NaZmiUS ORIGINALITY MOVEMENT NEW WEBSITE
































 

Share |

تود حركة إبداع أن تكشف لقراء دنيا الوطن عن فحوى ومضمون الرسالة التي تلقاها الكاتب تيسير نظمي من الشاعر الفرنسي دانييل لوفرس رئيس الرابطة الدولية للنقد الأدبي في فرنسا ودعوته لمؤتمرها المقبل في مدينة تورز وحقه بترشيح نفسه في الوقت الذي يضطهد فيه في الأردن منذ 15 سنة وهنا ترجمة نوال العلي للنص المرفق بالفرنسية:

 

الرابطة الدولية للنقد الأدبي

 

الأصدقاء الأعزاء

 

تعمل رابطتنا على انتخاب مجلس إدارة جديد. ويمكن ترشيح كافة الأعضاء القدماء والجدد منذ بداية اشتراكهم. تبدأ إنتخابات مجلس الإدارة بعد الاجتماع العام الذي يقام في التاسع عشر من تشرين الأول (أكتوبر) 2007 في فندق غوين، حيث المكان التاريخي. وفي الوقت نفسه يقام الاجتماع الدولي للرابطة حول (روح المقاومة في الأدب) الجمعة والسبت19-20/10/2007. وهذا البريد(الرسالة الالكترونية) دعوة للمرشحين في مجلس الإدارة الجديد. ونود أن نضع في اعتبارنا أن المرشحين المستقبليين قد بلغوا قبل الأول من أيلول(سبتمبر) 2007 ويذكر أن كتاب الاجتماع العام 2006 حول "تداخل الأدب" تحت الطبع، وسيصل كافة الأعضاء نسخ منه بالبريد.

 

رئيس الرابطة

 

دانييل لوفرس

 

Daniel Leuwers

 

 

A . I . C . L

 

ASSOCIATION INTERNATIONALE DE LA CRITIQUE LITTERAIRE

 

10 juin 2007

 

Chers Amis,

 

Notre Association va statutairement être appelée à élire un nouveau Conseil d’Administration. Peuvent être candidats tous les membres (sortants ou nouveaux) à jour de leurs cotisations.L’élection de ce Conseil d’Administration (qui décidera ensuite de la composition du Bureau) aura lieu lors de l’Assemblée Générale Extraordinaire qui se tiendra le vendredi 19 octobre 2007 en fin d’après-midi , à l’Hôtel Gouïn –lieu historique et musée sis dans le Vieux-Tours- en même temps qu’y sera organisé le colloque international de l’AICL sur « L’Esprit de résistance en littérature » (le vendredi mais aussi le samedi).Avant la grande parenthèse de l’été, ce courrier est un appel à candidatures au nouveau Conseil d’Administration. Ne pourront être prises en considération que les candidatures reçues avant le 1er septembre 2007. Les courriers de convocation à l’Assemblée Générale Extraordinaire seront expédiés dans la première quinzaine de septembre.Le colloque de 2006 « Le Métissage en littérature » est sous presse, et tous les adhérents le recevront par la poste ou lors du prochain colloque à Tours.

 

En très cordiale pensée,

 

Daniel Leuwers

 



 

رؤية المبدع الفلسطيني للسلام

 

بقلم:السيد نجم

 

 

إذا كانت "المقاومة" شكل من أشكال العنف. تبدأ ب "إرادة" ثم "قرار" ثم "فعل".. فان هذا الفعل على اتجاهين.. إلى الآخر أو المعتدى المباشر, وربما إلى الأنا أو ألذات. لتصبح المقاومة بالتالي على شكلين:"المقاومة الايجابية".."المقاومة السلبية."

 

أولا: المقاومة الايجابية..

 

وهى الصورة الأقرب إلى الأذهان لفعل المقاومة, حيث تعد الجانب الايجابي والمرغوب من "العدوان". وان كان "العدوان" مذموما بالعموم, إلا أنه لا يعد كذلك عندما يصبح دفاعا عن ألذات الجمعية أو تكيفا مع القدرة على الصمود أو عملا فاعلا لمواجهة خطر ما من آخر عدواني. هذا الخطر يتسم بتهديد مصالح "الجماعة" الحيوية أو يسيء إلى القيم العليا المتفق عليها, وقد يهدد حرية الجماعة وربما بقائها في الوطن الآمن.

 

يوصف فعل العنف في المقاومة الايجابية, بذاك الفعل الذي يتجه إلى الآخر العدواني أساسا, والواعي بحدود جماعته وهويتها وقيمها, والنابع عن إرادة الدفاع عن الجماعة ومصالحها الحيوية. وهو لتحقيق ذلك يتخذ كل السبل حتى يتحقق الهدف الأسمى.

 

 

ثانيا: المقاومة السلبية..

 

هي (أيضا) فعل العنف النابع عن إرادة وقرار ثم فعل, هذا الفعل "القوى" يعبر عن نفسه بالعنف, إلا أن هذا العنف يتجه إلى "الأنا" أو "ألذات".. وقد يتجه الفعل إلى نقد الآخر وفحصه وتحليله من أجل كشف الجوانب السيئة في هذا الآخر العدواني, دون أن يتسم الفعل بالعنف المباشر, على هذا الآخر. بينما قد يصل إلى ذروة عنفه مع الأنا أو ألذات.

 

ويمكن إجمالا تحديد عناصر المقاومة السلبية بالتالي: "البدء بتحديد الهدف – تعضيد ألذات بالوعي والفهم للقضية/القضايا محور الصراع مع الآخر العدواني – كشف صورة الآخر العدوانية – القدرة على تحمل المعاناة المتوقعة من الآخر الأقوى – تفهم الواقع المعاش مع تحمل المشاكل الطارئه حتى يتحقق الهدف الأسمى – العمل على أسس خطة مدروسة للمواجهة بأقل خسائر ممكنة..وأخيرا تفهم جوهر التاريخ الانسانى, حيث انتصار الخير والسلم والحرية.

 

 

بالعموم للمقاومة أشكالها المباشرة وغير المباشرة.. ومنها البسيط كإزالة عائق ما أمام ألذات كي تتحرك للامام, من أجل حياة أفضل.. أكثر رقيا وكرامة ورفاهية, ومنها المعقد إلى حد الصراع العنيف والحروب.

 

 

ماذا عن السلم؟

 

"السلام" هو مطلب الإنسان في كل زمان ومكان, هو فطرة الإنسانية, في مقابل "العنف" الذي يرفضه كل عقل راجح.

 

كم عانت الإنسانية من العنف, حتى أن بعض الدارسين أكدوا أن الإنسان عاش في صراع إلى حد الحروب, بما يمثل 80% من جملة أيامه وسنين تاريخ البشرية على الأرض.

 

تمثل العنف في تلك الحروب التي لم تفرق بين المقاتل والضعيف من أطفال ونسوة وشيوخ, حتى رصدوا بالإحصاء أن الضعفاء هم الأكثر تضررا من المقاتلين أنفسهم. ربما آخر إحصاء حول حروب القرن العشرين الميلادي ترصد 175مليون نسمة قتلوا بسبب العنف الغاشم الذي استتبع المعارك..لم يفرق بين سكان المدن والمسلحين في ميدان المعركة, ولا بين مقاتل وغيره من الضعفاء.وقد سعت الإنسانية إلى محاولة مواجهة العنف بكل صورة, بوازع ديني, وعاطفي إنساني, وأيضا كل الأيديولوجيات الأكثر تقدما, وبعيدا عن تلك العنصرية التي تذكر في كتب التاريخ من مدخل التذكر والاعتبار.

 

 

ربما يجدر الإشارة إلى بعض التعريفات:

 

"العنف": ضد الرفق (وقد أبرز د.سيد عويس في دراسة منشورة له حول العنف أن المقصود بالعنف في الخطاب العام الإعلامي..أنه ذلك العنف الإنساني, أي الذي يصدر عن البشر..حيث يوجد العنف في الحيوان أيضا).

 

وقد يحدث العنف بين الأفراد كنمط سلوكي, أو بين الهيئات والمنظمات والجماعات مثل التنظيمات السياسية أو المهنية وغيرها. ومن مظاهر العنف "الثأر" أو المشاجرات العنيفة..وكلها ترتكن على ثقافات اجتماعية تزكى العنف.

 

"السلام": هو ضد مفهوم العنف. والطريف أن البعد الأنثروبولوجي لبعض الشعوب "أي بعد الجنس الإنساني لشعوب ما"..قد يكون أميل إلى السلام, بينما شعوب أخرى أميل إلى العنف إلى حد الحرب. وقد أوضحت الأساطير والحكايات الشعبية للصين أنها من النوع الأول, بينما الهند من النوع الثاني!

 

وربما من المجدي الإشارة إلى مصطلح "الصراع"..حيث أن العنف يتبدى بالصراع جليا, والسلام يجعل من الصراع تنافسا شريفا كما في الصراع الرياضي. فالصراع يعد عند رجال الاجتماع, نوعا من العمليات الاجتماعية وفيه يحاول أطراف الصراع أفرادا أو جماعات أو حتى الدول تحقيق كل الرغبات التي يحتاجها, ومنع الآخر من تحقيقها. وهو على درجات منها اليومي والهين والشديد إلى حد العداوة.

 

كما أن مصطلح "الضمير" يتداخل لتفضيل العنف أو السلام أو حتى الصراع أو العداوة. وهو البوصلة التي ترشد الأفراد والجماعات إلى الخبيث والى الطيب من الأعمال والأقوال والأفكار.. به يستقبح المرء أمرا أو يقبله ويندفع نحوه. والضمير يتشكل يوما بعد يوم منذ اليوم الأول لمولد الإنسان, بفضل الثقافات والخبرات المتوارثة والمكتسبة.

 

وبالتالي فما أحوجنا الآن للإشارة إلى مصطلح "التربية" التي اختلفوا حوله, فليس هو التلقين اليومي من الكبار إلى الصغار, بقدر أن التربية هي الخبرات المكتسبة والقابلة للتعديل والتبديل إلى الأفضل بفضل سعة الأفق, وعملية التقييم المستمرة.. حتى تزدهر ملكات الإنسان ليحقق إنسانيته التي فطره الله عليها.

 

هناك العديد من الأمثلة والتي أوردها د.سيد عويس (في الدراسة المشار إليها سلفا), لبيان مظاهر العنف عند الأفراد, وبالتالي تعبر عن أسلوب من أساليب العداوة:

 

 " الإثارة", "التسلط", "التعبيرات البدنية", "المعارضة المطلقة", "مركز الانتباه", "التمييز ضد", "المعاملة في غير احترام", "الأنانية", "إرباك الآخرين", "التعبير عن الإحساس بالسمو", "المزاح العنيف", "المعاملة النفعية", "الجزع الزائد عن الحد", "الاعتداء البدنى", "الوقاحة", "التحكم التام مع التسليم يذلك", "تحميل شخص ضعيف خطايا غيره", "عقاب ألذات", "المعاملة الصامتة", "إفساد ذات البين", "لهجة الحديث", "الإذعان دون اقتناع".

 

أما الأمثلة حول العنف عند الجماعات أو الدول, فقد أورد منها:

 

"التفرقة اللاإنسانية مثل التفرقة العنصرية بسبب لون البشرة", "السجون باعتبارها مؤسسة قمعية وليست تهذيبية", "الحروب على كافة أشكالها المحلية منها والعالمية", "المؤامرات والدسائس العنيفة"...

 

 

كما جاء "السلم" في معجم "مختار الصحاح" بالمعاني التالية:

 

السلم (بكسر السين وسكون اللام)= السلام (أدخلوا في السلم كافة) وذهب بمعناها إلى الإسلام.

 

السلم (بفتح السين وكسرها)= الصلح.

 

السلام (بفتح السين)= اسم من أسماء الله تعالى.

 

 

وقد عمق الإسلام مبدأ السلام والدعوة إليه, يقول الرسول (صلعم):

 

"السلام قبل الكلام".."إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأمانا لأهل ذمتنا"

 

ومن دعوته لنا في ميدان الحرب والقتال, إذا أجرى المقاتل كلمة السلام, وجب الكف عن قتاله.. يقول تعالى:

 

"ولا تقولوا لمن ألقى أليكم السلام لست مؤمنا"

 

"والله يدعو إلى دار السلام"

 

"لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما, إلا قيلا سلاما"

 

ثم تعدى مفهوم الإسلام للسلام من التوجه العام إلى منهج في مناحي الحياة..فكانت الدعوة إلى الدين بالعقل والإقناع (بالسلام), ولا إكراه في الدين.

 

كما أن "السلام" هو جوهر علاقة المسلمين بعضهم ببعض: "إنما المؤمنون إخوة", "المسلم أخو المسلم"..

 

أما وقد أصبح السلام منهجا للفرد والجماعة, بات المنهج في علاقة الجماعات بعضها ببعض: "وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا, فأصلحوا بينهما, فان بغت أحدهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله"..

 

ثم كانت العلاقة بين المسلمين مع غيرهم:

 

"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم, إن الله يحب المقسطين".. سورة الممتحنة آية 8.

 

 

ومن أجل أن يكون "السلام" بين الناس والجماعات, كفل الإسلام جميع حقوق الإنسان..

 

:حق الحياة.."من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض, فكأنما قتل الناس جميعا, ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"..سورة المائدة آية 32

 

:حق صيانة المال.. "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم"..سورة النساء آية29

 

:حق العرض.. "ويل لكل همزة لمرة.." سورة الهمزة آية1

 

:حق الحرية.. والمتمثلة في حق المأوى وحق التعلم وإبداء الرأي وغيره, يقول تعالى:

 

"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا, إن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف, أو ينفوا من الأرض ذاك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم, إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا أن الله غفور رحيم"..سورة المائدة33

 

 

 

وفى القرآن الكريم العديد من الآيات التي تحض على القيم العليا الإنسانية:

 

"ولا تستوي الحسنة ولا السيئة, ادفع بالتي هي أحسن, فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم" (فصلت-41)

 

"وان الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" (النحل- 90)

 

إذا كانت القاعدة هي "السلام" فلا مبرر للحرب في نظر الإسلام إلا في حالة الدفاع عن النفس والعرض والمال والوطن, وكذا رد العدوان مع الدفاع عن الدعوة إلى الله.

 

 

مما سبق كانت العلاقة بين المقاومة والدعوة إلى السلام.. بمعناها الشامل (سلبية وايجابية) ركيزة للحياة الكريمة, كما أن السلام هو جوهر تلك الحياة ومحركها. وفى الدعوة إلى السلام دعوة لإزكاء المقاومة (السلبية) التي تعضد ألذات الفردية/الجمعية لترسيخ قيم الانتماء وحب الأرض والجماعة والوطن, وبالتالي رفض العدوان, والتأهب لمواجهته. إن كانت الدعوة للسلام فعل غير عنيف موجه إلى الآخر, فهو فعل في حاجة إلى مجاهدة لتبعات تلك الدعوة, فلا سلام مع ضعف, ولا تكون الدعوة إليه إلا بقوة ترتكن على قوة مادية ومعنوية في حاجة إلى مكابدة ومثابرة, ومن هنا كانت الدعوة إلى السلام..مقاومة أيضا.

 

وغالبا ما تكون الدعوة إلى السلم..رائجة وضرورية (ربما), في حالتين: أثناء فترات استشعار الخطر أو فترات التهديد مع عدم الرغبة في المواجهة العنيفة (صراع), أو حتى أثناء فترات الصراع والحروب..رغبة في إزكاء روح التسامح والقيم العليا (حيث القاعدة للحياة الإنسانية هي السلام).

 

 

قصة "سلام الجنرال".. "تيسير نظمى"

 

وهى قصة تتناول فهم "السلام" من المنظور العبري, إلا أن القصة تبرز أيضا: كيف يتناول فلسطيني الخارج قضايا سكان الداخل, وكيفية معالجتها فنيا؟؟

 

فقضية "السلام" عامة/خاصة بالنسبة للفلسطيني, وقد كتبها بلا مكان أو زمان (تاريخي), كما بدت تصلح لمعالجة مفهوم "السلام" على العموم..وهو ما أكسب القصة نكهة ومذاق خاص. تبدو بلا انفعال أو افتعال على الرغم من سخونة موضوعها.. تقدم نفسها من خلال تجربة مفترضة وبسيطة, إلا أنها معبرة وساخرة ودالة.

 

نص القصة:

 

"جزع الجنرال من تكرار مشاهدته لزرقة الحمامة أحيانا, أو زرقة العصفور على زجاج سيارته النظيف اللامع تماما مقابل سحنته تماما وبالضبط عند التماعة ضوء الشمس على شعار خوذته العسكرية, ترجل وتفحص للمرة الثالثة, والنتيجة زرق يدل على أن الطير هذه المرة يأكل البرغل والمفتول, في المرة السابقة كان زرق الطير يحتوى على شيء من الفريكة, في المرة قبل السابقة كان يحتوى على بضع حبات من العدس, والأمر بات واضحا أن الطير مرسل به من مناطق يسكنها الفلسطينيون.

