings were not acceptable to any Palestinians, and in December, proposed his "parameters," vague but more forthcoming. He then announced that both sides had accepted the parameters, although both had reservations.

 

 

Israeli and Palestinian negotiators met in Taba, Egypt , to iron out the differences, and made considerable progress. A full resolution could have been reached in a few more days, they announced in their final joint press conference. But Israel called off the negotiations prematurely, and they have not been formally resumed. The single exception indicates that if an American president is willing to tolerate a meaningful diplomatic settlement, it can very likely be reached.

 

 

It is also worth remembering that the George W. Bush administration went a bit beyond words in objecting to illegal Israeli settlement projects, namely, by withholding U.S. economic support for them. In contrast, Obama administration officials stated that such measures are "not under discussion," and that any pressures on Israel to conform to the Road Map will be "largely symbolic," the New York Times reported (Helene Cooper, June 1).

 

 

There is more to say, but it does not relieve the grim picture that Obama has been painting, with a few extra touches in his widely heralded address to the Muslim World in Cairo on June 4.

 noamchomsky.jpg

 

Noam Chomsky on US Expansion of Afghan Occupation, the Uses of NATO, and What Obama Should Do in Israel-Palestine

 

 

Noam Chomsky interviewed by Amy Goodman

 

 

Democracy Now!, April 3, 2009

 

 

AMY GOODMAN: To talk about Afghanistan, NATO and the state of US economic and military power in the world today, we're joined by one of the world's most astute thinkers and most important intellectuals of our time: linguist, philosopher, social critic, political dissident, Noam Chomsky.

 

 

Noam Chomsky is a prolific author and Institute Professor Emeritus at MIT, the Massachusetts Institute of Technology, just down the road from here, where he taught for over half a century. Among his many dozens of books are Rogue States: The Rule of Force in World Affairs; The New Military Humanism: Lessons from Kosovo; Fateful Triangle: The United States, Israel, and the Palestinians; Manufacturing Consent; Necessary Illusions: Thought Control in Democratic Societies; and Failed States : The Abuse of Power and the Assault on Democracy. There's a great collection of his work, just out now, edited by Anthony Arnove, called The Essential Chomsky.

 

 

Noam Chomsky, welcome to Democracy Now!

 

 

NOAM CHOMSKY: Very glad to be with you.

 

 

AMY GOODMAN: It's great to be with you here in Massachusetts in the studio, instead of talking to you on the phone at home.

 

 

NOAM CHOMSKY: Yeah.

 

 

AMY GOODMAN: So, let's start with what's happening with this NATO summit celebrating sixty years, France rejoining after more than four decades. Your analysis?

 

 

NOAM CHOMSKY: Well, the obvious question is why bother celebrating NATO at all? In fact, why does it exist? It's twenty years now, almost, since the Berlin Wall fell. NATO was constructed on the -- with the reason, whether one believes it or not, that it was going to defend Western Europe from Russian assault. Once the Berlin Wall fell and the Soviet Union was beginning to collapse, that reason was gone. So, first question: why does NATO exist?

 

 

Well, in fact, the answers are interesting. Mikhail Gorbachev made an -- agreed, made a remarkable concession at that time to the United States . NATO's essentially run by the United States . He offered to allow a reunited Germany to join NATO, a hostile military alliance --

 

 

AMY GOODMAN: I'm going to interrupt you for a minute, Noam, because there's a lot of static on your mike, and we want to fix that. So we're going to go to a music break, and then we're going to come back to you. We're talking to Noam Chomsky. Stay with us.

 

 

[break]

 

 

AMY GOODMAN: But as, Noam, you were just saying, at MIT they have these technological problems, too, the Massachusetts Institute of Technology.

 

 

NOAM CHOMSKY: Right, the leading technological institute in the world. At commencement, the PA system almost inevitably breaks down. So this is familiar.

 

 

AMY GOODMAN: Briefly summarize what you were just saying, if people were having trouble hearing you through the static.

 

 

NOAM CHOMSKY: Alright. Well, I think the first question to ask about NATO is why it exists. We're now approaching the twentieth anniversary of the fall of the Berlin Wall, unification of Germany, first steps in the collapse of the Soviet Union . Now, the alleged reason for NATO's existence was to protect the West against a Russian assault. You can believe what you like about the reason, but that was the reason. By 1989, that reason was gone. So, why is there NATO?

 

 

Well, that question did arise. Mikhail Gorbachev offered at that time to the United States, which runs NATO, that he would permit a unified Germany to join NATO, a hostile military alliance aimed at the Soviet Union . Now, that's a remarkable concession. If you look back at the history of the twentieth century, Germany alone had practically destroyed Russia several times. And now he was offering to let a reunited militarized Germany join a hostile military alliance, backed by the most awesome military power in history.

 

 

Well, there was a quid pro quo. George Bush, the first, was then president; James Baker, Secretary of State. And they agreed, in their words, that NATO would not expand one inch to the east, which would at least give Russia some breathing room. Now, Gorbachev also proposed a nuclear weapons-free zone from the Arctic to the Mediterranean , which would have again given some protection and, in fact, security for peace. Well, that was just rejected. I don't even think it was answered. Well, that's where things stood in 1989, '90.

 

 

Then Bill Clinton was elected. One of his first acts was to break the promise and expand NATO to the east, which, of course, is a threat to Russian security. Now, the pretext given, for example, by his -- Strobe Talbott, who was the Under Secretary of State for Eastern Europe , is that that was necessary to bring the former satellites into the European Union. But that can't be. There are states inside the European Union that are not part of NATO: Austria, you know, Finland, Sweden . So that's irrelevant. But it was a threat, and Russia , of course, reacted to the hostile threat. It increased tension.

 

 

Well, going up to the present, President Obama's national security adviser, James Jones, has been a strong advocate of the view that NATO should expand further to the east and to the south and that, in fact, it should -- to the east and to the south means to control the energy-producing regions. The head of NATO, Dutch, the Secretary General de Hoop Scheffer, has proposed, advocates that NATO should take the responsibility for protecting energy supplies to the West -- pipelines, sea lanes, and so on.

 

 

Well, now we're getting to Afghanistan, which is right in the -- has always been of great geostrategic importance because of its location, now more than ever because of its location relative to the energy-producing regions in the Gulf region and in Central Asia. So, yes, that's what we're seeing.

 

 

Actually, there's more to say about NATO, about why it exists. So we might look back, say, ten years to the fiftieth anniversary. Well, the fiftieth anniversary of NATO was a gloomy affair that was -- right at that time, NATO was bombing Serbia -- illegally, as everyone admitted -- claiming it was necessary for humanitarian reasons. At the NATO summit, there was much agonizing about how we cannot tolerate atrocities so near Europe .

 

 

Well, that was an interesting comment, since at that time NATO was supporting atrocities right inside NATO. Turkey, for example, was carrying out, with massive US aid, huge atrocities against its Kurdish population, far worse than anything reported in Kosovo. Right at that time, in East Timor -- you're not going to praise yourself, so if you don't mind, I will -- at the time of the Dili massacre, which you and Allan [Nairn] heroically exposed, atrocities continued. And in fact, in early 1999, they were picking up again, with strong US support -- again, far beyond anything reported in Kosovo. That's the US and Britain , you know, the core of NATO.

 

 

Right at the same time, in fact, Dennis Blair, President Obama -- inside President Obama's national security circle, he was sent to Indonesia , theoretically to try to get the Indonesian army to stop carrying out the mounting atrocities. But he supported them. He met with the top Indonesian General, General Wiranto, and essentially said, you know, "Go ahead." And they did.

 

 

And in fact, those atrocities could have been stopped at any moment. That was demonstrated in September 1999, when Bill Clinton, under very extensive domestic and international pressure, finally decided to call it off. He didn't have to bomb Jakarta . He didn't have to impose an embargo. He just told the Indonesian generals the game's over, and they immediately withdrew. That goes down in history as a great humanitarian intervention. It's not exactly the right story. Right up until then, the United States was continuing to support the atrocities. Britain , under its new ethical foreign policy, didn't quite get in on time, and they kept supporting them even after the Australian-led UN peacekeeping force entered. Well, that's NATO ten years ago.

 

 

That's even putting aside the claims about Serbia , which maybe a word about those are worthwhile. We know what happened in Serbia . There's a massive -- in Kosovo. There's massive documentation from the State Department from NATO, European Union observers on the ground. There was a level of atrocity sort of distributed between the guerrillas and the Serbs. But it was expected that the NATO bombing would radically increase the atrocities, which it did, if you look back at the Milosevic indictment in the middle of the bombing, almost entirely, that atrocity -- except for one exception, about atrocities, after the NATO bombing. That's what they anticipated. General Clark, commanding general, had informed Washington weeks early, yes, that would be the consequence. He informed the press of that as the bombing started. That was the humanitarian intervention, while NATO was supporting even worse atrocities right within NATO, in East Timor , and go on in other cases. Well, that's NATO ten years ago.

 

 

And it begins to tell us what NATO is for. Is it for defending Europe from attack? In fact, there is such a pretense now. So when President Bush put -- started installing missile defense systems in Eastern Europe, the claim was, well, this is to defend Europe from attack against Iranian nuclear-tipped missiles. The fact that it doesn't have any doesn't matter. And the fact that if it had any, it would be total insanity for them to even arm one, because the country would be vaporized in thirty seconds. So, it's a threat to Russia again, just like Clinton 's expansion of NATO to the east.

 

 

AMY GOODMAN: France joining?

 

 

NOAM CHOMSKY: Pardon?

 

 

AMY GOODMAN: France joining, now rejoining?

 

 

NOAM CHOMSKY: France joining is quite interesting. I mean, France had a policy, initiated by General de Gaulle, of trying to turn Europe into what was then called a "third force," independent of the two superpowers, so Europe should pursue an independent course. It was -- he spoke of Europe from the Atlantic to the Urals. That was a great fear of the United States since the Second World War, that Europe would strike out on its own after reconstructing, which it could. The economy is on the scale of the United States . There's no reason -- except in military force, it's comparable to the United States . So it could have been a move towards a peaceful Europe independent of the superpowers. In fact, a large part of the purpose of NATO was to prevent that from happening, to ensure that Europe would stay within the US umbrella under US control.

 

 

Well, France has now abandoned that position and has rejoined what is now just an intervention force, an international intervention force, exactly as James Jones and de Hoop Scheffer and others portray it. It's an international intervention force under US command. Why should it exist?

 

 

In fact, if you go back to 1989 and 1990, it's extremely interesting to see how the United States reacted to the collapse of the Soviet Union . So, right after the fall of the Berlin Wall twenty years ago, which signaled the end of the Soviet Union, clearly, the Bush administration, Bush I, immediately released a national security strategy, a military budget, and so on, which are very interesting reading. What they say, in effect, is everything is going to go on exactly as before, but with new pretexts. So now we have to have a huge military establishment and military budget, and not to protect ourselves from the Russians, who are collapsing, but because -- literally, because of the technological sophistication of third world powers. Now, that was promulgated without ridicule. You know, if someone was watching from Mars, they'd collapse in laughter. So, because of the technological sophistication of third world powers, we have to keep this huge military budget, and we have to keep intervention forces aimed at the Middle East , the main target of intervention. Why? Not because of the Russians, as had been claimed. What it said was we have to direct the intervention forces to the Middle East , where our problems could not be laid at the Kremlin's door. And so, in other words, we've been lying to you for fifty years, but now the clouds have lifted. So we just have to have intervention forces aimed at the Middle East , because we have to control it. We have to maintain what they called the Defense Industrial Base. That's a euphemism for high-technology industry. Now that's why you have things like computers and the internet and so on. So that's the massive state sector of the high-tech economy. We have to maintain that, again because of, you know, the threat of the third world and so on. In other words, everything remains the same; the pretexts change. Now, that passed without a whisper.

 

 

AMY GOODMAN: Noam Chomsky, I want to get to Afghanistan . It's the main topic of NATO. It's a debate around the issue of the expansion of war in Afghanistan . President Obama's initiative is not the main topic of debate in the United States , meaning whether or not we should be doing this. What do you think?

 

 

NOAM CHOMSKY: Well, it's interesting. It is the topic of discussion in the United States right in the middle of the establishment. So, Foreign Affairs, the main establishment journal, had an interesting article probably six months ago, or roughly, by two of the leading specialists on Afghanistan : Barnett Rubin and Ahmed Rashid. And their basic point was that the United States should give up the idea that military victory is the answer to everything.

 

 

They said that the United States should reorient its policy so that there would be a regional solution in which the interested -- the concerned countries, that includes, crucially, Iran, but also India, Russia, China, would themselves work out a regional settlement and that the Afghans should work something out among themselves. He pointed -- they pointed out, correctly, that the regional countries are not happy about having a NATO military center based in Afghanistan . It's obviously a threat to them. Now, this past -- this is not what's being done. There's some gestures towards, you know, maybe some under secretary will say hello to an Iranian representative or something, but that's not the core of the policy that's being pursued.

 

 

Now that -- side-by-side with that is something else that's been happening. There is a significant peace movement in Afghanistan . Exactly its scale, we don't know. But it's enough so that Pamela Constable of the Washington Post, in a recent article in Afghanistan, argued that when the new American troops come, they're going to face two enemies: the Taliban and public opinion, meaning the peace movement, whose slogan is "Put down the weapons. And we don't mind if you're here, but for aid and development. We don't want any more fighting."

 

 

In fact, we know from Western-run polls that about 75 percent of Afghans are in favor of negotiations among Afghans. Now, that includes the Taliban, who are Afghans. In fact, it even includes the ones in Pakistan . There's the difference -- the really troubled areas, now, are Pashtun areas, which are split by a British-imposed line, artificial line, called the Durand Line, which was imposed by the British to protect British India, expand it, and they've never accepted it. It just cuts their territory in half. Afghanistan , when it was a functioning state, never accepted it, right through the 1970s. But certainly, the Afghan Taliban are Afghans. And President Karzai, formerly our man, no longer, because he's getting out of control --

 

 

AMY GOODMAN: How? How is he getting out of control?

 

 

NOAM CHOMSKY: Well, interesting ways. When President Obama was elected, Afghan President Karzai sent him a message, which, as far as I know, was unanswered, in which he pleaded with President Obama to stop killing Afghans. He also addressed a UN delegation and told them he wanted a timetable for the removal of foreign forces. Well, his popularity quickly plummeted. He used to be very much praised for his nice clothes and great demeanor and very much admired by the media and commentators. Now he's sunk very low. He's suddenly corrupt and so on.

 

 

AMY GOODMAN: You mean in the Western world, the Western press?

 

 

NOAM CHOMSKY: In the Western world, primarily in the United States , but in the West altogether. And it directly followed these expressions of opinion, which are very likely those of maybe a majority of Afghans, maybe even more.

 

 

In fact, he went even further. He said that he would invite Mullah Omar, the head of the Taliban, to Afghanistan to try to work out a solution. And he added, "The United States isn't going to like this, but they have two choices: they can either accept it, or they can throw me out," you know. In fact, that's what they're doing. There are now plans to replace President Karzai, to sort of push him upstairs and leave him in a -- it's assumed that he'll win the next election, so put him in a symbolic position and impose, basically, a US-appointed surrogate who will essentially run the country, because that can't be tolerated.

 

 

In any event, there are alternative proposals -- they're discussed here, they're widely discussed in Afghanistan at the highest level and apparently among the population -- to just move towards a peaceful settlement among Afghans and a regional settlement, which would take into consideration the concerns of the region's neighboring powers.

 

 

AMY GOODMAN: Why do you think Obama is expanding this war? And do you call it "Obama's war" now?

 

 

NOAM CHOMSKY: Well, this goes way back. I mean, the United States has sort of a comparative advantage in world affairs, namely, military might, not economic power, you know, not Treasury reserves. I mean, it's a very powerful state, but, you know, it's one of several. It's comparable to Europe . It's comparable to rising East Asia in, say, economic power. But in military power, it is supreme. The United States spends approximately as much as the rest of the world in military force. It's far more technologically advanced. And when you have a comparative advantage, you tend to use it. So, policy decisions tend to drift towards where you're strong. And where you're strong is military force. It's, you know, the old joke: if you have a hammer, everything you see is a nail. You know. And I think that's very much of a driving force.

 

 

And there's also a longstanding imperial mentality, which says we have to control and dominate. And in particular, we have to dominate energy resources. That goes way back. You know, after the Second World War, it's been maybe the prime factor in US [inaudible] --

 

 

AMY GOODMAN: And the energy resources in Afghanistan ?

 

 

NOAM CHOMSKY: No, they're not in Afghanistan . They're in -- mostly in the Gulf, secondarily in Central Asia . But Afghanistan is right in the middle of this system. I mean, there is a pipeline question. How powerful it is, you can speculate. But there have been longstanding plans for a pipeline from Turkmenistan in Central Asia to India, which would go -- TAPI, it's called: Turkmenistan, Afghanistan, Pakistan, India .

 

 

Now, that's of significance to the United States for a number of reasons. For one thing, if it -- it would run right through Afghanistan and through Kandahar province, one of the most conflicted areas. If it was established, it would, for one thing, reduce the reliance of the Central Asian states on Russia . So it would weaken their role. But more significant, it would bypass Iran . I mean, India needs energy, and the natural source is Iran . And, in fact, they're discussing an Iran-to-India pipeline. But if you could get natural gas flowing from Central Asia to India, avoiding Iran, that would support the US policy, which is now very clear -- in Obama's case, it's been made more concrete -- of forming an alliance of regional states to oppose Iran .

 

 

In fact, that's -- John Kerry, the head of the Senate Foreign Relations Committee, recently made an important speech about that with regard to Israel-Palestine. He said we have to reconceptualize the issue so it's not an Israel-Palestine problem, but rather, we'll sort of put that to the side, and what we have to do is create an alliance of Israel and what are called the moderate Arab states. And "moderate" is a technical term, means they do what we say. And so, the moderate Arab states include the brutal Egyptian dictatorship, the radical fundamentalist dictatorship in Saudi Arabia , and so on. They are the moderates, and they have to join with Israel and us in an anti-Iranian alliance. And we have to, of course, break ongoing connections between Iran and India to the extent that we can and elsewhere. And that puts the Israel-Palestine problem -- issue to the side.

 

 

AMY GOODMAN: I want to get to Israel-Palestine, but we have to break. And before we do, just a quick question. Do you think Obama should pull the troops out of Afghanistan immediately?

 

 

NOAM CHOMSKY: Well, you know, I think the Afghans should make that decision.

 

 

AMY GOODMAN: How?

 

 

NOAM CHOMSKY: They have ways. For example, what the peace movement calls for is their traditional way of making decisions: a loya jirga, major meeting of, you know, elders, other figures and so on, who will try to arrive at consensus on this with all the Afghans. And it should be their decision. I mean, we have no right to be there.

 

 

AMY GOODMAN: We're talking to Noam Chomsky, Professor Emeritus at MIT, author of more than a hundred books on US foreign and domestic policy. We'll be back with him in a minute.

 

 

[break]

 

 

AMY GOODMAN: We're on the road in Boston with Professor Noam Chomsky. We're talking about, well, US global policy, from NATO to Afghanistan to the new government in Israel . Can you talk about Benjamin Netanyahu and what you see coming up?

 

 

NOAM CHOMSKY: Well, Benjamin Netanyahu is on the -- you can't say on the far right anymore, because the country has moved so far to the right that he's almost centrist. To the far right is his foreign minister, Avigdor Lieberman, who has made his first pronouncement yesterday. He said that Israel has no responsibilities for any previous commitments, not the Annapolis commitment to eventually form some sort of Palestinian state, unclear what, only to the road map. Now, that's what was reported yesterday in the press.

 

 

Now, what's Israel 's commitment to the road map? He knows very well. The road map is the famous decision of the Quartet -- US, Europe, Russia and the United Nations. A couple years ago, it sort of laid out vague plans for what ought to be done. It's worth looking at them. But put that aside, because really it doesn't matter, because as soon as the road map came out, Israel formally accepted it and instantly added fourteen reservations, which completely eviscerated it. One of the contributions of Jimmy Carter's book on Israel-Palestine was that he was the first, I think, to give public attention to the Israeli reservations. They're in an appendix to his book, bitterly condemned book, but nobody ever mentioned the one major contribution.

 

 

In effect, Israel said, "We'll sign the road map, but we're not going to observe it, because here's the conditions." So, for example, the condition -- one condition is that nothing can happen until the Palestinians end, of course, all violence, but also all incitement, so anything critical of Israel . On the other hand, it added, nothing can stop Israel from carrying out violence and incitement. It was explicit, approximately those words. And so it continues. There can be no discussion of the existence of settlements, in fact, no discussion of anything that matters. That's the road map. Now, the US supported that. That means both the US and Israel reject the road map. And Lieberman's statement yesterday is, well, that's our only commitment. You know, if we had a functioning media, those would be the headlines.

 

 

And there's much more to this. You know, President Obama appointed a Middle East emissary, George Mitchell, who's a reasonable choice if he's allowed to do anything. So far, he's only allowed to listen to almost everyone, not everyone. For example, he's not allowed to listen to the elected government in Palestine , the Hamas-led government. Well, it would be hard to listen to them, because half of them are in Israeli prisons, but nevertheless, you know, they have voices. For example, they've supported the call for a two-state settlement that the United States and Israel have rejected. So they've joined the world on that.

 

 

But why are we not allowed to listen to Hamas? Well, because they don't meet three conditions that were established. One is, they have to accept the road map, which we and Israel reject, but they have to accept it, otherwise we can't allow them into the civilized world. The other is, they have to renounce violence. Well, we don't have to discuss the question whether the United States and Israel renounce violence, so we can put that aside. Third, they have to recognize Israel, but, of course, we don't have to recognize Palestine, nor does Israel . So they have to meet three conditions that we don't meet and that Israel doesn't meet. But again, that passes without comment.

 

 

AMY GOODMAN: What do you think President Obama's role should be right now? What do you think would be the most effective action he could take?

 

 

NOAM CHOMSKY: He should join the world. There has been an overwhelming international consensus for over thirty years. It was made explicit in January 1976, when the Arab states brought a resolution to the Security Council calling for the establishment of two states on the international border, which indeed the international border, up until then, was recognized by the United States. It means the pre-June '67 border. And official US terminology, when it was still part of the world in the late '60s, was "with minor and mutual modifications," so maybe straighten out some curves. Almost the entire world agrees with this. It has been blocked by the United States . The United States vetoed that resolution. It vetoed a similar one in 1980. I won't run through the record, but it's essentially the same up 'til now.

 

 

So what President Obama should do is, in fact, what President Clinton did in the last few weeks of his administration. It's important to recognize what happened then. There were negotiations in Camp David in the summer of 2000, which collapsed. Clinton blamed Arafat, the head of the Palestinian delegation, for the breakdown, but he backed off of that pretty quickly. By December, he formerly recognized that the US-Israeli proposals at Camp David could not be accepted by any Palestinian, and he presented what he called his parameters, somewhat vague but more forthcoming. He then made a speech, an important speech, in which he said both sides have accepted the parameters, both sides have expressed reservations. Well, they met in Taba, Egypt , in January 2001, both sides, to iron out the reservations, and they came very close to an agreement, which was very close to the international consensus.

 

 

AMY GOODMAN: We're just wrapping up right now, but I want to ask if you support a one- or two-state solution there?

 

 

NOAM CHOMSKY: Nobody supports -- I mean, you can talk about a one-state solution, if you want. I think a better solution is a no-state solution. But this is pie in the sky. If you're really in favor of a one-state solution, which in fact I've been all my life -- accept a bi-national state, not one state -- you have to give a path to get from here to there. Otherwise, it's just talk. Now, the only path anyone has ever proposed --

 

 

AMY GOODMAN: We have ten seconds.

 

 

NOAM CHOMSKY: -- is through two states as the first stage.

 

 

AMY GOODMAN: Professor Noam Chomsky, our guest. Part two of our conversation, which we'll play next week, will be on the global economic meltdown. Noam Chomsky, Professor Emeritus at Massachusetts Institute of Technology. We're broadcasting from Boston .

 

 

 

تشومسكي: ضرب إيران سيكون عملا أمريكيا يائسا

 

ترجمة: أحمد أبو عطاء

 

02-27-2007, 10:48 PM

 

 

أجرى الإعلامي الأمريكي "مايكل شانك" مقابلة مع عالم اللغويات وخبير السياسة الخارجية الأمريكي "نعوم تشومسكي" حول آخر التطورات في السياسة الأمريكية حيال كل من إيران، والعراق، وكوريا الشمالية، وفنزويلا. وخلال تلك المقابلة, وجّه "مايكل شانك" سؤالاً إلى تشومسكي قال فيه: "في الوقت الذي تتشابه فيه تطورات البرنامج النووي لكوريا الشمالية مع نظيره الخاص بإيران، لماذا نجد أن الإدارة الأمريكية مالت مؤخرًا إلى تفعيل أسلوب الحوارالدبلوماسي مع بيونج يانج وترفض القيام بالأمر نفسه مع طهران؟".

 

وأجاب تشومسكي عن هذا التساؤل بقوله: "إنّ مجرد الحديث عن أن الولايات المتحدة بدأت تميل إلى التركيز على الحوار الدبلوماسي مع كوريا الشمالية يعتبر غير دقيق، هذا الحوار الدبلوماسي بين الطرفين حدث نوعًا ما في عهد "بل كلينتون"؛ لكن لم يفِ أي طرف من الطرفين بالتزاماته بشكل كامل، فكلنتون لم يقم بما عليه وتعهّد به، وأيضًا كوريا الشمالية لم تف بالتزاماتها؛ ومن ثم لم يتم إحراز أي تقدم، ولذا فإن إدارة بوش عندما سيطرت على الحكم, كانت كوريا الشمالية تمتلك بلوتونيوم ويورانيوم يكفي لتصنيع قنبلتين لكن مع قدرات محدودة في مجال الصواريخ، وهذه القدرات الصاروخية قويت بشكل كبير للغاية خلال سنوات حكم بوش، وذلك سببه أن هذه الإدارة ألغت بشكل كامل أي حوار دبلوماسي مع كوريا الشمالية".وأضاف تشومسكي: "ولقد تم إبرام اتفاقية مهمةجدًا في سبتمبر 2005، وافقت فيها كوريا الشمالية على وقف برامج التخصيب ووقف نشاطات التطوير النووي بالكامل، وبالمقابل وافقت الولايات المتحدة على إنهاء تهديداتها بشن هجوم والبدء في التحرك نحو مساعدة بيونج يانج على إقامة مفاعل ماء خفيف، لكن إدارة بوش قوضت هذه الاتفاقية فورًا، ومارست ضغوطًا لمنع أية مساعدات دولية لكوريا الشمالية فيما يتعلق ببناء مفاعل الماء الخفيف، وبعد ذلك مباشرة بدأت الإدارة الأمريكية في تصيد صفقات مالية لكوريا الشمالية مع مصارف مختلفة، وبسبب كل هذه الممارسات, اتضح أن الولايات المتحدة ليست جادة في الالتزام بما من شأنه أن يحسن العلاقات مع كوريا الشمالية، خاصة وأنها لم تسحب تهديداتها السابقة لبيونج يانج".وتابع تشومسكي: "إذا تابعنا ما حدث في الأيام القليلة الماضية؛ سنجد أن الإعلام الأمريكي بدأ يصور أن حكومة كوريا الشمالية شرعت في إبداء مرونة معينة بشأن بنود اتفاقية سبتمبر 2005، ولذا فإن هناك مناخًا من التفاؤل، لكن الحقيقة أن صحيفة "الفاينانشال تايمز" أكدت أن إدارة بوش محاصرة الآن سياسيًا، وتحتاج إلى أي نوع من النهوض، ولذا فإنها مدفوعة باتجاه منح الطريق الدبلوماسي فرصة أكبر، وبالنظر إلى الماضي والتاريخ سيظهر أن الولايات المتحدة عندما كانت تخفف لهجتها، كان الكوريون الشماليون يبدون نوعًا من المرونة، وبمجرد أن تعود التصريحات العدائية الأمريكية، تعود كذلك اللهجة العدائية لكوريا الشمالية".وقال تشومسكي: "هذه القضية أقل في أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة من قضية إيران إلى حد كبير، وأنا لا أعتقد أن القضية الإيرانية تتعلق في حقيقتها بالأسلحة النووية، صحيح أن الجميع متفق على ضرورة ألا تمتلك إيران أسلحة نووية، أو أية دولة أخرى، لكن بيت القصيد هو متعلق بطبيعة منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر مركز مصادر الطاقة في العالم، حيث كانت مطمعًا للبريطانيين والفرنسيين وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية جذبت انتباه الأمريكيين، ومن البديهي أن السياسة الخارجية الأمريكية تركز على كيفية السيطرة على موارد الطاقة في الشرق الأوسط وليس مجرد الوصول إلى هذه الموارد كما يقول الناس في أغلب الأحيان، فلو أن الولايات المتحدة لم تحتج إلى أي نفط في الشرق الأوسط أو أية طاقة شمسية, فإنها ستظل تسعى للسيطرة على تلك المنطقة لامتلاك القوة الاستراتيجية، ولقد أعلن دك تشيني أن السيطرة على خطوط أنابيب الطاقة هي أداة للتخويف والابتزاز، وكانت العديد من الأطروحات قد أشارت إلى أنه في حالة سيطرة الولايات المتحدة على مصادر الطاقة في الشرق الأوسط؛ فإنها ستكون صاحبة اليد الطولى على منافسيها الصناعيين خاصة اليابان، وبناءً على كل ما تقدم تكتسب القضية الإيرانية أهمية خاصة".ووجه شانك سؤالاً آخر قال فيه : "إذًا هل يمكننا القول بأن الولايات المتحدة عندما تتحدث عن توجيه ضربة لإيران فإنها تسعى لبسط السيطرة، فهل تعتقد أن الولايات المتحدة ستحقق هذا الهدف من خلال مهاجمة إيران؟".وأجاب تشومسكي: "هناك العديد من المسائل تتعلق بالقضية الإيرانية، إحداها أن إيران دولة تتمتع بأنها مستقلة بشكل خاص، ولا يمكن أن تكون خاضعة لمؤثرات خارجية، وهذا نابع بشكل كبير من قدرتها على مواجهة قضاياها الداخلية بنجاح، وهذه نقطة مهمة فإذا أخذنا كوبا على سبيل المثال، فسنجد أن غالبية كبيرة من المواطنين الأمريكيين يؤيدون تأسيس علاقات دبلوماسية مع كوبا، وحتى قطاع رجال الأعمال الأمريكيين يتبنى التوجّه نفسه، لكن الحكومة الأمريكية تعارض ذلك، وأعتقد أن السر في ذلك أن حقيقة المعايير التي تحكم علاقات السياسة الدولية تتشابه إلى حد بعيد ما يحدث في منظمة مثل المافيا، فهناك مبدأ مهم يقوم على أساس أن قائد السفينة لا يجب أن يعصيه أحد، مهما كان صوت المعارض".وأضاف تشومسكي: "إذا عدنا للوراء لنبحث عن السبب الرئيس وراء هجوم الولايات المتحدة على فيتنام؟ فسنجد أن التطور المستقل يخشى منه أن يتحول إلى فيروس يستطيع إصابة الآخرين. وهذا ما حدث في عهد الرئيس "كنيدي" الذي شعر بخطر انتشار أفكار كاسترو في كوبا وكيف يمكنه أن يصدر هذه الأفكار للدول المحيطة وبالتالي كان قرار الحرب على فيتنام كضربة تحذيرية لمنع انتشار هذه الأفكار في المنطقة، وبالعودة إلى إيران، فسنتأكد أن المشكلة في إيران لا تكمن فقط في أنها دولة ذات مصادر كبيرة، وبأنه لاعب رئيس على ساحة مصدري الطاقة حول العالم، ولكن الحقيقة أن الولايات المتحدة التي دعمت حكومة الاستبداد الوحشي في إيران لسنوات، وقدمت له العون في تطوير الطاقة النووية وكان تشيني، وولفويتز، وكيسنجر، وآخرون، يدعمون تطوير الطاقة النووية الإيرانية في السبعينيات، طالما كان شاه إيران في سدة الحكم، لكن وبمجرد أن سقط الشاه، وجاءت الثورة الإسلامية، وحدثت أزمة الرهائن الأمريكيين، بدأت أمريكا في دعم صدام حسين فورًا، ودعمته في حربه ضد إيران طريقة لمعاقبة طهران، وستواصل أمريكا معاقبة طهران مستقبلاً".وتابع: "الأمر الثاني هو تجاهل الحكومة الأمريكية لإرادة شعب الولايات المتحدة وحتى قطاع رجال الأعمال في أمريكا، فالحقيقة أن 75 % من الأمريكيين يفضلون تحسين العلاقات مع إيران بدلاً من مواصلة طريق التهديدات معها، لكن هذا يتم تجاهله، ولا توجد لدينا حول استطلاعات تتعلق برأي قطاع الأعمال الأمريكي حيال هذه المسألة، لكن من المؤكد أن شركات الطاقة الأمريكية ستكون سعيدة للغاية لو أتيحت لها الفرصة للعودة إلى الاستثمار مع إيران بدلاً من التخلي عن هذا المجال للمنافسين الآخرين، ورغم كل هذا؛ فإن الحكومة الأمريكية تصر على طريق المجابهة مع طهران وبصورة جلية جدًا ويرجع ذلك إلى عوامل اقتصادية وأخرى جغرافية وسياسية واستراتيجية، لكن مع عدم إغفال منطق المافيا القائم على أن من ليس معي فهو ضدي، ويجب معاقبته لعدم طاعة أمري".وطرح شانك سؤالاً جديدًا قال فيه: "فينزويلا كانت تتحدى الإرادة الأمريكية بنجاح في ظل حكم "شافيز"، وهي تتحرك نحو تبني منهج الاشتراكية. فأين يمكن تفسير استراتيجية أمريكا تجاه فينزويلا؟".وأجاب تشومسكي: "الولايات المتحدة تبنت ودعمت الانقلاب العسكري الذي كان يهدف لإسقاط الحكومة، وكان هذا أقصى ما يمكن فعله لمواجهة تحدي فينزويلا".

 

شانك: "ولكن لماذا لم نعط اهتمامًا أكبر لكيفية التعامل مع فينزويلا؟".

 

تشومسكي: "الحقيقة أن هناك اهتمامًا حقيقيًا بهذا الجانب وإذا نظرت ستجد سجلاً حافلاً بالإساءات والاعتداء من قبل الحكومة وأجهزة الإعلام الأمريكية ضد فينزويلا، لكن فينزويلا دولة مستقلة، وهي إن نوّعت صادراتها؛ فإن ذلك يكون بدرجة محدودة، وحرصت على ألا تكون معتمدة على الصادرات إلى الولايات المتحدة فقط، ولكن بدأت في تحركات جادة للتكامل والحصول على مزيد من الاستقلالية لدول أمريكا اللاتينية، والولايات المتحدة لا تحب هذه التوجهات بطبيعة الحال".ووجه شانك سؤالاً جديدًا قال فيه: كيف ترى تأثير الجمود السياسي في لبنان على إمكانية صدور قرار عن حكومة الولايات المتحدة بدخول حرب ممكنة مع إيران، هل الربط بين الأمرين وارد؟

 

وقال تشومسكي: "بالطبع هناك علاقة. وأفترض أن جزءًا مهمًا من الدافع الذي حدا بالتحالف الإسرائيلي الأمريكي لضرب إيران في يوليو الماضي – واللبنانيون محقون في كلمة التحالف الإسرائيلي الأمريكي – كان متعلقًا بأن حزب الله بدا وكأنه رادع استراتيجي قوي لإيران ضد أي هجوم إسرائيلي أمريكي محتمل ضد إيران، وأريد هنا أن أشير إلى الصواريخ بشكل خاص، فقد كان الهدف من الحملة على لبنان بالأساس إبادة الرادع الصاروخي لحزب الله من أجل إطلاق يد أمريكا وإسرائيل في حالة تنفيذ هجوم حاسم ضد إيران، وهذا أعتبره عاملاً رئيسًا فيما تعرض له لبنان، وإلا فإن الحديث عن أسر جنديين إسرائيليين أو تحرير أسرى لبنانيين وفلسطينيين لا يمكن أن يعتبر حديثًا جديًا لتبرير حرب مثل تلك التي وقعت، فمنذ عقود وإسرائيل تأسر وتختطف اللاجئين اللبنانيين والفلسطينيين، وفي عرض البحر ومن قبرص إلى لبنان وتقتلهم في لبنان وتحتجز بعضهم كرهائن، أو تنقلهم إلى أرضها، وهذا أمر مستمر ومشاهد منذ عقود ولم يتحدث أحد عن أن هذه الممارسات يمكن أن تكون سببًا في مهاجمة إسرائيل".وأضاف تشومسكي: "بالطبع إسرائيل لا تريد أية منافسة في المنطقة، لكن حتى هذه النقطة لا تصلح كمبرر كاف لشن هذا الهجوم الهائل ضد لبنان، والذي كان مريعًا بحق، وأقول هنا إن آخر التحركات الأمريكية الإسرائيلية في هذه المواجهة قبل إعلان وقف إطلاق النار تمثل في إلقاء العديد من القنابل العنقودية في جنوب لبنان، وقد أكدت المجموعات المتواجدة في هذه المنطقة أن كميات القنابل العنقودية التي ألقيت على جنوب لبنان فاقت بكثير ما شهدته كوسوفو، وأفغانستان، والعراق، وأي مكان آخر، وهناك تخمينات بأنه يوجد نحو مليون قنبلة عنقودية صغيرة في هذه المنطقة، مع نسبة كبيرة من هذه القنابل عير منفجرة، والهدف باختصار كان جعل منطقة جنوب لبنان غير صالحة للسكن؛ ورغم أنها أراض صالحة للزراعة يصبح من المتعذر على الفلاحين العودة إليها، وهو ما يصب في النهاية في اتجاه تقويض نفوذ حزب الله بالجنوب اللبناني".وتابع تشومسكي: "لا يمكن لأحد أن يذكر كلمة حزب الله في أجهزة الإعلام الأمريكية، بغير أن يقول حزب الله التابع لإيران؛ للتأكيد على أنه يتمتع بالدعم من إيران، لكن في الإعلام الأمريكي الجميع يقول إسرائيل دون إضافة عبارة "المدعومة من قبل أمريكا"، والحقيقة أن تأكيد هذه العلاقة بين إيران وحزب الله لم يصدر عن المختصين بشئون إيران أو المختصين بشئون حزب الله، وفي أحيان أخرى يقول الإعلام الأمريكي "حزب الله المدعوم من قبل سوريا".

 

وسأل شانك: "باعتقادك، ما هو تقدير حكومة الولايات المتحدة لحجم القوات وقدرة القوات وحتى الدعم الشعبي لها في حالة عزمها على ضرب إيران؟".

 

تشومسكي: "على قدر علمي، أعتقد أن العسكريين في الولايات المتحدة يعتقدون أن التفكير في هذا الطرح بمثابة الجنون، وحتى أجهزة المخابرات تستنكر مثل هذا الطرح، وإن كانت لا تضعه في خانة المستحيلات، وإذا نظرنا إلى شخصيات معينة شاركت بقوة في رسم الاستراتيجيات والخطط لوزارة الدفاع الأمريكية على مدار سنوات مثل "سام جاردينر"، فسنجد أن مثل هؤلاء لا يرون استحالة تنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران، لكن أظن أن أيًا من الخبراء والمراقبين لم يأخذ فكرة توجيه ضربات للمواقع النووية الإيرانية على محمل الجد، حيث يعتقد جل المراقبين أنه لو تم تنفيذ ضربة ضد إيران، فستكون ضربة شاملة ساحقة، ولن تقف عند حدود استهداف المنشآت النووية بل ستتعدى ذلك إلى حد ضرب إيران بالكامل، وعند الوصول إلى هذا الحد من التفكير لا يمكن إغفال أن المنطقة التي ستسهدف، ستكون من أكبر مناطق تصدير النفط في العالم، وهي منطقة ذات غالبية شيعية فرغم أن إقليم الأحواز عربي, إلا أنه موّال لإيران، وقاتل إلى جنبها في الحرب مع العراق، وستعمل إيران في حالة تعرضها للهجوم إلى استثارة تعاطف الأحواز، وستحرص القوات الأمريكية في العراق في الوقت نفسه على جعل الأحواز مستقلة عن إيران".

 

شانك: هل تعتقد أن هذا السيناريو هو سبب الدفع بقوات أمريكية إضافية في العراق؟

 

تشومسكي: "هذا محتمل، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار تقرير حمل عنوان "لعبة الحرب" صدر عن وزارة الدفاع الأمريكية، في ديسمبر 2004، بإعداد "سام جاردينر"، تحدث عن أن واشنطن ستدفع بقوات في العراق حتى يمكن أن تستعمل في المستقبل كدعم بري في أي تحرك ضد إيران والحقيقة أن السيطرة على إقليم الأحواز الغني بالنفط مهمٌ استراتيجيًا في محاولة ضرب إيران؛ لأنه من خلال السيطرة عليه يمكن قصف أية منطقة في إيران".

 

وأضاف: "من ناحية أخرى أعتقد أن الولايات المتدة تعمل على إثارة حركات انفصالية أخرى للتقلب على الحكومة الإيرانية خاصة بين الجالية الأذرية التي تجد نفسها في وضع معقد بين السكان الإيرانيين من أصل فارسي، وهذه الجالية لديها ميول انفصالية ومن المؤكد أن أمريكا تسعى لتأليب هؤلاء لتحطيم الجبهة الداخلية الإيرانية".وأردف تشومسكي: "من ناحية ثانية الجميع يعرفون أنه من أهم الأسباب التي تدعو الإصلاحيين في إيران من أمثال "شيرين عبادي" و"أكبر جانجي" وآخرين، للاعتراض على تهديدات الولايات المتحدة لطهران هو أن هذه التهديدات تقوض محاولاتهم لتوسيع نطاق الديمقراطية والحرية".وتابع بقوله: "الولايات المتحدة ماضية قدمًا في جهودها على صعيد إثارة الحركات الانفصالية وبشكل خاص في الأقاليم الغنية بالنفط، وأيضًا المناطق العربية قرب الخليج، مع الحرص الدائم على تصوير القيادة الإيرانية بأنها نموذج للوحشية والقسوة والقمع لإثارة الفوضى الداخلية، وفي الوقت نفسه تقوية التحالف الدولي لخنق إيران اقتصاديًا".وقال نعوم تشومسكي: "من الصعب جدًا توقّع ما ستقدم عليه إدارة بوش اليوم لأن هذه الإدارة غير عقلانية، وخلقت كارثة حقيقية في العراق فقد كان المفترض أن تكون هذه أسهل عملية عسكرية تتم في التاريخ، لكن الإدارة الأمريكية نجحت في تحويلها لمأساة عسكرية، وفقدت السيطرة الآن تمامًا، ومن المستجيل عليها أن تخرج من هذا المستنقع، نحن افترضنا أن السبب في غزو العراق كان النفط لكن الحقيقة أن العراق لو كان غنيًا بالمخالفات أو أي شيء آخر تافه؛ فإن أمريكا كانت ستسعى لغزوه أيضًا، لأن السماح للعراق بأن يكون مستقلاً وذا سيادة يمكن أن يكون كابوسًا للولايات المتحدة، على اعتبار أن الشيعة في العراق سيزيدون من قوة علاقاتهم مع إيران، ويمكنهم أيضًا تقوية نفوذهم مع الشيعة الموجودين في المملكة العربية السعودية".

 

ووجه شانك سؤالاً جديدًا قال فيه: خلال انتخابات الرئاسة عام 2008 ، كيف ترى تعامل المرشحين مع القضية الإيرانية؟ وهل تعتقد أن إيران ستكون عاملاً حاسمًا في هذه الانتخابات".

 

وأجاب تشومسكي: "ما نسمعه من تصريحات المرشحين حتى الآن لا يبعث على التفاؤل، ولكنني مازلت أعتقد أنه وعلى الرغم من كل شيء فإن الولايات المتحدة من غير المحتمل أن تهاجم إيران، لأن هذا لو حدث ستكون كارثة كبيرة ولا أحد يمكنه تخيل النتائج، وأعتقد أن إدارة وصلت لقمة اليأس والتخبط هي فقط التي يمكن أن تلجأ لمثل هذا التحرك، والخطورة هنا أنه لو أصبح الديمقراطيون على مقربة من الفوز؛ فإن الإدارة الأمريكية الحالية يمكن أن تكون في حالة اليأس التي قد تدفعها لهذا الهجوم".

 

 

نعوم تشومسكي في آخر تحليلاته:

 

ـ منذ 1981 لا يراد للشعب العراقي أن يحكم بلاده

 

ـ كل عمل عسكري اميركي يشكل انتصارا لإسامة بن لادن

 

ترجمة تيسير نظمي

 

 

هنالك إجماع واسع في أوساط المختصين على كيفية التقليل من مخاطر الإرهاب بحيث يبقى في حدوده المقبولة ضدنا، وكذلك على إخماد فظائع الإرهاب التي قد تصبح جداً مرعبة، وهذا ما توضحه دراسة جاسون بورك حول ظاهرة تنظيم القاعدة، المليئة بأدق التفصيلات والتحقيقات حول الراديكاليين الإسلاميين الذين يشكل لهم أسامة بن لادن أكثر من مجرد رمز (والذي سيزداد خطورة بعد مقتله إذ ربما يصبح شهيدا ملهماً للآخرين للسير على خطاه واللحاق بقضيته) ودور مسئولي واشنطن الحاليين في مثل هكذا حقبة في خلق شبكة من الراديكاليين الإسلاميين بات معروفاً. والأقل شيوعاً في ذلك هو التسامح الذي يبدونه في الحالة الباكستانية حيث توجد شريحة من المتطرفين الإسلاميين وحيث يجري تطوير أسلحة نووية.وكما يلاحظ بورك، فإن الرئيس السابق بيل كلينتون حين قام عام 1998 بقصفه للسودان وأفغانستان بالقنابل فإنه جعل من بن لادن رمزاً حيث تعززت علاقته بطالبان وقادت لتزايد حاد في الدعم والتجنيد والتمويل لتنظيم القاعدة الذي حتى ذلك الحين لم يكن بالكاد معروفاً. أما الإسهام الثاني الرئيس في نمو تنظيم القاعدة وبروز بن لادن فهو القصف الذي قام به بوش لأفغانستان في أعقاب 11 سبتمبر والذي أخذه على عاتقه دون ذريعة قابلة للتصديق.وبالنتيجة فإن رسالة بن لادن "انتشرت في أوساط عشرات الملايين وخاصة في أوساط الشباب الغاضب في مختلف أنحاء العالم".كتب يورك قائلا وهو بصدد مراجعته لتزايد الإرهاب في العالم وخلق "كوادر إرهابية جديدة بالكامل" تندرج تحت ما يرونه "صراع كوني بين الخير والشر"، وهي الرؤية المشتركة لكل من بن لادن من جانب والرئيس بوش من جانب آخر. وقد كان لغزو العراق، كما يلاحظ بورك، نفس ذات التأثير. ومستشهداً بكثير من الأمثلة يصل بورك إلى نتيجة أن "كل استخدام للقوة هو نصر صغير آخر لأسامة بن لادن" الذي "يكسب" سواء كان حياً أم ميتا. ويشاطر بورك تقييماته هذه عدد كبير من المحللين بمن فيهم قادة عسكريين إسرائيليين سابقين في الاستخبارات الإسرائيلية والأمن." يعرف المخططون لسياسة الرئيس بوش كما يعرف آخرون أن اللجوء للقوة يزيد من مخاطر الإرهاب وأن مكافحتهم له و موقفهم العدواني وأفعالهم تثير ردود أفعال تزيد من أخطار الكارثة " أثناء شرحه لاستراتيجية الأمن القومي في سبتمبر 2002 لجمهور مناوئ في الملتقى الاقتصادي العالمي قال وزير الخارجية الأمير كي كولن باول أن واشنطن لها " حق السيادة باستخدام القوة للدفاع عن أنفسنا " ضد الأمم التي تمتلك أسلحة دمار شامل وتتعاون مع الإرهابيين، وهي الذرائع الرسمية لغزو العراق. وقد بات معروفاً انهيار مثل هذه الذرائع غير أن أهم عواقبها لم تحظ بالانتباه الكافي: فاستراتيجية الأمن القومي كانت قد تمت مراجعتها في الحقيقة كي تذلل العقبات القانونية أمام العدوان وتم إسقاط الحاجة لتأسيس ضوابط للإرهاب إسقاطاً تاماً. والأكثر أهمية من ذلك أن الرئيس جورج بوش ومعاونيه أعلنوا الحق باللجوء لاستخدام القوة حتى ضد بلد لا يمتلك أسلحة دمار شامل أو حتى برامج لتطويرها بحيث يكفي أن يكون لديها النية والقدرة لفعل ذلك. وعليه فإن كل البلدان حسب هذا المنطلق تمتلك القدرة والنية ، إن شاء أن يراها من هذا المنظار. وبالتالي فإن المعتقد الرسمي هو أن أي شخص بات عرضة للهجوم الماحق . بل أن كولن باول ذهب خطوة أبعد من ذلك. فالرئيس بوش كان محقاً في مهاجمته العراق لأن الرئيس العراقي لم يكن لديه " النية والمقدرة " وحسب، بل إنه " استخدم بالفعل مثل هذه الأسلحة المرعبة ضد أعدائه في إيران وضد شعبه " وبالدعم المتواصل من باول ومساعديه أخفق في إضافة، "متبعاً العرف المعتاد". كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي قدمت هي الأخرى تفسيراً مشابهاً لهذا التعليل كالتالي: من ذا الذي بمنجى من الهجوم ؟ لكن ثمة تساؤل صغير كما تساءل محرر رويتر: " إن كان العراقيون راغبين في رؤية صدام حسين في القفص فإنهم راغبين أيضاً في رؤية حلفاءه الأميركان السابقين في ذات القفص بجانبه" وفي التحرك اليائس لابتكار وخلق المبررات والحجج التي تنهار واحدة تلو أخرى فإن السبب الواضح للغزو بات متهرباً منه بشكل ملفت للنظر من قبل إدارة الرئيس بوش والمعلقين السياسيين لتأسيس أول قواعد عسكرية آمنة في دولة عميلة في قلب أكبر بقعة غنية بمصادر الطاقة في العالم والتي بات مفهوماً منذ الحرب العالمية الثانية أنها " المصدر الرئيسي للقوة الاستراتيجية" والتي يتوقع لها أن تزداد أهمية في المستقبل. وليس مفاجأة أن يتكشف أن الإدارة الأميركية كانت تنوي غزو العراق قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001. وأنها تبنت " الحرب على الإرهاب " من أجل تحقيق هذا الهدف . ففي النقاشات الداخلية لا ضرورة للمراوغة والتهرب. فقبل وصولهم للبيت الأبيض بوقت طويل حدد النادي الذي يضم عتاة الرجعيين والمؤمنين بسيطرة الدولة على النشاط الاقتصادي " الحاجة لوجود قوة أميركية في الخليج – الفارسي- تتجاوز وتتفوق على مسألة نظام صدام حسين ". ومع كل التذبذبات السياسية منذ أن وطأت أقدام المسئولين الحاليين أول خطواتهم البيت الأبيض عام 1981 فإن الهدف الرئيس الذي ظل ثابتاً بالنسبة لهم هو :" أن لا يحكم الشعب العراقي بلده العراق" إن استراتيجية الأمن القومي لعام 2002 وتطبيقاتها في العراق تعتبر على نطاق واسع علامة فاصلة في الشؤون الدولية. " النهج الجديد نهج ثوري" كتب هنري كيسنجر قائلاً مباركاً للنهج من حيث المبدأ ولكن مع تحفظات تكتيكية عليه ومع تأهيل حرج له وحاسم:  ليس من الممكن " أن يكون مبدأً عالمياً متوفراً لكل أمة ". فحق الاعتداء يجب أن يكون من حق الولايات المتحدة و ربما من حق حلفاء بعينهم لها. وعلينا أن نرفض البديهية الأخلاقية الأولية، أي مبدأ العالمية – موقف في العادة يجري إخفاءه وتغليفه بنذر النوايا الفاضلة والتقيد بصرامة الشرائع والقوانين. المؤرخ آرثر شلسنجر يوافق على أن المبدأ والتطبيق كانا " ثوريان"، ولكن من وجهة نظر مغايرة تماماً. فحالما سقطت أول القنابل على بغداد تذكر في الحال كلمات الرئيس فرانكلين روزفلت عقب قصف بيرل هاربر و هاواي حين قال: " أنه يوم سيظل ملطخاً بالعار "، واليوم " الأميركيون هم الملطخون بالعار " كتب قائلاً، " ما دامت حكومتهم قد تبنت نفس السياسة الإمبريالية اليابانية " وأضاف أن الرئيس جورج بوش حوّل " موجة التعاطف العالمية " مع أميركا إلى " موجة كراهية عالمية للغطرسة العسكرية الأميركية".و بعد سنة " ازدادت الخيبة بأميركا وسياساتها بدلاً من أن تخف ". حتى الدعم البريطاني للحرب انخفض إلى الثلث. وكما هو متوقع فقد زادت الحرب من مخاطر الإرهاب. فقد وجد الخبير في الشرق الأوسط فواز جرجس أن " الحرب بكل بساطة أحيت مجدداً الجهاد الإسلامي بعد أن خفت في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر 2001 " كما وازداد المدد على شبكة القاعدة في الوقت الذي أصبح فيه العراق نفسه ولأول مرة " جحيم الإرهاب". فقد بلغت العمليات الانتحارية أوج ما وصلت إليه في العالم في العصر الحديث سنة 2003 وبلغت معاناة العراق فيه ما لم تبلغه منذ القرن الثالث عشر. ويستنتج الخبير المختص أن الحرب قادت أيضاً إلى تكاثر الطلب على أسلحة الدمار الشامل. وحالما اقتربت الذكرى السنوية للحرب وإذا بمحطة يورك العممارس فيسها رجال أمن مدججون بالبنادق الرشاشة كرد فعل لتفجيرات الحادي عشر من آذار / مارس في محطة قطارات مدريد التي راح ضحيتها 200 من البشر في أسوأ جريمة إرهاب شهدتها أوروبا. وبعد بضعة أيام صوت الناخبون الأسبان على إسقاط الحكومة التي ذهبت للحرب بالرغم من المعارضة الشعبية الكاسحة لموقفها ذاك. وقد أتهم الأسبان بأنهم يسترضون الإرهاب بتصويتهم على انسحاب قواتهم من العراق في ظل غياب تفويض من الأمم المتحدة وذلك باتخاذهم لموقف مشابه لموقف 70% من الأميركيين الذين دعوا الأمم المتحدة لأخذ زمام المبادرة على عاتقها في العراق. وأكد بوش للأميركيين " أن العالم أصبح أكثر أمناً اليوم لأن تحالفنا، في العراق، قضى على نظام كانت تربطه روابط وثيقة بالإرهاب بينما كان قد بنى ترسانته من أسلحة الدمار الشامل" ويدرك كل من حول الرئيس أن كل كلمة من كلماته مزورة لكنهم أيضاً مدركون أن الأكاذيب من الممكن أن تصبح حقائق عندما تتكرر بإصرار كاف لجعلها كذلك.

 

 

تشومسكي: الاحتلال الأميركي للعراق أسوأ من نظام فيشي

 

 

 