 

إذا كان الأمر هكذا, فكر الجنرال, فمعنى ذلك أن الطير إن ترك مواد كيماوية أو تناولها أو حمل معه أسلحة جرثومية فان الجنرال لا يكون قد أنجز شيئا من وراء بناء الجدار ولا أنجز شيئا من وراء بناء الجدار ولا أنجز شيئا بتسلحه المعنوي والاستراتيجي والنووي إذا ما ضاع كل هذا بزرقة لعصفور مستهتر عابث. إما إذا جرى تفجيره عن بعد فسوف يأتي على أنف الدولة إلى مهزلة, كأن يظهر الجنرال في مؤتمر صحفي بأنف مقطوع. جزع الجنرال أكثر عندما تفحص زرق اليوم الرابع الذي سح سحيحا ناشفا بعد أن كان طريا, فشروط في ذات المكان المتعمد في الزجاج المواجه لوجه الجنرال, ودون أن يظهر لبقية الجنرالات الآخرين أسباب انزعاجه جرى تكليفه للشرطة وجهاز الاستخبارات بسرية تامة وعلى نطاق محدود بمراقبة توقيت مجيء الطير وتوقيت تعمده لتوجيه الإهانة تلو الأخرى لمهابة الجنرال, كما من المهم أيضا متابعته من أين يأتي والى أين يذهب, ومن يرافقه قبل الإطاحة به والقضاء عليه.

 

الجندي المكلف أمسك فورا بالناظور وراح يتفحص السماء فوق سيارة الجنرال التي قام بتنظيفها وتلميع زجاجها الأمامي تحديدا مقابل الشعار. كانت السماء رائقة صافية والطيور تناغى بعضها البعض فوق الشجرات, عصافير أخرى كانت تنط على السور وتتقافز في كل الاتجاهات وتحديدا في أعلى السور الواقي تكاثرت العصافير, مما جعل المهمة ليست بالسهلة لمراقبة ماذا يجرى خلف السور.

 

هل يقوم الأولاد هناك بعلف العصافير متعمدة لتكسر مهابة علو السور؟ هل هذا عمل تخريبي قيد الإعداد لاستبدال انتفاضة العصافير بانتفاضة الحجارة, ومن ثم انضمام بقية الطيور في زعزعة استقرار الدولة؟ هل أصبحت الدولة غير قادرة على حماية سمائها وأجوائها ثم ماذا سيقول العالم إن قامت طائرات الأباتشى بقصف عصفور بال على سيارة الجنرال أو نياشينه ورتبه على الكتفين؟

 

وإذا ظهر الجنرال بملابسه المدنية ألن تلاحظ زوجته تلك الإهانة التي قد يكون منشغلا عنها في أعماله واجتماعاته وعملياته وتخطيطاته لاجتثاث الإرهاب من جذوره؟

 

وقبل أن ينقضي اليوم الأول من مراقبة الجدار ومراقبة الأسوار ومراقبة الأشجار ومراقبة كل متحرك في السماء, مد الجنرال يده مصافحا الجندي المكلف الذي أدى التحية بدوره لسيده مبتسما لإنجازه المهمة بدقة متناهية وعدم تجرؤ أي عصفور على التبرز على زجاج سيارة الجنرال فوق المقود بنحو خمسين سم, وقبل أن يرد الجنرال على ابتسامة الجندي بمثلها وقبل أن تنسحب الأيدي المتشابكة بالسلام راح كل منهما يتحسس السائل الساخن فوق قصبة أنفه ماسحين برازا متشابها بأصابعهما والطيور تطير من فوقهما في كل الاتجاهات."

 

قراءة:

 

إذا كان الفاصل بين الملهاة والمأساة خط رفيع, كذلك الحال بين السخرية والتهكم, بين التراجيدي والكوميديا. عندما تعددت تعريفات "الكوميدي" دون تحديد واضح لها, قام الناقد الفرنسي "بيير فولتز" بتعريفها عن طريق السلب.. فهي في نظره, نوع وسيط شديد المرونة يمكن تعريفه بتعارضه مع الأنواع الأخرى مثل التراجيديا أو الدراما.

 

على هذا تكون الكوميديا "وعاء" يمكن أن يصب فيه جميع أشكال القص والمسرح غير النوعان الموضحان.

 

و"الفكاهة" أكبر وأوسع مجالا من أن تحصر في "الكوميديا" وفنونها المختلفة, سواء الفكاهة الشعبية التلقائية, أو حتى المقننة في الفنون مثل المسرح مثل "كوميديا الفودفيل" و"البولفار".. تلك التي تعتمد على المفاجأة والمفارقة والحيلة (التكرار- اللبس.. الخ).

 

وقد فسر "فرو يد" الدعابة إلى أنها ترجع إلى "اقتصاد المجهود الذي يفرضه علينا الكف أو الكبت"...

 

كما فسر الفيلسوف "برجسون" الضحك واعتبره ظاهرة اجتماعية, وأنه ينشأ لحظة انتصار الجسد على الروح (أو انتصار الثقل على الخفة). ويقوم الضحك على المبالغة والتعميم, وتبدو المبالغة في فن الكاريكاتير. كما يفرق بين السخرية والتهكم, فالأولى تقوم على نظرة مثالية..مثل تقديم السام على أنه الواقع, والتهكم على العكس, تقديم المتدني على أنه مثالي أو الأمثل.

 

يبدو أنه من الضروري الإشارة إلى تلك المقدمة السريعة حول الفكاهة والضحك قبل تناول القصة أعلاه. فالقصة تحمل في طياتها جوانب فكاهية ومثيرة..من الابتسام حتى القهقهة, بلا افتعال أو ادعاء صنع قصة كوميدية..وان بدت كذلك.

 

فالقصة "حدوتة" مسلسلة ومباشرة, بين جنرال عسكري همام ونشط مع عصفورة!. تماما كما حواديت "ألف ليلة وليلة", وان وظفت عناصر الواقع الفلسطيني المعاش والآني.. الجنرال, السور المشيد عنوة على الأرض, العصفورة, مع الجندي ونظارته المكبرة والسيارة العسكرية ثم السلاح القاتل.

 

وان كان جوهر الموضوع مثيرا للصوت الزاعق والمقولات الجاهزة, إلا أن القاص جعلها قصة فكهة وطريفة, فبدت طازجة الفكرة والتناول الفني. فلما نشطت أفكار الجنرال, تخوف من الإرهاب الذي قد يكون قد دبر حيلة مع, وتواطأ مع العصفورة, كأن يجعلها تحمل المواد الخطرة والبيولوجية الممرضة.. وغيرها. لذا قرر تكليف الجندي بمتابعة ما وراء السور, من يطعم العصافير؟ من أين تجيء؟ وغيرها من الأسئلة الواجبة والتي تعنى فهم الجنرال لمهام وظيفته تماما.

 

لكن.. تكاثرت العصافير فوق السور تتناغى, بحيث لم أصبحت مهمة الجندي صعبة!.. كما انقضى اليوم الأول, ولم تحضر ألعصفوره الشيطانية.. فشعر الجميع بالنشوة والانتصار.. وفى النهاية قرر الجنرال مصافحة الجندي على نجاح مهمته.. وهو هكذا يصافحه, عادت العصفورة وتبرزت فوق أصابعها المتشابكة!!! لتتجدد مفاجأة لم تكن في الحسبان, كانت هناك في السماء مجموعة من العصافير تطير فوق رأسيهما, ولم تكن عصفورة وحيدة!

 

كتبت القصة خلال عام 2004م, حيث وطأة المواجهة بين العسكرية العبرية, والشعب الأعزل الفلسطيني, بل بينهم وكل عناصر الوجود والطبيعة على الأرض الفلسطينية, هاهي ذي بينهم وبين عصفورة!!

 

إذا كان السور المشيد ارتفاعه سبعة أمتار وبطول قرابة الألف كيلومتر, يخترق القرية فيمزقها, ويتمدد فيقطع أوصال الضفة الغربية كلها.. هذا السور الخرساني وحده قد يوقع القاص في التسجيلية غير الفنية, ويجعل من العمل الابداعى مجموعة من الكلمات الحماسية الرافضة. إلا أن المعالجة جاءت بمواجهة الجنرال الكبير مع العصفورة الصغيرة, والتي يبدو أنها تتعمد التبرز على زجاج سيارته اللامع النظيف, وتماما أمام عينيه!!.. حتى انتهى الأمر بالتحدي وكان البراز فوق الكفين المتصافحين, بينما السماء لمجموعة عصافير.

 

تعد القصة من القص المقاوم المدافع عن الحياة, والداعي إلى السلام, ولكن بمفهوم أعم وأشمل من السلام المحفوف بالخطر, أو السلام المفروض بالقوة, انه السلام المعبأة بدلالات معنى "أدب المقاومة".

 

.......................

 

 

قصة: "بوابة السلام".. "بشرى أبو شرار"

 

"من حي الزيتون... عين الحلوة.. تل السلطان.. مخيم البرازيل.. يتحرك جسمه الصغير بين الأقدام المتدافعة, نحو الأكوام المردومة على رمال يتفجر من باطنها حواف مغبرة لأغطية صوفية كانت تلم أجسادهم في ليال باردة......أوراق تناثرت لدفاتر فتحت للريح صفحاتها, شاهدة على عيون قرأت وخطت عليها.. واليوم جاءت تبحث عنها..... والمرأة تقترب جبهتها من الحائط الخرساني المتهدم, تمد يدها لأحجار ثقلت في كفها.. تنادى بحنجرة مذبوحة:

 

-قد تكون هنا.. ارفع معي يا باسل.

 

.....تخرج أوراق تنظرها, تقربها من ملامح وجهها فتتصلب عيناها عليها يقترب منها باسل فتريه ما بيدها قائلة:

 

-بيتنا في الرملة.. واليوم تهدم هذا البيت...

 

-أمي لا تنس أنه كان بإذن من وكالة الغوث والأمم المتحدة, ولم تكف أياديهم تلاحقنا.

 

انظري إلى جيدا يا أمي قد أكون الآن مسجيا في ثلاجة الخضار مع رفاق لي ينامون على تلال رملية زهرت وأخصرت بأياديهم.. لم تعد تسعهم ثلاجات الموتى في مستشفى يوسف النجار..... صرخ أبو جابر رافعا سقف بيته بكلتا يديه.. قطعة من الصهريج الصدىء..

 

-هجرة أخرى لنا.. كثير علينا بيت من صفيح.

 

وألقى بما حملت يداه وعاد يدوى بكلماته:

 

-قد يرضى الآخرون.. قد يرضون.

 

لمت جوالها الكتاني في صدرها بنظرات راحلة لأبعد من قرص الشمس وراء قوس قزح آفل.

 

وتعود من رحلتها الطويلة لتحط على موطىء قدميها تنظر تنظر إلى الصغير وقد عثر على لعبته البلاستيكية وجاروفه.. يجرف به الرمال ويهيل بها في العربة, يتعثر بالأحجار..... ويعود يرفع الرمال بجاروفه يلقى بها في عربته البلاستيكية حيث سيمضى بها بعيدا نحو أمه الراحلة نحو الشرق حيث مدينتها البعيدة..."

 

 

تتناول القصة واقعة هدم بيوت من صفيح لبعض الفلسطينيين, شيدت البيوت بتصريح من وكالة الغوث, وهدمت بفعل القوات الإسرائيلية. تجمع الأم أشياءها, والكل ملهوف على شيء ما, الكبار والصغار.. وعلى أمل يرجونه يعاودون الرجال إلى الشرق, إلى هناك, إلى حيث الرجاء, ولكن بلا يقين حقيقي.

 

التقطت عيون "الكاتبة" بطفل بين الأجساد المنهكة الحزينة, سجلت انشغاله بلعبته.. العربة البلاستيكية.. وهنا بيت القصيد كما يقولون. كل ما فعله الصغير, أن ملأ عربته بالتراب والركام, وجرها أمامه. بينما تعلق الجميع بأشياهم الحياتية الضرورية واليومية.. تعلق الصغير بتراب بيته, بتراب الأرض. كأنه شاء أن ينقل البيت والأرض إلى حيث يحط ثانية, ولا شيء غير ذلك.

 

عنوان القصة "بوابة السلام", فلا حيلة لنا إلا أن نفهم أن بوابة السلام هي الحفاظ على الأرض. فالعنوان دال وموحى وراصد للمغزى.. أو معنى "السلام" عند الفلسطيني. كأنها أرادت أن تقول: لا سلام إلا باحتفاظ الفلسطيني بحقه في الحياة على أرضة.

 

.......................

 

 

قصة "وفى فلسطين من الموت تولد الحياة".. "سناء أبو شرار"

 

" وجدت هويتي في أعماق زنزانتي, وهويتي الجديدة هي فلسطيني مجاهد, لم أدرك المعنى الحقيقي للهوية إلا بعد دخولي هذه الزنزانة!!......وبعد زمن لا أرقام له ولا ساعات يفتح ذلك الباب الصدىء, وتسحبني أيد خشنة, فيرقص قلبي فرحا, لأن حبسي في تلك الزنزانة قد انتهى واستعد لاستقبال المرحلة التالية.... أوقفوني أمام باب آخر, وقذفوا بي إلى الداخل, إنها زنزانة طولها متر واحد فقط, وعرضها متر واحد, ويوجد مقعد صغير يجب أن أجلس عليه, وأمامي ضوء أحمر قان يرسل شعاعا حارا ومزعجا للعيون..... أجلس على المقعد الصغير, ويوجه جهاز التكيف البارد باتجاهي, وتزداد برودة الهواء, كلما مرت الدقائق ازداد ارتعاش ركبتي واصطكاك أسناني.....  يفتح الباب الملعون من جديد وينقلونني إلى غرفة واسعة معلق في وسط سقفها ضوء أصفر له رائحة العفن والموت. الجالس مقابلتي: "لا تبحث عن مقعد... ولن تقف على ساقيك الاثنتين.." ويضحك!.... لم أكن أتصور من قبل أن للعصا لغة طليقة, وواضحة بتلك الصورة, وأنها أشد تعبيرا عن القسوة والحقد من كل كلمات الأرض.... يعرفون حضور الموت أكثر من أي شخص آخر, يتوقفون عن الضرب ويقذفون بي في أحد أركان الغرفة, ولا ينسون بالطبع رفسي بنعالهم.... ساعات أو أيام أو ربما سنوات أعتقد أنها مرت منذ أن قذفوا بي في أحدى الزنزانات, واستسلمت إلى نوم, تتصارع فيه الكوابيس والآلام....  لم أعد أذكر عدد الأيام التي مرت, أو الأعوام, أو الساعات فلم يعد للزمن أي منظومة.... لأول مرة أعرف ما المعنى الحقيقي للجنون وأكره ضعفي الشجاع أمام قوته الجبانة, ولأول مرة أسمع صوته المليء بالحقد: "هل تريد النوم أيها القذر.."..... ويحضر شخص آخر, واشتم رائحة العطر الثمين: "هل تنوى الاستمرار طويلا في تلك اللعبة الصعبة..؟".... 

 

تحسست عظامي فبدت كأنها ملتصقة بذلك المقعد الخشن...  أحاول أن أنهض, فيرتطم رأسي بسقف الزنزانة المنخفض...  تمضى الساعات, وأقاوم حاجتي الطبيعية... يفتح الباب يوميا وتقذف إلى داخل الزنزانة صينية بها شيء ما من الطعام....

 

داخل زنازين الموت, وفى أعماق هذه الألوان السود, وديدان المقابر تنبت الحياة من جديد بعروقي... لقد تعمدوا تسليط ذلك الضوء دقائق طويلة... ربما مرت ثلاثة أيام... لم يعدهناك شعور بالوقت..... نزعوا ملابسي, وربطوا قدمي بعضها ببعض, ثم حملوني وعلقوني في سقف شرفة... أصبح جسدي يترنح في الهواء طوال الليل, والبرد قارس ينهشه..... غبت عن الوعي... لم ادر كم مر من الوقت....  "

 

تتابع القاصة في حوار هام بين المعتقل والطبيب, حيث تثار قضية "السلام":

 

" ونفس ذلك الوجه الغريب, سمعته يقول لي بلهجته العربية المكسرة: "حسنا يا أحمد, انك بخير الآن. هيا انهض قليلا, ولتحاول شرب الدواء..".... سألته شيئا: "لماذا تصر على مساعدتي ؟ ألست واحدا منهم؟  انك لا تساعدني, بل تشارك في التعذيب"

 

"أنا أفهم ما تريد أن تقوله, ولكن عملي يجبرني على ذلك....."

 

"ربما لديك شيء من الضمير الانسانى, لكنك لا تعرف شيئا عن الضمير الوطني..."

 

"أنت معي في غرفة مخصصة للعلاج, لا في ساحة حرب.... "

 

" وفى غرفة التحقيق لن تكون إلا مخلصا لصهيونيتك...."

 

ثم قال الطبيب الاسرائيلى:

 

"لأول مرة أقول هذا لعربي, ولكنني لست مع ما يجرى هنا, وأنا أرفض كل هذا العنف, وأؤمن بالسلام بيننا!!"

 

"أنت ترى في حلم السلام راحة لضميرك الذي يؤلمك, وأنا أرى به مهزلة كبيرة, فعن أي سلام تتحدث؟... وليبدأ هذا السلام بإزالة غرف التعذيب.."

 

وتابعت القصة أحداثها بمزيد من التعذيب حتى دمرت شيئا ما في جسد هذا الشاب قد لايمكن علاجه. وهو ما جعل المعتقل – فيما بعد – لا يتحمل حياة الاستقرار في منزله, وخرج للجهاد ثانية ضد الاحتلال.