يتهمونه بأنه يصف الولايات المتحدة بأنها «الأمة الإرهابية الرئيسية» ويعتبره الكثيرون شيطاناً، أو معاديا للمسيحية، أو على أقل تقدير ملاك الأكاديمية الأسود. وعنونت مجلة نيويوركية مقالة لها تدور حوله بأنه (محاسب إبليس). لذلك فإن أي لقاء مع نعوم تشومسكي، الأستاذ الجامعي والباحث والمنظر المشوق والشرس معاً، والذي كان له صوت مخالف فيما يتعلق بالحادي عشر من سبتمبر يظل فيه دائما الكثير من المفاجيء وغير المتوقع.
في البداية، يتحدث بصوت خفيض جداً، ويستمر بالوتيرة نفسها حتى عندما يؤكد أن الاحتلال الاميركي للعراق يعد أسوأ من نظام فيشي وأن الانتخابات تشترى وتباع في الولايات المتحدة أو انه تتوجب محاكمة بوش جنباً إلى جنب مع صدام حسين. مكتبه في معهد ماساشوستس للتقنية تقليدي بالكامل مع نافذة تطل على الرواق. تشومسكي يرتدي دائما الجينز وقميصا مكويا بشكل سيء وينتعل زوجا أبيض من الأحذية، أي الزي الرسمي لسكان الضواحي الأميركية.في الستينيات، كان تشومسكي مجرد واحد من ألوف المثقفين اليساريين الذين احتجوا على الحرب في فيتنام. لكنه في المقابل بقي وحيداً من الناحية العملية عندما عارض القصف الأميركي لأفغانستان.لذلك فليس مفاجئا أن تحقق كتبه أفضل المبيعات بدءا بكتاب «أسرار وأكاذيب وديمقراطية» ومرورا بـ «دول مارقة» وليس انتهاء بـ «هيمنة أم بقاء على قيد الحياة: السعي الأميركي للسيطرة العالمية». ومن أجل من يبحثون في الولايات المتحدة عن أصوات تكسر الإجماع السائد فيما يتعلق بضرورة مواصلة شن الحرب على الإرهاب، فإن تشومسكي يمثل احد تلك الأصوات القليلة.
ـ إلى أي حد يبدل اعتقال صدام حسين المشهد السياسي في العراق؟
ـ لاعتقال صدام معنى رمزي لا أكثر، فالناس لم تعارض حرباً في العراق لأنها افترضت أن صدام ما كان ليعتقل أبداً. والمشكلة في العراق ليست هذه. فالمدهش في الأمر هو أننا نجد أنفسنا في بلد مدمر عملياً من جراء العقوبات التي فرضت عليه طويلاً، حيث كان هناك طاغية، لكن هذا الطاغية لم يعد هناك، حيث لا يوجد دعم عالمي لأي نوع من المقاومة للاحتلال الأميركي وتسيطر الولايات المتحدة على جميع الموارد الطبيعية، وقد أجبرت مجلس الحكم العراقي على قبول برنامج اقتصادي يبيع العراق للرأسمال الأجنبي، وحيث تستطيع الولايات المتحدة إنفاق الأرصدة التي تريدها على حملتها العسكرية.وذلك يبدو احتلالاً سهلاً إلى أقصى حد. ويتطلب عبقرية غير عادية لإفشاله. ومع ذلك، فلقد فشلت الولايات المتحدة حتى الآن. والألمان كانوا أفضل بكثير في السيطرة على أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، حيث شكلوا حكومات محلية، مثل حكومة فيشي، مع قوات أمنية محلية. لكنهم كانوا وراء هذه الحكومات بشكل جلي. وروسيا فعلت الشيء نفسه مع بلدان أوروبا الشرقية، حيث وضع دمى محلية في تلك الدول، ووقفوا خلفها. ولقد حدث كل هذا في ظروف أشد قسوة إلى أقصى حد مما وجده الأميركيون في العراق.
ـ ما هو مرد هذا الفشل؟
ـ لقد تحدثت حول ذلك تماماً مع مسئول رفيع في إحدى المنظمات الرئيسية للمساعدة الإنسانية، والذي لا أستطيع ذكر اسمه، طبعاً. وهو رجل ذو خبرة هائلة على امتداد العالم كله وشاهد كل شيء. وكان عائداً من بغداد بعد قضاء بضعة أشهر هناك، وكانت تسيطر عليه مشاعر الاستنكار والدهشة. وقال لي إنه لم ير أبداً تركيباً مماثلاً للعجرفة والجهل وعدم الكفاءة كالذي يجسده الاحتلال الأميركي في العراق. وربما كان على حق.
فالعجرفة القصوى وعدم الكفاءة التامة والجهل المطلق هي ميزات الاحتلال في العراق، ذلك أنه إذا كانت للمرء قوة مثل قوة الولايات المتحدة، فلماذا يقلق حيال هذه الصغائر؟ وعملياً فإن الأميركيين يستطيعون استخدام القوة الوحشية كما يحلو لهم، لكني أشك بأنهم سيتمكنون فعلياً من السيطرة على العراق يوماً ما، مهما كلف ذلك.
ـ ما هي وجهة نظرك حول صدام؟
ـ صدام هو مسخ كانت تتعين محاكمته منذ زمن بعيد، لكن في هذه المحاكمة ذاتها وإلى جانبه يتعين أن يقف أيضاً كل مسئولي الحكومة الأميركية. فهم الذين دعموا صدام عندما ارتكب أسوأ فظاعاته وواصلوا إمداده بالأسلحة. وهذا لا يمت بأية صلة للحرب ضد إيران. أتحدث هنا عن السنوات اللاحقة لها حين دعمت الولايات المتحدة الطاغية عندما سحق تمرد عام 1991، الذي كان بإمكانه أن يهزم صدام.
وعندما التقى بوش وبلير وأزنار في القاعدة العسكرية الأميركية في الأزو وأعلنوا الحرب، قالوا بوضوح لا لبس فيه إنه حتى لو ترك صدام وشركاؤه البلاد، فإنهم كانوا سيدخلون العراق بقواتهم. وهذا يثبت كم كان قليل الأهمية اعتقال صدام من وجهة نظرهم. والشيء الوحيد الذي اهتموا به كان التأكد من أن العراق سيبقى كدولة تابعة ومنقادة للولايات المتحدة، وأن يقبل ببرنامج ليبرالي جديد متطرف يترك كل موارد العراق بين يدي الشركات الأجنبية.
ـ النفط بقي للعراقيين؟
ـ إنه الاستثناء الوحيد، لكن أعطه بعض الوقت وسيكون بيد الأميركيين. والخطوة المقبلة التي تم الإعلان عنها ولا ينقصها سوى التنفيذ، هي اتفاق (على الرغم من أن كلمة اتفاق تعتبر شيئاً غريباً بالنسبة لمعاهدة أحادية الجانب إلى هذا الحد) يضمن أن الحكومة الوحيدة التي ستوافق عليها الولايات المتحدة في العراق ستكون حكومة تسمح لها بالبقاء هناك مع قواعد عسكرية.
ـ كيف يؤثر ذلك على بقية العالم؟
ـ بشكل مباشر جداً. بما أن مجريات الأحداث كانت بهذه الدرجة من السوء بالنسبة للولايات المتحدة، فإن ذلك سيمنع واشنطن من أن تتقدم بالخطوة التالية. ما هي هذه الخطوة؟ إنها منطقة الانديز، من فنزويلا حتى حدود الأرجنتين. فلقد كان هذا أحد أهم المشاهد التي كانت تجري عملية تقويم له على قدم وساق، حيث مثلت كولومبيا فيه هدفاً واضحاً للتدخل الأميركي المسلح.
لكن هذا المشروع تراجع خطوة إلى الوراء، وحوّله الفشل في العراق إلى مغامرة باهظة الثمن، وأوجد معارضة واسعة للتدخلات الدولية المسلحة، على الرغم من أنه لن يكون نهايتها بأي حال من الأحوال.
ـ لماذا؟
ـ الأمر بسيط للغاية. يجب أن نتذكر أن الولايات المتحدة لم تعد القوة الاقتصادية الوحيدة في العالم.
فهناك ثلاث كتل أخرى مساوية لها تقريباً، وإحدى هذه الكتل مكونة من بلدان أميركا الشمالية جميعها. والأخرى هي أوروبا على ألا ننسى كتلة شمال شرق آسيا التي تعتبر بوضوح الكتلة الأكثر ديناميكية، والتي من الممكن أن تتحول سريعاً إلى مركز الاقتصاد العالمي.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الولايات المتحدة لا تسيطر اليوم إلا على بعد واحد هو القوة العسكرية، وأن الحكومة الاميركية تتصرف لصالح الأغنياء بشكل فاحش فقط، حيث المثال الأكثر وضوحاً يتمثل في كيفية قيامها بالقضاء على جميع الإنجازات التقدمية في القرن الأخير لتدخل السعادة إلى قلب الأغنياء. فها نحن نجدهم يلغون، على سبيل المثال، الضرائب التقدمية ويقتطعون الأرصدة المخصصة للتعليم والصحة والضمان الاجتماعي للناس الأكثر فقراً.
ـ هذا عام انتخابي في الولايات المتحدة، هل تعتقد أن هناك إمكانية لحدوث تغييرات؟
ـ يبدو لي أن احتمالية حدوث ذلك ضئيلة جداً والسبب هو أن الانتخابات في الولايات المتحدة تباع وتشترى، حيث كل شيء لا يعدو كونه استعراضاً يقدم للجمهور، لكن لم يتبق شيء من الثقافة الديمقراطية عملياً، فالمرشحون الذين يمثلون الناس العاديين بشكل حقيقي لا يستطيعون أن يحلموا بالمنافسة، بحيث لا يمكن أبداً أن يحدث ما حدث في البرازيل، حيث فاز مرشح شعبي على الرغم من معارضة دوائر الرأسمال المركز ووسائل الإعلام.
وكي تأخذ فكرة عن مدى سيطرة الشركات الكبرى على السياسة الداخلية والرأي العام، فكر فيما كان الإنجاز التشريعي في الأسابيع الأخيرة وقوانين خدمة المساعدة الطبية «ميدكير» التي يقولون أنها تزود كبار السن بالأدوية.
الآن إذا نظر المرء بتمهل إلى التشريع الجديد، فإنه يدرك على الفور أن الناس العاديين لن يحصلوا على شيء منه، لا بل أن النظام باهظ الكلفة. أما المستفيدون الوحيدون فهم أصحاب شركات الأدوية. وأمثلة مثل هذه موجودة بكثرة. وهذا يشير إلى أن انتخابات في هذه الظروف لا معنى لها، وحتى يتبدل هذا الوضع فإنها لن تكون أكثر من مزحة.
ـ بعد 11 سبتمبر قارنت عمل بن لادن مع عمل الولايات المتحدة في باقي العالم، والكثيرون فسروا ذلك بأنك تلمح إلى أن أميركا «كانت تسعى لذلك العمل».. هل هذا صحيح؟
ـ لا طبعاً، ومن غير المعقول أن يكون قد فسر على هذا النحو، فالشيء الوحيد الذي قلته: هذه فظاعة مريعة، لكن لسوء الحظ أن عدد القتلى كان غير عادي. والشيء الوحيد غير العادي كان الوجهة التي صوبت لها الأسلحة. لكن إذا كان الأمر جريمة عندما يرتكب ضدنا، فهو كذلك أيضا عندما نرتكبه نحن.
ـ في مقابلة حديثة أجرتها معك صحيفة «نيويورك تايمز» سألوك عما إذا كنت ترغب بالذهاب للعيش في مكان آخر وأجبت أن الولايات المتحدة هي «أفضل بلد في العالم».. ترى هل تشعر بذلك حقاً؟
ـ المقابلة التي تشير إليها مثيرة للاهتمام أيضاً، لأنها تقول الكثير حول الصحافة الأميركية، ولأنها مقابلة لم تحدث على أرض الواقع، فلقد وجه إليّ الصحافي الذي أجراها سلسلة من الأسئلة الحمقاء بالكامل، ورحت أشرح له بالتفصيل الممل طوال ساعة ونصف الساعة لماذا ما كنت لأرد على كل واحد من تلك الأسئلة. لكن ما فعله الناشر لاحقاً هو استخراج جملة واحدة من كل توضيح قدمته ووضعها كجواب.
ـ لكن هل رغبت بالعيش خارج الولايات المتحدة في وقت ما؟
ـ لا.. لماذا أفعل ذلك؟ إنها بلادي، أما إذا عشت في بلد آخر فسيكون من واجبي انتقاد الأشياء التي لا تروق لي هناك. والولايات المتحدة هي ناسها وثقافتها وليس فقط سياستها الخارجية. لدينا أشياء رائعة جداً، وأفضل مما هو موجود في بقية العالم، حقوق وضمانات دستورية كانت ثمرة سنوات طويلة من العمل والنضال، وأنا لا أنسى ذلك، كما إنني لا أستطيع العيش في ظل نظام استبدادي.

 

 (لاناسيون) ـ الأرجنتين

 

 

 

 

كتاب نعوم تشومسكي "القوة والارهاب" .. ذاكرة نقية وضمير متقد

 

موسى السيد

 

 

 

عندما انتهيت من قراءة كتاب «نعوم تشومسكي » الجديد المعنون «القوة والإرهاب، جذورهما في عمق الثقافة الأميركية» توقفت أمام عدة حقائق مهمة، بعضها يتعلق بالمؤلف وبعضها الآخر بالقضايا المثارة في هذا الكتاب. فبالنسبة للمؤلف لم أجد ما أصفه افضل من القول انه ذاكرة نقية وضمير متقد، فالمؤلف يذهب إلى إصابة كبد الحقيقة دون لف ودوران ويكشف عن التناقضات في عمق البنية الثقافية والسياسية الأميركية، وهو لذلك يثير غضب الكثير من الأوساط في الولايات المتحدة، لكنه لا يعبأ كثيرا بالحملات التي تشن ضده، فهو باحث ومفكر صاحب قضية. ولذلك سوف اركز في قراءتي هذه، على ما ورد في الكتاب حول القضايا العربية بوجه خاص. ونقطة الانطلاق ما قاله تشومسكي عن العقلية الأميركية: «إنهم لا يدركون أن علينا أن نطبق على أنفسنا المعايير التي نطبقها على غيرنا».

 

ذلك غير مفهوم لديهم. ليس هناك مبدأ أخلاقي أبسط من هذا. «ص38» ما سلف يشكل جذر الفصام في الثقافة الأميركية، وفي السياسة التي تدار بالانطلاق من هذه الثقافة. يقول تشومسكي عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية:

 

إنه ليس مجرد احتلال إنه احتلال وحشي كبقية الاحتلالات العسكرية الكريهة، هذا الاحتلال قاسى، لان غايته إفساد الأخلاق وإضعاف المعنويات وطرد الشعب من أرضه إن أمكن، ولم يكن بمقدور هذا الاحتلال الاستمرار دون دعم الولايات المتحدة، إذ مازالت الولايات المتحدة تسد الطريق أمام أية تسوية دبلوماسية طوال ثلاثين سنة، إضافة إلى إن الولايات المتحدة تقدم لـ«إسرائيل» الدعم العسكري والاقتصادي ص­41­ والأكثر مما سلف يقول المؤلف في «ص43» إن ما تفعله «إسرائيل» والولايات المتحدة هو جرائم حرب، وليس انتهاكات خطيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فجميع الجرائم التي يرتكبها قادة تل أبيب لا تعد جرائم لدى صانعي القرار في الولايات المتحدة:«لا تعد هذه المذابح أعمالا وحشية. بل الأعمال الوحشية هي ما تكون ضد إسرائيل ص­42»

 

يتطرق المؤلف إلى حقيقة إن ما يسمى الحرب على الإرهاب، قد ظهرت بوادره في مطلع الثمانينيات في الولايات المتحدة الأميركية. فما الذي حدث في إطار الحرب هذه؟

 

لقد تحولت أميركا الوسطى إلى مقبرة إذ تم ذبح مئات الألوف باسم مكافحة الإرهاب في القارة اللاتينية. فما هو الحال في البؤرة الثانية في نطاق الحرب على الإرهاب وهي الشرق الأوسط؟ يقول المؤلف إن أسوأ الأعمال الوحشية التي ارتكبت قد تمثلت بغزو لبنان عام 1982 حيث تم قتل اكثر من عشرين ألفا من العرب.

 

فأي الأعمال الإرهابية الأسوأ التي تمت في عام 1982، يسأل المؤلف، ويجيب انه يرشح ثلاثة أعمال لنيل الجوائز، وهي انفجار سيارة مفخخة في بيروت وضعت بالقرب من مسجد خلال الصلاة وراح ضحيتها ثمانون قتيلا ومائتان وخمسون جريحا. وقد أثبتت التحقيقات ضلوع وكالة المخابرات المركزية في هذه العملية. والعمل الإرهابي الثاني حسب تشومسكي قيام «إسرائيل» بمهاجمة تونس من الجو باستخدام القنابل الذكية الأمر الذي أدى إلى مصرع 25/ فلسطينيا وتونسيا. أما العمل الإرهابي الثالث فهو ما قامت به «إسرائيل» عام 1985 في جنوب لبنان، ذلك عبر ارتكاب مذابح جماعية في قرى الجنوب:

 

«لا أحد يعرف حجم الجريمة بدقة، إذ كان هناك مبدأ تتبعه الصحافة والعلماء ينص على عدم إجراء تحقيق فيما يرتكبونه هم أنفسهم من أعمال وحشية. أما فيما يتعلق بأعمال وحشية يرتكبها الآخرون، فإن عدد الضحايا يعرف حتى آخر شخص ص­71­» يقرر المؤلف في اكثر من موضع انه عندما يذكر أعمال «إسرائيل» الوحشية وجرائم الحرب التي ترتكب، فإنه يعني «إسرائيل» الولايات المتحدة : «لان ما من عمل تقوم به «إسرائيل» إلاّ ضمن الحدود التي تسمح بها الولايات المتحدة بها، وبتخويل من أميركا ودعمها ­ص121­».

 

لقد اعتبر المؤلف مهاجمة العراق تحصيل حاصل، وحدد السبب بدقة، انه ثروة النفط العراقية، وليس كل ما يقال عن الإرهاب وأسلحة الإبادة. وقبل إن تقع الحرب في العراق، يسأل تشومسكي من الذي سيقوم بإحصاء الخسائر البشرية العراقية وسواها؟ لا أحد!

 

لان ما يقع في أي مكان على أيدي من هم في الولايات المتحدة ليس مهما، ولكن إن يقع شيء للولايات المتحدة، فذلك هو الكارثة والطامة الكبرى.

 

 

جريدة تشرين - موسى السيد - العدد: 8656 - بتاريخ: 18/06/2003 - الصفحة: 11

 

 

 

مقابلة مع نعوم تشومسكي

 

أجراها معه الصحفي الكردي هاوزين عمر كريم

 

ترجمة : د. فيصل محمد

 

 

    عزيزي هاوزين:

 

كما كتبت إليك موضحا، إنني مضطر لإرجاء المقابلات لعدة أشهر، ولكن طلبك يرتدي أهمية شخصية بالنسبة لي، وهذا بدوره حتى يعود لأسباب شخصية: لعدة عقود من السنين كنت وثيق الصلة بالنضال من أجل حقوق وحرية الأكراد، وذلك بقدر استطاعتي، ولذلك لا أرغب بالتأجيل، وأنا أدرك بأنني إذا لم أستجب فورا فمن الممكن أن يؤجل الأمر لفترة طويلة، ولذا اقتطعت وقتا لكي أجيبك على الفور، ولو أن إجاباتي سوف تكون أشد اقتضابا مما أرغب، غير أن هذا أقصى ما أستطيع فعله، وأرجو أن يكون فيه بعض النفع لك.

 

                        ناعوم

 

          الساعة 3,06 صباحا – 29/11/2003

 

 

1- بصفتك مناهضا لسياسات الولايات المتحدة، إلى أي جناح سياسي تنتمي؟

 

إذا كنت تقصد الجناح الديمقراطي أو الجمهوري فالجواب هو: لا هذا ولا ذاك. كثيرا ما أوضح علماء السياسة بأن الولايات المتحدة هي أساسا دولة يحكها حزب واحد... وهو حزب رجال الأعمال المؤلف من جناحين، الديمقراطيون والجمهوريون، ويبدو أن معظم المواطنين يوافقون على ذلك. ثمة نسبة عالية، تفوق الـ 80 % أحيانا، تعتقد بأن الحكومة تخدم "مصالح الأقلية وذوي المصالح الخاصة"، وليس مصالح الشعب، وقد اعتبر 75 % بأن التنافس خلال انتخابات عام 2000 كان على العموم مهزلة لا علاقة لها بهم، ومجرد لعبة يمارسها الأغنياء والمساهمون بالتبرعات الانتخابية لزعماء الحزبين وشركات الدعاية والعلاقات العامة التي تدرب المرشحين على التفوه بأشياء لا معنى لها غالبا، والتي يمكن لها أن تتلقف بعض الأصوات.هذا تم قبل أن تتم الانتخابات فعلا، هذه الانتخابات التي تخللتها اتهامات بالتزوير واختيار بوش دون أن يحوز على أغلبية أصوات الناخبين.

 

إنني أميل إلى الموافقة مع رأي أغلبية المواطنين بهذه المسائل، وأعتقد أن أمامنا مهمة جسيمة ألا وهي خلق مجتمع ذي ثقافة أكثر ديمقراطية تكون الانتخابات فيه ذات معنى أسمى بكثير وتكون فيه مشاركة سياسية دائمة أكثر عمقا من قبل عامة الشعب. هنالك علماء سياسة أكثر جدية في صفوف الاتجاه السائد لا يصفون الولايات المتحدة بأنها "ديمقراطية" بل" نظام حكم الطغمة المتعددة الأقطاب": أي نظام تتخذ فيه القرارات من قبل النخبة، وتتم المصادقة شعبيا على هذا النظام من وقت لآخر. بالتأكيد ثمة قدر كبير من الصحة في استنتاج جون ديوي – وهو أهم فيلسوف اجتماعي أميركي في القرن العشرين، وكانت الديمقراطية تشكل الموضوع الرئيسي لكتاباته – بأنه إلى أن تتحقق سيطرة ديمقراطية على القطاعات الاقتصادية الرئيسية، سوف تظل السياسة "ظلا تلقيه الشركات الكبرى على المجتمع."

 

2- ما هي الأهداف من الوجود الأميركي في العراق والشرق الأوسط؟

 

لا أحد يجادل في أن الهدف الرئيسي هو السيطرة على الاحتياطي الهائل للطاقة النفطية في منطقة الخليج الفارسي، بما فيها العراق، وهذا كان من الهموم الأساسية للقوى العظمى الصناعية منذ الفترة التي أقيمت فيها دولة العراق من قبل البريطانيين، وذلك لكي يضمنوا بأن تكون مخزونات النفط في أيد بريطانية وبأن تمنع دولة العراق الوليدة من التمتع بمنفذ مباشر إلى الخليج. في ذلك الوقت لم تكن الولايات المتحدة لاعبا رئيسيا في الشؤون الدولية. ولكن بعد الحرب العالمية الثانية أضحت الولايات المتحدة القوة العالمية المسيطرة بامتياز وأضحت السيطرة على مخزونات الطاقة في الشرق الأوسط أحد الأهداف الرئيسية لسياستها الخارجية، كما كان هدفا للقوى المهيمنة قبلها. وفي الأربعينات من هذا القرن أدرك المخططون الأميركيون بأن موارد الطاقة في منطقة الخليج "هي مصدر هائل للتفوق الاستراتيجي،" على حد تعبيرهم، كما أنها " واحدة من أعظم الغنائم المادية في تاريخ العالم.” ومن الطبيعي أن تتجه نواياهم للسيطرة عليها... رغم أنهم لم يستخدموها كثيرا بأنفسهم لسنوات طويلة، وكانت الولايات المتحدة نفسها، بحسب تقديرات الاستخبارات الأميركية، تنوي الاعتماد على المصادر الأكثر استقرارا في حوض الأطلسي (في غرب إفريقية وفي البلدان الغربية.) ورغم ذلك تبقى السيطرة على الموارد الخليجية أولوية بالغة الأهمية، هذه الموارد التي يقدر بأنها سوف تؤمن ثلثي احتياجات الطاقة العالمية لأجل طويل. وبمعزل عن تحقيق "أرباح تفوق أحلام الجشع، “ كما عبرت عنها دراسة بارزة عن تاريخ صناعة النفط، تبقى المنطقة "مصدرا مذهلا للتفوق الاستراتيجي" وأداة للسيطرة على العالم. إن التحكم في مصادر الطاقة في الخليج يمنح "قوة الفيتو" على نشاطات المنافسين، كما أشار قبل نصف قرن جورج كينان، وهو أحد المخططين السياسيين الرئيسيين، هذا وتتفهم أوروبة وآسيا الوضع تماما ولطالما سعت كل منهما للوصول إلى مصادر الطاقة بشكل مستقل، وكان جزء كبير من الصراع للسيطرة في الشرق الأوسط يتعلق بهذه القضايا. أما شعوب المنطقة فينظر إليها على أنها عامل عرضي طالما أنها خانعة ومطيعة والقليل يدرك هذا الأمر بالقدر الذي يدركه الأكراد، على الأقل إذا كانوا يتذكرون تاريخهم.

 

بالتأكيد إن مخططي السياسة الأميركية ينوون إقامة دولة تابعة في العراق، وذات مظاهر ديمقراطية إذا أمكن ذلك، على الأقل لاعتبارات دعائية. ولكن إذا كان العراق يبغي استقلالا زائدا عن اللزوم، فلن يكون أكثر من "واجهة عربية،" على حد تعبير البريطانيين عندما كانوا مهيمنين على المنطقة وسلطتهم تقبع خلف هذه الواجهة بعيدا عن الواجهة. وهذا جزء مألوف من تاريخ المنطقة خلال القرن المنصرم، وذلك هو الأسلوب الذي استخدمته الولايات المتحدة على امتداد قرن كامل لتسيير شؤون مناطق سيطرتها في الغرب ذاته، ولا يوجد أي مؤشر على حصول معجزة تغيير من أي نوع. لقد فرضت قوات الاحتلال الأميركية على العراق برنامجا اقتصادي لا يقبل به أبدا أي بلد ذي سيادة: إنه يضمن عمليا استيلاء الشركات المتعددة الجنسية (وأغلبها أميركي) والبنوك على الاقتصاد العراقي. “ وحتى هذه السياسة كانت كارثية في البلدان التي فرضت فيها، وفي الواقع فإن هذه السياسة كانت السبب الرئيسي للفارق الحاد القائم في عالمنا اليوم ما بين البلدان الغنية ومستعمراتها السابقة. وبالطبع يوجد دوما قطاع محلي يثري نفسه من جراء تعاونه في إدارة هذه "الواجهة." وحتى الآن تم استثناء صناعة النفط من الاستيلاء الأجنبي لأن هذا أمر فاضح إلى درجة زائدة، ولكن هذا الاستيلاء سوف يتم لاحقا حين يتحول الانتباه عن العراق إلى مكان آخر. بالإضافة إلى ذلك، لقد سبق أن أعلنت واشنطون بأنها تنوي فرض "اتفاقية لتسوية وضع القوات" وهي سوف تمنح الولايات المتحدة حق الاحتفاظ بقوات عسكرية في العراق وأيضا - وهذا أمر ذو أهمية حاسمة – بقواعد عسكرية، وهي أول قواعد عسكرية ثابتة في قلب المنطقة، التي تشكل مخزون الطاقة الرئيسي في العالم.

 

3- بصفتك خبيرا بالتاريخ والسياسة الأميركيين، هل ترى من المناسب أن يضع الأكراد كامل ثقتهم وآمالهم في المشروع الأميركي في العراق؟

 

أنت تعرف أكثر مني المثل الكردي بشأن إيلاء الثقة بأي كان، وهذا ينطبق على غير الأكراد أيضا، غير أن الأكراد المطلعين على تاريخهم لا يحتاجون إلى من يذكرهم كيف باعتهم أميركا في عام 1975، حين تركوا ليذبحوا على أيدي النظام الإيراني التابع للولايات المتحدة، وليذكرهم بأن الأشخاص الحاكمين في واشنطون منحوا دعمهم الكامل لصدام حسين طيلة الوقت الذي ارتكب خلاله الفظائع وبعد انتهاء الحرب مع إيران بكثير وذلك لأسباب صرحت بها إدارة بوش الأول بلا مواربة: مسؤوليتهم في دعم الشركات الأميركية التصديرية، رغم أنهم أضافوا ديباجتهم المعتادة كيف أن دعمهم لصديقهم صدام سوف يساهم في خدمة حقوق الإنسان وفي تحقيق "الاستقرار.” هؤلاء الأشخاص أنفسهم - الذين عادوا إلى السلطة في واشنطون – دعموا صدام أيضا عندما سحق انتفاضة عام 1991 التي كان يكن لها أن تطيح بالطاغية، ومرة أخرى شرحوا أسبابهم. وبإمكان المرء أن يقرأ في "نيويورك تايمز" بأن "أفضل شيء في العالم" بالنسبة للولايات المتحدة هو وجود "طغمة عسكرية ذات قبضة حديدية" تحكم العراق تماما على طريقة صدام، وبأن صدام يمنح أملا أكبر في "استقرار" العراق ممن يمنحه أولئك الذين يعملون لإسقاطه. إنهم الآن يتظاهرون بالغضب بسبب المقابر الجماعية في الجنوب والفظائع في حلبجة، ولكن من الواضح أن هذا محض خداع كما نرى بجلاء حين ننظر إلى رد فعلهم وقت حدوث هذه الفظائع. بالطبع لقد كانوا على علم تام بها ولكنهم لم يهتموا، وبعد كل التمثيل لاحقا بشأن حلبجة، ما هو حجم المساعدات الطبية التي قدموها للضحايا على امتداد العقد الأخير؟ أضف إلى ذلك إن هذا الأسلوب لا تختص به الولايات المتحدة وحدها، فلسوء الحظ إنها الطريقة التقليدية التي تعمل من خلالها أنظمة القوة، وهي مطمئنة لعلمها بأن الطبقات المثقفة في بلدانها سوف توفر غطاء مناسبا من المثل العليا، وهذا دائما يصح في حالات من مارسوا القتل الجماعي من أمثال هتلر والفاشيين اليابانيين، وفي هذا الصدد صدام حسين أيضا.

 

حين يضع الضعفاء ثقتهم في أنظمة القوة فهم ببساطة يبحثون عن الكوارث. قد يشاءون أن يتعاونوا مع دولة قوية، ولكن إذا حدث ذلك فيجب ألا يكون لديهم أية أوهام. وللتكرار، لا أحد يعلم بهذا الأمر خيرا من الأكراد، ليس فقط في العراق بل وفي تركيا وأماكن أخرى.

 

4- لم تجد الولايات المتحدة أسلحة دمار شامل في العراق، وهي الآن تتحدث عن تحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط. هل سينجح هذا المشروع؟ وهل ستكون هذه الديمقراطية حقيقية؟

 

بعد أن فشلت واشنطون في العثور على أسلحة الدمار الشامل تحولت بدعايتها إلى "إقامة الديمقراطية، “ وهذا يفند بشكل مطلق زعمهم الأول بأن "المسألة الوحيدة" كانت تدور حول إمكانية حمل صدام على التخلص من أسلحته، ولكن بوجود طبقة مثقفة مطيعة إلى حد كاف وبوجود إعلام يدين بالولاء فإن المهزلة تستمر بدون أي عائق. ولتقويم الادعاء الجديد لابد لأي شخص عقلاني إن يسأل كيف تصرف في السابق أولئك الذين يدعون بأنهم "تواقون إلى الديمقراطية" وكيف يتصرفون اليوم حين يتعلق الأمر بمصالحهم. لا أبغي الخوض في هذا السجل، ولكن أولئك الذين يرغبون في تقويم هذه الادعاءات يتوجب عليهم أن يفعلوا ذلك بكل تأكيد، وسوف يكتشفون أنه يتم السماح "بالديمقراطية" عندما تكون "مفروضة من الأعلى" حيث تحتفظ بالسلطة تلك النخب السياسية التي تتعاون مع الشركات الأميركية وتؤمن مصالح الدولة الأمريكية. وبالمناسبة أنا أستشهد بقول أحد كبار المختصين بالديمقراطية في أميركا اللاتينية، والذي يكتب كشاهد عيان من داخل المؤسسة، حيث أنه قام بتقديم خدماته في سياق برامج إدارة ريغان "لتعزيز الديمقراطية،" هذه البرامج التي دمرت أميركا الوسطى وخلفت وراءها الكثير من الرعب في الشرق الأوسط وجنوب القارة الإفريقية أيضا. وعلاوة على ذلك فإن هذه السياسات ما تزال متبعة اليوم بدون أي تغيير. هل تجلب الولايات المتحدة الديمقراطية إلى أوزبكستان؟ أو إلى غينيا الاستوائية، والتي هي أيضا يحكمها وحش يمكن مقارنته بصدام حسين؟ ولكن البيت الأبيض برئاسة بوش يستقبله بحرارة لأنه يتربع على حوض نفط بالغ الضخامة. خذ مثلا بول وولفوويتز، الذي تصفه منظومة الإعلام بأنه الشخصية الرئيسية ذات المثل الديمقراطية والذي "يقطر قلبه" حزنا لآلام المسلمين المساكين، وهذا يفترض فيه أن يفسر لماذا كان من المدافعين الرئيسيين عن الجنرال سوهارتو حاكم إندونيسيا، والذي هو أحد أبرز المجرمين الذين مارسوا القتل الجماعي والتعذيب في العصر الحديث، وقد واصل في مدحه حتى وقت متأخر من عام 1997 قبل الإطاحة به بثورة داخلية. ومن السهل جدا أن نسهب في ذلك. وبالنسبة للأغنياء وذوي النفوذ، فإن الأوهام الذاتية هي مصدر رضا وراحة، وهناك الكثير ممن يستمتعون بكيل الإطراء لأنفسهم، وذلك هو دور رئيسي اضطلعت به الفئة المثقفة عبر التاريخ. أما بالنسبة للضعفاء والذين لا حول لهم ولا قوة فإن الإيمان بالأوهام لا يشكل منهجا حكيما، كما ينبغي أن يفهم ضحايا الممارسات الإمبريالية عبر القرون.