 

الآن ترى كيف يرى العربي المعتقل تحت التعذيب والطبيب الاسرائيلى المعالج "السلام"؟   

 

يعبر الفلسطيني عن دهشته, أن يفيق بعد التعذيب ليجد أمامه طبيب اسرائيلى يعالجه؟

 

يسأل مستفسرا: هل هو "الضمير"؟!..إلا أن الكاتبة اشتقت صفة جديدة استبدلت بها المعنى المباشر للضمير..ألا وهو "الضمير الميت", "إن الطبيب الاسرائيلى يحمل ضميرا ميتا, يدفعه لعلاج العربي حتى يعاود رحلة العذاب الجديدة!". وهى رؤية تحمل في طيها عدم الثقة في سلوك الطبيب وان بدت لعلاجه. لذلك أخبره: "انك لا تساعدني, بل تشارك في التعذيب" حيث يتجدد التعذيب بعد الشفاء.

 

بينما يرى الطبيب الاسرائيلى أنه مخلص لعمله, وليس في الأمر استدعاء لمعنى "الضمير", بل هي الطاعة لأوامر القادة العسكريين, حيث يعمل في الجيش. مجددا يسعى المعتقل أن يجد تفسيرا: "ربما لديك شيء من الضمير الانسانى, لكنك لا تعرف شيئا عن الضمير الوطني"

 

كأنه بذلك يفصل الطبيب كونه إسرائيليا وكونه صاحب مهنة إنسانية..وهى قضية قابلة للمناقشة, وتعبر عن سعة صدر وتفهم لبعض الإسرائيليين (حسب رؤية القاصة).. إلا أن المعتقل ردد مقولته في أسلوب دهش معبرا عن الحيرة, مما يشير إلى عدم الثقة.

 

أما الطبيب الاسرائيليى فلا يرى في سلوكه ما يسبب الدهشة, وبرر سلوكه بقوله: أنت معي في غرفة مخصصة للعلاج, لا في ساحة حرب".

 

عاد وعبر الطبيب عن رفضه كل هذا العنف في معاملة المعتقلين الفلسطينيين..حيث أنه يؤمن ب"السلام" بين الفلسطينيين والاسرائليين.

 

عاد وفسر الفلسطيني سلوك الطبيب بأن مفهوم "السلام" عند الطبيب "ذاتي" محدد بإطار إراحة الضمير, وهو مفهوم ضيق للسلام, ولا يعبر عن الرغبة في السلام الحقيقي والشامل.

 

عاد وأكد الفلسطيني على "السلام" الحقيقي بقوله: "ليبدأ هذا السلام بإزالة غرف التعذيب"..إذن مفهوم السلام عند الفلسطيني ارتبط بتوفير الحقوق المدنية والحق في الحياة المستقر للشعب الفلسطيني..(وهى رؤية تضاف إلى ما سبق من الرؤى في مفهوم السلام).

 

........................

 

aB_negm@yahoo.com

 

 

 http://www.originality.jeeran.com/رؤية الفلسطينى للسلام.doc

 

http://www. originality.jeeran.com /najmbook.JPG

 

http://www.nazmi.org/رؤية الفلسطينى للسلام.doc

 

http://www.nazmi.org/najmbook.JPG

Articles and essays on the following links:

 http://originality.jeeran.com/literature/essay.html

http://originality.jeeran.com/curtain.html

http://originality.jeeran.com/festo1.html

http://originality.jeeran.com/festo2.html

http://originality.jeeran.com/festo3.html

Association Internationale de la Critique Littéraire

 

 

تنشر حركة إبداع  O.M ) )   Originality Movementملخصا لكلمة الناقد العربي تيسير نظمي في مؤتمر باريس "روح المقاومة في الأدب" الذي يعقد في فندق غوين بالتزامن مع انتخابات الهيئة الإدارية لرابطة نقاد الأدب الدولية(A.I.C.L)                    ويحضره نقاد كبار من مختلف دول العالم ويشارك به ناقد عربي لأول مرة منذ تأسيس الرابطة الدولية عام 1969 وتسجيلها في قائمة المنظمات غير الحكومية في اليونيسكو عام 1971، وفيما يلي الملخص للكلمة/النص باللغات: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية والبرتغالية والروسية. وستنشر حركة إبداع الترجمات باللغات الباقية مثل: الصينية والتركية والفارسية والكورية واليابانية في وقت لاحق.

 

 

----------------------------------------------------

 

 

ملخص النص بالإنجليزية

 

 

English

 

 

Tayseer Nazmi's Participation in the A.I.C.L Symposium, " The Spirit of Resistance In Literature"- Paris , Guin Hotel, October 19-20/2007

 

 

Summary

 

 

 

Mr. President, Dear colleagues,

 

 

 

 

   My absence is, so mature to let you feel and think of the main topic of your symposium and conference, in this area of the world. The last month, according to the Muslims' culture, was Ramadan, the month of fasting in the Middle East , in which the spirit takes a vague and a metaphysical shape that can't be clearly explained by an ordinary critic.

 

 

 

 

Though, I suffer it every year for more than one month, during nearly half a century, without sharing the nations in this area their joys and all the promised blessings of God, in return. At this point, it is preferable for me to speak about the exile in life or in literature, which you had covered in your previous symposium two years ago. But I am obliged to stick to the point in speaking only about "the spirit of resistance in literature". I wondered why you didn't shorten the title of this symposium just to one word, which is only "resistance" since to survive in this area of the world it needs you to use all the energies and capabilities you may have just to defend your being.

 

 

 

 

Actually I really enjoyed the idea of inviting me, whether to join the A.I.C.L or to attend the extraordinary conference even without any kind of spirits. But when it comes to really enjoy my presence among you all, that meant to resist every thing in Jordan , in the prevailing Arab culture, and even in the Palestinian literature, in which the word "resistance" mostly referred to a military action.

 

 

 

 

Dear colleagues, Mr. President,

 

 

 

 

 At your universities, it is very easy to write an essay or even a book about the subject, without resisting any complexities on the ground or in minds, while the situation is completely different in what is called the Arab world. This area and its cultures is still suffering from its political regimes. All the Arab regimes, if we exclude the Tunisian's, to some extent, were supporting in away or another Islam as a device to silence their peoples' demands for freedom and equality. These regimes suppressed the progressive real artists and caused some of them to leave the Arab world as a whole to western countries. Those who remained had to adapt their selves to one regime or to another. The options were and still too little to choose.

 

 

 

 

In my belief, when the objectives of resistance are quite enough clear on the ground, they will reflect their realities in literature, especially when the relation between the creative writer and his society is sincere and so intimate to produce the spirit of resistance. This belief came to my mind as an outcome of reading the history of literature in its dialectic relation with the history of its people. In France, for instance, it was clear in Arthur Rimbaud and the commune of Paris . In Algeria it was clarified in Altaher Wattar's novel "Allaz", or in Malek Haddad's poetry which was written in French.

 

 

 

 

There was a spirit of resistance in the Arab literature in the period of national liberation which led for the independence of most of the Arab countries. Many Arab writers wrote their experiences after their countries achieved liberation and a kind of independence, unlike the Palestinians who wrote it before. Some turned to criticize and resist wrong trends that appeared after the independence; like Hayder Hayder in Syria in his novel "Alfahd" -Cheetah- and Altaher Wattar in "Alzilzal"- The Earthquake- and most of his novels, like; (The Candle and The mazes).

 

 

 

 

The previous productive spirit of resistance is missing nowadays in most of the literary life in the Arab world because of many intermingled reasons; one of them and the first that the Arab regimes succeeded in destroying the spirit of freedom and silenced the most important critics in the Arab world. The second and most destructive factor was the collapse of the Soviet Union, and the last is the American model of globalization which blurred even the creative American writers and America 's heritage.

 

 

 

 

France , and its role, whether in the past or in the present, remains our hope in; restoring the dignity and honor of resistance with its new contemporary objectives aimed at resisting; poverty, ignorance, capitalism, dictatorships, environment pollution and political corruption.

 

 

To resist all these plights of our humanity is not a miracle if we remain co-operative, interactive and have the spirit of hope, the little of it to keep life tastes what remained to us from freedom.

 

 

 

 

-------------------------------------------------------

 

 

French

 

 

 ملخص النص بالفرنسية

 

 

Participation de Tayseer Nazmi au colloque d'A.I.C.L, « l'esprit de la résistance en littérature », Paris, hôtel de Guin, 19 au 20 octobre /2007

 

 

 

 

Résumé

 

 

 

M. président, chers collègues,

 

 

 

 

   Mon absence est, si mûr vous a laissé se sentir et penser à la matière principale de votre colloque et conférence, dans ce secteur du monde. Le dernier mois, selon la culture des musulmans, était Ramadan, le mois du jeûne dans le Moyen-Orient, dans lequel l'esprit prend une forme vague et métaphysique qui ne peut pas être clairement expliquée par un critique ordinaire.

 

 

 

 

Bien que, je le souffre chaque année pour plus d'un mois, pendant presque la moitié par siècle, sans partager les nations dans ce secteur leurs joies et toutes bénédictions promises de Dieu, dans le retour. En ce moment, il est préférable que je parle au sujet de l'exil dans la vie ou en littérature, que vous aviez couverte dans votre colloque précédent il y a deux ans. Mais je suis obligé de m'en tenir au point pour parler seulement au sujet « de l'esprit de la résistance en littérature ». Je me suis demandé pourquoi vous n'avez pas raccourci le titre de ce colloque juste à un mot, qui est seulement « résistance » puisque pour survivre dans ce secteur du monde il a besoin de toi pour employer toutes énergies et possibilités que vous pouvez avoir juste pour défendre votre être.

 

 

 

 

En fait j'ai vraiment apprécié l'idée de m'inviter, si joindre l'A.I.C.L ou suivre la conférence extraordinaire même sans n'importe quel genre de spiritueux. Mais quand il vient pour apprécier vraiment ma présence parmi toi toute, cela a signifié pour résister à chaque chose en Jordanie, dans la culture arabe régnante, et même dans la littérature palestinienne, en laquelle le mot « résistance » s'est la plupart du temps rapporté à une action militaire.

 

 

 

 

Chers collègues, M. président,

 

 

 

 

 À vos universités, il est très facile d'écrire un essai ou même un livre concernant le sujet, sans ne résister à aucune complexité sur la terre ou dans les esprits, alors que la situation est complètement différente dans ce qui s'appelle le monde arabe. Ce secteur et ses cultures souffre toujours de ses régimes politiques. Tous régimes arabes, si nous excluons le Tunisien, dans une certaine mesure, soutenaient dedans loin ou un autre Islam comme un dispositif pour amortir les demandes de leurs peuples de la liberté et de l'égalité. Ces régimes ont supprimé les vrais artistes progressifs et ont fait laisser certains d'entre eux le monde arabe dans l'ensemble aux pays occidentaux. Ceux qui sont restés ont dû adapter leurs individus à un régime ou à l'autre. Les options étaient et trop peu à choisir toujours.

 

 

 

 

Dans ma croyance, quand les objectifs de la résistance sont tout à fait assez d'espace libre sur la terre, ils refléteront leurs réalités en littérature, particulièrement quand la relation entre l'auteur créateur et sa société est sincère et suggère ainsi pour produire l'esprit de la résistance. Cette croyance est venue à mon avis comme résultats de lire l'histoire de la littérature en sa relation dialectale avec l'histoire de ses personnes. En France, par exemple, elle était clair en Arthur Rimbaud et la commune de Paris. En Algérie il a été clarifié en roman « Allaz » d'Altaher Wattar, ou dans la poésie de Malek Haddad qui a été écrite en français.

 

 

 

 

Il y avait un esprit de résistance dans la littérature arabe dans la période de la libération nationale qui a mené pour l'indépendance de la plupart des pays arabes. Beaucoup d'auteurs arabes ont écrit leurs expériences après leur libération réalisée par pays et un genre d'indépendance, à la différence des Palestiniens qui l'ont écrit avant. Certains ont tourné pour critiquer et résister mal aux tendances qui sont apparues après l'indépendance ; comme Hayder Hayder en Syrie en son roman « Al Fahd » - Cheetah - et Altaher Wattar dans « Alzilzal »- Tremblement de terre -

 

 

et la plupart de ses romans; comme (Bougie et labyrinthes).

 

 

 

 

L'esprit productif précédent de la résistance est absent de nos jours dans la majeure partie de la vie littéraire dans le monde arabe en raison de beaucoup de raisons mélangées ; un de elles et de la première que les régimes arabes ont réussies à détruire l'esprit de la liberté et ont amorties les critiques les plus importants au monde arabe. Deuxième et la plupart destructif du facteur était l'effondrement de l'Union Soviétique, et le bout est le modèle américain de la globalisation qui a brouillé même les auteurs américains créateurs et l'héritage de l'Amérique.

 

 

 

 

La France, et son rôle, si dans le passé ou dans le présent, reste notre espoir en reconstituant la dignité et l'honneur de la résistance avec sa contemporains résistance visée de nouveaux par objectifs ; pauvreté, ignorance, capitalisme, dictatures, pollution d'environnement et corruption politique.

 

 

 

 

Résister à tous ces plights de notre humanité n'est pas un miracle si nous restons coopératifs, interactif et a l'esprit de l'espoir, le peu de elle de garder le goût de la vie ce qui est resté à nous de la liberté.

 

 

 

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

 

Spanish

 

 

 ملخص النص بالإسبانية

 

 

 

 

Participación de Tayseer Nazmi en el simposio de A.I.C.L, “el alcohol de la resistencia en la literatura” - París, hotel de Guin, del 19 al 20 de octubre /2007

 

 

 

 

Resumen

 

 

 

 

Sr. presidente, estimados colegas,

 

 

 

 

   Mi ausencia es, así que maduro te dejó sentirse y pensar en el asunto principal de tu simposio y conferencia, en esta área del mundo. El mes pasado, según la cultura de los musulmanes, era Ramadan, el mes del ayuno en el Oriente Medio, en el cual el alcohol toma una forma vaga y metaphysical que no se pueda explicar claramente por un crítico ordinario.

 

 

 

 

Aunque, lo sufro cada año para más de un mes, durante casi mitad del siglo, sin compartir las naciones en esta área sus alegrías y todas las bendiciones prometidas del dios, en vuelta. A este punto, es preferible que hable sobre el exilio en vida o en la literatura, que habías cubierto en tu simposio anterior hace dos años. Pero me obligan a pegarme al punto en el discurso solamente sobre “el alcohol de la resistencia en literatura”. Me preguntaba porqué no acortaste el título de este simposio apenas a una palabra, que es solamente “resistencia” puesto que para sobrevivir en esta área del mundo te necesita utilizar todas las energías y capacidades que puedes tener apenas defender tu ser.

 

 

 

 

Realmente gocé realmente de la idea de invitarme, si ensamblar el A.I.C.L o assistir a la conferencia extraordinaria incluso sin ninguna clase de alcoholes. Pero cuando viene realmente gozar de mi presencia entre ti toda, eso significó resistir cada cosa en Jordania, en la cultura árabe que prevalecía, e iguala en la literatura palestina, en la cual la palabra “resistencia” refirió sobre todo a una acción militar.

 

 

 

 

Estimados colegas, Sr. presidente,

 

 

 

 

 En tus universidades, es muy fácil escribir un ensayo o aún un libro acerca del tema, sin resistir ningunas complejidades en la tierra o en mentes, mientras que la situación es totalmente diferente en qué se llama el mundo árabe. Esta área y sus culturas todavía está sufriendo de sus regímenes políticos. Todos los regímenes árabes, si excluimos a tunecino, hasta cierto punto, apoyaban adentro lejos u otro Islam como un dispositivo para silenciar las demandas de su gente para la libertad y la igualdad. Estos regímenes suprimieron a artistas verdaderos progresivos e hicieron a algunos de ellos dejar el mundo árabe en su totalidad a los países occidentales. Los que permanecían tuvieron que adaptar a sus uno mismo a un régimen o a otro. Las opciones eran y todavía demasiado poco a elegir.

 

 

 

 

En mi creencia, cuando los objetivos de la resistencia son absolutamente bastante claro en la tierra, reflejarán sus realidades en literatura, especialmente cuando la relación entre el escritor creativo y su sociedad es sincera y así que insinuar para producir el alcohol de la resistencia. Esta creencia vino a mi mente como resultado de leer la historia de la literatura en su relación dialéctica con la historia de su gente. En Francia, por ejemplo, ella estaba claro en Arturo Rimbaud y la comuna de París. En Argelia fue clarificada en la novela “Allaz” de Altaher Wattar, o en la poesía de Malek Haddad que fue escrita en francés.

 

 

 

 

Había un alcohol de la resistencia en la literatura árabe en el período de la liberación nacional que condujo para la independencia la mayor parte de de los países árabes. Muchos escritores árabes escribieron sus experiencias después de su liberación alcanzada los países y de una clase de independencia, desemejante de los palestinos que la escribieron antes. Algunos dieron vuelta para criticar y para resistir mal las tendencias que aparecieron después de la independencia; como Hayder Hayder en Siria en su novela “Alfahd” - Cheetah- y Altaher Wattar en “Alzilzal” - su las novelas del terremoto y la mayor parte de, como; (La vela y los laberintos).

 

 

 

 

El alcohol productivo anterior de la resistencia falta hoy en día en la mayor parte de la vida literaria en el mundo árabe debido a muchas razones mezcladas; uno de ellas y del primeras que los regímenes árabes tuvieron éxito en destruir el alcohol de la libertad y silenciaron los críticos más importantes del mundo árabe. Segundo y la mayoría destructivo del factor era el derrumbamiento de la Unión Soviética, y el último es el modelo americano del globalization que veló incluso los escritores americanos creativos y la herencia de América.

 

 

 

 

Francia, y su papel, si en el pasado o en el presente, sigue siendo nuestra esperanza adentro; la restauración de la dignidad y del honor de la resistencia con sus nuevos objetivos contemporáneos tuvo como objetivo el resistir; pobreza, ignorancia, capitalismo, dictaduras, contaminación del ambiente y corrupción política.

 

 

Resistir todos estos plights de nuestra humanidad no es un milagro si seguimos siendo cooperativos, interactivos y tiene el alcohol de la esperanza, el poco de él de guardar gusto de la vida qué permanecía a nosotros de la libertad.

 

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

 

Italian

 

 

ملخص النص بالإيطالية

 

 

 

 

Partecipazione di Tayseer Nazmi al simposio di A.I.C.L, “lo spirito di resistenza in letteratura„ - Parigi, hotel di Guin, dal 19 al 20 ottobre /2007

 

 

 

 

Sommario

 

 

 

 

Signor presidente, cari colleghe,

 

 

 

 

   La mia assenza è, così maturo li ha lasciati ritenere e pensare al soggetto principale del vostri simposio e congresso, in questa zona del mondo. L'ultimo mese, secondo la coltura dei musulmani, era Ramadan, il mese di digiuno nel Medio Oriente, in cui lo spirito prende una figura vaga e metaphysical che non può essere spiegata chiaramente da un critico ordinario.

 

 

 

 

Benchè, lo soffra ogni anno per più di un mese, durante quasi la metà un di secolo, senza ripartire le nazioni in questa zona le loro gioie e tutti i blessings promessi del dio, nel ritorno. A questo punto, per me è preferibile parlare del exile nella vita o in letteratura, che avevate riguardato nel vostro simposio precedente due anni fa. Ma sono obbligato ad attaccare al punto nel parlare soltanto “dello spirito di resistenza in letteratura„. Mi sono domandato perchè non avete ridotto il titolo di questo simposio appena ad una parola, che è soltanto “resistenza„ poiché per sopravvivere in questa zona del mondo li ha bisogno di usare tutte le energie e possibilità che potete avere appena difendere vostro essere.

 

 

 

 

Realmente realmente ho goduto l'idea di invitarlo, se unire il A.I.C.L o partecipare al congresso straordinario anche senza alcun genere di alcoolici. Ma quando viene realmente godergli la mia presenza tutta, quello ha significato resistere ad ogni cosa nel Giordano, nella coltura araba prevalente e perfino nella letteratura palestinese, in cui la parola “resistenza„ principalmente si è riferita ad un'azione militare.

 

 

 

 

Cari colleghe, signor presidente,

 

 

 

 

 Alle vostre università, è molto facile da scrivere un saggio o persino un libro sull'oggetto, senza resistere ad alcune complessità sulla terra o nelle menti, mentre la situazione è completamente differente in che cosa è denominato il mondo arabo. Questa zona e le relative colture ancora sta soffrendo dai relativi regimi politici. Tutti i regimi arabi, se escludiamo il tunisino, in parte, stavano sostenendo dentro via o un altro Islam come un dispositivo per fare tacere le richieste della loro gente della libertà e dell'uguaglianza. Questi regimi hanno soppresso gli artisti reali progressivi ed hanno indotto loro alcune a lasciare il mondo arabo nell'insieme ai paesi occidentali. Coloro che è rimasto hanno dovuto adattare i loro auto ad un regime o ad un altro. Le opzioni erano ed ancora troppo piccolo da scegliere.

 

 

 

 

Nella mia credenza, quando gli obiettivi di resistenza sono abbastanza abbastanza radura sulla terra, rifletteranno le loro realtà in letteratura, particolarmente quando il rapporto fra il produttore creativo e la sua società è sincero e così intimate per produrre lo spirito di resistenza. Questa credenza è venuto alla mia mente come risultato di lettura della storia di letteratura in il relativo rapporto dialettico con la storia della relativa gente. In Francia, per esempio, esso era chiaro in Arthur Rimbaud ed il comune di Parigi. In Algeria è stata chiarita in romanzo “Allaz„ di Altaher Wattar, o nella poesia di Malek Haddad che è stata scritta in francese.

 

 

 

 

Ci era uno spirito di resistenza nella letteratura araba nel periodo della liberazione nazionale che ha condotto per l'indipendenza di la maggior parte dei paesi arabi. Molti produttori arabi hanno scritto le loro esperienze dopo la loro liberazione realizzata paesi e un genere di indipendenza, diverso dei Palestinesi che lo hanno scritto prima. Alcuni hanno girato per criticare male e resistere alle tendenze che sono comparso dopo l'indipendenza; come Hayder Hayder in Siria in suo romanzo “Alfahd„ - Cheetah- e Altaher Wattar “in Alzilzal„ - il terremoto e la maggior parte dei suoi romanzi, come; (La candela ed i labirinti).

 

 

 

 

Lo spirito produttivo precedente di resistenza manca al giorno d'oggi in la maggior parte della vita letteraria nel mondo arabo a causa di molti motivi mescolareati; uno di loro e del primi che i regimi arabi hanno riuscito a distruggere lo spirito della libertà ed hanno fatto tacere i critici più importanti nel mondo arabo. La secondo e maggior parte del fattore distruttivo era il crollo dell'Unione Sovietica e l'ultimo è il modello americano di globalization che ha offuscato persino i produttori americani creativi e l'eredità dell'America.

 

 

 

 

La Francia ed il relativo ruolo, se nel passato o nel presente, rimane la nostra speranza dentro; il ristabilimento la dignità e del honor di resistenza con i relativi nuovi obiettivi contemporanei ha puntato su resistere a; povertà, ignoranza, capitalismo, dictatorships, inquinamento dell'ambiente e corruzione politica.

 

 

Resistere a tutti questi plights della nostra umanità non è un miracolo se rimaniamo cooperativi, interattivi ed ha lo spirito di speranza, il piccolo di esso mantenere il gusto di vita che cosa è rimasto a noi dalla libertà.

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

 

German

 

 

  ملخص النص بالألمانية

 

 

 

 

Tayseer Nazmis Teilnahme an der A.I.C.L Zusammenstellung, „der Geist des Widerstandes in der Literatur“ - Paris, Guin Hotel, 19. bis 20. Oktober /2007

 

 

 

 

Zusammenfassung

 

 

 

 

Herr Präsident, liebe Kollegen,

 

 

 

 

   Meine Abwesenheit ist, also fällig ließ dich an das Hauptthema deiner Zusammenstellung und Konferenz, in diesem Bereich der Welt glauben und denken. Der letzte Monat, entsprechend der Kultur der Moslems, war Ramadan, der Monat des Fastens im Mittlere Osten, in dem der Geist eine vage und metaphysische Form nimmt, die nicht durch einen gewöhnlichen Kritiker offenbar erklärt werden kann.

 

 

 

 

Obwohl, ich ihn jedes Jahr für mehr als einen Monat, während fast der Hälfte ein Jahrhunderts erleide, ohne die Nationen in diesem Bereich zu teilen ihre Freuden und aller versprochene Segen des Gottes, in der Rückkehr. An diesem Punkt ist es vorzuziehend für mich, über das Exil im Leben oder in der Literatur zu sprechen, die du vor in deiner vorhergehenden Zusammenstellung zwei Jahren umfaßt hattest. Aber ich werde verbunden, am Punkt beim Sprechen nur über „den Geist des Widerstandes in der Literatur“ zu haften. Ich wunderte mich, warum du den Titel dieser Zusammenstellung nicht gerade zu einem Wort verkürztest, das nur „Widerstand“ ist, da, um in diesem Bereich der Welt zu überleben es dich benötigt, alle Energie und Fähigkeiten zu verwenden, die du gerade haben kannst, dein Sein zu verteidigen.

 

 

 

 

Wirklich genoß ich wirklich die Idee des Einladens ich, ob man das A.I.C.L verbindet oder die außerordentliche Konferenz sogar ohne irgendeine Art Geist sich sorgt. Aber, wenn es kommt, meine Anwesenheit unter dir alle wirklich zu genießen, bedeutete das, jeder Sache in Jordanien, in der vorherschenden arabischen Kultur zu widerstehen und glättet in der palästinensischen Literatur, in der das Wort „Widerstand“ sich meistens auf eine militärische Tätigkeit bezog.

 

 

 

 

Liebe Kollegen, Herr Präsident,

 

 

 

 

 An deinen Universitäten ist es sehr einfach, einen Versuch oder sogar ein Buch zu schreiben über das Thema, ohne irgendwelchen Kompliziertheiten zu widerstehen aus den Grund oder im Verstand, während die Situation vollständig unterschiedlich ist in, was die arabische Welt genannt wird. Dieser Bereich und seine Kulturen leidet noch unter seinen politischen Regimen. Alle arabischen Regime, wenn wir des Tunesiers gewissermassen ausschließen stützten sich innen weg oder ein anderer Islam wie eine Vorrichtung, um Nachfragen ihrer Völker nach Freiheit und Gleichheit zum Schweigen zu bringen. Diese Regime unterdrückten die progressiven wirklichen Künstler und veranlaßten einige von ihnen, der arabischen Welt westliche Länder als Ganzes zu überlassen. Die, die blieben, mußten ihre Selbst einem Regime oder anderen anpassen. Die Wahlen waren und zu wenig, zum noch zu wählen.

 

 

 

 

In meinem Glauben wenn die Zielsetzungen des Widerstandes durchaus genügend klares aus den Grund sind, reflektieren sie ihre Wirklichkeiten in der Literatur, besonders wenn die Relation zwischen dem kreativen Verfasser und seiner Gesellschaft aufrichtig ist und so andeutet, um den Geist des Widerstandes zu produzieren. Dieser Glaube kam zu meinem Verstand als Resultat des Ablesens der Geschichte der Literatur in seiner dialektischen Relation mit der Geschichte seiner Leute. In Frankreich zum Beispiel in ihm war in Arthur Rimbaud und die Kommune von Paris frei. In Algerien wurde es Altaher Wattars im Roman „Allaz“ oder Malek Haddads in der Poesie erklärt, die auf französisch geschrieben wurde.

 

 

 

 

Es gab einen Geist des Widerstandes in der arabischen Literatur in der Periode der nationalen Befreiung, die für die Unabhängigkeit der meisten arabischen Länder führte. Viele arabische Verfasser schrieben ihre Erfahrungen nach ihrer Länder erzielten Befreiung und einer Art Unabhängigkeit, anders als die Palästinenser, die sie vorher schrieben. Einige drehten sich, um Tendenzen falsch zu kritisieren und zu widerstehen, die nach der Unabhängigkeit erschienen; wie Hayder Hayder in Syrien in seinem Roman „Alfahd“ - Cheetah- und Altaher Wattar in „Alzilzal“ - das Erdbeben und die meisten seinen Romanen, wie; (Die Kerze und die Labyrinthe).

 

 

 

 

Der vorhergehende produktive Geist des Widerstandes fehlt heutzutage in die meisten des literarischen Lebens in der arabischen Welt wegen vieler intermingled Gründe; ein von ihnen und vom ersten, die die arabischen Regime folgten, mit, den Geist der Freiheit zu zerstören und die wichtigsten Kritiker in der arabischen Welt zum Schweigen brachten. Der zweite und meiste zerstörende Faktor war der Einsturz der Sowjetunions, und das Letzte ist das amerikanische Modell der Globalisierung, das sogar die kreativen amerikanischen Verfasser und Erbe Amerikas verwischte.

 

 

 

 

Frankreich und seine Rolle, ob in der Vergangenheit oder im Geschenk, bleibt unsere Hoffnung innen; die Wiederherstellung der Würde und der Ehre des Widerstandes mit seinen neuen zeitgenössischen Zielsetzungen strebte an zu widerstehen; Armut, Unwissenheit, Kapitalismus, Diktaturen, Klimaverunreinigung und politische Korruption.

 

 

Allen diesen plights unserer Menschlichkeit zu widerstehen ist nicht ein Wunder wenn wir kooperativ bleiben, ein wechselwirkend und hat den Geist der Hoffnung, den wenig von ihm Lebengeschmack zu halten was zu uns von der Freiheit blieb.

 

 

--------------------------------------------------------------------------

 

 

Portuguese

 

 

  ملخص النص بالبرتغالية

 

 

 

 

Participação de Tayseer Nazmi no Symposium de A.I.C.L, “o espírito da resistência na literatura” - Paris, hotel de Guin, outubro 19-20/2007

 

 

 

 

Sumário

 

 

 

 

Sr. presidente, caros colegas,

 

 

 

 

   Minha ausência é, assim que maduro deixou-o sentir e pensar do tópico principal de seus symposium e conferência, nesta área do mundo. O último mês, de acordo com a cultura dos muçulmanos, era Ramadan, o mês de fasting em o Oriente Médio, em que o espírito faz exame de uma forma vaga e metaphysical que não possa claramente ser explicada por um crítico ordinário.

 

 

 

 

Embora, eu o sofro cada ano para mais de um mês, durante quase a metade um do século, sem compartilhar das nações nesta área suas alegrias e todos os blessings prometidos do deus, no retorno. Neste momento, é preferível para mim falar sobre o exile na vida ou na literatura, que você tinha coberto em seu symposium precedente dois anos há. Mas eu sou obrigado furar ao ponto no discurso somente sobre “o espírito da resistência na literatura”. Eu quis saber porque você não encurtou o título deste symposium apenas a uma palavra, que é somente “resistência” desde que para sobreviver nesta área do mundo o necessita usar todas as energias e potencialidades que você pode ter apenas para defender seu ser.

 

 

 

 

Realmente eu apreciei realmente a idéia de convidar-me, se juntar o A.I.C.L ou assistir à conferência extraordinária mesmo sem nenhum tipo dos espíritos. Mas quando vem apreciar realmente minha presença entre você toda, isso significou resistir cada coisa em Jordão, na cultura árabe prevalecendo, e nivela na literatura Palestinian, em que a palavra “resistência” consultou na maior parte a uma ação militar.

 

 

 

 

Caros colegas, Sr. presidente,

 

 

 

 

 Em suas universidades, é muito fácil escrever um essay ou mesmo um livro sobre o assunto, sem resistir nenhumas complexidades na terra ou nas mentes, quando a situação for completamente diferente em o que está chamado o mundo árabe. Esta área e suas culturas estão sofrendo ainda de seus regimes políticos. Todos os regimes árabes, se nós excluíssemos o Tunisian, a alguma extensão, estavam suportando dentro afastado ou um outro Islam como um dispositivo para silenciar demandas dos seus povos para a liberdade e a igualdade. Estes regimes suprimiram os artistas reais progressivos e fizeram com que alguma deles deixasse o mundo árabe ao todo aos países ocidentais. Aqueles que remanesceram tiveram que adaptar seus selves a um regime ou a outro. As opções eram e demasiado pouco a escolher ainda.

 

 

 

 

Em minha opinião, quando os objetivos da resistência são completamente bastante espaço livre na terra, refletirão suas realidades na literatura, intimate especialmente quando a relação entre o escritor creativo e sua sociedade é sincere e assim para produzir o espírito da resistência. Esta opinião veio a minha mente como um resultado de ler a história da literatura em sua relação dialectic com a história de seus povos. Em France, por exemplo, nele estava desobstruído em Arthur Rimbaud e o commune de Paris. Em Argélia foi esclarecida na novela “Allaz” de Altaher Wattar, ou na poesia de Malek Haddad que foi escrita em francês.

 

 

 

 

Havia um espírito da resistência na literatura árabe no período do liberation nacional que conduziu para a independência de a maioria dos países árabes. Muitos escritores árabes escreveram suas experiências após seu liberation conseguido países e um tipo da independência, ao contrário dos Palestinians que o escreveram antes. Alguns giraram para criticar erradamente e resistir as tendências que apareceram após a independência; como Hayder Hayder em Syria em sua novela “Alfahd” - Cheetah- e Altaher Wattar em “Alzilzal” - o terremoto e a maioria de suas novelas, como; (A vela e os mazes).

 

 

 

 

O espírito produtivo precedente da resistência falta hoje em dia em a maioria da vida literária no mundo árabe por causa de muitas razões misturadas; um delas e do primeira que os regimes árabes sucederam em destruir o espírito da liberdade e silenciaram os críticos os mais importantes no mundo árabe. Segundo e a maioria de fator destrutivo era o colapso da União Soviética, e o último é o modelo americano do globalization que borrou mesmo os escritores americanos creativos e o heritage de América.

 

 

 

 

France, e seu papel, se no passado ou no presente, remanescem nossa esperança dentro; restaurar a dignidade e a honra da resistência com seus objetivos contemporary novos visou resistir; pobreza, ignorance, capitalismo, dictatorships, poluição do ambiente e corruption político.

 

 

Resistir todos estes plights de nosso humanity não é um miracle se nós remanescermos cooperativos, interativos e tem o espírito da esperança, o pouco dele manter o gosto da vida o que nos remanesceu da liberdade.

 

 

------------------------------------------------------------------------------------

 

 

Russian

 

 

ملخلص النص بالروسية

 

 

 

 

Тайсир Назми Участие в A.I.C.L Симпозиум ", Дух сопротивления в литературе" - Париж, Гин отелей октября 19-20/2007

 

 

 

 

Резюме

 

 

 

 

Г-н Председатель, Уважаемые коллеги!

 

 

 

 

    Мое отсутствие, так зрелым, чтобы вы чувствуете, и думать о главной темой вашей конференции и симпозиума, в этом районе мира. В прошлом месяце, по мнению мусульман культуры, Рамадан, месяц поста на Ближнем Востоке, в которой дух принимает расплывчатым и метафизической формы, которые не могут быть четко объяснить очередной критик.