 

5- هل الحروب التي تشنها الولايات المتحدة لحماية أمنها القومي مشروعة؟ كيف تنظر إلى الأمن القومي الأميركي؟

 

إن الأمن القومي للولايات المتحدة مهددا فقط من قبل الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل (أ.د.ش.) واللذين سوف يجتمعان معا إن عاجلا أم آجلا، وربما يؤدي ذلك إلى نتائج مروعة. إن وكالات الاستخبارات الأميركية وغيرها من الوكالات، وأيضا محللي السياسة الخارجية المستقلين تنبأوا بأن غزو العراق سوف يؤدي إلى ازدياد الإرهاب وانتشار أ.د.ش.، ولقد ثبتت صحة توقعاتهم، والأسباب واضحة. لقد أعلنت القوة العالمية المسيطرة عن نيتها بمهاجمة أية جهة ترغب، بدون ذريعة مقبولة أو تفويض دولي، وذلك وفق استراتيجية الأمن القومي الموضوعة في عام 2002، ثم باشرت على الفور بالقيام " بعمل نموذجي" لكي تظهر للعالم أنها تعني تماما ما تقول، وغزت بلدا مهما كانت تدرك بالطبع بأنه عمليا عاجز عن الدفاع عن نفسه. وعندما تشاهد ذلك أهداف محتملة فإنها لا تقول: "شكرا! اذبحني من فضلك" بل إنها تلجأ إلى وسائل الردع أو الانتقام أحيانا. لا أحد يستطيع بالقوة العسكرية منافسة الولايات المتحدة، التي يبلغ حجم نفقاتها العسكرية حوالي ما ينفقه بقية العالم بأسره. هذا هو سبب التوقعات شبه الإجماعية من قبل الخبراء بأن الإعلان عن "استراتيجية الأمن القومي" وغزو العراق سوف يؤججان الإرهاب والسعي لحيازة أ.د.ش. وإدارة بوش تدرك ذلك، كما تدركه أجهزة الاستخبارات ويدركه المحللون المستقلون. إنهم لا يفضلون أن يلحقوا الأذى بالأمن القومي للولايات المتحدة ويعرضوا السكان لتهديدات خطيرة. غير أن هذا لا يشكل أولوية بالنسبة لهم بالمقارنة مع أولويات أخرى: السيطرة على العالم وإتباع برنامج داخلي رجعي جذري يهدف إلى إزالة التشريعات التقدمية التي أقرت في القرن المنصرم والتي كان الغرض منها حماية عامة المواطنين من ويلات نظام السوق. وهم يبغون دولة قوية جدا، وحالما أمسكوا بزمام السلطة رفعوا نفقات الدولة (قياسا إلى الاقتصاد) إلى أعلى مستوى منذ أن صعدوا إلى السلطة لأول مرة قبل 20 عاما إبان إدارة ريغان. ولكن الدولة القوية التي يودون إحياءها هي لخدمة مصالح الأقوياء وذوي الامتيازات، وليس عامة الشعب، وفي نظرهم فإن أهدافهم العالمية والمحلية أهم بكثير من الأمن، أو حتى البقاء. ولا جديد في ذلك فأولئك الذين لديهم بعض الإلمام بالتاريخ يدركون بأن القادة السياسيين غالبا ما يختارون أن يجازفوا ويتسببوا في الكوارث خلال سعيهم للسيطرة والنفوذ والثروة.

 

6- إلى أي حد تسعى الولايات المتحدة وراء الشرعية والقبول الدوليين؟

 

لطالما أظهرت الولايات المتحدة الازدراء تجاه مجلس الأمن والمحكمة الدولية والهيئات الدولية عموما، وهذا ليس موضع جدل على الإطلاق. ولكن هذه الإدارة شديدة التطرف في احتقار القانون الدولي والهيئات الدولية، لدرجة أنها كانت موضع إدانة لم يسبق لها مثيل من قبل أرباب السياسة الخارجية، وفوق كل ذلك فهناك قدر كبير من الوقاحة والمجاهرة بعدم وجود حاجة حتى لمناقشة هذا الموضوع.

 

7- هل نجحت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في حماية استقلالها؟

 

من الواضح أنها لم تفعل. منذ سنة أبلغت إدارة بوش الأمم المتحدة بأنها قد تغدو "ذات نفع" إذا اتبعت أوامر الولايات المتحدة، وإلا ستكون مجرد جمعية يمارس فيها الجدل (على حد تعبير كولن باول.) هذا الوضع استمر في الماضي وهو مستمر اليوم، والأمر ليس مقصورا على المسألة العراقية وحدها. وإذا ركزنا اهتمامنا فقط على الشرق الأوسط فإن الولايات المتحدة تابعت على مدى ثلاثين عاما نهجها بحماية دولتها التابعة إسرائيل بنقض قرارات مجلس الأمن ومنع إصدار قرارات في الجمعية العمومية، وبالطبع بمنح المساعدات العسكرية والاقتصادية لدولتها التابعة لتستمر ببرنامج ضم الأجزاء المهمة في الضفة الغربية إلى إسرائيل، وهذا هو أحد الأسباب الذي جعل الولايات المتحدة متفوقة بشكل واضح في مجال استخدام الفيتو لنقض قرارات مجلس الأمن (تتبعها بريطانيا، ولا يقترب أحد مجرد اقتراب من هذا المستوى) منذ الستينات، عندما بدأت الأمم المتحدة بالاستقلال نوعا ما عن سيطرة الولايات المتحدة نتيجة لتصفية الاستعمار ولتعافي الدول الصناعية من الحرب. وهذا بالطبع ليس السبب الوحيد، فالولايات المتحدة تستخدم الفيتو لنفض قرارات مجلس الأمن في طائفة من القضايا، بما فيها حتى الدعوة إلى احترام القانون الدولي... والتي لا تذكر الولايات المتحدة بالاسم، مع أن الجميع يدرك لمن توجه هذه الدعوة.

 

8- اعتبرت، أنت، الولايات المتحدة زعيمة الإرهابيين، لماذا؟ وإلى أي حد باستطاعتها حماية القيم الإنسانية؟

 

أطلق على الولايات المتحدة اسم "زعيمة الإرهابيين" ولكنني أجريت دراسات موثقة ومفصلة عن السجل الطويل والرهيب لأعمال الولايات المتحدة وعن دعمها الحاسم للإرهاب الذي تمارسه جهات تابعة لها، وعندما أستعرض هذا السجل فأنا أستخدم التعريف الرسمي للحكومة الأميركية لكلمة "الإرهاب." ولكن ثمة أقلية فقط تود استخدام التعريف الرسمي، لأن هذه هي النتيجة الفورية، وإذا لم تكن مقتنعا راجع التوثيق المستفيض ... بما فبه تاريخ الأكراد وحتى الوقت الحاضر، رغم أن التأييد الأميركي الحاسم لإرهاب الدولة ضد الأكراد كان موجودا بالدرجة الأولى في تركيا في التسعينات، عندما أصبحت تركيا تحتل الصدارة بين الدول التي تتلقى المساعدات العسكرية الأميركية (إذا وضعنا جانبا إسرائيل ومصر) بينما كانت تطرد ملايين الأكراد من ريفهم عقب تدميره، وتقتل عشرات الآلاف وتمارس كل الأعمال البربرية التي يمكن تخيلها، وهي من أسوأ جرائم التسعينات، وهي ماثلة بقربك. وأنا شخصيا شاهدت بعض النتائج في مدن الصفيح في استانبول التي سيق إليها المهجرون، وفي أسوار مدينة ديار بكر حيث حاولوا البقاء على قيد الحياة، وفي أماكن أخرى أيضا. وهذا جزء صغير جدا من القصة، ولا يتطرق إلى الفظائع الإرهابية التي تم ارتكابها، وفي هذا الصدد ثمة سجل طويل شنيع. وفي الحقيقة تنفرد الولايات المتحدة بأنها الوحيدة التي أدانتها المحكمة الدولية وذلك بسبب هجومها على نيكاراغوا وارتكاب أعمال تتساوى مع الإرهاب الدولي، ولقد أمرت المحكمة إدارة ريغان – والتي عادت إلى السلطة الآن – بأن تنهي حربها الإرهابية على نيكاراغوا. وبالطبع لم تقم الولايات المتحدة وزنا لأمر المحكمة، وسارعت إلى تصعيد حربها الإرهابية، كما أنها نقضت قرارات مجلس الأمن المؤيدة لحكم المحكمة. وهذه الممارسات ليست بأي حال من الأحوال حكرا على الولايات المتحدة. وعلى العموم فإن ممارسات كهذه تتوازى نوعا مع درجة القوة والقدرة على ارتكاب الجرائم. وأكرر بأن هذا شيء مألوف – أو ينبغي أن يكون كذلك – بالنسبة للضحايا عبر القرون. هل تستطيع الأنظمة التي تتمتع بالقوة أن تصون القيم الإنسانية؟ بالتأكيد إنها تستطيع، وأحيانا تقوم بذلك بالفعل، وهذا ينطبق أيضا على الولايات المتحدة. هذا يحدث عندما تشكل حماية القيم الإنسانية خدمة لمصالح القوى العظمى أو عندما تطالب بذلك جماهير المواطنين المستثارة. وكلا العاملان مسئول عن قيام الولايات المتحدة بحماية الأكراد في التسعينات، بينما كانت الولايات المتحدة تؤمن الدعم العسكري والدبلوماسي الحيويين لأعمال القمع الوحشية بحق الأكراد في الجهة الأخرى من الحدود، مع أن المواطنين في الولايات المتحدة ما يزالون غير عالمين بهذه الجرائم، حيث يقوم الإعلام والفئات المثقفة بالتكتم على البراهين العديدة عليها، كما هو الحال بوجه عام.

 

9- قلت في بعض أعمالك بأنه لا يوجد أمل في مستقبل أفضل طالما أن القوة الأميركية آخذة في الازدياد، لماذا أنت رجل متشائم؟ هل يعني هذا بأن النموذج الأميركي لن ينجح؟

 

أنا لا أقول ذلك بتاتا. ثمة أمل كبير في مستقبل أفضل، وبناء مستقبل كهذا يجب أن يكون مهمة رئيسية للشعب في أميركا وللشعوب في الغرب عموما وفي بقية أنحاء العالم، وهنالك علائم مشرقة أؤكد عليها باستمرار. أما بالنسبة "للنموذج الأميركي، “ فالأمر يعتمد على ما تقصده أنت. الشعب في الولايات المتحدة لديه إنجازات رائعة يشهد له بها: حرية التعبير مثلا، هي شيء فريد في التاريخ، على حد علمي، كما أنه تم اكتساب المزيد من الحقوق، وهي لم تكن هبات من فوق، بل نتيجة نضال شعبي دءوب. إذا كان هذا هو النموذج الذي بذهنك، فأنا آمل أن يكون أكثر نجاحا في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى، وإذا كنت تقصد بالنموذج الأميركي ما يتضمنه الإعلان عن "استراتيجية الأمن القومي" وتطبيقاتها العملية، أو النموذج الليبرالي الجديد الذي يبتغي نقل السيطرة على معظم أنحاء العالم إلى أيدي الشركات المتعددة الجنسية المرتبطة ببعضها البعض وإلى بضعة دول قوية – وهي ما تطلق عليها وسائل الإعلام التجارية اسم "الحكومة العالمية الفعلية" – فأنا بالتأكيد آمل، كما ينبغي أن نأمل جميعا، ألا ينجح.

 

10- إلى أي حد تنجح الدعاية ووسائل الإعلام في جعل المواطنين الأميركيين مؤيدين لسياسة حكومتهم؟ وهل يستطيع معارضو هذه السياسة أن يوصلوا صوتهم إلى الآخرين؟

 

الأمر يتفاوت. خذ مثلا غزو العراق. من الناحية العملية لقد تم الإعلان عن هذا الغزو في أيلول 2002 مع الإعلان عن "استراتيجية الأمن القومي، “ وقد أعقب ذلك حملة دعائية حكومية/إعلامية واسعة حولت قطاعات كبيرة من الرأي العام الأميركي بعيدا تماما عن نطاق الرأي العام العالمي، والغالبية باتت تعتقد أن صدام حسين كان خطرا وشيكا على الولايات المتحدة وأنه كان مسئولا عن جرائم 11 أيلول 2001 وبأنه كان يخطط لفظائع جديدة بالتعاون مع القاعدة، الخ. هذه الاعتقادات كانت متلازمة مع تأييد الغزو، وهذا لا يشكل مفاجأة. كان من المعروف أن هذه الاعتقادات خاطئة تماما، ولكن هذا لم يهم: الأكاذيب التي تذاع بشكل مدو وعلى نحو لا ينقطع أضحت هي الحقيقة العليا. ورغم ذلك فإن الحملة الدعائية نجحت فقط بشكل جزئي. لقد بلغت الاحتجاجات على الغزو مستويات لا يضاهيها أي شيء في تاريخ أوروبا أو الولايات المتحدة. عندما هاجمت الولايات المتحدة فيتنام عام 1962 – ولا جدل في أنها فعلت ذلك- لم يكن هناك أي احتجاج على الإطلاق، ولم يبلغ الاحتجاج أي مستوى جدي قبل 4 أو 5 سنوات، وفي غضون ذلك كانت فيتنام الجنوبية، والتي شكلت الهدف الرئيسي للهجوم، قد دمرت عمليا، وكان العدوان قد امتد إلى معظم الهند الصينية. لأول مرة في تاريخ الغرب، كان هناك احتجاج هائل ضد غزو العراق حتى قبل أن يعلن الغزو رسميا، وهذا مثال واحد فقط من ضمن أمثلة عديدة تدل على أن أنظمة القوة قد فقدت السيطرة على قطاعات مهمة من الشعب، وهناك مثال آخر يتمثل في الحركات المطالبة بالعدل في العالم والتي انتشرت في أرجاء المعمورة، هذه الحركات لم يسبق لها مثيل.

 

11- البعض ينتقدك لكونك أكثر الأميركيين تطرفا في معاداة إسرائيل، والبعض يقول إنك، كيهودي، تكره ذاتك، كيف يمكن أن تنتقد إسرائيل بهذا الشكل؟

 

هذه التهم ظريفة. أولئك الذين يعرفون الكتاب المقدس يعرفون أصلهم. هذه التهم تعود إلى أيام الملك آهاب، الذي كان يجسد الشر في الكتاب المقدس. لقد أدان الملك آهاب النبي إيليا بوصفه كارها لإسرائيل، وقد وافق على ذلك المتملقون في قصر الملك آهاب. كان إيليا "يهوديا كارها لذاته،" لو شئنا الاستعارة من قاموس المتملقين في ذلك القصر، لأنه كان ينتقد سياسات الملك ويدعو إلى العدل واحترام حقوق الإنسان. وكانت هناك تهم مماثلة في الاتحاد السوفييتي فيما مضى: كان يحكم على المنشقين بأنهم يكرهون روسيا، وثمة أمثلة أخرى من الأنظمة الدكتاتورية والمتسلطة. وهذه التهم تعكس قيم استبدادية متأصلة، فبالنسبة للحاكم المستبد الموغل في الاستبداد فإن سلطات الحكم يجب أن تتطابق مع الشعب والثقافة والمجتمع. إسرائيل هي الملك آهاب وروسيا هي الكرملين، وبالنسبة للحكام المستبدين فإن انتقاد سياسة الدولة هو انتقاد للبلاد ولشعبها، أما بالنسبة لأولئك الذين لديهم أي اهتمام بالديمقراطية والحرية فإن هذه التهم مضحكة تماما. إذا أدين شخص إيطالي ناقد لبرلسكوني بأنه "معاد لإيطاليا" أو بأنه "إيطالي كاره لذاته" فهذا سوف يثير السخرية في روما وميلانو، ولو أن ذلك كان ممكنا في أيام نظام موسوليني الفاشي. إن الأمر مثير للاهتمام بشكل خاص حين تبدر هذه المواقف في مجتمعات حرة، كما هو الحال مع أولئك الذين تستشهد بأقوالهم.

 

“أنا لا أنتقد إسرائيل على وجه التخصيص، ولكني أنتقد بقوة الدور الحاسم للولايات المتحدة – وهي بلادي على كل حال – في تأييدها للجرائم البربرية للدولة التابعة لها وفي منع تسوية سياسية سلمية وفق الخطوط التي يؤيدها عمليا العالم قاطبة منذ السبعينات، وبالنسبة للعقلية الاستبدادية فهذا يمثل "كرها لإسرائيل" أو "كرها للولايات المتحدة." الملك آهاب والمتملقون في قصره، الكرملين ومفوضوه، والآخرون الذين يدعون للخضوع الذليل للسلطة سوف يوافقون بدون شك، أما أولئك الذين يثمنون عاليا الحرية والعدل وحقوق الإنسان فسوف ينحون نحوا مختلفا، كما جرت عليه الأمور عبر التاريخ.

 

نعوم تشومسكي

 

 

أمريكا أكبر خطر يهدد السلام العالمي

 

 

نعوم تشومسكي، من أشهر الأسماء في علوم اللغويات، وصاحب نظريات جديدة في علم اللغة، هو في نفس الوقت رجل سياسة، فهو يمارس السياسة ويكتب فيها، ووضع فيها العديد من الكتب والمقالات، وخاصة في شئون السياسة الخارجية الأمريكية والشئون الدولية وحقوق الإنسان. ومن كتبه الأخيرة: القوة والرعب و أوهام الشرق الأوسط ، وقد التقاه الكاتب دافيد بارسميان الذي اشتهر بأنه وضع مع نعوم تشومسكي عدة كتب عبارة عن حوارات، كانت في الأصل حوارات إذاعية، و دافيد بارسميان بالأصل مدير ومؤسس " الإذاعية البديلة" ، ومن بين الحوارات بين الرجلين هذا الحوار الذي تم في مارس عام .2003 ورغم الأصل اليهودي لتشومسكي ومحاوره دافيد، إلا أن مجمل الآراء التي يطرحانها في هذا الحوار تفسر وتلقي الضوء على المنهاج الفكري لصناع السياسة في الولايات المتحدة، وهي في نفس الوقت تتوقع فيما يشبه التحذير وقرع الأجراس ما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب والبعيد، من جانب أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم. إن الأمر لا يتعلق بالتأكيد بشعارات الامبريالية والهيمنة الأمريكية على العالم، وإنما بأفكار حقيقية يقرأها عالم أمريكي مشهود له بالرجاحة والاتزان العلمي والفكري.

 

- ما هي النتائج الإقليمية لغزو الولايات المتحدة للعراق؟

 

- أعتقد أن العالم كله، وليس المنطقة وحسب، تفهم هذا الغزو على نحو صحيح كنوع من الاختبار السهل في محاول لإقرار قاعدة لاستخدام القوة، أعلن عنها بكلمات لها صفة العمومية منذ شهر سبتمبر الماضي. ففي شهر سبتمبر الماضي صدر تقرير استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية. وقدم هذا التقرير مذهبا جديدا ومتشددا لدرجة عير معتادة في مسألة استخدام القوة في العالم. ومن الصعب ألا نلاحظ أن قرع طبول الحرب قد تزامن مع هذا التقرير، كما أنها تزامنت مع حملة الكونجرس، وكل هذا مرتبط ببعضه البعض. والمذهب الجديد لم يكن للحرب بالشفعة ، والتي تقع بشكل مثير للجدل في نطاق تفسير موسع لميثاق الأمم المتحدة، ولكنها تتعلق بشيء ما ليس له أي أساس في القانون الدولي، وهي بالتحديد الحرب الوقائية. وهذا المذهب يدعو إلى يمكن أن تحكم العالم بالقوة، وأنه لو كانت هناك تحدي يعتقد أنه يشكل تهديدا لسيطرتها، سواء كان تحديا بعيدا أو تخيليا أو مبتدعا، أو من أي نوع كان، فإن الولايات المتحدة سيكون لديها الحق في تدمير هذا التحدي قبل أن يتحول إلى تهديد. هذه هي حرب وقائية وليست حربا بالشفعة. وأنت إذا أردت أن تعلن عن مذهب، فإن الدولة القوية لديها القدرة لابتداع ما يسمي بالقاعدة الجديدة. وهكذا فإذا أرادت الهند أن تغزو باكستان لوضع حد لأعمال العنف الوحشية فإن ذلك لا يشكل قاعدة. ولكن إذا قصفت الولايات المتحدة صربيا لأسباب مشكوك فيها فإن هذا يشكل قاعدة. هذا هو ما تعنيه القوة. وبهذا فإنك إذا أردت أن تقر قاعدة جديدة لابد أن تفعل شيئا ما. وأسهل الطرق لعمل هذا الشيء هو أن تختار هدفا معدوم الدفاع تماما، يمكن التغلب عليه بواسطة أضخم قوة عسكرية في التاريخ البشري. وعلى أي حال، فإنك حتى تفعل هذا بأسلوب له مصداقية، وخاصة في مواجهة شعبك، يلزم أن تخيف هذا الشعب. ولهذا لابد من أن يتحول الهدف معدوم الدفاع إلى تهديد رهيب للبقاء ويكون مسئولا عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأن يكون مستعدا لأن يهاجمنا مرة أخري، وان يفعل ما هو أكثر وأكثر. وهذا هو بالفعل ما تم تحقيقه. فبداية من شهر سبتمبر الماضي كانت هناك جهود حثيثة ناجحة لإقناع الأمريكيين، وحدهم دون باقي العالم، بأن صدام حسين ليس وحشا وحسب، وإنما يهدد وجودهم أيضا. وكانت هذه هي فحوي قرار الكونجرس في شهر أكتوبر وتوالت بعده العديد من الأشياء. وقد ظهرت نتائج هذا في صناديق الاقتراع، والآن أصبح نصف السكان يعتقدون أنه كان المسئول عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر. لقد تجمع كل هذا معا، فلديك المذهب المعلن. ولديك القاعدة التي تم إقراراها بطريقة سهلة جدا. والشعب تم سوقه إلى حالة الفزع، وأصبح هو الوحيد في العالم الذي يصدق هذا الخرافات التخيلية، ولهذا فهو مستعد لتأييد استخدام القوة العسكرية في الدفاع عن النفس. فإنك لو صدقت هذا فهو فعلا دفاع عن النفس. إن هذا النوع يشبه مثلا صريحا تعليميا للعدوان، بغرض توسيع هدف القيام بمزيد من العدوان. وما أن يتم تحقيق الهدف السهل يمكنك أن تتحرك نحو الأهداف الأصعب. هذه هي الأسباب الرئيسية في أن كثيرا من بلدان العالم عارضت الحرب بشدة. فليس الأمر مجرد شن حرب على العراق، فكثير من الناس فهموها على نحو صحيح، كما هي بالضبط. وهذا هو السبب في أن الولايات المتحدة بات ينظر إليها الآن على أنها أكبر تهديد للسلام في العالم. لقد نجح جورج بوش خلال عام في أن يحول الولايات المتحدة إلى بلد يخاف منه الجميع بشدة ولا يحبونه، بل وربما يكرهونه.

 

- في المنتدى الاجتماعي الدولي الذي عقد بمدينة بورتو اليجرو في شهر يناير الماضي وصفت بوش ومن حوله بالقوميين المتطرفين المتورطين في عنف امبريالي. هل النظام في واشنطن الآن مختلف جوهريا عما سبقه من أنظمة؟

 

- من المفيد أن يكون لدينا بعض الرؤي التاريخية. ولهذا دعنا نعود إلى الطرف المقابل في المنطور السياسي، أي إلى الليبراليين مع كندي، ففي عام 1963 أعلنوا عن مذهب ليس مختلفا كثيرا عن منهج تقرير استراتيجية الأمن القومي لبوش. وكان دين اتشسون، وهو من رجال السياسة المحنكين، مستشارا لإدارة كنيدي، وقد ألقي خطابا أمام الجمعية الأمريكية للقانون الدولي أعلن فيه أنه ليس هناك خرق قانوني من الممكن أن ينشأ في حالة ردها على أي تحد لوضعها ومكانتها وسلطتها. كانت كلماته مشابهة لهذه إلى حد كبير. فإلى ماذا كان يشير؟ كان يشير إلى حرب الولايات المتحدة الإرهابية والاقتصادية على كوبا. وكان للتوقيت مغزاه الهام، فقد قاله بعد فترة وجيزة من أزمة الصواريخ والتي دفعت العالم إلى شفا حرب نووية. وجاء ذلك نتيجة لحملة كبري للإرهاب الدولي تهدف إلى ما يسمي الآن بتغيير النظام، وهو عنصر هام أدي إلى إرسال الصورايخ. بعدها مباشرة صعد كيندي حملة الإرهاب الدولي وأحاط اتشسون جمعية القانون الدولي بأننا لدينا الحق في شن حرب وقائية ضد مجرد التحدي لوضعنا ومكانتنا وليس فقط ضد أي تهديد لوجودنا. كانت كلماته في الحقيقة أشد تطرفا من المنهج المنشور في سبتمبر الماضي. من ناحية أخري فإن لوضع الأمور في نصابها لم يكن كلام اتشيسون إعلانا رسميا، ولم يكن أول ولا آخر إعلان من هذا النوع. لكن الإعلان الذي أذيع في سبتمبر الماضي ليس معتادا في وقاحته وفي أنه إعلان رسمي سياسي، وليس مجرد تصريح من مسئول كبير.

 

- هناك شعار سمعناه جميعا في المسيرات التي قامت مناصرة للسلام وهو لا دم في مقابل النفط . وقضية النفط برمتها تعتبر مرجعا للقوة الدافعة التي تقف وراء الهجوم الأمريكي على العراق واحتلاله. ما مدي أهمية النفط في الاستراتيجية الأمريكية؟

 

- في مركز الاهتمامات بلا شك. لا أعتقد أن أي إنسان عاقل يشك في هذا. ومنطقة الخليج هي المنطقة الرئيسية لإنتاج الطاقة في العالم. وكانت كذلك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ومن المتوقع أن تظل كذلك لجيل قادم على الأقل. إنها مورد ضخم للقوة الاستراتيجية، وللثروة المادية. والعراق في القلب من هذه المنطقة، ولديها ثاني أكبر احتياطي بترول، والبترول فيها سهل الاستخراج ورخيص السعر. والتحكم في العراق يعني أن تكون في وضع قوي جدا لتحديد السعر ومستويات الانتاج حتى لا تكون عالية جدا أو منخفضة جدا، بما يؤدي ربما إلى إخضاع الأوبك، وأن تفرض سلطتك على العالم كله. وكان هذا صحيحا منذ الحرب العالمية الثانية. وليس للاستراتيجية الأمريكية أي دخل بالقدرة على الدخول لهذا البترول، وهي لا تنوي في الحقيقة أن تدخل إليه. ولكنها لها دخل بالتحكم. ولهذا يبقي دائما في الخلفية. ولو كانت العراق في مكان ما في أفريقيا الوسطي لم تكن لتختار لهذه الحالة الاختبارية. وأيضا لم يكن للبترول دخل في توقيت العملية لأنه من ثوابت الاهتمامات. في عام 1995 وصف تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية بترول الشرق الأوسط على أنه مصدر هائل للطاقة وواحد من الجوائز المادية الكبري في تاريخ العالم. وتستورد الولايات المتحدة 51 بالمائة من بترولها من فنزويلا. وهي تستورد أيضا من كولومبيا ونيجيريا. وجميع هذه الدول الثلاث، من وجهة نظر واشنطن، تمثل مشاكل حتى الآن، مع وجود هوجو سانشيز في فنزويلا والمشاكل الداخلية العنيفة التي تصل إلى حرب أهلية في كولومبيا، والتمرد في نيجيريا الذي يهدد بقطع إمدادات البترول منها. ماذا تري في كل هذه العوامل؟ - لها صلة وثيقة، فهذه المناطق هي التي تحاول الولايات المتحدة أن يكون لها منفذ إليها. أما الشرق الأوسط فهي تريد التحكم فيه. ولكن، على الأقل طبقا للأهداف الاستخبارية، فإن الولايات المتحدة تنوي الاعتماد على ما تعتبره مصادرة أكثر استقرارا في حوض الأطلنطي، وهو ما يضم شرق إفريقيا ونصف الكرة الأرضية الغربي والذي يقع بالكامل تحت السيطرة الأمريكية، وليس الشرق الأوسط الذي يعد منطقة صعبة. ولهذا فإن الأهداف الاستخبارية هي التحكم في الشرق الأوسط وفي نفس الوقت الحفاظ على النفوذ إلى حوض الأطلنطي بما في ذلك الدول التي ذكرتها. وبالت إلى فإن أي اضطراب أو خلاف من أي نوع في هذه المناطق يعتبر تهديدا خطيرا، ومن المحتمل جدا أن يتكرر فيها ما حدث في العراق، لو تحقق في العراق ما يتمناه المخططون المدنيون في البنتاجون. نصر سهل، بلا قتال، وترسيخ نظام جديد سوف تسميه ديمقراطيا بلا كوارث، فإذا حدث كل هذا سوف يجدون الجرأة لتنفيذ الخطوة التالية. أما فيما يتعلق بالخطوة التالية فيمكنك التفكير في عدة احتمالات، أحدها حقا هي منطقة الانديان، وللولايات المتحدة الآن قواعد كثيرة حولها. وتوجد قوات مسلحة فعلية فيها. فنزويلا وكولومبيا، وبخاصة فنزويلا، هما منتجان أساسيان للبترول، وهناك غيرهما، مثل الإكوادور وحتى البرازيل. نعم، هذا احتمال. الخطوة التالية في الحرب الوقائية، إذا ما استقرت كقاعدة وتم قبولها، هي المواصلة في تلك المناطق. والإمكانية الأخري هي إيران.

 

- إيران بالفعل. لم تنصح الولايات المتحدة بغير ذلك، فالرجل الذي يصفه بوش بأنه رجل سلام، وهو شارون، نصحه بأن يتولي إيران بعد أن يفرغ من العراق. ماذا عن إيران؟

 

- هي من الدول التي وصفت بأنها ضمن محور الشر ولديها أيضا بترول كثير. - فيما يتعلق بإسرائيل لم يكن العراق أبدا قضية خطيرة. فهم يعتبرونها نوعا من اللقمة السائغة . لكن إيران قصة أخري. فإيران قوة عسكرية واقتصادية أكثر جدية وخطرا، وطوال السنين كانت إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة لكي تهاجم إيران. فإيران أكبر من أن تهاجمها إسرائيل ولهذا فهي تريد من الأولاد الكبار أن يفعلوا هذا بدلا منها. ومن الصحيح تماما أن الحرب ربما تكون في طريقها للنشوب الآن بالفعل. فمنذ عام ذكرت تقارير أن أكثر من عشرة بالمائة من القوات الجوية الإسرائيلية تعسكر في شرق تركيا في القواعد الأمريكية الضخمة هناك، وذكر أيضا أنها تقوم بطلعات تجسس على الحدود الإيرانية. بالإضافة إلى هذا هناك تقارير موثوق بها بأن هناك جهود، وأن هناك محاولات من الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل من أجل دفع القوي القومية الأذرية في شمال إيران نحو نوع من ضم أجزاء من إيران إلى أذربيجان. وهناك نوع من التمحور بين الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل في المنطقة ضد إيران يمكن أن يؤدي في النهاية إلى تقسيم إيران أو شن حرب عليها. رغم أنه لن يكون هناك هجوم عسكري إلا إذا كان هناك ضمان بأن إيران سوف تكون معدومة الدفاع. إنهم لن يهاجموا أحدا يمكنه أن يرد الهجوم. مع وجود القوات الأمريكية في أفغانستان وفي العراق، بالإضافة إلى قواعدها في تركيا وآسيا الوسطي فإن إيران تعتبر الآن محاصرة من جميع الاتجاهات. ألا يمكن لهذا الواقع الموضوعي أن يدفع القوي داخل إيران إلى تطوير أسلحة نووية، إن لم تكن تمتلكها بالفعل، كوسيلة للدفاع عن النفس؟ - من المحتمل جدا. إن لدينا أدلة جادة على أن ضرب إسرائيل للمفاعل النووي العراقي عام 1981 ربما يكون قد حفز وربما حرك برنامج العراق لتطوير أسلحة نووية. وكانوا قد بدأ في بناء منشأة نووية لكن أحدا لم يكن يعلم عنها شيئا. وتم فحص هذه المنشأة عقب القصف بواسطة عالم شهير كان رئيسا لقسم الطبيعة النووية بجامعة هارفارد في ذلك الوقت ونشر تحليله في المجلة العلمية المتخصصة المرموقة نيتشر ، وطبقا لما قاله فإنها كانت منشأة للطاقة. وكان خبيرا في هذا الموضوع. ورأت مصادر عراقية أخري في المنفي أنها لا تستطيع أن تثبت ماذا كان يحدث بالضبط. فربما كانوا يتلاعبون بفكرة الأسلحة النووية لكن ضرب المفاعل جعلهم يفكرون في برنامج الأسلحة النووية بجدية. إنك لا تستطيع أن تثبت ذلك ولكن الشواهد تدل عليه. وهو أمر محمود، وما وصفته جدير فعلا بالحدوث، فإنك إذا جئت لي لتقول إنني سوف أهاجمك، وهذه الدول تعرف أنها لا تملك وسائل الدفاع التقليدية، فإنك في الواقع تأمرهم بتطوير أسلحة دمار شامل وشبكات إرهاب. وهذا أمر شفاف. ولهذا بالتحديد توقعت المخابرات الأمريكية، وتوقع الجميع أن يحدث هذا.

 

- ماذا تعني الحرب العراقية والاحتلال بالنسبة للفلسطينيين؟

 

- كارثة.

 

- لا خارطة طريق إلى السلام؟

 

- من المثير للاهتمام السير في هذا الطريق. أحد قواعد الصحافة، التي لا أدري كيف استقرت، هو أنك عندما تذكر اسم جورج بوش في مقال، فإن الخطوط الرئيسية لابد أن تتحدث عن رؤيته، ولابد أن يتحدث المقال عن أحلامه، وربما وضعت له صورة وهو يتأمل في اللانهائي. ومن أحلام جورج بوش أن يكون للفلسطينيين دولة في أي مكان وفي أي زمان، في مكان غير محدد، ربما في الصحراء. وعلينا أن نمدح هذه الرؤية ونصفها بالروعة. لقد أصبح ذلك من المعتقدات الراسخة لدي الصحفيين. كان هناك مقال رئيسي في صحيفة وول ستريت جورنال في 21 مارس تكررت فيها كلمات الرؤية والحلم نحو عشر مرات. والرؤية والحلم يمكن أن تكون هو أن تتوقف عن تقويض الجهود طويلة المدي لباقي العالم بدون استثناء لخلق نوع من التسوية السياسية القابلة للتطبيق. والولايات المتحدة حتى الآن تعرقل مثل هذه التسوية وعلى مدي الخمسة وعشرين عاما أو الثلاثين عاما الماضية. وإدارة بوش ذهبت إلى ما هو أبعد في عرقلة هذه التسوية، وأحيانا بطرق متطرفة جدا، وهي من التطرف حتى أنها لم تسجل في التقارير الرسمية. على سبيل المثال، ففي ديسمبر الماضي قلبت إدارة بوش ولأول مرة سياستها حول القدس، فحتى الآن كانت الولايات المتحدة، ولو من حيث المبدأ، تقف مع قرار مجلس الأمن لعام 1968 الذي يأمر إسرائيل بإنهاء ضمها واحتلالها وسياسة الاستيطان في القدس الشرقية. ولأول مرة في ديسمبر الماضي تبنت إدارة بوش موقفا معاكسا. هذا هو واحد من الحالات المقصود منها تقويض إمكانية تحقيق أي تسوية سياسية ذات مغزي. وللتمويه على هذا سمي هذا الموقف بالرؤية، وسميت الجهود لمتابعته سمي بالمبادرة الأمريكية، رغم أنه موقف يعني في الحقيقة، لكل من يعير التاريخ أقل القليل من الانتباه، أنه جهد أمريكي لمقاطعة الجهود الأوروبية والعربية الطويلة ومحاولة التقليل من شأنها وأنها لا تعني شيئا. والتقريظ الشديد لشارون في الولايات المتحدة التي تعتبره الآن رجل دولة وهو في نهاية الأمر أحد أكبر الإرهابيين في العالم في الخمسين سنة الأخيرة، هذا التقريظ يعتبر ظاهرة مثيرة، تكشف عن الإنجاز الكبير الذي حققته الدعاية وهو إنجاز خطير. وفي منتصف مارس قام بوش ما سمي بأول منطوق هام له في مسألة الشرق الأوسط، في المشكلة العربية الإسرائيلية. وألقي خطابا. عناوين ضخمة في الصحف. أول بيان له مغزي منذ أعوام. فإذا قرأته ستجد أنه ليس إلا تكرارا لما سبق باستثناء جملة واحدة. هذه الجملة الواحدة إذا أمعنت النظر فيها فإنها تعطي خارطة طريقه، تقول هذه الجملة: بينما تتقدم عملية السلام ينبغي على إسرائيل أن تنهي برامج الاستيطان الجديدة. فماذا تعني هذه الجملة؟ إنها تعني أنه حتى تصل عملية السلام إلى نقطة ترضي بوش، والتي لابد أن تكون في المستقبل البعيد، حتى ذلك الوقت يجب على إسرائيل أن تواصل بناء المستوطنات. وهذا تغيير في السياسة. فحتى هذا الوقت كانت الولايات المتحدة تعارض، رسميا على الأقل، التوسع في بناء المستوطنات غير الشرعية التي تجعل التسوية السياسية مستحيلة. ولكن بوش يقول الآن عكس هذا: استمر وابن المستوطنات! حتى نقرر نحن أن عملية السلام وصلت إلى نقطة مناسبة. وهكذا، نعم، كان هذا تغييرا هاما تجاه المزيد من العدوان، وتقويض القانون الدولي، وتخريب إمكانيات السلام. وطبعا لم يكن هذا هو أسلوب العرض، ولكن أمعن النظر في الكلمات.

 

عن مجلة: واعربـاه

 

 

المفكر الأميركي - اليهودي نعوم تشومسكي في كتاب (الصدمة) :

 

يفضح السكوت المريب عن تصويت أميركا وإسرائيل

 

ضد مشروع القرار الدولي لادانة الارهاب عام 1987

 

 

 الكويت ـ من أنور الجاسم : نعوم تشومسكي واحد من أهم المفكرين الناشطين السياسيين اليهود في الولايات المتحدة الأميركية. وقد بدأت شهرته الأولى من خلال إسهاماته الكبيرة في الدراسات اللغوية. فآراؤه ودراساته في اللسانيات تُدرّس في جامعات العالم كافة. وهو بالإضافة إلى كونه استاذا جامعيا في هذا المجال، يُحاضر ايضا في المجالات الفلسفية والسياسية وله كتب كثيرة ويبدي آراء وتحليلات مهمة تستحق الاطلاع.

 

وهذا الكتاب (الصدمة) هو مجموعة من المقابلات التي اجريت معه بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

 

يؤكد الكتاب ان  ما حدث في 11 سبتمبر هو شيء جديد تماما في السياسة العالمية لأنها المرة الأولى بالنسبة للولايات المتحدة التي تهاجم فيها اميركا منذ الحرب الأهلية عام 1882 والهجوم كان مفاجأة... وصدمة كبيرة للمخابرات الغربية كافة والأميركية خاصة. وقد كان رد الفعل المباشر هو ... الصدمة ... الجنون ... الحنق... الرعب والرغبة في الانتقام. .وفي البداية استخدمت الولايات المتحدة مفردات >حرب صليبية< في حربها المزعومة ضد الارهاب.

 

يقول الناشر الاميركي للكتاب جريج رومبيرو  :

 

(بالرغم من ان المقابلات  - مع تشومسكي - قد حصلت باكرا جدا وبعد ثمانية ايام من الهجوم، فقد استمرت التعديلات والاضافات والمراجعات عليها وفقا لاخر التطورات حتى انطلق الكتاب إلى المطبعة.والكتاب الذي يحتوي على ثمانية فصول وعدد من الملاحق والكتب التي اوصى الناشر بقراءتها وكذلك مجموعة من الصور، يعد من اهم الوثائق التي على القارئ العربي قراءتها لما تحتوي على ملخص لآراء المفكرين الغربيين الذين يحاولوا  فهم لماذا حدث الهجوم في 11 سبتمبر 2001).

 

يقول تشومسكي: ان جريمة 11 سبتمبر هي شيء جديد تماما الجدة في السياسة العالمية ليس بسبب شموليتها او طبيعتها بل بسبب ما استهدفته.

 

 فتلك كانت المرة الأولى بالنسبة للولايات المتحدة، منذ حرب 1812، التي تهاجم فيها اميركا او تهدد في الداخل. وقد قام بعض المعلقين بمقارنة ذلك ببيرل هاربر، بيد ان ذلك الأمر كان مضللا، ففي يوم 7 ديسمبر 1941 هُوجمت قواعد عسكرية في مستعمرتين أميركيتين، أما اميركا نفسها فلم تهدد. وقد فضلت الولايات المتحدة تسمية هاواي بالأرض الأميركية بيد أنها في الحقيقة مستعمرة. فخلال القرن المنصرم افنت الولايات المتحدة السكان الأصليين (الملايين من البشر)، كما احتلت نصف المكسيك (وهي في الحقيقة ارض السكان الأصليين، رغم ان هذه قصة اخرى) وتدخلت بقوة السلاح بالمناطق المحيطة بها واحتلت هاواي والفيليبين (وقتلت مئات الآلآف من الفيليبينيين) وبدأت باستخدام العنف بوتيرة متصاعدة، بشكل خاص في السنين الخمسين الاخيرة، في جزء اوسع من العالم. فعدد ضحايا تلك السياسة عال بشكل يصعب تصديقه. وللمرة الأولى يوجه السلاح إلى الجهة المعاكسة. وهذا تغيير دراماتيكي.

 

وينطبق الشيء نفسه على أوروبا،  وهو هنا يحمل دراماتيكية اكبر، فقد تكبدت القارة الأوروبية دمارا هائلا، لكنه كان نتيجة لحروب داخلية. واحتلت الامم الأوروبية خلال الفترة ذاتها أجزاء اكبر من العالم وبوحشية منقطعة النظير.وباستثناء امثلة نادرة فإن الأوروبيين لم يُهاجموا في عقر دارهم من قبل ضحاياهم. فلم تهاجم انكلترا من قبل الهند، ولم تهاجم بلجيكا من قبل الكونغو. ولم تهاجم ايطاليا من قبل اثيوبيا، ولم تهاجم فرنسا من قبل الجزائر (التي لم تكن هي ايضا (مستعمرة) من وجهة النظر الفرنسية). ولذا فليس غريبا ان يصاب الناس في أوروبا بصدمة مما حدث يوم 11 سبتمبر).ويضيف المؤلف (للأسف فحتى في هذه الحالة لا يتعلق الأمر بشمولية التدمير. كما انه لا يمكن لاحد ان يتنبأ بما سيجلبه هذا الامر بالضبط).يتحدث المؤلف عن دوافع الإرهاب ولماذا حدث هذا التدمير الكبير ويحاول إن يطلق عدداً من المفاهيم حول تعريف الإرهاب فيقول : يعرف الارهاب بكونه الاستخدام المتعمد للقوة او التهديد باستخدامها بهدف تحقيق أهداف سياسية أو دينية أو أيديولوجية من خلال التهديد أو الإكراه او الإخافة. هذا هو الإرهاب. وهو تعريف معقول. لكن المشكلة انه لا يمكن الاقتناع به دون أن يترتب على ذلك نتائج سلبية. وتُبذل ألان جهود كبيرة لصياغة اتفاقية شاملة. فقد لاحظتم حتما أن تقارير ذكرت ان كوفي انان (أمين عام الأمم المتحدة) قال ابان تسلمه جائزة نوبل للسلام. بأننا يجب ان نكف عن إضاعة الوقت في هذه المسألة دون ان نرتب الامور لاكمالها.لقد اتخذت الجمعية العامة قرارا حاد اللهجة ضد الإرهاب عام 1987 أدان بحدة هذا الوباء واهاب بجميع الدول مكافحته بكل الطرق المتاحة. وقد تم اتخاذ قرار بالاجماع، بينما امتنعت الهندوراس عن التصويت، وصوتت ضده دولتان هما بكل تأكيد الولايات المتحدة واسرائيل.ما الذي يدعو اسرائيل والولايات المتحدة إلى التصويت ضد قرار بهذه الشمولية، يدين الارهاب بعبارات قوية، بالقوة نفسها ضد قرار استخدمتها ادارة ريغان لادانة الارهاب؟ يوجد تفسير لذلك. توجد في هذا القرار الشامل فقرة مفادها ان القرار لا يسلب حق الاستعانة بقوى خارجية ودول أخرى من قبل الذين يناضلون من اجل نيل حقوقهم من الانظمة العنصرية او الاستعمارية او الاحتلال العسكري الاجنبي. وهذا امر لا تقبله الولايات المتحدة واسرائيل. وقد كان السبب الرئيسي حينها جنوب افريقيا، التي كانت متحالفة معهما. وهي تملك قوة ارهابية : الاتحاد الوطني الافريقي، الذي سموه علنا بالقوة الارهابية، ومن ناحية اخرى كانت جنوب افريقيا متحالفة معنا، ولم يكن بامكاننا دعم عمليات تقوم بها مجموعة ارهابية ضد نظام عنصري، فهذا الامر غير ممكن)).توجد بالتأكيد اسباب اخرى الا وهي المناطق المحتلة من قبل اسرائيل، وهو احتلال دام - حتى عام 1978- 53 عاما. ويجرى دعم هذا الاحتلال من قبل الولايات المتحدة التي وضعت العصى في عجلة اي حل دبلوماسي خلال ثلاثين عاما ، ومازالت مستمرة في ذلك، ويوجد سبب آخر وهو ان اسرائيل احتلت جنوب لبنان. وقد جرت مقاومتها من قبل ما سمته الولايات المتحدة بالقوة الارهابية الا وهو حزب الله الذي نجح اخيرا في طرد اسرائيل من لبنان. >فنحن لا نسمح لاحد ان يقاتل احتلالا حين يكون هذا الاحتلال مدعوما من قبلنا هكذا هو لسان حال الإدارة الأميركية. هذه هي الاسباب التي دعت الولايات المتحدة واسرائيل لان تصوت ضد القرار الذي يدين الارهاب والصادر من قبل الامم المتحدة. وكما ذكرت مسبقا - يقول تشومسكي - فإن رفض الولايات المتحدة، في ظرف كهذا، التصويت على القرار هو بمنزلة الفيتو. وهذا هو نصف القصة فمحاولة ذكر هذا الموضوع في كتب التاريخ ستواجه بفيتو. فلم يكتب عن هذا الموضوع في اي مكان ولا اي صحيفة، ولم يذكر في الكتب التي تعالج تاريخ الارهاب. فلو راجعنا الكتب الاكاديمية المتخصصة في تاريخ الارهاب فلن نجد حرفا واحدا عما ذكرت. وتوضيح ذلك يكمن في ان اشخاصا غير مناسبين يمسكون بالاسلحة. فيجب تعديل التعريفات حتى اصغر وتصحيح المعلومات التاريخية في الكتب الاكاديمية وغيرها كي يمكن الوصول إلى استنتاجات صحيحة، والا فإن عالم البحوث والصحافة سيفقدان هيبتها واحترامهما.هذه مجموعة من المشاكل التي تعيق الجهود المضنية لصياغة اتفاقية شاملة بصدد الارهاب. ويدعو تشومسكي إلى ضرورة  عقد مؤتمر اكاديمي او ما شابه ((لنعرف إذا ما كان بمقدورنا الوصول إلى تعريف للارهاب يقود إلى جوانب صحيحة وهذه مهمة شاقة))

 

 

مبدأ بوش

 

حوار الـ BBC، بين نعوم تشومسكي وجيريمي باكسمان

 

ترجمة : خالد الفيشاوى

 

 

لو حوكم جورج بوش بمعايير محاكمات نورمبرمج، لصدر عليه الحكم بالإعدام شنقا. وبالمثل أيضا، سوف يكون الحكم على الرؤساء الأمريكان فردا فردا، الذين حكموا منذ الحرب العالمية الثانية، بمن فيهم جيمي كارتر.

 

جاء هذا الافتراض من اللغوي الأمريكي نعوم تشومسكي. هجومه الأخير على الطريقة التي تتصرف بها بلاده في العالم يسميه الهيمنة أو البقاء، بحث أمريكا عن السيطرة الكوكبية.

 

قابله جيريمي باكسام في المتحف البريطاني، حيث تبادلا الحديث في ردهات الجناح الآشوري. سأله إن كان لا يرى فيما يسمى مبدأ بوش شيئا جديدا.

 

تشومسكي: حسنا، انه يختلف. يفهمه الناس على انه مبدأ ثوري. هنري كيسينجر، مثلا، يصفه بالمبدأ الثوري الجديد الذي مزق نظام وستفاليا، نظام القرن السابع عشر الدولي، شر ممزق وميثاق الأمم المتحدة طبعا. ولكن برغم ذلك، هو مبدأ منتقد داخل نخبة السياسة الخارجية بشكل واسع. ولكن في حدود ضيقة المبدأ ليس حقا بجديد، انه بالغ الغرابة.

 

باكسمان: ما الذي كان من المفترض أن تفعله الولايات المتحدة بعد 9/11؟ لقد كانت الضحية لهجوم غريب على مستوى دولي، ما الذي كان من المفترض أن تفعله سوى أن تحاول...؟

 

تشومسكي: لماذا تنتقي 9/11؟ لما لا تنتقي 1993؟ فعليا، حقيقة أن الفعل الإرهابي قد نجح في الحادي عشر من سبتمبر لا يغير من تحليل المخاطرة. في 1993، جماعات مماثلة، مدربة جهاديا على الطريقة الأمريكية، كانت قريبة جدا من نسف مركز التجارة العالمي، مع تخطيط أفضل، كانوا سيقتلون عشرات الآلاف من الناس. ومنذ ذلك الحين أصبح معروفا أن وقوع مثل هذا الأمر بات مرجحا جدا. في الواقع خلال التسعينات كان هناك أدبيات تقنية تتنبأ بذلك؛ وأصبحنا عارفين لما نفعله. ما تفعله أنت هو عمل شرطي. العمل الشرطي هو الطريقة التي توقف بها الأعمال الإرهابية ولقد نجح ذلك سابقا.

 

باكسمان: ولكنك تطرح أن الولايات المتحدة بهذا المعنى هي خالقة آلهة الانتقام الخاصة بها.

 

تشومسكي: حسنا، أول كل شيئ هذا ليس رأيي. انه الرأي الذي يخرج تقريبا من كل متخصص في الإرهاب. الق بنظرة، قل مثلا، على كتاب جيسون بيرك الأخير عن القاعدة الذي هو بالضبط أفضلها في الموضوع. انه يقودنا خلال السجلات لنعرف كيف أن كل حدث من أحداث العنف قد زاد من تجنيد الأفراد والتمويل والتعبئة، هو يقول، أنا انقل عنه، إن كل عمل من أعمال العنف هو نصر صغير لابن لادن.

 

باكسمان: ولكن لماذا تتصور أن جورج بوش يتصرف على هذا المنوال؟

 

تشومسكي: لأنني اعتقد انهم لا يبالون إلى هذا القدر بالإرهاب، في الواقع نحن نعرف ذلك. خذ مثلا غزو العراق، كان كل متخصص في وكالات الاستخبارات متوقعا لأن غزو العراق سوف يزيد التهديدات الإرهابية من الطراز الذي تصنعه القاعدة وهو بالضبط ما حدث. النقطة هي أن...

 

باكسمان: إذا، ما السبب الذي يدعوه لفعل هذا؟

 

تشومسكي: لان غزو العراق له قيمة في حد ذاته، اعني تأسيس....

 

باكسمان: قيمة، أي قيمة؟

 

تشومسكي: تأسيس أول قاعدة عسكرية آمنة في دولة تابعة غير مستقلة في قلب منطقة إنتاج الطاقة في العالم.

 

باكسمان: ألا تعتقد حتى أن من الأفضل أن شعب العراق قد تخلص من طاغية؟

 

تشومسكي: لقد تخلص من نظامين وحشيين، الأول من المفترض أننا نتحدث عنه، الآخر لم نطرح الحديث عنه. النظامان المتوحشان هما نظام صدام حسين ونظام العقوبات الأمريكي البريطاني، الذي دمر البلد، وقتل مئات الآلاف من الشعب، واجبر العراقيين على الاتكال على صدام حسين. الآن تستطيع أن تحول العقوبات بوضوح إلى أسلحة أجدى لتدمير المجتمع دون غزو. إذا كان هذا الذي حدث، لم يكن مستحيلا على الإطلاق أن يرسل شعب العراق صدام حسين بنفس الوسيلة إلى نفس مصير الوحوش الأخرى التي دعمتها أمريكا وبريطانيا. شاوسيسكو، سوهارتو، دوفالييه، ماركوس، قائمة طويلة منهم. في الواقع أهل الغرب الذين يعرفون العراق بشكل أفضل كانوا يتنبأون بذلك على طول الخط.

 

باكسمان: يبدو انك تطرح أو تفرض، ربما أكون متحاملا عليك، ولكن تبدو أنت فارضا أن رؤوس الدول المنتخبة بالطريقة الديموقراطية أمثال جورج بوش ورئيس الوزراء توني بلير تعادل لنحو ما الأنظمة في أماكن مثل العراق.

 

تشومسكي: مصطلح التعادل الأخلاقي مصطلح مثير للاهتمام، لقد اخترعه على ما اعتقد جين كيركباتريك كوسيلة يحاول بها منع انتقاد السياسة الخارجية وقرارات الدولة. إنها فكرة لا معنى لها، لا يوجد تعادل أخلاقي مهما كان.

 

باكسمان: لو كان من الأفضل للفرد أن يحيا في ديموقراطية ليبرالية، هل هناك فائدة نجنيها بواسطة نشر قيم تلك الديموقراطية كيفما تستطيع ذلك؟

 

تشومسكي: ذلك يذكرني بالسؤال الذي طرح على غاندي ذات مرة عن الحضارة الغربية، كيف يراها. قال "ياه"، قد تكون فكرة طيبة. في الواقع قد يكون فكرة طيبة ان تنشر قيم الديموقراطية الليبرالية. ولكن ليس هذا ما تحاول الولايات المتحدة بريطانيا فعله. وليس هذا ما فعلاه في الماضي. الق بنظرة على المناطق الخاضعة لسيطرتهما. إنهما لا ينشرا الديموقراطية الليبرالية. ما ينشرانه هو الخضوع والتبعية. أكثر من ذلك، من المعروف جيدا أن هذا هو الجزء الأكبر من السبب للمعارضة الكبرى ضد سياسة الولايات المتحدة داخل الشرق الأوسط. في الواقع، كان هذا معروفا في الخمسينات.

 

باكسمان: ولكن هناك الان توا تشكيلة كاملة من البلاد في شرق اوروبا التي قد تقول اننا الان نحيا افضل عما كنا نعيش تحت ظل الامبراطورية السوفيتية. انها نتائج تالية لتصرفاتنا في الغرب.

 

تشومسكي: وهناك جمع من البلاد في مجال النفوذ الأمريكي، مثل بلاد أمريكا الوسطى، والكاريبي، من الذين يرغبون لو انهم يستطيعون التحرر من السيطرة الأمريكية. إننا لا ننتبه كثيرا لما يجري هناك ولكنهم ينتبهون. في الثمانينات كان القابضون على الوضع في مرحلتهم الريجانية. ذبح مئات الآلاف من الناس في أمريكا الوسطى. نفذت الولايات المتحدة هجوما إرهابيا كاسحا ضد نيكاراجوا، أساسا كحرب ضد الكنيسة. اغتالوا رئيس أساقفة وقتلوا ستة من المثقفين الجزويت الرواد. هذا في السلفادور. كانت فترة متوحشة. ما الذي فرضوه؟ أكان هذا ديموقراطية ليبرالية؟ لا.

 

باكسمان: ذكرت في مناسبتين أو ثلاث هذه العلاقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا. هل تفهم لماذا يتصرف توني بلير مثل هذه التصرفات في العراق وأفغانستان؟

 

تشومسكي: حسنا، لو نظرت في تاريخ بريطانيا الدبلوماسي، راجعا إلى الأربعينات، كان على بريطانيا أن تتخذ قرارا. كانت بريطانيا القوة الكبرى في العالم، الولايات المتحدة رغم إنها البلد الأغنى في العالم بدرجة بعيدة لم تكن اللاعب الأساسي في المشهد الكوكبي، اللهم إلا إقليميا. بقرب الحرب العالمية الثانية، بات واضحا أن الولايات المتحدة سوف تصبح القوة السائدة، كل الناس أصبحوا يعرفون تلك الحقيقة. كان على بريطانيا أن تحدد خيارا. هل ستصير إلى أن تكون جزءا مما قد يكون نهائيا أوروبا واحدة التي ربما تتوجه نحو الاستقلال، أو هل ستتحول إلى أن تكون ما يسميه مكتب الخارجية الشريك الأصغر للولايات المتحدة.

 

وهكذا، أثناء أزمة الصواريخ الكوبية على سبيل المثال، عندما تطالع السجلات التي انتهى حظر نشرها، عاملوا بريطانيا بازدراء شامل. لم يكن يتم ابلاغ هارولد مكميلان حتى بما كان يجري حين كان وجود بريطانيا نفسه على شفا الهاوية. كان الوضع خطيرا. مسئول عالي، قد يكون دين اتشيرز حيث لم يعلن عن اسمه، وصف بريطانيا بكلماته "قائم مقامنا الخاص، المرادف الأنيق لكلمة شريك". حسنا البريطانيون قد يحبون سماع الكلمة الأنيقة، ولكن السادة يستعملون الكلمة الفعلية. هذان كانا الاختيارين الذي كان محتما على بريطانيا أن تختار بينهما. اعني لماذا كان هذا قرار بلير، لا أستطيع القول.

 

باكسمان: نعوم تشومسكي، شكرا لك.

 

http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=1938

 

الحوار المتمدن - العدد: 864 - 2004 / 6 / 14

 

Fishawy2001@hotmail.com

 

 

المفكر الأمريكي اليهودي نعوم تشومسكي في حوار شامل وصريح لبيان

 

أمريكا قائدة الإرهاب العالمي وصناع القرار الأمريكي خطر على البشرية

 

أعد الحوار: خالد محمد حامد

 

حاوره في واشنطن: عارف المشهداني

 

29-01-2004, 02:56 PM

 

 

تمهيد:

 

يعد المفكر اليهودي الأمريكي البروفيسور نعوم تشومسكي من المفكرين الأمريكان القلائل الذين أحدثوا ضجة فكرية وسياسية لدى الرأي العام الأمريكي بل والعالمي؛ بمواقفه الجريئة المتحررة وغير الخاضعة لسلطة اللوبي الصهيوني الذي يريد صياغة الرأي العام وفقا لأطروحاته وأجندته، وهذا ما أثار حنقهم عليه ومحاربتهم له على كل الأصعدة، لكن سمعة الرجل ومكانته الفكرية تتصاعد يوماً بعد آخر، وكتبه تتلقفها الأيدي نظراً لعمق وصواب تحليلاته التي لا تروق للكثيرين من صناع القرار الأمريكي. «( البيان )» حملت أسئلتها، فيما يخص قضايا الساعة، إليه فكان هذا الحوار.