 

 

 

 

Хотя, я страдать каждый год более одного месяца, в течение почти полвека, без разделения государств в этой области свои радости и все обещанные благословения Божия, в возвращении. На этом этапе желательно, чтобы мне говорить об эмиграции в жизни или в литературе, которые вы охватывали в Вашем предыдущем симпозиуме два года назад. Но я обязан придерживаться точки, говоря лишь о "дух сопротивления в литературе". Я хотел бы знать, почему вы не сократить название этого симпозиума только одно слово, которое лишь "сопротивление", поскольку, чтобы выжить в этой области в мире необходимо использовать все силы и возможности можно только защищать свой время.

 

 

 

 

Вообще-то я действительно пользуется идея пригласить меня ли присоединиться A.I.C.L или присутствовать на внеочередной конференции даже без каких-либо духов. Но когда речь заходит о действительно пользуются мое присутствие среди всех вас, что означает противостоять все, в Иордании, существующей в арабской культуре, и даже в палестинской литературы, в которой слово "сопротивление" в основном говорится о военной акции.

 

 

 

 

Уважаемые коллеги, г-н Председатель,

 

 

 

 

  На ваши университеты, очень легко написать эссе или даже книгу о предмете, без сопротивления любой сложности на местах, или в сознании, хотя ситуация полностью отличается в то, что называют арабским миром. Эта область и ее культуры все еще страдает от его политических режимов. Все арабские режимы, если мы исключим в Туниса, в некоторой степени, поддерживают в другой или вне ислама, как устройство на молчание их народов спрос на свободу и равенство. Эти режимы подавлено прогрессивных художников и реальной результате некоторые из них оставить арабском мире в целом западных странах. Те, кто остался пришлось адаптировать их для себя или одного режима к другому. Варианты и еще слишком мало выбора.

 

 

 

 

 

В моем мнение, когда цели сопротивления вполне достаточно ясно, на местах, они будут отражать их реальности в литературе, особенно когда связь между творческой писателя и его общество и так искренне интимных производить дух сопротивления. Эта вера пришла к моему мнению как результат чтения истории литературы, в своей диалектике связи с историей своего народа. Во Франции, например, было очевидно, в Артур Римбауд и Парижской коммуне. В Алжире было разъяснено, в Altaher Wattar в роман "Аллаз", или в Малек Хаддад - поэзия которого была написана на французском языке.

 

 

 

 

Был дух сопротивления в арабской литературе в период национального освобождения, которые привели к независимости большинство арабских стран. Многие арабские авторы писали свой опыт после их стран добились освобождения и независимости рода, в отличие от палестинцев, которые он писал раньше. Некоторые обращаются к критиковать и противостоять тенденции, что неправильно, как после независимости; Хайдер, как Хайдер в Сирии в его роман "Alfahd" - Читах и Altaher Wattar в "Alzilzal" - в землетрясений и большинство его романов, как; (В свеча и смотрят).

 

 

 

 

Предыдущие продуктивной дух сопротивления не хватает сегодня в большинстве литературной жизни в арабском мире из-за многих причин связана; Один из них, и прежде всего, что арабские режимы удалось уничтожить дух свободы и молчать наиболее важных критиков в Арабского мира. Второй и наиболее разрушительный фактор развала Советского Союза, и последний является американской модели глобализации, которая стирается даже творческие американских писателей и Америки наследия.

 

 

 

 

Франции, и ее роль, будь то в прошлом или в настоящем, мы по-прежнему надеемся, в; Восстановление чести и достоинства сопротивления с новых современных задач, направленных на сопротивление; Нищета, невежество, капитализма, диктатур, загрязнения окружающей среды и политическая коррупция.

 

 

Чтобы противостоять все эти проблемы нашей человечности, не чудо, если мы по-прежнему кооператива, интерактивные и дух надежды мало его сохранить жизни вкус, что остается нам от свободы.

 

 

 


 

شتراوس: الشعوب غير المتعلمة تمتلك علمها الخاص بالمحسوسات

 

 

 

نشر: 6/11/2009 الساعة .GMT+2 ) 01:32 a.m )

 

 

 

الموت يغيب عراب الأنثروبولوجيا الاجتماعية الفرنسية

 

 

 

عمان - الغد - غيب الموت الثلاثاء الماضي الفيلسوف وعالم الإنثروبولوجيا كلود ليفي شتراوس، بعد حياة دامت 101 عام، قضى معظمها في البحث والتقصي والتدريس.

 

 

وكان شتراوس تعرض الشهر الماضي إلى نكسة صحية، إضافة إلى معاناته من كسر في وركه منذ سنتين، ليرحل تاركا وراءه إرثاً ثقافياً كبيرا تنوع بين الإنثروبولوجيا والإثنولوجيا والمنطق والأدب والشعر، إضافة إلى مؤلفات في الحكمة والاجتماعيات.

 

 

ولد شتراوس في بروكسل في 28 تشرين الثاني من العام 1908 من أبوين فرنسيين، ودرس الحقوق ثم الفلسفة في باريس. وفي الثالثة والعشرين من عمره أنهى علومه العالية وبدأ التعليم.

 

 

مسيرته في علم الإثنولوجيا بدأت العام 1934، ومن يومها بدأ بانطلاقته نحو عمله كعالم في تحليل الحضارات والثقافات التي في طريقها إلى الانقراض، مسافرا من مكان إلى آخر، ومراقبا ومحللا كل ما تقع عليه عيناه، ليكتب مؤلفات عديدة عن الشعوب وتقاليدهم وحضاراتهم.

 

 

كان كلاود ليفي شتراوس Claude Lévi-Strauss آخر عمالقة الفكر الفرنسي. وكان واحداً من أعظم علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية في العصر الحديث، والذي امتدت شهرته فيما وراء محددات الحقل الذي يختص فيه باعتباره الشخصية الفكرية الأكثر تميزاً في مخاصمة البنيوية في حقبة ما بعد الحرب، وهي مزاج تحليلي كان يشكل، في أكثر تعريفاته بساطة، قوة مهيمنة في حقل العلوم الإنسانية منذ الخمسينيات وحتى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.

 

 

وهكذا، أصبح اسم ليفي شتراوس أيقونة فكرية، ومألوفاً للجميع من طلبة الأدب إلى علماء الاجتماع. وقد حدث الشيء نفسه مع عناوين كتبه: من “الهياكل الأولية للقرابة، من الطعام النيء إلى المطبوخ”، إلى “أصل آدام المائدة والعقل المتوحش”، والتي شكلت للعديد من السنوات جزءاً إجبارياً من حزمة الدراسات الثقافية المعاصرة، بصرف النظر عن صعوبتها الفكرية البالغة في أغلب الأحيان.

 

 

 

 

ترجمة وتقديم: علاء الدين أبو زينة

 

 

 

 

صادف أن كان والده الذي يعمل رساماً يعمل على إنجاز بعض الصور الشخصية. ومنذ عمر سنتين وحتى سنوات بلوغه المبكرة، ترعرع كلاود في الدائرة 16 المريحة التي تقطنها الطبقة المتوسطة في باريس. وبينما كان يتلقى دراسته للتعاليم والوصايا اليهودية حتى لا يؤذي مشاعر جده لأمه، وهو حاخام، لم يكن أي من أبويه مؤمناً ورعاً.

 

 

كان مناخ منزل العائلة فنياً فوق كل شيء. وعندما كانت النقود التي يجنيها والده من رسم الوجوه تعوزه، كما كان الحال غالباً، كان والده يحول البيت إلى ورشة لصناعة الأقمشة. وقد أنتج كلاود نفسه عدة تصميمات. وكانت الموسيقى بدورها حاضراً أساسياً، وكانت مصدراً لافتخار العائلة الكبير، حتى أن جد والده الذي يتحدر من منطقة ألساس، كان مديراً لفرقة أوركسترا ملكية للرقص في عهد الملك لويس فيليب، وقد ترعرع كلاود الصغير وهي يحفظ أوفينباخ عن ظهر قلب.

 

 

تلقى كلاود أيضاً دروساً في عزف الكمان وألف قطعاً صغيرة للثلاثيات، إضافة إلى استهلالات قطع للأوبرا. وقد امتلأت كتاباته اللاحقة بالبنى والمجازات الموسيقية. وفي حقيقة الأمر، فهم كلاود الأسطورة باعتبارها بنية مشابهة للموسيقى: وكما كتب مرة بشكل غامض، فإن “الأسطورة والموسيقى يبدوان وأنهما مؤديان لأوركسترا، يكون المستمعون إياها هم المؤدون الصامتون”.

 

 

أقام ليفي شتراوس صلات مبكرة مع اثنين من المفكرين، واللذين كانا الشخصيتين الفكريتين الأبرز في جيله، وهما فرويد وماركس. وأصبح على معرفة تامة بكتابات الأخير في معهد “لايسي جونسون دي سالي”، حيث عمل أحد أصدقاء والده مع عالمة النفس الفرنسية الرائدة ماري بونابرت، كما قُدم إلى الأول عندما كان عمره 16 عاماً من خلال أصدقاء والده البلغاريين.

 

 

لم يثر ماركس شعوراً قوياً بممارسة النشاط السياسي في كلاود فحسب، والذي استمر حتى أواسط الثلاثينيات، وإنما كان إلهام ماركس موضوعاً لأول مادة نشرها ليفي شتراوس أيضاً، والتي كانت منشوراً عن الثوري الفرنسي غراستشوس دي بابيوف، نشرته المطبعة الاشتراكية البلغارية.

 

 

إذا كان ماركس وفرويد قد ألهما ليفي شتراوس الاعتقاد القائل بأن الأشكال الظاهرة من السلوك الاجتماعي أو الخاص تظل قابلة دائماً للتحليل الفكري، فإن أكبر مصدر للتأثير الفكري عليه كان الفيلسوف الألماني “كانط” من دون شك، والذي تعلم منه أن “للعقل محدداته، والتي يفرضها على واقع يظل للأبد عصياً على الاختراق، والتي لا يستطيع الوصول إلى هذا الواقع سوى من خلالها فحسب”. وبعد مغادرة جانسون دي سايلي، كان شتراوس يدرس بلا حماس بينما كان يعمل في الوقت نفسه على تحصيل درجة في الفلسفة. ومع أنه زعم لاحقاً بأنه قد مر في تلك المرحلة “مثل الغارق في غيبوبة”، إلا أنه حقق الترتيب الثالث في الامتحان الشامل، إلى جانب الفيلسوف سايمون ويل.

 

 

من بين المعارف الآخرين الذين تعرف إليهم في تلك الفترة كانت “سيمون دي بوفوار” (التي قرأت عمله هياكل القرابة البدائية بينما تكتب عملها “الجنس الثاني”) وموريس مارليو-بونتي، وكانا كلاهما أصدقاء فكريين بالغي الأهمية، اللذين حظي اتجاههما في الوجودية بقيمة أعلى من تيار سارتر نفسه.

 

 

بعد أدائه الخدمة العسكرية في ستراسبورغ، حصل ليفي شتراوس على وظيفة معلم في “مونت دي مارسون”، حيث اشتغل أيضاً بالسياسة المحلية مع التيار التقدمي الاشتراكي الفرنسي، كما كان الاشتراكيون الفرنسيون يعرفون في تلك الفترة. ومع ذلك، انتهت به محاولته لأن ينتخب في اليوم الذي بدأت فيه حين صدم سيارة كان يقودها من دون رخصة قيادة (وكان قد استعارها من بيير دريفوس، الذي أصبح فيما بعد رئيساً لشركة رينو).

 

 

في ذلك الوقت، كان قد تزوج من زوجته الأولى، ديانا، التي كانت قريبة لكل من إميلي دوركهايم ومارسيل ماوس. وعندما حصلت هي أيضاً على شهادتها بعد الامتحان الشامل، انتقل الزوجان إلى الشمال، حيث درست هي في “أميينز” ودرس هو في “ليون”. لكن ليفي شتراوس حنّ إلى الانتقال، وحصل في العام 1935، بفضل الجهود المحمودة لعالم النفس جيورجيوس دوماس، على وظيفة مدرس لعلم الاجتماع في جامعة ساو باولو الجديدة.

 

 

هناك، شرع شتراوس بتطوير اهتمامه بالأنثروبولوجيا، وهو حقل لم يكن له مقعد رسمي في فرنسا في ذلك الوقت. وأصبح متأثراً كثيراً بكتاب “المجتمع البدائي” للأميركي روبرت لوي، بسبب مزجه بين النظرية والتجربة العملية. وبعد انتهاء سنته الأولى، ذهب إلى “ماتو غروسو” ليعيش بين قبائل “كادوفيو” و”البورورو”، وتركت التجربة تأثيراً هائلاً عليه. وكان ذلك كما قال وقتاً “للإثارة الفكرية الهائلة. لقد شعرت وكأنني كنت أكرر مغامرات مستكشفي القرن السادس عشر. لقد بدا كل شيء أسطورياً: المشهد والطبيعة، والنباتات والحيوانات”.

 

 

عاد شتراوس إلى فرنسا في العام 1936، ونظم معرضاً للأشياء التي كان قد جمعها في رحلته. وبسبب فرادة ذلك، حصل على تمويل للقيام برحلة استكشافية لمدة عام بين قبائل “نامبيكوارا”، وهي التي وصفها لاحقاً في كتابه “مدارات كئيبة”، وكانت هذه آخر بعثة استكشافية ميدانية يقوم بها. (لن يعود إلى البرازيل حتى العام 1985، حيث  قام بزيارة قصيرة برفقة فرنسوا ميتران).

 

 

جاءت تجربة ليفي شتراوس الفكرية لتكون تجربة منسق ومحلل للمواد المجموعة مسبقاً. ورغم زعمه بأن خبرته في العمل الميداني كانت كافية لتمكنه من الحكم على نوعية المدخلات التي جمعها الباحثون الآخرون، فقد قيل أيضاً أنه لم يكن يجد عنتاً لاحقاً بمعالجة التعقيدات التي ينطوي عليها فهم الثقافات الغريبة، ولذلك مال إلى التبسيط في أطروحاته.

 

 

عندما عاد إلى فرنسا في العام 1939، عمل انفجار الحرب على تعطيل عمله على مكتشفاته. وتم تجنيده ليعمل ضابط ارتباط مع القوات البريطانية، لكنه لم يمارس تلك المهمة، وتم إرساله بدلاً من ذلك إلى جنوب فرنسا، حيث كان الطلب على ممتحني شهادة البكالوريا كافية ليعفيه من الخدمة في الجيش. وفي تجاهل لمخاطر الوضع الجديد، قام بتقديم طلب للحصول على وظيفة في معهد “لايسي هنري الرابع” في باريس التي يحتلها الألمان. ولحسن الحظ، رفض مفتش التعليم الثانوي تعيين مثل هذا الاسم غير الآري في المنطقة المحتلة. وبدلاً من ذلك، أعطي عملاً في “بيربغنان” و”مونتيبلاير” حتى التقطته القوانين العنصرية الجديدة.

 

 

كان ذلك عندما عملت صلات ليفي شتراوس الأميركية على إنقاذه. وكانت مقالة كتبها عن “البورورو” قد جذبت انتباه روبرت لوي، الذي دعاه إلى القدوم للتدريس في “المدرسة الجديدة للأبحاث الاجتماعية” ضمن خطة “مؤسسة روكفيلر” من أجل إنقاذ المثقفين الأوروبيين.

 

 

كانت فترة اعتكاف ليفي شتراوس بعيداً عن الحرب في نيويورك خصبة إلى حد كبير. فعلى السفينة، قابل وصادق أندريه بريتون، مما وفر له مرة ثانية مدخلاً إلى دائرة السورياليين الفرنسيين في المنفى، ومهد له أمر إقامة صداقات قوية مع كل من أندريه ماسون وماكس إيرنست.

 

 

لم تعمل هذه الرفقة الفنية على إغناء ذائقته الجمالية للفن البدائي فحسب، وإنما تعلم أيضاً كيف يطبق استخدام ماكس إيرنست لتقنية اللصق (الكولاج) في كتاباته حول الميثولوجيا. وفي نيويورك، حصل ليفي شتراوس على مدخل إلى مكتشفات الولايات المتحدة في حقل الأنثروبولوجيا، والتي عكف على تحليلها وإيجاد الروابط بين مكوناتها. وفي الوقت نفسه، وبينما كان يضطلع بمهمة التدريس في معهد “للكلية العملية للدراسات العليا”، التقى بالمؤسس الروسي/الأميركي لمدرسة براغ، رومان جاكبسون. وكانت هذه بداية صداقة حميمة امتدت 40 عاماً. كما كانت بداية تعرف ليفي شتراوس إلى البنيوية.

 

 

كتب ليفي شتراوس: “في ذلك الوقت، كنت ما يشبه البنيوي الغِرّ، بنيوياً من دون أن أدرك ذلك. لقد كشف لي جاكوبسون عن وجود جسم من الفكر الذي كان قد شكله في داخل حقل اللغويات، والذي لم أكن على معرفة به. وقد شكل ذلك كشفاً بالنسبة لي”.

 

 

أخذ شتراوس الاستبصار البنيوي القائل بأن الكلمات والإشارات التي لا يتحدد معناها بمدلولها، وإنما بعلاقتها واحدتها بالأخرى ضمن نظام كلي، وبالتالي بنظام من التعارض والتكامل، ثم طبق هذا المنطق على عملية العلاقات الاجتماعية والقطع الفنية المصنعة بشرياً. وعن طريق تحليل الأنماط المختلفة من القيم في داخل ثقافات وأنظمة اعتقاد مخصوصة، سعى إلى إثبات أنها كانت كلها معادلات وتباديل جبرية لمجموعة مشتركة، والتي تنعكس على بنية عقلية بشرية أولية.