 

( البيان ): أنتم تُحسبون على رموز التيار اليساري الاشتراكي في أمريكا: ما موقع هذا التيار في الساحة السياسية الأمريكية؟ وما مدى قوته وتأثيره سياسيّاً وشعبيّاً؟

 

| الولايات المتحدة ليست مجتمعاً عقائدياً بحيث نصف ونقسم المجموعات على أساس عقائدي. نحن مجتمع نشط جداً، ولدينا منظمات عديدة واسعة الانتشار من مختلف الاتجاهات، تساهم في طرح آرائها بشكل واضح في مختلف القضايا بدءاً من قضايا المشردين وليس انتهاء بالحرب على العراق. وتختلف وتنتقد بشدة إدارة البيت الأبيض في كثير من القضايا السياسية والاقتصادية كالعولمة مثلاً؛ فأمريكا منظمة من هذا الجانب فعدم وجود أحزاب كثيرة في أمريكا، كما هو الحال في أوروبا لا يعني أن الشعب الأمريكي غير منظم أو نشط سياسياً؛ فأنا أمضي الساعات العديدة يومياً لأرد على استفسارات الأمريكان من مختلف الاتجاهات؛ وهذا يدل على فاعلية الشعب الأمريكي.

 

( البيان ): إلى أي مدى ـ برأيك ـ يلعب الإعلام دورًا في تشكيل الرأي العام الأمريكي عن الصراع في الشرق الأوسط وخصوصاً تجاه قضيتي العراق وفلسطين؟

 

| هذا الدور كبير جداً، وسأتناول موضوع العراق أولاً؛ فالرئيس العراقي صدام حسين أصبح مكروهاً لدى الشعب الأمريكي، ويكاد يكون العراق هو البلد الوحيد الذي نسمع عنه بشكل يومي في أمريكا. ولو أجرينا استفتاء منذ أحداث سبتمبر لغاية الآن فسنجد أن 60 ـ 70% من الشعب الأمريكي خائفون من صدام حسين. فالكثير من الأمريكان يظنون أنه إن لم نوقفه الآن فسيبتلعنا غداً!! وربما تجد ذلك في كل مكان تقريباً ولكن قد تجدهم يكرهونه ولكن لا يخافونه كما في أمريكا. فمن أين جاء ذلك؟ إنه من الدعاية الضخمة حوله والتي ابتدأت بعد أحداث سبتمبر إلى الآن مروراً بانتخابات الكونغرس التكميلية بداية نوفمبر الماضي. فالدعاية الأمريكية كانت تصوّر الرئيس العراقي سابقاً على أنه مثير متاعب؛ أما الآن فإنها تصفه بأنه عدو لمدنيتنا! وهذه الدعاية أثرت في الناس هنا. هذه الدعاية تأتي من الحكومة مثلما تأتي عن طريق الإعلام؛ وهو ما قاد الناس إلى الخوف منه. قد تراهم يعارضون الحرب على العراق لكنهم خائفون إن لم نوقفه اليوم فسيقتلنا غداً!! هذا الخوف لم ينتج عن معلومات حقيقية وإنما من ضخامة الدعاية والرعب الذي أثاره الإعلام الأمريكي في قلوب الناس. أما فيما يخص النزاع العربي ـ الإسرائيلي فنجد أن الموقف الشعبي الأمريكي يثير الاستغراب حقاً!! لقد تعرضوا إلى غسل دماغ من قِبَل الإعلام. ففي دراسة موسعة لأحد مراكز البحوث التي تعنى برصد ودراسة مواقف الرأي العام في جامعة مريلاند حول النزاع العربي الإسرائيلي جاءت النتائج مثيرة ومفادها أن الرأي العام يريد من الحكومة الأمريكية قطع أية مساعدة مادية عن أي طرف من الجانبين الفلسطيني و «الإسرائيلي» يرفض الجلوس على طاولة المفاوضات ولا يقبل بتسوية الأزمة سياسياً. لكن الرأي العام لا يعرف أنه ـ واستناداً لذلك ـ يجب قطع المساعدة المادية عن «إسرائيل» لأنها ترفض التسوية السلمية. فهم يتصورون أن «إسرائيل» ـ ونتيجة الدعم الأمريكي لها ـ تسعى للحل السلمي وليس العكس!!

 

ولننتقل إلى خطة السلام السعودية؛ فعندما سئل المشاركون في الدراسة نفسها أنه لو تم الوصول إلى حل سلمي بين الطرفين فكيف تقترحون ان تكون نسبة المساعدات المادية الأمريكية للطرفين؟ فكات النتيجة بالأغلبية أن تكون المساعدة بالتساوي لكلا الطرفين!! فالناس هنا لا يعرفون ماذا يعني هذا؛ لأنهم لا يعرفون حقيقة الوضع على الأرض. والنسبة نفسها ترى أن على الولايات المتحدة أن تدفع عملية السلام للأمام ولا يعرفون أنها ـ الولايات المتحدة ـ هي التي وقفت بوجه ذلك منذ أكثر من 25سنة عندما رفضت أول قرار لمجلس الأمن الدولي لتسوية النزاع عام 1976م!! كما أن الشعب هنا لا يعرف حقيقة ما جرى في مفاوضات كامب ديفيد التي جرت هنا في الولايات المتحدة صيف2000م؛ فوصف الإعلام الأمريكي كان أن «إسرائيل» والولايات المتحدة بذلتا جهوداً عظيمة وخارقة، وقدمت «إسرائيل» تنازلات ضخمة لحل النزاع، وأن الطرف الفلسطيني هو الذي رفض الحل وفضل اللجوء إلى العنف!!! وأسهل طريقة لمعرفة مقدار هذه «الجهود العظيمة والخارقة» هو النظر إلى الخارطة لمعرفة حقيقة الأمر. لكن لا أحد من الصحفيين يرغب بنشر الحقيقة؛ فالمقترحات الإسرائيلية تريد تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مقاطعات منفصلة بعضها عن بعض، وقطع القدس الشرقية عنها، وفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة؛ لكن الناس هنا لا يعرفون كل ذلك، وما يعرفونه هو ما يقرؤونه، وهو أن يقدم الطرف الفلسطيني جهوداً عظيمة وتنازلات ضخمة كما «قدّم» الطرف الإسرائيلي والقبول بهذه التسوية؛ فمعلوماتهم محدودة جداً عن حقيقة ما يجري، ومواقفهم لا تختلف كثيراً عن أية مواقف أخرى في باقي دول العالم، ولكنهم لا يعرفون حقيقة التطبيقات السياسية لمواقفهم المبنية على معلومات غير صحيحة. فأوافقك الرأي بأن الإعلام الأمريكي يلعب دوراً كبيراً في صياغة الرأي العام الأمريكي في مختلف القضايا.

 

( البيان ): وجــد كتابكم الأخير عـن أحـداث سبتمبر انتشارًا ملحوظًا لدى القراء؛ فهل تعتقدون أن الرأي العام الأمريكي يبحث بالفعل عن الحقيقة ولكنه لا يجدها في الخطاب الثقافي السائد، أم أنه استسلم لـ (الماكينة) الإعلامية الأمريكية؟ وهل من سبيل لتغيير المفاهيم الخاطئة التي ينشرها هذا الإعلام؟

 

| معلومات الشعب الأمريكي عما يجري في العالم محدودة للغاية؛ فهم يجهلون الكثير. أحداث سبتمبر كانت حدثاً مثيراً فتحت أعين الكثير من الأمريكان، وجعلتهم يدركون أن من الأفضل الاطلاع على ما يجري في أنحاء العالم الذي نعيش فيه. صحيح أن الحدث هز الجميع لكن الكثير بدأ يتساءل: لماذا حدث ما حدث؟ وأرادوا معرفة وجهة النظر الأخرى. الكتاب المذكور مثال لعدة كتب أخرى لعدة مؤلفين نالت رواجاً كبيراً بين القراء. فأنا وقلة قليلة من المؤلفين ممن تصدوا لتبصير القراء بالحقائق المغيبة عنهم قبل أحداث سبتمبر، وازداد الإقبال على كتبنا بعد أحداث سبتمبر. بل أن صغار الناشرين بدؤوا بإعادة طبع كتبنا المؤلفة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي التي تكشف تحليلاتنا السياسية لما ستؤول إليه أمريكا نتيجة سياساتها. لقد حدث تحول إيجابي لدى الرأي العام الأمريكي خلال السنوات الأربع الماضية ويمكن ملاحظته من خلال ردة فعل الشارع الأمريكي للحرب التي تنوي الإدارة الأمريكية شنها ضد العراق وموقفه تجاه الحرب الأمريكية ضد فيتنام. لقد مرت الذكرى الأربعون لعدوان أمريكا ضد فيتنام 1962م عندما قصفت الطائرات الحربية الأمريكية جنوب فيتنام. لقد كان عدواناً مباشراً وحرباً غير منضبطة قتل فيها 270 ألفاً من الشعب الفيتنامي، وكما يحدث الآن في أفغانستان؛ فهل حدث احتجاج وقتها؟ لا؛ فقد مرت 4 ـ 5 سنوات حتى بدأ الشعب الأمريكي بالاحتجاج والتظاهر والمطالبة بإيقاف الحرب في فيتنام، وحينها كانت جنوب فيتنام قد دمرت، والآلاف من الجنود الأمريكان قد تعرضوا للقتل والإصابة، فبدأ الشارع الأمريكي يتحرك، وأغلب الاحتجاج كان ضد توسع الحرب التي شملت بقية فيتنام!! وكذا كان الحال في أوروبا. لكن الاحتجاج الحقيقي ضد الحرب المدمرة في جنوب فيتنام لم يتطور لدى الشعب الأمريكي إلا في وقت متأخر عام 1969م عندما أعلن 70% من الشعب الأمريكي أنها حرب خاطئة وغير أخلاقية. الآن المعارضة للعدوان في ازدياد مستمر، والتظاهرات الشعبية الواسعة تخرج قبل وقوع الحرب على العراق، وهذا ما لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة وأوروبا سواء فيما يخص حرب فيتنام أو أية قضية أخرى. فحركات الحقوق المدنية والعدل ومعارضة العولمة في نمو في كل مكان منذ السبعينيات من القرن الماضي وإلى الآن، وازدادت بعد أحداث سبتمبر. لكن مع ذلك فالناس ما زالوا خاضعين لتأثير الإعلام، بل حتى الذين يعارضون الحرب ضد العراق ربما يخبرونك بأن عليهم شن حرب ضد العراق؛ لأنهم إن لم يفعلوا ذلك فإنهم يخشون أن يقتلهم صدام حسين؛ فالناس إن لم يكن لديهم معلومات وتحليلات كافية فإنهم سيكونون عرضة للدعاية الأمريكية المضللة!

 

( البيان ): رغم كونك يهودياً؛ لكنك تنتقد السياسة الإسرائيلية؛ فما تفسير ذلك؟

 

| الكثير من الإسرائليين ينتقدون السياسة الإسرائيلية أكثر مما أنتقدها أنا؛ فموقعي يفرض عليَّ انتقاد ما أراه خاطئاً، والسياسة الإسرائيلية تحتاج إلى المزيد من هذا الانتقاد.

 

( البيان ): كيف تفسر دعم الإدارات الأمريكية المتعاقبة ـ منذ عهد الرئيس ترومان إلى الآن ـ لـ «دولة إسرائيل» خاصة أنه في كثير من الأحيان على حساب المصالح الأمريكية؟

 

| هذا ليس دقيقاً؛ فخلال عقد الخمسينيات من القرن الميلادي السابق لم يكن الدعم الأمريكي لـ (إسرائيل) قوياً نسبياً. العلاقات أصبحت أقوى إلى حدٍّ ما في سنة الأزمة 1958م عندما بدا واضحاً أن دعم «إسرائيل» - كقاعدة للقوة الأمريكية يمكن الاعتمادعليها ـ أصبح هاماً لأزمة الولايات المتحدة مع القومية العربية، القلق الرئيسي لها. في عام 1967م قدمت إسرائيل خدمة عظيمة للولايات المتحدة والدول العربية المتحالفة معها بقضائها على الرئيس جمال عبد الناصر. منذ ذلك الوقت تطورت العلاقة بين الطرفين (أمريكا ـ إسرائيل) لالتقاء أهدافهما الاستراتيجية في المنطقة، إلى حد أصبحت فيه إسرائيل اليوم قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، مع تعاون اقتصادي عسكري عالي المستوى.

 

( البيان ): مارس الأوروبيون حملات إبادة ضد السكان الأصليين في أمريكا، ثم مارس الأمريكان عمليات إرهاب عديدة أثناء حرب التحرير؛ فهل ترون أن هذه الممارسات تشكل خلفية تاريخية ونفسية لتسويغ التأييد الأمريكي المطلق للممارسات الإسرائيلية الإرهابية تجاه الشعب الفلسطيني؟

 

| بصراحة.. لا أرى ربطاً بينهما فيما يبدو لي.

 

( البيان ): ينكر كثير من السياسيين على الفلسطينيين قيامهم بعمليات مسلحة أو تفجيرية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.. باعتباركم مفكرًا تقدميًا، ما هي الوسائل الملائمة التي ينبغي اتخاذها في ظل القيادة والممارسات الصهيونية الحالية؟

 

| يوجد إجماع دولي قوي على التسوية السياسية المتمثلة بدولتين، فلسطينية و «إسرائيلية» وفق الحدود المقررة دولياً (ما قبل سنة 1967م) مع تعديلات بسيطة مشتركة (النص الرسمي الأمريكي لم يلغ رسمياً بعد سنة 1967م ولحد الآن رغم أنه أنتهك عملياً). الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي توافق على هذا الحل الذي انتهك من قبل الحكومة الأمريكية عام 1976م عندما مارست حق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن بهذا الخصوص. لكن يمكن الوصول لهذا الحل؛ فمحادثات طابا في يناير 2001م بين الفلسطينيين والإسرائيليين اقتربت منه. صحيح أن المفاوضات لم تكن رسمية لكنها كانت على مستوى رفيع، وجهد دبلوماسي جدي يمكن أن يدفعهم للأمام، ربما لحل مقبول. كثير من النزاعات في العالم بدت غير قابلة للحل لأول وهلة؛ لكن لا بد من السير للأمام باتجاه تسوية عادلة تقلل ـ على الأقل ـ مستوى العنف وتفتح الطريق لتطورات بناءة. هذا ما يمكن عمله، مع إرادة وحسم كاف. أما الآخرون، وأقصد خارج الولايات المتحدة وإسرائيل وفلسطين، فيمكنهم المشاركة جزئياً.

 

( البيان ): أشرتم في بعض كتاباتكم إلى أن رحلات كريستوفر كولومبوس وفاسكو دي جاما كانت بداية لعهد استعماري وتأسيس نظام عالمي قائم على النهب والاستلاب، هل ترون أن ذلك كان لأهداف حضارية مرتبطة بسقوط دولة المسلمين في الأندلس ومن ثم: بداية استكشافهم واستهدافهم في عقر دارهم، أم أن الأهداف كانت أطماعًا اقتصادية بحتة؟

 

| كانت هناك اهداف عديدة، لكن الهدف الاقتصادي كان الأهم، العالم الإسلامي سيطر على خطوط التجارة المباشرة بين أوروبا والدول الغنية والمتطورة في الشرق وجنوب آسيا، وهذا ما دفع الآخرين للبحث عن طريق بحري.

 

( البيان ): بغض النظر عن أحداث سبتمبر، هناك دراسات ومؤشرات أطلقها بعض المفكرين والباحثين الغربيين والأمريكيين قبل هذه الأحداث تخلص إلى أن قوة أمريكا آخذة في الأفول وربما الانهيار؛ فماذا ترون حيال هذه الرؤى؟ وهل تعتقدون أن تحركات أمريكا الحالية ترمي إلى منع هذا التدهور والانهيار والحفاظ على موقع القوة العظمى الوحيدة في العالم؟

 

| لا أعتقد ذلك. أعتقد أن التحركات العسكرية الأمريكية تستغل أحداث سبتمبر كمسوغ لتوسيع قوة الولايات المتحدة عالمياً، وهي ليست وحدها في هذا المسعى؛ فهناك دول عديدة حذت حذوها؛ فروسيا زادت من عدوانها على الشعب الشيشاني، وكذلك الصين ضد أهالي الصين الغربية (أي مسلمي تركستان الشرقية) فالولايات المتحدة وفرت لهم الفرصة لذلك. أنا لست ممن يعتقد أن قوة الولايات المتحدة في أفول، في بعض الحالات نعم؛ مثلاً قبل 50 سنة وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة تملك نصف ثروة العالم، ونقصت النسبة إلى ربع ثروة العالم سنة 1970م؛ فمن هذا الجانب نعم هناك تناقص، أما عسكرياً فلم تكن الولايات المتحدة قوية عسكرياً على مر التأريخ كما هي الآن من ناحيتي الميزانية والمعدات الحربية إضافة إلى سعة تحالفاتها. على الجانب الآخر هناك نقاط ضعف؛ لكن أمريكا بلد غني ومن أفضل الدول صناعياً، ولديها الكفاءات في كل الميادين، ومن ناحية المال والقوة فالذين يمتلكون هذه القوة يمكنهم استخدامها لأغراض خاطئة. وهذه المجموعة التي تملك هذه القوة هي التي تحكم الآن في واشنطن إنهم يهددون العالم بل ويهددون القيم التي تأسست عليها الولايات المتحدة الأمريكية.

 

( البيان ): مع قدوم الإدارة الأميركية الجمهورية الجديدة عاد نظام الدرع الأميركي المضاد للصواريخ، ثم جاءت استراتيجية الأمن القومي الأمريكية المنشورة في سبتمبر 2002م لترسخ الاتجاه نحو الاعتماد على القوة في حل المنازعات وتهميش القوى الأخرى أو المصادمة معها، بحجة حماية «مصالح الأمن القومي الأمريكي». فما هي قراءتك؟

 

| لديَّ بعض الشكوك حول عبارة «مصالح الأمن القومي». ساسة الدول، وليس فقط في الولايات المتحدة، يبالغون في تضخيم التهديدات التي تواجه الأمن القومي الحقيقي. فهناك قضايا أخرى لها أهمية. مصطلح «الأمن القومي» غالباً ما يساء استخدامه لتسويغ سياسات تحمل أغراضاً أخرى. هذه قراءتي في حدود علمي.

 

( البيان ): في رأيك ما هي الأهداف الحقيقية وراء الحرب الأمريكية ضد العراق؟

 

| هناك مصالح عديدة وراءها؛ فالعراق يملك ثاني أكبر احتياطي من النفط الخام، ومنطقة الخليج هي أهم منطقة في العالم لتصدير مصادر الطاقة (النفط والغاز) وستصبح أكثر أهمية مستقبلاً؛ فمنذ الأربعينيات من القرن الماضي كانت الولايات المتحدة تخطط لزيادة مصادر الطاقة وهي بحاجة فعلية للنفط، كما أن الولايات المتحدة ترغب بزيادة قوتها وهيمنتها على دول العالم وإلغاء أو تهميش القوى المنافسة كفرنسا مثلاً، كما أن السيطرة على العراق تعني التحكم بشكل مباشر أو غير مباشر بمصادر الطاقة العالمية، وتأسيس قواعد عسكرية في المنطقة. كما أن المصالح الداخلية والصراع بين الحزبين الجمهوري الحاكم والديمقراطي له دور في ذلك؛ فقد كان يوصف صدام حسين سابقاً على أنه شرير؛ أما خلال الانتخابات النصفية للكونغرس (نوفمبر الماضي) فقد أصبح يوصف بأنه خطر على أمن الولايات المتحدة، وتم استغلال ذلك جيداً ما ساهم في فوز مرشحي الحزب الجمهوري في تلك الانتخابات، وهم يريدون استغلال نفس الأمر للانتخابات الرئاسية القادمة؛ فموظفو الإدارة الأمريكية الحالية يعيدون سياسة إدارة ريغان في ثمانينيات القرن الماضي عندما شنت عدواناً ضد نيكارغوا وغرينادا وليبيا لتقوية مكانتها عسكرياً ومن ثم استغلال ذلك لأغراض انتخابية؛ فقد يثيرون الهلع في قلوب الشعب ـ كما هوالحال اليوم ـ من أجل الفوز في الانتخابات وقد حققوا ما يريدون سواء أكانت إدارة ريغان أم إدارة بوش.

 

( البيان ): هل تعتقد أن المستهدف بالحرب هو العراق فقط، أم أن هناك فكرة لتأسيس خارطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط؟ وما هي انعكاسات هذه الخريطة ـ لو تحققت ـ على خريطة أوروبا المستقبلية؟

 

| مخططو السياسة الأمريكية والذين يمســـكـون القــوة في أيديهــم لا يرغبون بإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وحدها؛ وإنما الصين أيضاً؛ بل إعادة رسم خارطة العالم من جديد؛ وهذا خطر عظيم؛ فهناك مجموعة ترغب بذلك وهنا المشكلة.

 

( البيان ): مع تسارع الأحداث الحالية في المنطقة، هل تعود فكرة (الترانسفير) لترحيل الفلسطينيين إلى الأردن أو العراق مثلاً مرة أخرى؟ وما درجة احتمالية تحقيق هذه الفكرة الآن؟

 

| يمكن ذلك في حالة حدوث حرب كبرى في المنطقة، وكان الأمر مدبراً ومتفقاً عليه. عدا ذلك لا أتوقع أن يتم هذا الأمر. على الجانب الآخر؛ فإن فرض ظروف قاسية تدفع الكثيرين إلى المغادرة وخاصة المتميزين وذوي الكفاءات كما حدث ويحدث الآن.

 

( البيان ): في نظركم.. ما هي مصداقية ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب، وهل تعتقد أن الإسلام ـ كحضارة ـ مستهدف من هذه الحرب؟

 

| هي ليست حرباً ضد الإسلام كما أنها ليست حرباً ضد الإرهاب!! فأمريكا نفسها قائدة الإرهاب في العالم!! وقد أدينت من قِبَل محكمة العدل الدولية بدعم الإرهاب في العالم، ولديها سجل حافل بذلك لا يخفى على أحد!! فإدارة ريغان جاءت للحكم عام 1981م حاملة شعار الحرب على الإرهاب، وما يسمى الحرب على الإرهاب الآن إنما هو إعادة لما طرح سابقاً! وشنت إدارة ريغان حروباً في أكثر من مكان في العالم، فقد شنت أمريكا في الثمانينيات حرباً في أمريكا الوسطى التي تضم كبرى الجماعات الإرهابية وقتل فيها الآلاف، كما أن الكنائس الكاثولوكية كانت من ضمن الأهداف الرئيسة المستهدفة، وتشن الولايات المتحدة حرباً ضد المنظمات المعادية لها والكنائس في كولومبيا التي لها أسوأ سجل في انتهاك حقوق الإنسان. كما أن أمريكا دعمت دولاً إسلامية مثل إندونيسيا التي تعد أكبر بلد إسلامي؛ فقد دعمت الجنرال سوهارتو وسجله حافل بانتهاك حقوق الإنسان أكثر من صدام حسين، بل إن أمريكا دعمت صدام حسين نفسه في الثمانينيات، فيوجد صراع بين الإسلام والغرب ولكن توجد مصالح كبيرة بينهما أيضاً.

 

almashhadani@yahoo.com

 

 

الإمبراطورية المنطوية على نفسها

 

نعوم تشومسكي

 

 

خلافا لما قد يعتقده البعض فان الاحتلال العسكري مهما كاف فظا قد يصيبه النجاح. فلنأخذ على ذلك مثال احتلال هتلر لأوروبا الغربية واحتلال روسيا السوفياتية لأوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية. وفي الحالتين كان على رأس تلك البلدان المحتلة قيادات متعاملة تمتلك أجهزة داخلية وتلقى الدعم الرئيسي من قوات الاحتلال. وقد نمت مقاومة جريئة ضد هتلر وبدون المساعدة الخارجية لكان تم القضاء عليها بسهولة. وفي أوروبا الشرقية كما في روسيا حاولت الولايات المتحدة دعم المقاومة للشيوعية حتى مطلع الخمسينات دون نجاح.فلنلاحظ في المقابل مسألة اجتياح العراق الذي أنهى نظامين رهيبين، الأول هو بالطبع حكم الطاغية أما الثاني والذي لا يصار للتطرق إليه فهو نظام العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة وبريطانيا والذي أدى إلى مقتل مئات آلاف الأشخاص وتدمير المجتمع وتدعيم المستبد بإرغام الشعب على اللجؤ إليه من خلال التقنين مما أطال عمره خلافا لسائر الديكتاتوريين المدعومين من الولايات المتحدة أمثال سوهارتو وماركوس ودوفالييه وموبوتو وغيرهم الذين أطيح بهم من الداخل وهذا كان احتمالا واردا قبل الحرب على العراق.لا شك أن العراقيين رحبوا بنهاية الحصار وسقوط صدام حسين. لكن كان يمكن وضح حد لتدابير الحصار دون حرب خصوصا وإنها لو أزيلت لكان العراقيون تمكنوا من إزاحة الطاغية بأنفسهم. أما التحقيق الذي قام به ديفيد كاي بتكليف من الرئيس بوش بعد تحقيق النصر، فقد جاء ليكذب بكل وضوح المزاعم عن امتلاك نظام السيد صدام حسين أسلحة دمار شامل. إلا أن التحقيق قد بين أيضاً أن حكم السيد صدام حسين في سنوات ما قبل الاجتياح الأميركي كان ضعيفاً جداً. وهذا ما أكدته لاحقاً مقولات العديد من الخبراء المطلعين جيداً على الوضع الداخلي العراقي، ومنهم مثلاً دنيس هوليداي وهانز فان سبونيك[1]، منسّقا المساعدات الإنسانية من الأمم المتحدة. فقد كررا مراراً أنه لو لم يطل الحصار والعقوبات الشعب، لكان العراقيون أنفسهم أطاحوا السيد صدام حسين.الجميع يعرف انه للاجتياحات العسكرية نتائج ثانوية ايجابية كأن أدى مثلا قصف مرفأ بيرل هاربور من قبل الطيران الياباني في كانون الأول/ديسمبر 1941 إلى طرد الامبرطوريات الغربية من آسيا مما أنقذ حياة ملايين البشر كان سيقضى عليهم في حروب التحرير. لكن هل يبرر ذلك الفاشية اليابانية وجرائمها؟ بالطبع لا. وأنا مقتنع أن العدوان الياباني على الولايات المتحدة كان جريمة حرب وهي "الجريمة القصوى" بحسب محكمة نورمبرغ.هذا ما دفع أكثر المؤرخين الاميركيين تقديرا، آرثر شلسنجر، إلى التذكير ببيرل هاربر ما أن بدأ القصف الاميركي للعراق. وكتب شلسنجر قائلا أن الرئيس روزفلت كان محقا في قوله أن الهجوم الياباني مهانة في التاريخ وان على الاميركيين أن يعيشوا تلك المهانة مع قصف بغداد في تشابه مع السياسة الامبراطورية اليابانية.مع نهاية العقوبات وصدام، كان لدى أميركا العديد من الموارد لإعادة إعمار العراق. كان الشعب مرتاحا ولم يكن للمقاومة أي دعم خارجي لكنها تتطورت من الداخل كجواب على فظاظة الاحتلال وعنف المحتلين. كان يلزم موهبة فعلية للوصول إلى هذا الفشل...إن هذا الهجوم قد أطلق دورة من العنف ولّدت هي بدورها أعمال عنف أشد كما تدل على ذلك اشتباكات الفلوجة التي توقع الضحايا بين المدنيين بشكل رئيسي. أما العلاقات بين النظام العراقي السابق وتنظيم "القاعدة" فإنها لم تقم أبداً. لكن من "انتصار" الولايات المتحدة بات الجميع يقر بأن العراق تحت الاحتلال أصبح "مرتعاً للإرهابيين". وهذا ما بينته جيسيكا شتيرن، الاختصاصية في شؤون الإرهاب من جامعة هارفرد، في دراسة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز"[2] بعد تدمير مقر الأمم المتحدة في بغداد.وقد وقعت الحرب على العراق بالرغم من معارضة الرأي العام الدولي الذي خشي أن يؤدي هذا الاعتداء، وبنوع من "مفعول البومرنغ" الارتدادي، إلى نشر أسلحة الدمار الشامل والى تفشي الإرهاب. وهذه المخاطر اعتبرتها إدارة السيد جورج دبليو بوش غير ذات أهمية بالمقارنة مع التطلع إلى السيطرة على العراق وثرواته والى إطلاق "الحرب الوقائية" الأولى وإلى تعزيز القبضة على الساحة الأميركية الداخلية.من جهة أخرى فان "الحرب على الإرهاب" فشلت فشلا ذريعا وتنامت الهجمات الدموية في كل مكان. ولسوء حظ سكانها فان عدد المدن التي ضرب فيها الإرهاب منذ 11 أيلول/سبتمبر عام 2001 يتزايد باستمرار ومنها حتى الآن بغداد وبالي والدار البيضاء واسطنبول وجاكرتا والقدس وحيفا وأشدود ومومباسا والرياض ومدريد. وبهذا الإيقاع سيكون من الممكن عاجلاً أو آجلاً أن تجمع منظمة عنيفة واحدة بين الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل لتصبح ضرباتها فعلاً أكثر رعباً.وقد انفضح مفهوم "الحرب الوقائية" العزيز على السيد بوش على حقيقته، فهو ليس عبارة تمويهية من أجل التمكن من مهاجمة الطرف الذي يستهدف بكل حرية. وهذا الطابع الاعتباطي والخطير والعدائي في هذه السياسة هو الذي أثار في شباط/فبراير عام 2003 موجة الاحتجاجات الكبيرة ضد اجتياح العراق. ونظراً إلى النتائج المدمرة لهذه "الحرب الوقائية" الأولى فان الاستياء الدولي من الناهضين بها لا يزال يتزايد إلا سيما مع عدم تمكن واشنطن من تقديم البرهان على امتلاك صدام أسلحة الدمار الشامل. فهذه التهمة خاطئة بكل بساطة، إنها كذبة دولة كبيرة.ومنذ نيسان/أبريل عام 2003 بينت استطلاعات الرأي أن المواطنين الأميركيين يتمنون أن تتولى الأمم المتحدة وليس الولايات المتحدة المسؤولية الرئيسية بعد الحرب من أجل إعادة بناء العراق سياسياً واقتصادياً. وبالرغم من كل شيء فان فشل الاحتلال أمر مفاجئ نظراً للقوة العسكرية والقدرات التي تتمتع بها الولايات المتحدة وإذا أخذنا في الاعتبار غياب أي دعم من الخارج للمقاومة. وهذا الفشل هو الذي حمل إدارة بوش على التراجع والانصياع لتطلب مساعدة الأمم المتحدة التي أرادت أن تعرف ما إذا كان يمكن للعراق ألا يكون مجرد دولة تابعة لواشنطن، إذ أن أميركا تشكل في بغداد بعثتها الدبلوماسية الأكبر في العالم ليبلغ عدد موظفيها ثلاثة آلاف مما يعني بكل وضوح أن عملية نقل السيادة المقررة في 30 حزيران/يونيو المقبل سوف تكون محدودة.وما يعزز هذا الشعور هو مطالبة الأميركية بالاحتفاظ في العراق بقواعد عسكرية مهمة وبوجود قوي لكل قواتها العسكرية. كما أن هذه الرغبة في استتباع العراق قد عززتها الأوامر الصادرة عن بول بريمر، مندوب واشنطن، لإبقاء الاقتصاد المحلي منفتحاً وخاضعاً لسيطرة الأجانب (وخصوصاً من الشركات الأميركية المقربة من السيد بوش وحاشيته)، وهو من الشروط التي لا تتقبلها أي دولة تحترم سيادتها. ففقدان السيطرة على الاقتصاد يحد بشكل جذري من السيادة السياسية كما من التطلعات إلى حركة نمو سليمة. وهذا من دروس التاريخ الأكثر وضوحاً إذ لم يتمكن أي بلد مستعمر من تحقيق التطور طالما ظلت سياسته واقتصاده تحت هيمنة القوة المحتلة.

 

في كانون الأول/ديسمبر عام 2003 أشار تحقيق أجرته "بيبا/نولدج نتوورك" إلى أن الشعب الأميركي نفسه بات متراجعاً جداً في دعمه قرار إدارة بوش الاحتفاظ بوجود عسكري قوي دائم في العراق. وتنتج هذه المخاوف الشعبية من كون الناس لا يؤمنون بصوابية القضية. ومن شأن هذا، إذا ما ترجم في الانتخابات المرتقبة في تشرين الثاني/نوفمبر، أن يؤدي إلى تغيير سياسي أساسي، حتى وإن كانت الانتخابات في الولايات المتحدة لا تقدم الكثير وإن كان الناس يعرفون أن الانتخابات فيها تشرى شراء بشكل عام. فالمرشح الديموقراطي جون كيري وصف أحياناً بأنه "بوش تنقصه بعض الحرارة". إلا انه من الممكن أن تؤدي أحياناً عملية الاختيار بين فصيلين مما يسمّى "حزب الأسياد" إلى سياسات مختلفة، سواء في الشؤون الداخلية أو في السياسة الدولية. فبعض الفوارق في البداية بين هذا المرشح أو ذاك قد تترجم عند الوصول إلى السلطة بتأثيرات ضخمة وذات طبيعة متناقضة جداً سواء انتخب السيد بوش أو السيد كيري. وهذا ما يمكن أن يحدث في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل كما حدث في العام 2000 حين تواجه السيدان بوش وغور.سياسة بوش صيغتها هي التالية: "تحرير العالم من الشر والإرهاب". فبعد 11 أيلول/سبتمبر أكد أن "إعلان الحرب على الإرهاب هو أيضاً إعلان حرب على كل دولة تقدم الملجأ للإرهابيين. ذاك أن كل دولة تؤوي إرهابيين على أرضها تكون هي نفسها دولة إرهابية ويجب أن تعامل على هذا الأساس". وباسم هذه السياسة خاض السيد بوش الحرب في أفغانستان في العام 2001 وفي العراق عام 2002، وهو اليوم يهدد دولاً أخرى مثل سوريا. وهنا يمكن التساؤل هل أن موقف بوش متماسك فعلاً إذ أن هناك الكثير من الدول الأخرى التي نؤوي إرهابيين وتحميهم ولم تتعرض لا للقصف ولا للاجتياح، وبدءاً بـ...الولايات المتحدة نفسها!

 

فكما هو معروف، فقد أشرفت الولايات المتحدة منذ العام 1959، على اعتداءات إرهابية على كوبا. فقد كان هناك اجتياح خليج الخنازير في العام 1961 وإطلاق نيران الرشاشات المضادة للطيران على المدنيين، وزرع القنابل في الأماكن العامة في هافانا وغيرها من المدن، واغتيال الموظفين وتدمير طائرة تجارية أثناء رحلة لها في العام 1961 سقط فيها ثمانون قتيلاً، ناهيك بعشرات المؤامرات لاغتيال السيد فيديل كاسترو. فأورلاندو بوش (Bosch) هو من الإرهابيين المعادين لكاسترو الأكثر بروزاً، والمتهم بكونه العقل المدبر للاعتداء على الطائرة المدنية في العام 1976. وفي العام 1989 ألغى السيد جورج بوش (Bush) الأب قرار وزارة العدل التي كانت رفضت طلب اللجوء السياسي الذي تقدم به السيد بوش. وها أن هذا الأخير يعيش اليوم بأمان في الولايات المتحدة مواصلاً نشاطاته المعادية لنظام كاسترو.وتتضمن أيضاً لائحة الإرهابيين الذين وجدوا ملاذاً في الولايات المتحدة السيد إيمانويل كونستان الملقب "توتو"، من هايتي، وهو زعيم سابق من القوات شبه العسكرية من زمن دوفالييه. و"توتو" هذا هو مؤسس "الجبهة الثورية للتقدم والتطور في هايتي"، وهي مجموعة شبه عسكرية أرهبت السكان ما بين العامين 1990 و1994 بناء على أوامر من المجلس الحاكم الذي كان قد أطاح الرئيس أريستيد. وبحسب معلومات حديثة فان "توتو" هذا يعيش حالياً في حي "كوينز" في نيويورك. وقد رفضت واشنطن الطلب الذي قدمته هايتي لتسليم المجرمين. ولماذا؟ لأن من الممكن أن يفضح "توتو" العلاقة بين الولايات المتحدة والمجلس الحاكم المسؤول عن قتل ما بين 4000 و5000 هايتي، على يد المجلس الثوري للتقدم والتطور في هايتي... وما يجدر ذكره أيضاً هو أنه كان بين رجال العصابات الذين شاركوا إلى جانب القوات الأميركية في الانقلاب الأخير على الرئيس أريستيد العديد من الزعماء السابقين في "الجبهة الثورية للتقدم والتطور في هايتي" الإرهابية...ولا تزال واشنطن ترفض تسليم أولئك الذين خدموها فعلاً حتى وإن كانوا من الإرهابيين. ففنزويلا طالبت، في شباط/فبراير عام 2003 بتسليمها ضابطين شاركا في انقلاب 11 نيسان/أبريل على الرئيس هوغو شافيز ثم أعدا في ما بعد لاعتداء في كاراكاس قبل أن يفرا إلى ميامي حيث وجدا لهما ملاذاً. وبالطبع فان واشنطن رفضت التسليم.ما يعني أن ليس الإرهابيون جميعاً من طينة واحدة. وأولئك الذين يخدمون مصالح الولايات المتحدة لا يمكن وصفهم بالعبارة المحقرة "إرهابيون". فهم "المناضلون الجدد من أجل الحرية" كما كانت وسائل الإعلام تصف في ما مضى السيد أسامة بن لادن نفسه يوم كان يرهب السوفيات لحساب أميركا...

 

* أستاذ في "مؤسسة ماساتشوستس للتكنولوجيا"، بوسطن، الولايات المتحدة. ومن مؤلفاته أخيراً، إلى جانب مؤلفاته الكثيرة:

 

Pirates et empereurs. Le terrorisme dans le monde contemporain, Fayard, Paris, 2003.

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

[1] Denis Halliday, “ Des sanctions qui tuent ”, Le Monde diplomatique, janvier 1999.

 

[2] Jessica Stern, “ How America Created a Terrorist Haven ”, The New York Times, 20 août 2003

 

الحوار المتمدن - العدد: 834 - 2004 / 5 / 14

 

http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=18143

 

 

 

الازدراء الكاوي في «آمال وآفاق» لنعوم تشومسكي

 

عمار سلطان

 

يعتقد معظم الوطنيين الأمريكيين أن سياسات حكوماتهم ، الخارجية ، المعلنة ، وأهدافها ، ما هي إلا عوامل تعزيز للحرية والديموقراطية في جميع أنحاء العالم على السواء. فالسؤال الأكثر إثارة للاهتمام لديهم ، ودائم الإلحاح: ماذا إذا كانت الحكومات الأميركية قاربت من تحقيق تلك الأهداف ، أو حاولت جهدها ، بإزائها؟ وفي هذا السياق يرى عديد من صانعي السياسة الأميركية أن تحرير العراق من بطش صدام حسين وديكتاتوريته كان عملاً نبيلاً لا بد من القيام به في سبيل تعزيز الحرية والديمقراطية وإحقاق حقوق الإنسان.وعلى نقيض ما مضى ، يرى نعوم تشومسكي ، في كتابه "آمال وآفاق" ، الصادر منتصف هذا العام ، أن مسألة تصور الولايات المتحدة الأميركية نفسها قوة للخير أمر خطير جداً ، بل وهمّ ، وتصور غير عقلاني. ويكرس أستاذ اللغات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ، وَفْقَ هذه الحقيقة ، أن السياسية الإيفانجليكية الأميركية نفاق بشع وقناع مكر لإخفاء الطموحات الإمبريالية التي تخفيها أقنعة زائفة. يسلك تشومسكي هامش الكتابة السياسية المعارضة منذ حرب فيتنام: تلك الكتابة التي أبقت واشنطن تحت سطوة هراوته. يكرّس أتباعا يُطلقون عليه الكلمة السنسكريتية Guru ، أي: المعلم ، وكذلك الكلمة الإغريقية Gadfly ، أي: المزحزح ، ومغير مراكز القوى والسلطة ، والناطق عن حقيقة غير مرغوب بها. فهو ألصق ما يكون إلى أقصى اليسارية الفكرية الأمريكية ، ولذا تتسابق إليه الأسماعُ تشنيفَ آذانْ ، والأبصار حدقات فرح.هذا كتاب يتخلى عن أطروحة وحدة الموضوع ، غير أنه يجمع فكر تشومسكي الموسوعي العميق المتشابك في وحدة نسق من خلال محاضراته ومقالاته في غضون السنوات القليلة الماضية. ويحمل الكتاب ، في طياته ، مواضيع جلية نتلمسها ونعايشها حتى لحظتنا هذه: ولايات متحدة أميركية مأسورة ذات تبعية ديمقراطية بيد النخبة المالية والتجارية الضيقة ، ثم تواطؤ الإعلام ، وفوق هذا ، سوء طالع أميركا اللاتينية لوقوعها في الفناء الخلفي لواشنطن ، ثم طامتنا الكبرى في وظيفة إسرائيل عميلاً عسكرياً أميركياً في الشرق الأوسط ، وخطر الكارثة النووية.ولا يخفي تشومسكي ، طوال هذه الأطروحات ، ازداءه الكاوي للأساطير والأوهام التي يجعلها الغرب تبريراتْ وحججاً لاستحواذهم التنمري على كوكب الأرض. ويرفض مساحات شاسعة من التاريخ في فقرتين عبوسين لا أرى بديلاً ذا قيمة يصرف النظر عنهما. فيشرع ، فيهما ، قائلاً: إن حادثة اصطدام كولومبوس بقارة مجهولة ، في عام 1492 ، هي أسوأ كارثة حلت بجنسنا البشري. إشارة إلى نشوء القارة الأمريكية ، التي قامت ـ على أرضها ـ الولايات المتحدة الأمريكية ، بعد ذلك ببضعة قرون. فمن هناك ، خطوة قصيرة تبعدنا عن الإبادة الجماعية للشعب الأميركي الأصلي ، وتشكل الدكتاتوريات التجارية التي يديرها الأوروبيون البيض ، وصحبة الحرب والإرهاب. ويذكّرنا تشومسكي بأن نموذج الولايات المتحدة الإمبرياليَّ ، الذي نشب أظفاره في القرن العشرين متأثرا كثيراً بالنموذج البريطاني. وعلى وجه التحديد ، يحاكي ابنُ العمًّ الأصغرُ الأكبرَ ، في فتح الأسواق العالمية ، تحت تهديد السلاح وقمع المنافسة الداخلية حتى تحصل النخبة المالية والتجارية على احتكار مريح وآمن ، ومن ثم تعلن هذه النخبة دعمها ومؤازرتها "للتجارة العالمية الحرة" ، وعلى ميزان "الفرص المتكافئة" ، في لعبة مكشوفة سمجة. وفي أفق آخر يسهم تشومسكي ، والعديدون من أصحاب تيار الفكر اليساري الراديكالي ، في ممانعة مدروسة في اعتماد مفردة "العولمة". فهي ـ في فهمه ـ كلمة تعني إدراج الجميع في مؤسسة اقتصادية واحدة. ويؤكد تشومسكي أن العنصر العولمي الوحيد في الحراك الاقتصادي هو ما يصلح لجميع القوالب السياسية التي يمليها الغرب على الدول النامية ، بهدف استنزاف مواردها و استئصالها. ومنها أقول إن الأسواق الحرة ما هي إلا مجرد وهم. فواشنطن تحمي وتوسع مصالح شركاتها بتطبيق سلطتها العسكرية التي لا هوادة فيها. والرفض للخضوع الأميركي معاقب عليه بالعزل الدبلوماسي ، وتشويه السمعة ، والانقلاب العسكري إذا ما كانت المخاطر الاستراتيجية والاقتصادية مرتفعة بما فيها الكفاية.ومن وحي عنوان الكتاب يعزم تشومسكي على تبيان الخط الفاصل بين "الأمل" المدعى ، من قبل السياسيين التقليديين ، مثل باراك أوباما ، وبين أفق ذلك الأمل الفعلي ، سارداً امثلة زاخرة وفيرة تثبت ـ مرات عديدة ـ حقيقة الفضاء الواقع بين النوايا المعلنة والحقائق المدركة في سياسة الغرب وأميركا. وكما اعتدنا ، في أعمال تشومسكي ، كان حجم المعلومات في هذا الكتاب مذهلاً ومكثفاً ، ويحتوى الكتاب على مراجع ومصادر وفيرة ، وحشد متنوع ذائع الصيت. يأخذنا الكتاب في مقالاته الثلاثة الأولى إلى تشيلي عام 2006 ، ويحدد تشومسكي ، بدقة ، كيفية إعاقة السياسة الخارجية الأميركية ، في الدول اللاتينية ، مزركشاً خطابه الخطي بأمثلة تاريخية لدعم نقاطه. ومن ثم يلقي بالمتلقي إلى مقبرة الديموقراطية الأميركية: تلك السياسة التي تهدف إلى انقلاب البرلمانات الديمقراطية في كل من البرازيل والتشيلي وغواتيمالا وإيران وغيرها. يمضي ، موضحاً ، النزاعات الإمبريالية الأميركية في سياسة ترمي إلى تهويد المثل العليا إن لم تتطابق مصالحها. ولا يخفي تشومسكي مقته مصطلح "المصالح" لأنه لا يعني ، البتة ، مصالح السكان الحاليين.

 

03-09-2010

 

 

Failed States

 

It is an expanded version of the afterward to his new book Failed States: The Abuse of Power and the Assault on Democracy (Metropolitan Books, 2006).

 

Afterward: Failed States
Noam Chomsky

 



We began by considering four critical issues that should rank high on the agenda of those concerned with the prospects for a decent future. Two of them are literally matters of survival: nuclear war and environmental disaster. The first danger is ever-present, beyond imagination, and in principle avoidable; practical ways to proceed are understood. The second is longer-term, and there is much uncertainty about how a serious crisis can be averted, or at least mitigated, though it is clear enough that the longer the delay in confronting the tasks, they harder they will be. And again, sensible measures to proceed are well known. The third major crisis is that the government of the global superpower is acting in ways that enhance these threats, and others as well, such as the threat of terrorism by enemies. That conclusion, unfortunately all too credible, brings to prominence a fourth critical issue: the growing democratic deficit, the gap between public will and public policy, a sign of the increasing failure of formal democratic institutions to function as they would in a democratic culture with vitality and substance. This last issue is both threatening and hopeful. It is threatening because it increases the dangers posed by the first three imminent crises, apart from being intolerable in itself. It is hopeful because it can be overcome, and again, practical ways to proceed are well understood, and have often been implemented under far more difficult circumstances than those faced in the industrial societies today.
No one familiar with history should be surprised that the growing democratic deficit at home is accompanied by declaration of messianic missions to bring democracy to a suffering world. Declarations of noble intent by systems of power are rarely complete fabrication, and the same is true in this case. Under some conditions, forms of democracy are acceptable. Abroad, as the leading scholar-advocate of "democracy promotion" concludes from his inquiries, we find a "strong line of continuity," extending to the present moment: democracy is sometimes acceptable, but if and only if it is consistent with strategic and economic interests (Thomas Carothers). Much the same holds at home, where democracy is valued by power and privilege insofar as it "protects the opulent minority from the majority," as Madison held..

 

 

As the strong line of continuity illustrates, the policy planning spectrum is narrow. The basic dilemma facing policy makers is sometimes candidly recognized at its dovish liberal extreme, for example, by Robert Pastor, President Carter's national security advisor for Latin America . He explained why the administration had to support the murderous and corrupt Somoza regime in Nicaragua, and when that proved impossible, to try at least to maintain the US-trained National Guard even as it was massacring the population "with a brutality a nation usually reserves for its enemy," killing some 40,000 people. The reason was the familiar one: "The United States did not want to control Nicaragua or the other nations of the region, but it also did not want developments to get out of control. It wanted Nicaraguans to act independently, except when doing so would affect U.S. interests adversely." The Cold War was scarcely relevant, but once again we find the dominant operative principle, illustrated copiously throughout history.
Similar dilemmas faced Bush administration planners after their invasion of Iraq . They want Iraqis "to act independently, except when doing so would affect U.S. interests adversely." Iraq must therefore be sovereign and democratic, but within limits. It must somehow be constructed as an obedient client state, much in the manner of the traditional order in Central America , where the experiences that shape foreign policy planners are the richest and most instructive. These experiences are particularly alive for the current administration, with its firm roots in the cruel and savage Reagan years, when "democracy enhancement" programs were able to restore "the basic order of....quite undemocratic societies," tolerating only "limited, top-down forms of democratic change that did not risk upsetting the traditional structures of power with which the United States has long been allied" (Carothers) - by means of mass slaughter, torture, and barbarism At a very general level, the pattern is not unfamiliar throughout history, reaching to the opposite extreme of modern institutional structures. The Kremlin was able to maintain satellites that were run by domestic political and military forces, with the iron fist poised if needed. Germany was able to do much the same in occupied Europe even while it was at war, as did fascist Japan in Manchuria (its Manchukuo ). Fascist Italy achieved similar results in North Africa while carrying out virtual genocide that in no way harmed its favorable image in the West and possibly inspired Hitler: for example in Libya from 1929-1933, a campaign waged with unspeakable brutality and ethnic cleansing on a grand scale. Traditional imperial and neo-colonial systems illustrate many variations on similar themes.

 

To achieve the traditional goals in Iraq has proven to be surprisingly difficult, despite unusually favorable circumstances, as already reviewed. The dilemma of combining a measure of independence with firm control arose in a stark form not long after the invasion, as mass non-violent resistance compelled the invaders to accept far more Iraqi initiative than they had anticipated, or desired. The outcome even began to evoke the nightmarish prospect of a more or less democratic and sovereign Iraq taking its place in a loose Shiite alliance comprising Iran, Shiite Iraq, and possibly the nearby Shiite-dominated regions of Saudi Arabia, controlling most of the world's oil and independent of Washington . Even the thought of such an outcome evokes memories of the near hysteria over Nasser-led secular nationalism in 1958, particularly when Iraq broke free of Anglo-American domination of the vast energy resources of the Middle East . It was feared that the "contagion" might spread even to Saudi Arabia , where the extremist fundamentalist regime has the task of ensuring that this "stupendous source of strategic power," "one of the greatest material prizes in world history," remains firmly in US hands. It still performs this role, but with increasing uncertainty.
It could become even worse. Washington's dedicated efforts to punish Iran for overthrowing the tyranny of the Shah in 1979 might backfire. Iran does have options. Iran might give up on hopes that Europe could become independent of the US , and turn eastward. If that happens, Iran will have reasons, which have rarely been discussed in Western commentary on the confrontation over Iranian uranium enrichment programs. In a rare break from the silence, the reasons are discussed by Selig Harrison, a leading specialist on these topics. "The nuclear negotiations between Iran and the European Union were based on a bargain that the EU, held back by the US, has failed to honour," Harrison observes:
Iran agreed to suspend its uranium enrichment efforts temporarily pending the outcome of discussions on a permanent enrichment ban. The EU promised to put forward proposals for economic incentives and security guarantees in return for a permanent ban but subsequently refused to discuss security issues. The language of the joint declaration that launched the negotiations on November 14 2004, was unambiguous. "A mutually acceptable agreement," it said, would not only provide "objective guarantees" that Iran 's nuclear programme is "exclusively for peaceful purposes" but would "equally provide firm commitments on security issues."
The phrase "security issues" is a thinly veiled reference to the threats by the US and Israel to bomb Iran , and the well-publicized preparations to carry out such an attack. The model regularly adduced is Israel's bombing of Iraq 's Osirak nuclear reactor in 1981, which appears to have initiated Saddam's nuclear weapons programs, another demonstration that violence tends to elicit violence in reaction. Any attempt to execute similar plans against Iran could lead to immediate violence, as is surely understood in Washington . During a visit to Teheran, the influential Shiite cleric Moqtada Sadr warned that his militia would defend Iran in the case of any attack, "one of the strongest signs yet," the Washington Post reported, "that Iraq could become a battleground in any Western conflict with Iran, raising the specter of Iraqi Shiite militias -- or perhaps even the U.S.-trained Shiite-dominated military -- taking on American troops here in sympathy with Iran." The Sadrist bloc, which registered substantial gains in the December 2005 elections, may soon become the most powerful single political force in Iraq . It is consciously pursuing the model of other successful Islamist groups, such as Hamas in Palestine , combining strong resistance to military occupation with grassroots social organizing and service to the poor.

 

Washington's unwillingness to allow regional security issues to be considered, tolerated by Europe, is nothing new, not just in the case of Iran . It has arisen repeatedly in the confrontation with Iraq as well, with serious consequences, ever since Saddam became an enemy in 1990. In the background, raising very serious security concerns, is the matter of Israeli nuclear weapons, a topic that Washington bars from international consideration in violation of firm agreements and Security Council resolutions. Beyond that lurks what Harrison rightly describes as "the central problem facing the global non-proliferation regime": the failure of the nuclear states to live up to their NPT obligation "to phase out their own nuclear weapons" -- and in Washington 's case, formal rejection of the obligation.
Unlike Europe, China refuses to be intimidated by Washington, a primary reason for the growing fear of China on the part of US planners, which also poses a dilemma: steps toward confrontation are inhibited by US corporate reliance on China as an export platform and growing market, as well as China's financial reserves, reported to be approaching Japan 's in scale. Much of Iran's oil already goes to China, and China is providing Iran with weapons that both states presumably regard as a deterrent to US designs. Still more uncomfortable for Washington is the fact that "the Sino-Saudi relationship has developed dramatically," the Financial Times reports, including Chinese military aid to Saudi Arabia and gas exploration rights for China . By 2005, Saudi Arabia provided about 17 percent of China 's oil imports. Chinese and Saudi oil companies have signed deals for drilling and construction of a huge refinery (with Exxon Mobil as a partner). A January 2006 visit by Saudi King Abdullah to Beijing was expected to lead to a Sino-Saudi memorandum of understanding calling for "increased cooperation and investment between the two countries in oil, natural gas, and investment," the Wall Street Journal reported.
Indian analyst Aijaz Ahmad observes that Iran could "emerge as the virtual lynchpin in the making, over the next decade or so, of what China and Russia have come to regard as an absolutely indispensable Asian Energy Security Grid, for breaking Western control of the world's energy supplies and securing the great industrial revolution of Asia ." South Korea and Southeast Asian countries are likely to join, possibly Japan as well. A crucial question is how India will react. It rejected US pressures to withdraw from an oil pipeline deal with Iran , though it is still vacillating on grounds of security within Pakistani Baluchistan. Meanwhile Pakistan has pledged to build the pipeline whatever India decides (and presumably against US wishes). On the other hand, India joined the US and EU in voting for an anti-Iranian resolution at the IAEA, joining also in their hypocrisy, since India rejects the NPT regime to which Iran, so far, appears to be largely conforming. Ahmad reports that India may have secretly reversed its stand at the IAEA after Iran briefly threatened to terminate a $20 billion gas deal. Washington later "warned India that Delhi's own nuclear deal with the US could be ditched if the Indian government did not vote to refer Tehran to the United Nations Security Council," the Financial Times reported, eliciting a sharp rejoinder from the Indian foreign ministry and an evasive tempering of the warning by the US Embassy.

 

India too has options. It may choose to be a US client, or it may prefer to join a more independent Asian bloc that is taking shape, with growing ties to Middle East oil producers. In a series of informative commentaries, the deputy editor of The Hindu observes that "if the 21st century is to be an `Asian century', Asia 's passivity in the energy sector has to end." Though it "hosts the world's largest producers and fastest growing consumers of energy," Asia still relies "on institutions, trading frameworks and armed forces from outside the region in order to trade with itself," a debilitating heritage from the imperial era. The key is India-China cooperation. In 2005, he points out, "India and China have managed to confound analysts around the world by turning their much-vaunted rivalry for the acquisition of oil and gas assets in third countries into a nascent partnership that could alter the basic dynamics of the global energy market." A January 2006 agreement signed in Beijing "cleared the way for India and China to collaborate not only in technology but also in hydrocarbon exploration and production, a partnership that eventually could alter fundamental equations in the world's oil and natural gas sector." At a meeting in New Delhi of Asian energy producers and consumers a few months earlier, India had "unveiled an ambitious $22.4 billion pan-Asian gas grid and oil security pipeline system" extending throughout all of Asia, from Siberian fields through Central Asia and to the Middle East energy giants, also integrating the consumer states. Furthermore, Asian countries "hold more than two trillion dollars worth of foreign reserves," overwhelmingly denominated in dollars, though prudence suggests diversification. A first step, already being contemplated, is an Asian oil market trading in euros. The impact on the international financial system and the balance of global power could be significant. The US "sees India as the weakest link in the emerging Asian chain," he continues, and is "trying actively to divert New Delhi away from the task of creating new regional architecture by dangling the nuclear carrot and the promise of world power status in alliance with itself." If the Asian project is to succeed, he warns, " India will have to resist these allurements." Similar questions arise with regard to the Shanghai Cooperation Organization formed in 2001 as a Russia-China-based counterweight to the expansion of US power into former Soviet Central Asia, now evolving "rapidly toward a regional security bloc [that] could soon induct new members such as India, Pakistan, and Iran," long-time Moscow correspondent Fred Weir reports, perhaps becoming a "Eurasian military confederacy to rival NATO."
The prospect that Europe and Asia might move towards greater independence has seriously troubled US planners since World War II, and concerns have significantly increased as the "tripolar order" has continued to evolve, along with new and important south-south interactions (Brazil, South Africa, India, and others), and rapidly growing EU engagement with China - perhaps now, or soon, each other's largest trading partners..

 

US intelligence has projected that the US, while controlling Middle East oil for the traditional reasons, will itself rely mainly on more stable Atlantic Basin resources (West Africa, Western hemisphere). Control of Middle East oil is now far from a sure thing, and these expectations are also threatened by developments in the Western hemisphere, accelerated by Bush administration policies that have left the US remarkably isolated in the global arena. The Bush administration has even succeeded in alienating Canada , an impressive feat. Canada's relations with the US are more "strained and combative" than ever before as a result of Washington's rejection of Nafta decisions favoring Canada , Joel Brinkley reports. "Partly as a result, Canada is working hard to build up its relationship with China [and] some officials are saying Canada may shift a significant portion of its trade, particularly oil, from the United States to China." Canada's minister of natural resources said that within a few years one-quarter of the oil that Canada now sends to the US may go to China instead. In a further blow to Washington's energy policies, the leading oil exporter in the hemisphere, Venezuela, has forged probably the closest relations with China of any Latin American country, and is planning to sell increasing amounts of oil to China as part of its effort to reduce dependence on the openly hostile US government. Latin America as a whole is increasing trade and other relations with China, with some setbacks, but likely expansion, in particular for raw materials exporters like Brazil and Chile .
Meanwhile Cuba-Venezuela relations are becoming very close, each relying on its comparative advantage. Venezuela is providing low-cost oil while in return Cuba organizes literacy and health programs, sending thousands of highly skilled professionals, teachers and doctors, who work in the poorest and most neglected areas, as they do elsewhere in the third world. Joint Cuba-Venezuela projects are also having a considerable impact in the Caribbean countries, where Cuban doctors are providing health care to thousands of people who had no hope of receiving it, with Venezuelan funding. Operation Miracle, as it is called, is described by Jamaica's ambassador to Cuba as "an example of integration and south-south co-operation," and is generating great enthusiasm among the poor majority. The US and Mexico apparently toyed with the idea of an oil subsidy to counter Venezuelan petro-diplomacy, but do not seem to have pursued it. Cuban medical assistance is also being welcomed elsewhere. One of the most horrendous tragedies of recent years was the October 2005 earthquake in Pakistan . In addition to the huge toll, unknown numbers of survivors have to face brutal winter weather with little shelter, food or medical assistance. There has been extensive coverage of Western aid, but one has to turn to the South Asian press to read that "Cuba has provided the largest contingent of doctors and paramedics to Pakistan," paying all the costs (perhaps with Venezuelan funding), and that President Musharraf of Pakistan expressed his "deep gratitude" to Fidel Castro for the "spirit and compassion" of the Cuban medical teams. These are reported to comprise more than 1000 trained personnel, 44 percent of them women, who remained to work in remote mountain villages, "living in tents in freezing weather and in an alien culture" after the Western aid teams had been withdrawn, setting up 19 field hospitals and working 12-hour shifts.