 

 

عند انتهاء الحرب، وبعد إقامة قصيرة في فرنسا، عاد ليفي شتراوس إلى نيويورك كمستشار ثقافي في السفارة الفرنسية. وعكف في ذلك الوقت على كتابة عمل مهم هو “البنى الأساسية للقرابة” والذي قدمه كأطروحة ونشره في العام 1949.

 

 

هذا الكتاب الذي بدأ بثيمة التعارض بين الطبيعة/الثقافة، عمل على تفكيك الصياغات المختلفة التي كانت قد تطورت في حقل العلاقات الاجتماعية، باعتبار أن هذه العلاقات قد تشكلت بفعل السفاح المحرم، وهي الأمور التي رأى فيها عنصراً معرِّفاً للمنظومة الاجتماعية البشرية، وبالتالي للتمييز بين الطبيعة والثقافة. ورغم أن كتابه تعرض للنقد بسبب مقاربته الاختزالية لهياكل المجتمع والعائلة، وفي الوقت الذي استنطق فيه آخرون مسألة كونية محرم السفاح، تمسك ليفي شتراوس بمنهجه، ولو أنه اعترف بأن النموذج ربما يحتاج إلى أن يصبح أكثر تعقيداً وشمولية. وفي حقيقة الأمر، خطط ليفي لكتابة مجلد ثان عن “البنى المعقدة للقرابة” لكنه لم ينجزه أبداً.

 

 

بدلاً من ذلك، عكف ليفي شتراوس على كتابه “مدارات كئيبة”، وهو مزيج من الأنثروبولوجيا والملاحظات الإثنية حول قبائل “نامبيكوارا”. ورغم أن كتابه لم يكن رائجاً وجيد التوزيع، إلا أنه حظي بتقدير لجنة “غونكورت” ولقي المديح من شخصيات أدبية بارزة، مثل باتيل، وبلانخوت وليريس. وبعد فترة وجيزة أمضاها كأمين مشارك لمتحف الإنسانيات في باريس، أصبح ليفي شتراوس مديراً للكلية العملية للدراسات العليا في باريس في العام 1950، حيث غير اسم الكرسي الذي يشغله من دين “البدائيين” إلى الشعوب “غير المتعلمة .”

 

 

كان هناك حيث نشر ليفي كتابه “بنية الأنثروبولوجيا” (1958)، وهو مجلد يضم مقالات كتبها منذ الحرب، والتي تؤكد على تبنيه لأساليب مستقاة من اللغويات البنيوية –وهو منهج سوف يصبح، وعلى نحو بعث الكثير من الأسف لديه، غير شعبي وفاقداً لأسسه في العقود التالية.

 

 

في العام 1959، وبمساعدة وتحريض من موريس مارلو-بونتي، تم انتخابه أستاذاً للأنثروبولوجيا الاجتماعية في “كلية فرنسا”، والذي أسس فيه مختبراً للبحث وأسس فيه “الإنسان”، وهي أول مجلة أنثروبولوجية في البلاد، والتي استلهمت مناهج نظيراتها الأميركيات والفرنسيات.

 

 

شكل نشر كتابي “الطوطمية اليوم” و”التفكير المتوحش”، في العام 1962 تحولاً في  مجالات بحث ليفي شتراوس من أنظمة قواعد الزواج وأنظمة القرابة إلى التجليات الدينية، التي أصبحت تحتل المساحة الأكبر من أعماله منذ أوائل الخمسينيات وصاعداً. وقد أصبح هذان الكتابان من بين أكثر كتبه تأثيراً وعلى نطاق واسع. وقد فعل ثانيهما الكثير في دحض ومواجهة الفوقية التي عادة ما كان الغربيون ينظرون بها إلى ما يدعى “المجتمعات البدائية”، مؤكداً على أنها “لم تكن هناك فجوة بين الطريقة التي تفكر بها ما تدعى  بالشعوب البدائية وتلك التي نفكر بها نحن”.

 

 

عكف ليفي شتراوس على إثبات أن الشعوب غير المتعلمة تمتلك “علمها الخاص بالمحسوسات”، وهي طريقة شمولية للتفكير إزاء العالم على أساس الموضوعات وخصائصها الحسية “الثانوية”، والتي ليست بالضرورة أقل تساوقاً من منهجنا العلمي الحديث. وقد شكلت فكرة التساوق المشابه أساساً لعمل شتراوس الكبير والمعلمي، وهي سلسلة “الميثولوجيا” المكونة من سلسلة من أربعة مجلدات، والتي نشرت فيما بين الأعوام 1964 و1971. وعلى نحو يخالف مقاربة فريزر في كتابه “الغصن الذهبي”، بدأ شتراوس بأساطير شعب “بوربو” في وسط البرازيل، وذهب إلى التعقيد بالتدريج والعمل شمالاً باتجاه “أوريغون” و”كولمبيا البريطانية”، وعاد من هناك إلى البرازيل. وقد مضى قدماً باستخدام شكل من “العدوى السيميوطيقية”، موضحاً كيف يمكن أن تطبق أسطورة وتتصل بأخرى من خلال سلسلة من المتوازيات والمتعارضات. ويحتوي عمل “الميثولوجيا” بشكل عام على تحليل لحوالي 813 أسطورة وأكثر من 1000 نسخة مختلفة منها في حوالي 2.000 صفحة. وقد جاءت السلسلة المليئة بالاستبصارات المذهلة والرياضات العقلية التي تستثير الذهن لتمثل 20 سنة، والتي كان ليفي شتراوس خلالها كما قال: “أستيقظ مع الفجر، سكرانَ بالأساطير –لقد عشت حقاً في عالم آخر”.

 

 

مع كل الطموح الذي انطوت عليه هذه المهمة، تألم ليفي شتراوس وعانى لدى الإشارة إلى محددات وعيوب ما كان قد أنجزه. وقد عارض بقوة قرار ناشره الإنجليزي وضع عنوان فرعي لمجموعته “مقدمة في علم الميثولوجيا”، وأصر على أن مثل علم الأسطورة هذا كان في مرحلة الرضاعة إلى حد كبير. وقال إن الأسطورة لا يمكن أن تخضع إلى معنى نهائي، وإنما إلى مجموعة متغيرة من الصياغات. وعبر مسار مهنته الطويل، تلقى الكثير من التكريم، بما في ذلك “الميدالية الذهبية” للأبحاث، وأعلى جائزة تكريمية فرنسية “الصليب الكبير للشرف”، والعديد من الدرجات العلمية الفخرية من عشرات الجامعات، بما فيها أكسفورد، وييل، وهارفارد، وشيكاغو وكولمبيا. وتقاعد من  “كلية فرنسا” في العام  1982، لكنه استمر في النشر حتى سن متقدمة.

 

 

كان من بين الكتابات التي ذهبت فيما وراء الحدود الصارمة للأنثروبولوجيا مقالات عن الموسيقى (فاجنر) والرسم (ماكس إيرنست، الانطباعي). كما كتب ليفي شتراوس أيضاً مقالتين عن العرق، واللتين أثارتا نقاشاً حاراً وأسيئت قراءتهما إلى حد كبير: لأنه بينما لم ينخرط أبداً في مسائل التفوق العرقي، فقد كان مهتماً أيضاً بحفظ وإغناء التنوع البشري، ورفض إهمال وإدانة ما رآه على أنه احتكاك طبيعي بين الجماعات المختلفة.

 

 

في العديد من الطرق، كان موقف ليفي شتراوس (مثل موقف فرويد) محافظاً نسبياً، وقائماً على نزعة تشاؤمية ما. وقد وجد أن أحداث أيار (مايو) 1968 بغيضة، وقال: “لا أستطيع أن أقبل قطع الأشجار لبناء المتاريس.... وتحويل الأماكن العامة التي تفيد الجميع والتي هي مسؤولية الجميع إلى أكوام من القمامة، أو تشويه بنايات الجامعة أو أي مكان آخر بالرسوم الجرافيتية”.

 

 

بدل أن تكون لحظة حرية، نظر إلى انتفاضات الطلاب على أنها عرض إضافي لانهيار الجامعات الفرنسية. وكل هذا يجعل من المفارق إلى حد كبير أن اسمه في فرنسا يجب أن يرتبط بأسماء لوكان وفوكو وبارت، والذين اعتبروا جميعاً مناهضين للتفكير “غير الإنسانوي في سنة 68”.

 

 

ثمة المزيد من المفارقة في تصاعد الهجمات ضده في فرنسا خلال أواسط الثمانينيات بوصفه ملهم النزعة الثقافية النسبية المذمومة، والتي كانت تخلق، كما زُعم، مناخ عداوة متصاعد ضد التماسك السياسي والمنجزات الفنية على حد سواء. وقد نظر ليفي شتراوس  إلى نفسه في حقيقة الأمر على أنه رجل من رجال القرن التاسع عشر، وكانت له مذاقات وقيم ذلك الرجل. كان يقدر التقاليد باعتبارها أداة ضرورية لإدامة التماسك الاجتماعي. ولهذا كانت رغبته (إن لم يكن طموحه) في الانضمام إلى أكاديمية فرنسوا في العام 1973: وكانت واحدة من قليل من المؤسسات الفرنسية التي حققت إطالة عمر للقيم الاجتماعية وصيانتها بالطقوس الحسية.

 

 

في أيار (مايو) من العام 2008، اختتم خلود ليفي شتراوس الأدبي بنشر مجموعة مختارة من أعماله، والتي اختارها بنفسه، ضمن مجموعة “بلييد” ذات السمعة الحسنة. ومرة أخرى، ونظراً لسمعته، ربما يبدو اختياره مفاجئاً: إذ تتضمن الطبعة المكونة من 2.000 صفحة كلا من “مدارات كئيبة”، “العقل الوحشي” والكثير من الأعمال المنشورة، وهو ما يكشف عن أن النوعية الأدبية قد حظيت بالتفضيل على التأثير النظري. وفي هذا الشهر، كان ذلك الحدث المشهدي سبباً في إقامة الاحتفالات والمعارض، في فرنسا وفي كافة أنحاء العالم، احتفاء بالذكرى المئوية لولادة شخص يمثل، بكلمات أي عدد من الناس “واحداً من أكثر المفكرين أهمية في القرن”. ولما كان قد ضعف بسبب السقطات المتعددة في نوبات المرض، لم يستطع ليفي شتراوس أن يشارك في أي من هذه الأحداث.

 

 

ستيفن غلاديوت – (الملحق الأدبي للتايمز)

 

 

http://www.alghad.com/?news=460808

 

 

 kloud-levi-shtraws.jpg

 

شتراوس: أكبر مزايا البرازيل أنك تستطيع أن تعاين فيها ميلاد المدن

 

 

نشر: 6/11/2009 الساعة .GMT+2 ) 01:32 a.m )

 

 

عالم إثنولوجيا يعود إلى الصلات الأساسية التي ربطته بسحر “بلاد غابات الجمر”

 

 

 

 

ترجمة: مدني قصري

 

 

 

 

لم يكن كلود ليفي شتراوس يرغب في حديثٍ مطول يلخص فكره وحياته المهنية، لكنه شاء بمناسبة “سنة البرازيل في فرنسا” أن يعود بنا إلى علاقته مع “في بلاد غابات الجمر”.

 

 

ففي العام 1935 وصل وهو ما يزال استاذا شابا في التاسعة والعشرين من العمر، إلى ساو باولو، ثم توغل في اعماق ماتو غروسو في قلب الاقاليم الهندية التي خطا فيها خطواته الأولى على طريق الأمركة americansm.

 

 

هذه الفترة من الدراسة الميدانية التي تابعها حتى العام 1939، هي التي شكلت القاعدة الأساسية للبناء النظري الذي قامت عليه انثروبولوجيته البنيوية.

 

 

بعد إقامة طويلة في الولايات المتحدة، اصدر العام 1955 “مدارات حزينة” التي بدأها بجملة ما لبثت ان صارت مشهورة: البرازيل بلد يمثل أهم تجربة في حياتي على الاطلاق بحكم بعده عنا، وبحكم التناقضات ما بين هنا وهناك، وبحكم كونه هو الذي رسم مصير تجربتي المهنية الاساسية.

 

 

يقول: إني أمقت الاسفار والمستكشفين. هذا الكتاب الذي جمع ما بين الاثنولوجيا والشعر كتاب يندرج في سياق نصوص رحالات الإثنولوجيين ميشيل ليريس والفريد ميترو اللذين ارتبطا بـ”متحف الانسان” ارتباط ليفي شتراوس العميق به. لكن هذا النص الذي طغى عليه الطابع الأدبي والحميم، والذي يروي مقومات بحث علمي خالص، نص يرجع بنا الى اصول اكتشاف هؤلاء البرازيليين من الباطن.. اهالي “سكان اصليين” وحضر على السواء.

 

 

ففي تاريخ العلاقات القديمة جدا ما بين فرنسا والبرازيل يتبوأ كلود ليفي شتراوس، مكانته ما بين جون دي ليري وماريو دي اندراد صديقه الإثنولوجي والإثنوموسيقي الذي كان مثله ولوعا شغوفا بالموسيقى، والذي نشر العام 1927 وتحت عنوان “السائح المبتدئ” ملخص رحلته الإثنوغرافية الاولى عبر غابات الامازون وأدغالها المتوحشة.

 

 

ليلة احتفالات باريس بـ”بلاد غابات الجمر” يعود إلينا مؤلف المدارات الحزينة الى الصلات الاساسية الحميمة التي ربطت بهذه البلاد التي خطا فيها خطواته الاولى في عالم الإثنولوجيا. فاليوم - يقول شتراوس مؤكدا - صارت الحضارات على صعيدها العالمي لا تبالي بهذا النمط من البحث والاستكشاف.

 

 

بلغ كلود ليفي شتراوس من العمر 96 عاما. وهو يسكن على الضفة اليمنى لمدينة باريس. بأدب جم، بمجاملة لا حد لها استقبلنا في مكتبته الخاصة في زحمة كم هائل من الكتب المجلدة لمحنا “طوطما” اوقيانوسيا، والكثير من الاشياء الآسيوية وشريطا طويلا من التعويذات التبتية، والقليل من هذه البرازيل، القارة القائمة بذاتها التي طبعت بطابعها الى الأبد آخر كبار المثقفين الفرنسيين ممن ولدوا في بداية القرن العشرين.

 

 

• تداخل فرنسا والبرازيل، الواحدة في الاخرى، أليس تداخلا قديما جدا في رأيك؟

 

 

- الاحتفال بـ”سنة البرازيل” في فرنسا خلال العام 2005 يأتي بالتحديد بعد مرور خمسمائة عام على اول اتصال ما بين فرنسا والبرازيل، أثناء رحلة نورمان بولمييه دي غونفيل. لقد وصل هذا الأخير العام 1504 الى الشواطئ البرازيلية في الجنوب، بعد مرور اربعة اعوام فقط على مجيء الرحال بيدرو الفاريس الذي كان قد حط الرحال بها بالقرب من سلفادور دي بهية. هكذا ندرك ان اقدم الشهادات التي نملكها عن برازيل القرن السادس عشر هي شهادات فرنسية بالتأكيد.

 

 

في العام 1555 كانت هناك محاولة الاميرال فليغينيون في بناء فرنسا قطبيجنوبية التي شهد عليها اندريه تيفيت في كتابه مميزات فرنسا القطبيجنوبية الذي نشر العام 1557. وفي العام 1578 اصدر جون دو ليفيت كتابه “قصة رحلة الى البرازيل”. ثم، وفي القرن السابع عشر، قامت محاولات اخرى كان هدفها تنصيب مبشرين في الارض البرازيلية. ثم وبعد فترة زمنية طويلة، اي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر عندما أصبحت البرازيل امبراطورية، شهدت هذه الاخيرة وجود فنانين رسامين فرنسيين - البعثة الفنية التي ارسلها ابتداء من العام 1815 لويس الثامن عشر، والتي ضمت على الخصوص جون باتيست ديبريه - هم الذين تركوا لنا العديد من الصور والرسومات عن الحياة في ريو دي جانيرو وفي داخل البلاد ايضا. لا ننكر ان العلاقات ما بين فرنسا والبرازيل قد شهدت بعض الأزمات والهزات كتلك التي نشبت بسبب الاقاليم المجاورة لغوييانا الفرنسية التي كان البلدان يطالبان بها. لكن مؤسسة جامعة ساو باولو ما لبثت في القرن العشرين ان اتاحت إعادة بناء تلك الصلات الطيبة الوثيقة ما بين البلدين.

 

 

• جامعة ساو باولو بالتحديد هي التي ذهبت لتدرس فيها علم الاجتماع سنة 1935، ما الذي تعنيه البرازيل اليوم في نظرك؟

 

 

- البرازيل بلد يمثل اهم تجربة في حياتي على الاطلاق، بحكم بعده عنا، وبحكم التناقضات ما بين هنا وهناك، وبحكم كونه هو الذي رسم مصير تجربتي المهنية الأساسية، انني احس تجاه هذا البلد بدين عميق، فبعد هذه الرحلة تركت البرازيل في بداية العام 1939 ولم اعد اليها عودتي القصيرة جدا، الا في العام 1985 حين رأيت الرئيس الراحل فرانسوا متران الذي قام بزيارة رسمية للبرازيل دامت خمسة ايام. غير انني اقول ان هذه الرحلة رغم قصرها قد احدثت في نفسي ثورة فكرية حقيقية فقد استحالت البرازيل بلدا مختلفا عما كانت عليه، اختلافا كاملا.

 

 

فمدينة ساو باولو التي لم يكن عدد سكانها يتجاوز المليون نسمة، صار سكانها اليوم عشرة ملايين، فآثار الحقبة الاستعمارية وبصماتها اختفت تماما، فقد اصبحت ساو باولو مدينة مرعبة، بعد ان انتصبت فيها كيلومترات من الأبراج لدرجة انني حين رغبت في ان ازور البيت الذي كنت اسكن فيه، ولا شك انه اختفى، لم استطع حتى الوصول إلى الشارع البسيط الذي كان به هذا البيت، لفرط ضغط الزحام الذي حال في النهاية دون وصولي إليه.

 

 

• الهندسة العمرانية لمدينة ساو باولو أبادت، كما هو معروف، كل الغطاء النباتي، وقد صار نهر تييتي الذي لعب دورا رئيسيا في غزو أعماق البرازيل انطلاقا من ساو باولو نهرا بائسا محتضرا! أليس هذا الارتخاء في الصلات ما بين الإنسان والطبيعة من سمات العصر الذي نعيش فيه؟

 

 

- حتى في الفترة التي كنت مقيما فيها كانت ساو باولو قد تغيرت كثيرا، فقد شهدت هذه المدينة عهد القهوة، وفي تلك الاثناء كانت كل الاقاليم المجاورة مخصصة للصناعات الزراعية الغذائية، وكانت هذه المنطقة ما تزال تحتفظ من هذه الطبيعة القوية بمنحدرات سييرا دو مار ما بين ساوباولو وميناء دي سانتوس، وكان ثمة على مسافة بضع كيلومترات انخفاض في مستوى الارض يمتد على مسافة 800 متر كان من الوعورة ما جعل الحضارة تستخف بالمكان لصالح الغابة العذراء، لدرجة اننا صرنا كلما نزلنا بساوباولو نكتفي باتصال مختصر ومباشر، مع ما كانت البرازيل ما تزال تحتفظ به من الداخل، على بعد آلاف الكيلومترات من ذلك المكان.

 

 

فعل الصلة ما بين الانسان والطبيعة قد انقطع، وفي الوقت نفسه يمكننا ان نفهم ان البرازيل التي شهدت نموا هائلا تنتهج تجاه الطبيعة السياسة نفسها التي كانت تنتهجها اوروبا في القرون الوسطى، اي تقويضها من اجل بناء الزراعة.

 

 

  هل عدت الى أصدقائك من الهنود الكاديوفيوس caduveos والبوروروس Bororos والنامبيكواراس Nambikwaras الذين درستهم في البرازيل؟

 

 

- في العام 1985 كانت برازيليا واحدة من مراحل الزيارة الرئاسية. ساعتها اقترحت على يوميةO Estado de Sao Paulo اصطحابي الى قبائل بوروروس وهي الرحلة التي كلفتني كثيرا في العام 1935 والتي يمكن اليوم القيام بها بالطائرة في بضع ساعات، فقد صعدنا ذات صباح في طائرة صغيرة لا تسع اكثر من ثلاثة اشخاص؛ زوجتي وزميلة برازيلية وأنا. ووصلت الطائرة فوق اقاليم بوروروس حيث امكننا ان نرى بعض القرى التي كانت ما تزال محتفظة ببنيتها الدائرية والتي صارت كل قرية فيها مزودة بأرضية لهبوط الطائرات، وبعد ان حلقنا فوق هذه المنطقة قال لنا الربان إن بإمكاني ان اهبط هنا، لكن المسارات قصيرة مما قد يتعذر علينا الإقلاع منها بسهولة. لذلك، اذن، تخلينا عن النزول في هذه المنطقة وتوجهنا نحو برازيليا بعد ان عبرنا عاصفة جوية هوجاء.

 

 

 

 

وأحسست ان حياتنا لم يسبق ان تعرضت حتى في عز استكشافاتي الاولى، لمثل ما تعرضنا له من خطر اثناء هذه الرحلة، وأخيرا وصلنا في الوقت المناسب، وأمكن لزوجتي ان تغير فستانها، وألبس انا السموكينغ لحضور مأدبة العشاء التي قدمها الرئيس البرازيلي على شرف الرئيس الفرنسي وفي كل هذا ما يبين مدى التحولات التي شهدتها البلاد.

 

 

اذن لم ار قبائل بوروروس بلحمهم ودمهم، ولكنني زرت إقليمهم. فقد حلقت بي الطائرة فوق ريوفيرميلهو وهو فرع من فروع نهر الباراغواي الذي كنت قد قطعته من خلال ايام عديدة بواسطة زورق يسير بالمجداف، وقد لاحظت ان طريقا معبدا صار يحاذيه الآن.

 

 

• هل يمكن لبلد أن يترك فينا أثره إلى الأبد؟

 

 

- بالتأكيد، فقد كانت صدمتي الاولى، حين وصلت الى البرازيل، هي ما احدثته في الطبيعة من وقع عميق، على نحو ما يمكننا مشاهدته على سفوح مرتفعات سيرادومار، ثم عندما توغلت في اعماق البلاد واجهتني طبيعة مختلفة كل الاختلاف عن تلك التي كنت قد رأيتها من قبل، لكن ثمة بعدا آخر كثيرا ما لا ينتبه إليه الزائرون، وكان في نظري بعدا غاية في الاهمية، ألا وهو الظاهرة الحضرية الملموسة.

 

 

فعندما وصلت الى ساو باولو قيل لي إن البلاد تشهد بناء بيت في كل ساعة، وفي تلك الأثناء كانت هناك شركة بريطانية كانت قد شرعت منذ اربع او خمس سنوات، في تهيئة اقاليم جديدة عبر ولاية ساو باولو، لقد كانت تشيد خطا لسكة الحديد وتبني مدينة في كل خمسة عشر كيلومترا، فأولى هذه المدن وهي الأقدم كانت تؤوي 15000 ساكن، الثانية 5000، والثالثة 1000 ثم 90 ثم 40 وفي آخر مدينة ساكن واحد وكان فرنسيا.

 

 

في تلك الأثناء كان من اكبر مزايا البرازيل أن كل واحد كان بإمكانه أن يشهد وبشكل شبه تجريبي نموا وتشكل تلك الظاهرة البشرية الهائلة ألا وهي ميلاد المدن، ففي برازيل الثلاثينات كان يمكن مشاهدة هذه العملية، مختصرة، وهي تتحقق في سنوات معدودة.

 

 

وبالطبع، وبحكم ممارستي للإثنوغرافيا، فقد كان الهنود بالنسبة لي على جانب كبير من الأهمية لكن هذه التجربة الحضرية احتلت مكانة جد مهمة وكانت البرازيل البدائية والبرازيل الحضرية تتعايشان معا، حتى وإن كان التعايش بينهما متباعدا.

 

 

وعندما ذهبت الى اقليم “ماتو غروسو” للمرة الاولى لم تكن مدينة برازيليا قد رأت النور بعد، لكن كان ثمة محاولة لإنشاء مدينة من لا شيء، وهي مدينة غويانا التي لم تر النور هي الاخرى. فالهضبة الوسطى.. البلاناتو هضبة رائعة: فالسماء فيها مهيمنة كليا، ولذلك تتخذ الأبعاد هنا مستوى آخر من العظمة.

 

 

فقد وصف روائيون مبدعون، من امثال اوكليدس- مؤلف “اوس سيرتوس” OS SERTOES الذي ترجم الى الفرنسية تحت عنوان “الهضاب العليا” البرازيل وصفا رائعا.

 

 

وقد تعرفت ايضا على ماريو دي اندراد الموسيقي والشاعر، ومؤسس الشركة البرازيلية للانثوغرافيا والفلكلور. لقد كان يدير الدائرة الثقافية لمدينة ساو باولو. كنا على صلة وثيقة وتعتبر رواتيه Macunaima من أروع ما انتجه الادب البرازيلي.

 

 

كان ماريو دي اندراد قد تخيل بكثير من الهزل رواية Macunaima، وهو هندي من قبائل تبانهوما المستقرة في الامازون، وهو شخص اشتهر بالكذب والكسل، صار بحكم زواجه، امبراطورا للغابة العذراء، ثم نراه يغزو مدينة ساو باولو لكي يستعيد فيها تعويذة يتحول بقوتها السحرية الى كوكبة من نجوم الدب الاكبر.

 

 

• ترى هل ما زالت هذه الافكار البدائية وهذه العلاقة ما بين المدينة والغابة والأسطورة قائمة ومتغلغلة في الاذهان؟ وهل تابعتم تطورها عند هذه الشعوب البدائية؟

 

 

-ما زلت اتابع تطور الاهالي الذين كنت قد درستهم بشكل منهجي، عن طريق الفكر، وبفضل زملاء اصغر مني سنا، ولا سيما من جامعة كويبابا في اقليم ماتو غروسو ما زالوا يواصلون البحث على قبائل “نامبيكواراس”. فهم يراسلونني ويبعثون الي ببحوثهم. لقد تعرضت هذه الشعوب لمآسٍ مرعبة. فقد أبيد منهم عدد كبير، ولم يكتب البقاء الا لنحو 5 او 10 بالمئة منهم فقط. لكن ما يحدث اليوم يكتسي بالتأكيد اهمية كبيرة. فقد تواصلت هذه الشعوب بعضها مع البعض الآخر. وصارت تدرك الآن وتعي ما كانت تجهله في السابق، وهو انه لم تعد كما كانت وحدها في هذا الكون. ففي زيالندا الجديدة، واستراليا، وميلانيزيا، هذه الشعوب التي ظلت مضطهدة لفترات طويلة من تاريخها، بدأت اليوم تعي موقعها المشترك في العالم.

 

 

بالطبع اذن، لن تكون الإثنوغرافيا، مستقبلا، هي الإثنوغرافيا التي كنت امارسها في زماني، حيث كان العمل يتعلق بالبحث عن شهادات عن المعتقدات والتشكلات الاجتماعية، والمؤسسات التي تولد بمعزل تام عن مؤسساتنا، فهي مشكلة علاقات لا تعوض، ولا غنى عنها في التراث البشري، فنحن الآن، ان صح القول، في نظام من “التداخل المشترك المتبادل”. فنحن نتجه نحو حضارة على الصعيد العالمي، حضارة سوف تبرز فيها، على الارجح، فوارق واختلافات، ونحن نأمل في ذلك.. على الاقل. لكن هذه الفوارق لن تكون فوارق من الطبيعة نفسها، حيث ستكون فوارق داخلية، وليست خارجية كما كانت في السابق.

 

 

سرعة التنقل، وسرعة انتشار الثقافات، والاتصالات... عوامل حاسمة بالتأكيد...

 

 

في السابق، كنت مع زملائي نسافر بواسطة طائرات شحن، كانت الرحلة عليها تستغرق بعد محطات عديدة تسعة عشر يوما قبل ان تصل بنا الى اميركا اللاتينية، بعد ان تتوقف على الشواطئ الاسبانية والجزائرية والافريقية. والطريف انني لم اعرف افريقيا حقا الا من خلال هذه المحطات التي كنت اقف بها... ذهابا وايابا الى البرازيل.

 

 

• هل يمكن لفن التصوير الفوتوغرافي الذي مارسته، كما يشهد على ذلك العديد من الصور المنشورة، ان يثبت هذه العوالم القديمة ويحفظها في ملفات التاريخ؟

 

 

-لم أُولِ اهتماما كبيرا قط للتصوير الفوتوغرافي. كنت التقط الصور لأن الامر كان يقتضي ذلك، لكن مع الشعور بان التصوير يمثل مضيعة للوقت ومضيعة للتركيز والعناية بالأشياء. ومع ذلك فقد احببت التصوير كثيرا ومارسته اثناء مراهقتي. كان والدي فنانا في الرسم، وكان يهوى التصوير كثيرا. يبقى ان التصوير يمثل فنا قائما بذاته، مختلفا. وما أنجزته في هذا الحقل هو التصوير بدرجة صفر. فقد نشرت كتابا في التصوير كان عنوانه Soudates do brasil يمكننا ترجمته بـ”الحنين الى البرازيل”، وقد صدر العام 1944. لقد أنجزت هذا الكتاب تحت إلحاح الكثير من حولي. وقد جمع فيه الناشر ما لا يقل عن 200 صورة.

 

 

ففي أثناء رحلتي الى قبائل “بوروروس” كنت قد أخذت معي كاميرا سينمائية صغيرة، وكنت من حين لآخر اضغط على الزر لالتقاط بعض الصور. لكنني ما لبثت ان تقززت من هذه العملية، لأنه اذا كانت عيننا وراء عدسة الكاميرا فإننا لا نرى ما يحدث من حولنا، ولا نفهم مما يجري حولنا الشيء الكثير. وقد تخليت عن جزء من هذه الصور التي يمكن أن تشكل فيلما قد يستغرق عرضه نحو ساعة كاملة. وقد تم العثور على هذه الصور في البرازيل وأعيد ترتيبها، وقد عرضت مرة بمركز بمومبيدو بفرنسا. لكن في النهاية دعني أقول لك هذا السر: “ان الأفلام الإثنوغرافية تزعجني كثيرا”.

 

 

• أين وصل مشروعكم الخاص بمتحف الانسان؟

 

 

متحف الإنسان يسير نحو مصير آخر غير الذي هيئ له اصلا. فقد قام تصوره وفقا لصيغة جد طموحة لم تعد، في رأيي، مطابقة للحقائق الراهنة. كان موضوعه هو جمع حقبة ما قبل التاريخ والإثنروبولوجيا الفيزيائية والإثنورافيا، وهي التخصصات التي صارت منذ ذلك الوقت تنتج مناهج مختلفة بعضها عن البعض الآخر. وفيما يتصل بالإثنوغرافيا تحديدا فقد كان متحف الإنسان يطمح الى ان يقدم وصفا للكيفية التي كانت ما تزال هذه الشعوب الموغلة في القدم تعيش عليها في العشرينيات والثلاثينيات الماضية والتي كان الإنثنولويون يذهبون لدراستها.

 

 

كل هذا لم يعد يستجيب للحاضر الذي تغير كثيرا. فإذا اردنا ان ندرس اليوم قبيلة ميليانيززية لم تكن معروفة في العام 1930 لا بد اولا من ان نضع في الواجهة اكياسا من القهوة، وسيارات تويوتا الى جانب بعض المواعين التقليدية. وستكون هذه الصورة مع ذلك صورة كاذبة. ان الفكرة الرئيسية لمتحف “كي برانلي quai Branly للإنسان المزمع انشاؤه هي جمع كل ما انتجته هذه الحضارات القديمة من اشياء كبيرة وجميلة، مع الاخذ بعين الاعتبار ان هذه الاشياء اشياء من الماضي.

 

 

وهذا يستجيب استجابة جيدة للعلاقة التي يمكن وينبغي على هذه الحضارات ان ترعاها مع الماضي، والتي يمكننا اليوم ان نرعاها ونصونها ونحرص على بقائها هذه الحضارات.

 

 

• هل يمكن لشيء انقطع عن سياقه الطقوسي ان يظل محتفظا بدلالاته ومعانيه الاصلية؟

 

 

- ان القناع الذي يتضمن وظيفة طقوسية هو في الوقت نفسه اثر فني رائع. ان المقاربة الجمالية لا تزعجني اطلاقا. فمتحف اللوفر هو اولا متحف للفنون الجميلة. فهو اذن يتميز بروح، وبوظيفة جمالية. وهذا الواقع لم يمنع يوما التاريخ وعلم الاجتماع والفن من ان تتطور، ولا منع القائمين على هذا المتحف من ان يكونوا علماء جيدين. ان اثارة الاهتمام والانفعال عند الجمهور، عبر هذه الاشياء الجميلة لا يخيفني على الاطاق، فالجمالية واحدة من السبل التي تتيح لهذا الجمهور اكتشاف الحضارات التي انتجت هذه الاشياء الجميلة الرائعة. وعلى هذا النحو يصبح البعض مؤرخين وملاحظين وعلماء... يكرسون جهودهم لهذه الحضارات.

 

 

• لقد احببت وجمعت أدوات لدرجة انك شبهت الأساطير، موضوع بحثك بـ”الأشياء الجميلة جدا”، التي لا نشبع ولا نمل من مشاهداتها وتأملها. هل ما زلت تحبها؟

 

 

ما زلت احب هذه الاشياء، منذ طفولتي في فترة سابقة كانت الاشياء التي كنا نسميها بالاشياء البدائية تباع بأسعار يقدر عليها الجميع! فمع اندريه بروتون، عندما كنا في الولايات المتحدة، كنا نعرف ان هذه الاشياء الجميلة كانت لا تقل جمالا وروعة عن اشياء الحضارات الاخرى المتقدمة. فضلا عن اننا كنا نستطيع اقتناءها بأرخص الاثمان. اما اليوم فقد صارت كل الاشياء غالية الى الحد الذي صرنا فيه لا نملك سوى مشاهدتها عن بعد، ولا نفكر في امتلاكها. فلو كانت الظروف ظلت كما كانت لكنت بالتأكيد ظللت اجمعها كما كان شأني بها من قبل. في العام 1950 كنت اعاني من بعض المشاكل الشخصية وكان علي ان اشتري شقة بأي ثمن. لذلك اضطررت للتخلي عن مقتنياتي من هذه الاشياء الجميلة.

 

 

والطريف انني صرت ارى اليوم اشياء تمر تحت عيني كانت ذات يوم من ممتلكاتي الخاصة. ففي متحف اللوفر، مثلا، بعض مما جلبته من ادوات. وسوف يشاهد الناس الكثير من هذه الاشياء في المعرض الذي سوف ينظم في شهر اذار الحاري في اطار السنة البرازيلية في فرنسا بقصر المعارض الكبير.