 

Some analysts have suggested that Cuba and Venezuela might even unite, a step towards further integration of Latin America in a bloc that is more independent from the US . Venezuela has joined Mercosur, the South American customs union, a move described by Argentine President Néstor Kirchner as "a milestone" in the development of this trading bloc, and welcomed as opening "a new chapter in our integration" by Brazilian President Luiz Inácio Lula da Silva. Independent experts say that "adding Venezuela to the bloc furthers its geopolitical vision of eventually spreading Mercosur to the rest of the region." At a meeting in Uruguay convened to mark Venezuela's formal entry into Mercosur, Venezuelan president Chávez said that the organization must be "politicized": "We cannot allow this to be purely an economic project, one for the elites and for the transnational companies," a not very oblique reference to the US-sponsored "Free Trade Agreement for the Americas," which has aroused strong public opposition. Venezuela also supplied Argentina with fuel oil to help stave off an energy crisis, and bought almost a third of Argentine debt issued in 2005, one element of a region-wide effort to free the countries from the controls of the IMF after two decades of disastrous effects of conformity to the rules imposed by the US-dominated international financial institutions. The IMF has "acted towards our country as a promoter and a vehicle of policies that caused poverty and pain among the Argentine people," President Kirchner said in announcing his decision to pay almost $1 trillion to rid itself of the IMF forever. Radically violated IMF rules, Argentina enjoyed a substantial economic recovery from the disaster left by IMF policies.
Steps toward independent regional integration advanced further with the election of Evo Morales in Bolivia in December 2005. He became the first indigenous president in Bolivia , where a majority identify themselves with indigenous groups. Morales moved quickly to reach a series of energy accords with Venezuela . The Financial Times reported that these "are expected to underpin forthcoming radical reforms to Bolivia's economy and energy sector" with its huge gas reserves, second only to Venezuela's in South America . Morales too committed himself to reverse the neoliberal policies that Bolivia had pursued rigorously for 25 years, leaving the country with lower per capita income than at the outset. Adherence to the neoliberal programs was interrupted during this period only when popular discontent compelled the government to abandon them, as when it followed World Bank advice to privatize water supply and "get prices right" -- incidentally, to deprive the poor of access to water.

 

Venezuelan "subversion," as it is described in Washington, is extending to the US as well. Perhaps that calls for expansion of the policies of "containment" of Venezuela ordered by Bush in March 2005. In November 2005, the Washington Post reported, a group of Senators sent a letter "to nine big oil companies: With huge increases in winter heating bills expected, the letter read, we want you to donate some of your record profits to help low-income people cover those costs." They received one response: from CITGO, the Venezuelan-controlled company. CITGO offered to provide low-cost oil to low-income residents of Boston, later to the Bronx and elsewhere. Chávez is only doing it "for political gain," the State Department responded; it is "somewhat akin to the government of Cuba offering scholarships to medical school in Cuba to disadvantaged American youth." Quite unlike aid from the US and other countries, which is pure-hearted altruism. It is not clear that these subtleties will be appreciated by the recipients of the "12 million gallons of discounted home-heating oil [provided by CITGO] to local charities and 45,000 low-income families in Massachusetts ." The oil is distributed to poor people facing a 30-50 percent rise in oil prices, with fuel assistance "woefully underfunded, so this is a major shot in the arm for people who otherwise wouldn't get through the winter," according to the director of MassEnergyConsumer Alliance, which will distribute low-cost oil to "homeless shelters, food banks, and low-income housing groups." He also "said he hoped the deal would present `a friendly challenge' to US oil companies -- which recently reported record quarterly profits -- to use their windfall to help poor families survive the winter," apparently in vain.
Though Central America was largely disciplined by Reaganite violence and terror, the rest of the hemisphere is falling out of control, particularly from Venezuela to Argentina , which was the poster-child of the IMF and the Treasury Department until its economy collapsed under the policies they imposed. As noted, Argentina did manage to recover, but only by defying IMF orders, which does not please international creditors or Washington. Much of the region has left-center governments. The indigenous populations have become much more active and influential, particularly in Bolivia and Ecuador, both major energy producers, where they either want oil and gas to be domestically controlled or, in some cases, oppose production altogether. Many indigenous people apparently do not see any reason why their lives, societies, and cultures should be disrupted or destroyed so that New Yorkers can sit in their SUVs in traffic gridlock. Some are even calling for an "Indian nation" in South America . Meanwhile the internal economic integration that is underway is reversing patterns that trace back to the Spanish conquests, with Latin American elites and economies linked to the imperial powers but not to one another. Along with growing south-south interaction on a broader scale, these developments are strongly influenced by popular organizations that are coming together in the unprecedented international global justice movements, ludicrously called "anti-globalization" because they favor globalization that privileges the interests of people, not investors and financial institutions. For many reasons, the system of US global dominance is fragile, even apart from the damage inflicted to it by Bush planners.

 

One consequence is that the Bush administration's pursuit of the traditional policies of deterring democracy, called "democracy promotion" in the doctrinal system, face new obstacles. It is no longer as easy as before to resort to military coups and international terrorism to overthrow democratically elected governments, as Bush planners learned ruefully in 2002 in Venezuela . The "strong line of continuity" must be pursued in other ways, for the most part. In Iraq, as we have seen, mass non-violent resistance compelled Washington and London to permit the elections they had sought to block by a series of schemes. The subsequent effort to subvert the unwanted elections by providing substantial advantages to the administration's favorite candidate, and expelling the independent media, also failed. Problems still remain beyond those usually discussed. The Iraqi labor movement is making considerable progress despite the opposition of the occupation authorities. The situation is rather like Europe and Japan after World War II, when a primary goal of the US and UK was to undermine independent labor movements - as at home, for similar reasons: organized labor contributes in essential ways to functioning democracy with popular engagement. Many of the measures adopted at that time - withholding food, supporting fascist police, etc. - are no longer available. Nor is it possible today to rely on the labor bureaucracy of AIFLD to help undermine unions. Today, some American unions are supporting Iraqi workers, just as they do in Colombia, where more union activists are murdered than anywhere in the world but at least now receive support from the United Steelworkers of America and others, while Washington continues to provide enormous funding for the government, which bears a large part of the responsibility.
The problem of elections arose in Palestine much in the way it did in Iraq . As already discussed, the Bush administration refused to permit elections until the death of Yasser Arafat, aware that the wrong man would win so that elections would not conform to the democratic vision that animates policy. After Arafat's death, the administration agreed to respond to the popular pressure for elections, expecting that its favored candidates in the Palestinian Authority would win. To promote this outcome, Washington resorted to much the same modes of subversion as in Iraq , and often before. The national press reported that Washington used USAID as an "invisible conduit" in an effort to "increase the popularity of the Palestinian Authority on the eve of crucial elections in which the governing party faces a serious challenge from the radical Islamic group Hamas," spending "about $1.9 million of its yearly $400 million in aid to the Palestinians on dozens of quick projects before elections this week to bolster the governing Fatah faction's image with voters and strengthen its hand in competing with the militant faction Hamas." As is normal, the US consulate in East Jerusalem assured the press that the concealed efforts to promote Fatah were merely intended "to enhance democratic institutions and support democratic actors, not just Fatah." In the US or any Western country, even a hint of such foreign interference would destroy a candidate, but deeply rooted imperial mentality legitimates such routine measures of subversion of elections elsewhere. However, the attempt to subvert the elections again resoundingly failed.

 

The US and Israeli governments now have to adjust to dealing somehow with a radical Islamic party that approaches their traditional rejectionist stance, though not entirely, at least if Hamas really does mean to agree to an indefinite truce on the international border as its leaders state. The idea is completely foreign to the US and Israel, which insist that any political outcome must include Israeli takeover of substantial parts of the West Bank (and the forgotten Golan Heights ). Hamas's refusal to accept Israel's "right to exist" mirrors the refusal of Washington and Jerusalem to accept Palestine's "right to exist" - a concept unknown in international affairs; Mexico accepts the existence of the US, but not its abstract "right to exist" on almost half of Mexico, acquired by conquest. Hamas's formal commitment to "destroy Israel" places it on a par with the US and Israel, which vowed formally that there could be no "additional Palestinian state" (in addition to Jordan ) until they relaxed their extreme rejectionist stand partially in the past few years, in the manner already reviewed. Although Hamas has not said so, it would come as no great surprise if Hamas were to agree to allow Jews to remain in scattered cantons in the present Israel, while Palestine constructs huge settlement and infrastructure projects to take over the valuable land and resources, effectively breaking Israel up into unviable cantons, virtually separated from one another and from some small part of Jerusalem where Jews would also be allowed to remain. And they might agree to call the fragments "a state." If such proposals were made, we would -- rightly -- regard them as a reversion to Nazism, a fact that might elicit some thoughts. If such proposals are made, Hamas's position would be essentially like that of the US and Israel for the past five years. Before that, they refused to consider even this impoverished form of "statehood." It is entirely fair to describe Hamas as radical, extremist, and violent, and as a serious threat to peace and a just political settlement. But the organization hardly is alone in this stance.
Elsewhere traditional means of undermining democracy have succeeded. In Haiti , the Bush administration's favorite "democracy-building group, the International Republican Institute," worked assiduously to promote the fortunes of the opposition to President Aristide. The project was helped by the withholding of desperately needed aid on grounds that were dubious at best. When it seemed that Aristide would probably win any genuine election, Washington and the opposition chose to withdraw, a standard device to discredit elections that are going to come out the wrong way: Nicaragua in 1984 and Venezuela in December 2005 are examples that should be familiar. Then followed a military coup by former state terrorists based in the Dominican Republic (which Washington claims to have known nothing about), expulsion of the President to South Africa, and a reign of horrifying terror and violence, vastly exceeding anything under the elected government that Washington helped to overthrow. The miserable fate of Haiti is traceable in no slight measure to US intervention through the past century, joined by France in 2004, perhaps because President Chirac was offended by Aristide's request for some extremely limited compensation for France's own hideous crimes in Haiti, which surpass anything since, a considerable claim to fame.

 

The persistence of the strong line of continuity to the present again reveals that the US is very much like other powerful states. It pursues the strategic and economic interests of dominant sectors of the domestic population, to the accompaniment of impressive rhetorical flourishes about its exceptional dedication to the highest values.  That is practically a historical universal, and the reason why sensible people pay scant attention to declarations of noble intent by leaders, or accolades by their followers. They are predictable, therefore carry virtually no information.
One commonly hears that carping critics complain about what is wrong, but do not present solutions. There is an accurate translation for that charge: "They present solutions, but I don't like them." In addition to the proposals that should be familiar about dealing with the crises that reach to the level of survival, a few simple suggestions for the US have already been mentioned: (1) accept the jurisdiction of the International Criminal Court and the World Court; (2) sign and carry forward the Kyoto protocols; (3) let the UN take the lead in international crises; (4) rely on diplomatic and economic measures rather than military ones in confronting the grave threats of terror; (5) keep to the traditional interpretation of the UN Charter: the use of force is legitimate only when ordered by the Security Council or when the country is under imminent threat of attack, in accord with Article 51; (6) give up the Security Council veto, and have "a decent respect for the opinion of mankind," as the Declaration of Independence advises, even if power centers disagree; (7) cut back sharply on military spending and sharply increase social spending: health, education, renewable energy, and so on. For people who believe in democracy, these are very conservative suggestions: they appear to be the opinions of the majority of the US population, in most cases the overwhelming majority. They are in radical opposition to public policy; in most cases, to a bipartisan consensus. To be sure, we cannot be very confident about the state of public opinion on matters such as these, because of another essential feature of the democratic deficit: the topics scarcely enter into public discussion and the basic facts are little known. In a highly atomized society, the public is therefore largely deprived of the opportunity to form considered opinions.
Another conservative and useful suggestion is that facts, logic, and elementary moral principles should matter. Those who take the trouble to adhere to that suggestion will soon be led to abandon a good part of familiar doctrine, though it us surely much easier to repeat self-serving mantras. And there are other simple truths. They do not answer every problem by any means. But they do carry us some distance toward developing more specific and detailed answers, as is constantly done. More important, they open the way to implement them, opportunities that are readily within our grasp if we can free ourselves from the shackles of doctrine and imposed illusion.

 

Though it is natural for doctrinal systems to seek to induce pessimism, hopelessness and despair, reality is different. There has been substantial progress in the unending question for justice and freedom in recent years, leaving a legacy that can easily be carried forward from a higher plane than before. Opportunities for education and organizing abound. As in the past, rights are not likely to be granted by benevolent authorities, or won by intermittent actions - attending a few demonstrations or pushing a lever in the personalized quadrennial extravaganzas that are depicted as "democratic politics." As always in the past, the tasks require dedicated day-by-day engagement to create -- in part re-create -- the basis for a functioning democratic culture in which the public plays some role in determining policies, not only in the political arena from which it is largely excluded, but also in the crucial economic arena, from which it is excluded in principle. There are many ways to promote democracy at home, carrying it to new dimensions. Opportunities are ample, and failure to grasp them is likely to have ominous repercussions: for the country, for the world, and for future generations.

 

Copyright 2006 by Noam Chomsky.

 


Noam Chomsky is the author of numerous best-selling political works. His latest books are Failed States , Imperial Ambitions, and Hegemony or Survival, all in the American Empire Project series of Metropolitan Books, 9-11 (Seven Stories Press), Understanding Power (New Press), and New Horizons in the Study of Language and Mind (Cambridge University Press). He lives in Lexington, Massachusetts , and is a professor in the Department of Linguistics and Philosophy at the Massachusetts Institute of Technology

 

 

 

قراءة "حركة إبداع" في كتاب نعوم تشومسكي الصادر حديثا: " ولايات فاشلة: سوء استخدام القوة والهجوم على الديمقراطية"       (1/4)

 

 

28/4/2006

 

ترجمة تيسير نظمي

 

 

يتناول عالم الألسنيات الأميركي نعوم تشومسكي في كتابه الصادر مؤخرا عن دار نشر ميتروبوليتان السياسة الخارجية الأميركية بالنقد والتحليل ووضع البدائل ويسهب في التطرق للمسألتين العراقية والفلسطينية بعد الغزو الأميركي للعراق وتداعياته وبعد فوز حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي وتداعيات هذا الفوز على الإدارة الأميركية وصناع السياسة الخارجية الأميركية. وقد ارتأينا ترجمة أهم صفحات الكتاب التي ننشرها تباعا من هذا العدد:

 

 

لقد بدأنا بأربع قضايا حرجة استرعت الاهتمام ولا بد من وضعها في رأس جدول أعمال من يعنيهم أمر التوصل لمستقبل نظيف. اثنتان من هذه القضايا هما قضايا بقاء بالمعنى الحرفي للكلمة: الحرب النووية والكارثة البيئية. فالخطر الأول كان دائما وأبدا أبعد مما يتصوره الخيال ومبدئيا من الممكن تجنبه والخطوات والطرق الممكن اتخاذها لذلك مفهومة. أما الخطر الثاني فهو بعيد المدى ويحيطه الكثير من الشك حول كيفية تجنبه عندما يكون خطرا محدقا أو على الأقل التخفيف منه رغم أنه على درجة من الوضوح أن كل تأخير في مواجهة أخطاره يجعل من الصعوبة بمكان مواجهة تلك الأخطار. ومرة أحرى فإن إجراءات معقولة للحيلولة دون ذلك باتت معروفة تماما. أما القضية / الأزمة الرئيسة الثالثة فهي أن حكومة القوة العظمى للعالم تتصرف بطريقة تعزز هذه الأخطار وأخطارا أخرى مثل الخطر الذي يشكله الإرهاب الممارس من قبل أعداء. ذلك الاستنتاج وللأسف معقول جدا وبالكامل تنبثق عنه قضية حرجة رابعة: القصور الديمقراطي المتنامي، والهوة بين الإرادة الشعبية والسياسة الجماهيرية وهي إشارة على الفشل المتزايد للمؤسسات الديمقراطية الرسمية في القيام بمهامها كما ينبغي لها في ثقافة ديمقراطية بحيوية وبشكل جوهري. والقضية هذه الأخيرة تشكل تهديدا من جانب ويؤمل حلها من جانب آخر. وهي خطيرة بسبب كونها تزيد من مخاطر الأزمات الوشيكة الثلاث السابقة ناهيك عن كونها بذاتها قضية وأزمة لا يمكن أن تطاق. وهي يؤمل بحلها لأنها من الممكن التغلب عليها، ونعود لنقول أن الطرق العملية الممكن اتخاذها مفهومة وغالبا ما تم تنفيذها تحت ظروف أكثر صعوبة من تلك التي تواجهنا في المجتمعات الصناعية اليوم. ولا يدهش أي عارف بالتاريخ لكون القصور المتنامي للديمقراطية لدينا يأتي مترافقا مع الإعلان التبشيري المسيحي لجلبها لعالم يرزح تحت المعاناة. الإعلانات عن نوايا نبيلة نادرا ما تكون فبركة كاملة عندما تأتي من أنظمة في موقع القوة ونفس الشيء هو الحقيقة في هذه الحالة. فتحت بعض الظروف تغدو أشكال الديمقراطية مقبولة. وفي الخارج، كما يستنتج محام مجتهد عن "ترويج الديمقراطية" من تحقيقاته، نجد أن "خطا قويا من الاستمرارية" ممتد حتى اللحظة الراهنة: الديمقراطية أحيانا مقبولة ، ولكن عندما تكون فقط متفقة مع المصالح الإستراتيجية والاقتصادية (ثوماس كاروذرز). وهذا شبيه كثيرا لما يجري لدينا حيث تقيم الديمقراطية بالقوة والنفوذ والامتيازات طالما هي " تحمي الأقلية ذات الثراء الفاحش من الأغلبية" كما يذهب ماديسون.

 

وكما يتضح من خط الاستمرارية القوي فإن طيف التخطيط السياسي ضيق. فالمتاهة الأساسية التي تواجه صناع السياسة تعرف بصراحة في بعض الأحيان في منتهى ليبراليتها الحمائمية ، مثال ذلك روبرت باستور مستشار الرئيس كارتر لشؤون الأمن القومي المختص بأمريكا اللاتينية الذي شرح لماذا كان على الإدارة الأميركية أن تدعم نظام سوموزا المجرم والفاسد في نيكاراغوا وعندما ثبت استحالة ذلك أن تجرب على الأقل المحافظة على الحرس الوطني المتدرب أميركيا حتى وهو يقوم بمذابح للسكان " بوحشية عادة ما تدخرها الأمة لأعدائها" والذي قتل نحو أربعين ألف من الناس. والسبب كان هو السبب المألوف وهو أن : " الولايات المتحدة لم ترد السيطرة على نيكاراغوا أو الشعوب الأخرى لتلك المنطقة ولكنها أيضا لا تريد للتطورات أن تخرج عن السيطرة. فقد أرادت للنيكاراغويين أن يتصرفوا باستقلالية ما عدا أن تؤثر تلك التصرفات على مصالح الولايات المتحدة بشكل معاكس." من الصعوبة أن نقول أن للحرب الباردة هنا علاقة ولكننا نجد مرة أخرى أن المبدأ المسيطر الفاعل الذي يوضحه التاريخ متوفر هنا بغزارة.

 

ثمة متاهات مشابهة واجهت المخططين في إدارة بوش بعد غزوهم للعراق. فهم يريدون العراقيين أن " يتصرفوا باستقلالية ما عدا عندما تؤثر تصرفاتهم على مصالح الولايات المتحدة بشكل عكسي". لذلك يجب على العراق أن يكون ذا سيادة وديمقراطيا ولكن ضمن حدود لتلك السيادة وتلك الديمقراطية. فيجب على العراق أن يبنى كدولة مطيعة وعميلة بطريقة أكثر تقليدية من النظام في أمريكا الوسطى حيث أن التجارب التي تشكل معالم صناع السياسة الخارجية في أكثر تجلياتها وضوحا. وهذه التجارب والخبرات ماتزال ماثلة خاصة للإدارة الأميركية الحالية وتضرب جذورها الثابتة في سنوات الوحشية الفظة لفترة حكم ريغن حين كانت مسألة "تعزيز الديمقراطية" قادرة ببرامجها على استعادة " النظام الأساسي لـ ....المجتمعات غير الديمقراطية تماما " صافحة فقط عن " أشكال من التغييرات الديمقراطية المحدودة من فوق إلى أسفل بحيث لا تخاطر بقلقلة البنى التقليدية للسلطة التي ترتبط مع الولايات المتحدة بتحالفات منذ زمن طويل" (كاروذرز) مستخدمة المجازر الجماعية والتعذيب والهمجية على مستوى عام جدا، وهو نموذج غير مستهجن عبر

 

 التاريخ وصولا للنقيض التام من البنى الدستورية الحديثة. كان بقدرة الكرملين الحفاظ على أقمار صناعية تدار من قبل قوات سياسية وعسكرية وبقبضة حديدية متزنة إذا استدعت الأمور وألمانيا كذلك بالمثل كان بقرتها كذلك في أوروبا المحتلة حتى عندما كانت ألمانيا تخوض غمار الحرب وبالمثل كما فعل الفاشيون في اليابان في منشوريا ( منشوكو).

 

وحقق الفاشيون الطليان نتائج مشابهة في شمال إفريقيا بينما كانوا يقومون بتنفيذ تطهير عرقي حقيقي لم يضر بأية طريقة بصورة إيطاليا المفضلة لدى الغرب وربما استوحت ذلك من هتلر: ففي ليبيا من 1929-1933 شنت حملة تطهير عرقي وإبادة جماعية لا يمكن أن توصف من هول بشاعتها ووحشيتها على نطاق واسع. فالامبريالية التقليدية والأنظمة الاستعمارية تبدي عدة تنويعات على موضوعات متماثلة.

 

وقد أثبت تحقيق الأهداف التقليدية في العراق صعوبة مدهشة على الرغم من الظروف المواتية بشكل غير معهود.

 

وبوقت قصير عقب الغزو برزت بقوة شديدة مشكلة الجمع بين الاستقلال والهيمنة النهائية حلما أجبرت الجموع المقاومة بطرق سلمية الغزاة على القبول بمبادرات عراقية أبعد مما كانوا يتوقعون أو يرغبون. بل أن النتيجة التي وصلوا إليها بدأت تستدعي كابوسا من احتمال تشكل عراق أكثر أو أقل ديمقراطية وسيادة في ظل تحالف شيعي غير ثابت يتضمن إيران وشيعة العراق ومن المحتمل أيضا المناطق ذات الأكثرية الشيعية في العربية السعودية التي تسيطر على معظم النفط في العالم والمستقلة عن واشنطن. فحتى مجرد التفكير بهكذا نتيجة يستدعي للذاكرة الهستيريا القريبة التي أثارتها القيادة القومية لعبد الناصر عام 1958وخاصة عندما تحرر العراق من الهيمنة الأنجلو-أميركية على الاحتياطات الهائلة للنفط في الشرق الأوسط. وكان يخشى من " العدوى" أن تنتشر حتى للعربية السعودية حيث أكثر النظم الأصولية تطرفا الذي وظيفته تأمين " المصدر الهائل للقوة الإستراتيجية" و" أحد أعظم الجوائز المادية في تاريخ العالم" أن يبقى بقبضة الولايات المتحدة على الدوام.والذي مايزال يقوم بهذا الدور ولكن مع تزايد المخاوف والشكوك باستمرارية قيامه بنفس الدور. ومن المحتمل أن تزداد الأمور سوءا فواشنطن تكرس جل جهودها لمعاقبة إيران على خلعها للشاه المستبد عام 1979 وهذا قد يأتي لها بنتائج عكسية فإيران تمتلك خيارات وقد تكف عن وضع آمالها بأوروبا مستقلة عن الولايات المتحدة فتتجه شرقا. وإذا حدث ذلك سيكون لإيران أسبابها التي قلما تناقش في التعليقات الغربية في المواجهة حول برامج تخصيب اليورانيوم الإيرانية. لكن سليغ هاريسون خرج عن  الصمت خروجا نادرا عندما ناقش هذه الأسباب وهو المختص في هذه الموضوعات فكتب يقول " إن المفاوضات النووية بين إيران والإتحاد الأوروبي قد تأسست على صفقة بأن يكون الإتحاد الأوروبي، المسنود من الولايات المتحدة،  قد  فشل بتحقيق نتائج مشرفة" ويلاحظ هاريسون أن : إيران وافقت على التوقف عن جهودها في  تخصيب اليورانيوم مؤقتا لحين انتهاء حصيلة المناقشات بالمنع الدائم لها من التخصيب. وقد وعد الإتحاد الأوروبي بتقديم مقترحات بحوافز اقتصادية وضمانات أمنية مقابل التحريم الدائم لكنه لاحقا رفض مناقشة المسائل الأمنية. و كانت اللغة للإعلان المشترك الذي حرك المفاوضات في14 نوفمبر / تشرين ثاني 2004 لغة غامضة.  وقد قيل عنها بأن " اتفاقية قبول متبادل" سوف لن تقدم " ضمانات موضوعية" بأن برنامج إيران النووي" سيكون " مقتصرا على الأغراض السلمية" ولكنه سوف " بالتساوي يقدم التزامات ثابتة لمسائل أمنية"

 

عبارة " مسائل أمنية" تعتبر تهديدا مغمغما من قبل ا لولايات المتحدة وإسرائيل لضرب إيران نوويا وبمثابة التحضير للرأي العام لتنفيذ مثل هذا الهجوم.

 

 

 

تطلب بقية الحلقات مترجمة من " حركة إبداع" مقابل ثمن الترجمة

 

 

والنموذج الاعتيادي المطروح هو ضرب إسرائيل للمفاعل النووي العراقي أوسيراك عام 1981 والذي يبدو أنه كان مقدمة لبرامج أسلحة صدام النووية وهذا توضيح آخر على أن العنف لا يولد إلا العنف وأية محاولة لتنفيذ خطط مشابهة ضد إيران قد تؤدي إلى عنف فوري كما هو بالتأكيد مفهوم لدى واشنطن. فخلال زيارة إلى طهران قام بها رجل الدين الشيعي المؤثر مقتدى الصدر قال محذرا أن ميليشياته سوف تدافع عن طهران في حال تعرضها لأي هجوم في " واحدة من أقوى الإشارات" كما جاء في صحيفة الواشنطن بوست "بأن العراق قد يصبح أرض معركة في أي صراع غربي مع إيران" مما يؤجج مشاعر المجموعات الشيعية بما فيها تلك التي تتلقى تدريبات في صفوف القوات الأميركية في تعاطفها مع إيران وقد تصبح مجموعة الصدر التي حققت مكاسب ملموسة في انتخابات كانون أول ديسمبر 2005 القوة السياسية الوحيدة في العراق. وهي مجموعة تقتفي أثر مجموعات إسلامية أخرى في نجاحها مثل مجموعة حماس في فلسطين موحدة خلفها مقومة قوية للاحتلال العسكري من خلال تنظيمها الاجتماعي الضاربة جذوره في البنية الاجتماعية وخدماتها للفقراء.

 

 

ولا جديد حول عدم رغبة الولايات المتحدة في إعطاء المسائل الأمنية للمنطقة أي اهتمام وتتواطأ أوروبا معها في ذلك وليس حالة إيران استثناء لذلك الأمر الذي أثير مرارا وتكرارا في المواجهات مع العراق بما يتضمنه من عواقب وخيمة حتى منذ أصبح صدام عام 1990 عدوا. خلفية لذلك كله يأتي ما هو جدير بالإهتمام الأمني الجاد وهو موضوع أسلحة إسرائيل النووية وهو الموضوع الذي لا تسمح واشنطن أن يحظى باهتمام دولي في خرق للإتفاقات الدولية ولقرارات مجلس الأمن. وأبعد من ذلك  يكمن ما يصفه هاريسون بحق بـ "المشكلة المركزية التي تواجه نظام عالمي دون أقطاب"

 

وهي فشل الدول النووية في الإيفاء بالتزاماتها بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية " بمرحلة نزعها لأسلحتها النووية" وفي حالة واشنطن الرفض الرسمي لهذا الإلتزام على عكس أوروبا في حين أن الصين ترفض إكراهها على ذلك من قبل واشنطن وهو سبب أولي للخوف المتنامي من الصين الذي يعتري المخططين وراسمي السياسات في البيت الأبيض والأمر الذي يضع هذه المسألة في متاهة: فالخطوات باتجاه المواجهة محظورة من قبل التحالف الأميركي المعتمد على الصين باعتبارها مورد تصدير وسوق نامي وكذلك الحال بالنسبة للإحتياطات النقدية للصين التي تشير التقارير إلى أنها تقترب من مضاهاة اليابان في ذلك. ومعظم النفط الإيراني يذهب للصين والأخيرة تزود إيران بالأسلحة والدولتان تفترضان من وراء ذلك أنهما تعيقان المخططات الأميركية. وما هو مدعاة للقلق "التطور الدراماتيكي الذي شهدته العلاقات مع العربية السعودية" حسب تقرير لصحيفة الفاينانشيال تايمز ، بما في ذلك المساعدات العسكرية الصينية للعربية السعودية وحقوق التنقيب عن الغاز من قبل الصين . ففي عام 2005 زودت السعودية الصين بنحو 17 بالمئة من وارداتها النفطية. وشركات النفط السعودية والصينية أبرمت اتفاقات وصفقات للحفر على النفط وبناء مصفاة ضخمة لتكريره بشراكة مع إكسون موبيل. وكان متوقعا للزيارة التي قام بها الملك عبدالله لبكين أن تؤدي إلى التوصل لمذكرة تفاهم من أجل " زيادة التعاون والاستثمار بين البلدين في مجالات النفط والغاز الطبيعي والاستثمار" حسب تقريرصحيفة وول ستريت جورنال.

 

 

powered by
Soholaunch website builder
 

©2012 Originality Movement / Tayseer Nazmi