 

 

وسوف تعرض ايضا ادوات كنت قد جمعتها خصيصا لمتحف الانسان اثناء حملاتي الاستكشافية. فقد عانت هذه الاشياء كثيرا اثناء الحرب، فضلا عن ظروف التدفئة الرديئة التي كانت فيها.

 

 

فقدت كثيرا حالة زينات الرأس من تصفيفات الشعر المصنوعة من الريش الملصقة بواسطة مادة صمغية أو الشمع. وفي الفترة التي كنت اجمع فيها هذه الأشياء كان البعض يتصور أن الأمر يحتاج لإغراق العلب التي اجمع فيها هذه الأشياء في مطهرات خاصة تزيل ابخرتها هذه المواد الصمغية وهذا الشمع.

 

 

• انت رجل مولع بالموسيقى. في “النيء والناضج” وهو اول الاجزاء الاربعة من كتابك “مثولوجيات” نراك تبدأ النص بأغنية من اغاني قبائل “البوروزو” - لحن مخرب اعشاش الطيور- ترى هل درست موسيقى هذه القبائل؟

 

 

لا، اطلاقا. انا لست مختصا في الاثنولوجيا الموسيقية. لم ادرس ألحانهم واغانيهم. بعضها كان يؤثر فيّ، او يحرك مشاعري العميقة. فأول انفعالاتي كانت بفعل الاحتفالات التي كانت تجري يوم وصولي إلى قبائل بوروروس. فقد كانت ترافق ألحانهم بعض التسالي التي كانوا يؤدونها ببراعة متناهية وكأنها تجري تحت قيادة رئيس اوركسترا ماهر.

 

 

حدث ان زارني قبل بضعة شهور شخصان هنديان من قبيلة بوروروس يرافقهما باحثان من جامعة “كامبو غراندي” في “ماتو غروسو”، وهي اقرب جامعة من اقليمهم، وهي الجامعة نفسها التي يدرس فيها هذا الهنديان. فقد شاءا ان يغنيا ويرقصا لي خصيصا في مكتبي في “كوليج دي فرانس”، وبمبادرة منهما شخصيا. فهذان الزميلان ما يزالان يحتفظان بكامل نضارة وآنية ألحانهما، ويحتفظان بموسيقى كنت قد سمعتها قبل ستين عاما مضت. فلكم كان وقع هذه الألحان عميقا في نفسي!

 

 

ولا بد من القول إن الموسيقى هي اكبر سر خفي نواجهه في حياتنا. ولا اخفي ان الموسيقى الشعبية البرازيلية التي كانت في زماني كانت ألحانا جد عذبة.

 

 

• ما الذي تقوله عن المستقبل؟

 

 

لا تسألني شيئا من هذا القبيل. اننا نعيش الآن في عالم لم اعد أنتمي اليه. العالم الذي عرفته، العالم الذي احببته كان يضم  1.6 بليون نسمة. اما عالم اليوم فقد صار يسع 6 بلايين نسمة. هذا العالم لم يعد عالمي بأي حال. وعالم الغد الذي سيصير سكانه 9 بلايين من الرجال والنساء. لا يمنحني اي إمكانية للتنبؤ.

 

 

* اجري الحوار في العام 2004

 

 

http://www.alghad.com/?news=460807

 

 

 shtraws.jpg

 

 

 

كلود ليفي ستراوس رائد الأنثروبولوجيا البنيوية يرحل بعد أن تجاوز مئة عام

 

 

درس بنيات القرابة والميثولوجيات والطوطمية وأعاد الاعتبار للفكر البدائي:

 

 

 

 

عبداللّطيف الوراري

 

 

 

 

1

 

 

عن المئة عامٍ وعام، يرحل المفكِّر الفرنسي كلود ليفي- ستروس[1908 ـ 2009م] عن عالمنا. وقد ذاع صيت الرجل في المنتصف الثاني من القرن العشرين باعتباره رائد البنيويّة وعالم الأنثروبولوجيا الذي قادتْهُ مغامرات فكره إلى استكشاف الآليّات الخفية للثقافة عبر سبل متنوّعة ومتضافرة من العمل المُضني، وهو ما أتاح له فهْمَ قطاعٍ مهمّ من تلك الآلة الرمزية المتعاظمة التي تنغلق على مجموع خطط الحياة البشرية، من العائلة إلى المعتقدات الدينية، ومن الأعمال الفنّية إلى آداب المائدة. ولقد مرّ، بعد ذلك، حينٌ من الدهر لم يُسمع شيءٌ عنه، وظلّ في صمت مطبق، حتى اعتقد الكثيرون أنّه غادرنا، إلى أن أفاقوا على أصداء الاحتفال الكبير الذي خصّته به فرنسا لمرور مئة عام على ميلاده. وكان ليفي- ستروس ، بسبب تذمّره ممّا يحدث حواليه، يقول: 'إنّا نعيش في عالم لا أنتمي إليه منذ زمن. إنّ العالم الذي عرفته وأحببته كان يتضمن ملياراً ونصف المليار نسمة، وعالم اليوم يتألف من ستة مليارات نسمة. لم يعد هذا العالم عالمي'.

 

 

 

 

2

 

 

بدأ ليفي- ستروس حياته العملية بدراسة علم الإثنيات، قبل أن تغيّر مكالمة هاتفية مسار حياته وتجلب له حظّاً وشهرة وافرين، وهو يتلقى ذات صباح من أيام خريف 1934م عرضاً من مدير دار المعلمين العليا بباريس للعمل كأستاذ علم الاجتماع في جامعة ساو باولو البرازيلية. وهكذا، مثلما يحكي ذلك في سيرته الفكرية 'المدارات الحزينة' الصادرة 1955م، بدأت أهمّ تجربة في حياته، وهو يتولّى مهامّ استكشافية إثنوغرافية في 'ماتو غروسو' وفي غابات الأمازون، ويلتقي قبائل هندية تعيش في مجتمعات يقال عنها 'بدائية' حيث وصف، بشكل رائع، حياتها وعاداتها ومعتقداتها دوّنها في تقييداته المسمّاة 'الحياة العائلية والاجتماعية عند هنود نامبيكوارا'. وقد حمل من رحلاته الاستكشافية بالبرازيل بين عامي 1935 و 1939م علماً غزيراً وجزءاً لا يُقدّر من ذاكرة الهنود وحياتهم وأساطيرهم اليومية. وبسبب قوانين حكومة فيشي المعادية لليهود، صرف ليفي ستراوس من الخدمة طبقاً للقوانين العنصرية التي سنّتها، وانتقل لاجئاً، برفقة العشرات بمن فيهم شاعر السوريالية أندريه بروتون، إلى أمريكا حيث عُيّن أستاذاً بالمدرسة الجديدة للبحث الاجتماعي بنيويورك [1942 ـ 1945]، وفيها عاش 'مرحلة هامة من العمل الفكري العميق' بجوار علماء أنثروبولوجيا لامعين، مثلما التقى بالعالم اللغوي رومان ياكبسون الذي استمع إلى دروسه، وتأثّر به، قائلاً:'كنت أمارس البنيوية دون أن أدرك ذلك، وقد أفادني ياكبسون عن وجود منهج علمي قائم'. وبعدما وضعت الحرب أوزارها، التحق بالمركز الجامعي للبحث العلمي بباريس. وبعد توالي دراساته الرائدة في الأنثروبولوجيا والإشعاع الذي تركته في زمنها، جرى انتخابه بالكوليج دوفرانس في كرسي الأنثروبولوجيا الاجتماعية عام 1959م، وبالأكاديمية الفرنسية عام 1973م.

 

 

ترك كلود ليفي- ستروس كتباً كثيرة خلخلت جزءاً مهمّاً في مفاهيم العلوم الإنسانية، من أهمّها: 'البنيات الأساسية للقرابة'1949م، وفيه يدرس المبادئ التي يقوم عليها نظام القرابة وقوانينها، متوقّفاً عند مسألة الانتقال من الطبيعة إلى الثقافة، أي هذه الحياة التي تدور على تبادل الممتلكات والنساء والرسائل. و'الأنثروبولوجيا البنيوية' 1958م، الذي رفضته دار غاليمار بذريعة أن فكر الكاتب 'لم يبلغ بعد مرحلة النضج'، وهو مجموع مقالات عالج فيها ليفي- ستروس أنساق القرابة والعلاقة بين اللسانيات والأنثروبولوجيا، وبنية الأساطير، ووضعية الأنثروبولوجيا في العلوم الاجتماعية، والسحر ومكان الرمزية فيه. وفي الجزء الثاني، الصادر عام 1973م، يمسك بطريقة في التحليل سعت إلى التأكيد على البنى المخبأة للظواهر الإنسانية، انطلاقاً من فرضية أن 'الطبيعة الحقيقية تظهر في البداية من خلال العناية المبذولة للتهرب من إبرازها'، متطرّقاً إلى النزعة الإنسية والنقد الأدبي وكتابات روسو وفضل دوركايم على الأثنولوجيا. و'الفكر البدائي'1962م، الّذي أظهر فيه الكاتب أن فكر 'البدائيّين' لا يختلف في طبيعته عن فكر الإنسان المتحضّر، وكلّ ما في الأمر أنّ منطلق 'الفكر البدائي' يحوِّل خصائص الواقع، متوجّهاً بالنقد إلى سارتر. و'الطوطمية اليوم'1962م، وفيه يعرض لمختلف النظريات في تفسير الطوطمية، واجداً في تطبيق عالم الحيوان والنبات والجماد على المجتمع وأنظمته مفتاح تفسيره للطوطمية على الخصوص، ومبيِّناً أن الطوطمية ليست سوى وهم من ابتداع الغربيّين الذين لم يفهموا ما تقوم به 'الطوطمية' من دوْرٍ تصنيفيّ. إلى جانب ذلك، كرّس مشروعه العلمي في تحليل 'الميثولوجيات' بأجزائه الأربعة الممتدّة بين 1964م و1971م، بدءاً من 'النيّء والمطبوخ' الذي بحث فيه الانتقال من الطبيعة إلى الثقافة عبر اكتشاف نار الطبخ، ومروراً بـ 'من العسل إلى الرماد' الذي حلّل فيه تقابلاً ثانياً، هو التقابل بين العسل والتبغ، من حيث أن أحدهما يكمل الآخـر، فالأول قبل الطبخ والثاني بعده، و'أصل آداب المائدة' الذي بيّن فيه كيف أنّ الانتقال إلى الثقافة يتجلّى في الأساطير بواسطة أخلاق تتعلّق بآداب المائدة وتربية النساء والزواج، وانتهاءً بـ 'الإنسان العاري' حيث تتجلّى الطبيعة في العري، بينما يتمّ الانتقال إلى الثقافة عن طريق التبادل التجاري.

 

 

 

 

3

 

 

وكان الراحل كلود ليفي- ستروس مديناً لثلاثة مجالات علمية في بحثه عن البنية الخفية التي يمكن بها تفسير الظواهر، هي: الجيولوجيا، الماركسية والتحليل النفسي. تبيّن هذه الثلاثة أن الفهم يتمّ بإرجاع نمطٍ من الواقع إلى نمطٍ آخر، وأن الواقع الحقيقي ليس أبداً هذا الواقع الظاهر. مثلما أنّ حدوسه الأولى ازدادت دقّةً واتّخذت لغة يقينيّة وصبغة علمية عندما تعرَّف، عن كثب، على اثنولوجيا مارسيل موس الذي أحدثت دراسته عن 'العطاء' لدى الشعوب البدائية ثورةً في الفكر الأثنولوجي، وعلى اللسانيات البنيوية التي أفادته في دراسة الظاهرات المجتمعية، كما على الرياضيات الحديثة التي أفادته، بدورها، في معالجة مشاكل القرابة بواسطة نظرية المجموعات، وفي تحليلاته للأساطير الطويلة والدقيقة للغاية بواسطة الرموز الرياضية.

 

 

ومثلما يبدو من أبحاثه، كان يريد أن يجعل من الأثنولوجيا علماً يتميز بالدقة اللازمة لنشأة العلوم، وتكون بذلك، أيضاً، نموذجاً للعلوم الإنسانية الأخرى، لا سيّما وأنّها تجد في البنيوية سندها الابستيمولوجي ومنهجها العلمي الذي يسعى إلى التبسيط والتفسير، ويبني النماذج، ويقوم بالتجريب، كما أنّه قادرٌ على التوقع. ولا نستغرب، في هذه الحال، أن يقول ليفي ستراوس أنّه 'لا يوجد في فرنسا إلا ّ ثلاثة بنيويّين حقيقيّين، هم بينفنيست ودوميزيل وأنا. ولا يدخل الآخرون في هذا العدد إلا ّبفعل ضلال'. ويقصد بالآخرين: جاك لاكان، وميشال فوكو ولويس ألتوسير. وتجلّى التحليل البنيوي، عنده، في مجالين كبيرين، فقد تعلّق بأنساق القرابة أو الأنساق التصنيفية من جهة، والأنساق الأسطورية من جهة أخرى. وطالما ردّد أنّ الفكر البنيوي يبحث باستمرار عن التوفيق بين المحسوس والمعقول، كما لفت إلى أنّ البنيوية قد أعادت للغائيّة مكانتها، وردّت إليها اعتبارها من جديد بعد أن ساد الفكر العلمي المتشبّع بالنزعة الآليّة والتجربيية. وبسبب من الطابع الأكاديمي والسجالي الغنيّ لعلمه، لم يسلم كلود ليفي- ستروس من انتقادات معاصريه، منهم من يرى أنّه لا يلتزم في شأن مصادره بالدقّة الكافية، فهو قادر دائماً على أن يعثر بالضبط على ما يبحث عنه، ومنهم من قال إنّ ممارسته للجدل هيغليّة أكثر منها ماركسية، ومنهم من عاب عليه نكرانه للتاريخ الذي لا يجعل له في ما يكتبه سوى مكانة لا تذكر.

 

 

برحيل كلود ليفي ستراوس يفقد الفكر الإنساني واحِداً من مغامريه الكبار، الذي ثار على تقاليد البحث العلمي، وأقام لوحده مدرسة في بحث تلك الآلة الرمزية المتعاظمة التي تنغلق عليها الحياة البشرية، من العائلة إلى المعتقدات الدينية، ومن الأعمال الفنّية إلى آداب المائدة. ولن تشغل صوَرُه الصفحات الثقافية لكُبْريات الصحف والمجلاّت لأيّامٍ وأسابيع تنعيه إلى قرّائه المنتشرين في المعمورة فحسب، بل سوف تبقى صورَتُه كمفكّرٍ إشْكاليّ راسِخةً في ذاكرة الأرض لسنواتٍ طِوال إلى جانب إخوته الإشكاليّين فرويد وفوكو وبارث وبورخيس ودريدا، تمثيلاً لا حصْراً. وسوف يكون من المفيد أن يعود المرء، اليوم، إلى 'المدارات الحزينة' سيرته الذاتية في الحياة والفكر، ليعلم أيّة 'ضريبة رمزية' تلك التي أدّاها ليفي ستراوس من متاع روحه وجسده في عصْرٍ مضطربٍ ولولبيٍّ، حتّى يستحقّ كل هذا الاحترام وهو يُغمض عينيه عن شعلة هذا الكون.

 

 

قراءة لموضوع : الثورة الزراعية

 

في روايتي الزلزال والعشق والموت في الزمن الحراشي

 

الطاهر وطار: من الواقعية النقدية إلى نموذج عربي لــ" الواقعية الاشتراكية"

 

بقلم : تيسير نظمي

 

الطاهر وطار، كاتب جزائري ، سبق وان قدم ملحق" الهدف قراءة اولى لروايتين من رواياته هما"اللاز" و" عرس بغل" .

 

الاولى تناولت الجزائر والثورة الجزائرية، في السنوات القليلة السابقة للاستقلال، والثانية جانبا من حياة المجتمع الجزائري بعد الاستقلال. وفي هذا المقال عودة لموضوع يعتبر من ابرز الموضوعات الملحة وهو" الثورة الزراعية" التي تأجل الاعلان عن ميثاقها منذ الاستقلال عام1962 حتى عام 1971. وحول هذا الموضوع يقدم ابرز كاتب في المغرب العربي روايتيه" الزلزال" و" العشق والموت في الزمن الحراشي".

 

الزلزال

 

بو الارواح، بطل هذه الرواية، احد ملاك الاراضي المتضررين من الاعلان عن ميثاق الثورة الزراعية عام 1971. ما ان سمع بخبر ان الحكومة ستوزع الاراضي على الفلاحين حتى عاجل بالبحث عن اقاربه ومعارفه ليكتب اراضيه بأسمائهم شريطة عدم حيازتهم لها الا بعد وفاته. وذلك تهربا من مباديء وبنود الثورة الزراعية التي كانت ضد مصالح فئة قليلة من كبار ملاك الاراضي ولمصلحة الغالبية العظمى من الفلاحين المعدمين، الذين لا يمتلكون اراض يفلحونها. بو الارواح، الذي كان خارج الجزائر طيلة سنين الثورة والذي لم يشارك في الثورة، والذي حاز على معظم الاراضي بطرق مشروعة ايام الاحتلال الفرنسي وبطرق غير مشروعة ترتعد فرائصه، ويتمنى ان يلتهم زلزال ماحق الجزائر المستقلة وما عليها من" رعاع" يريدون مشاركته في ارضه! وهؤلاء"الرعاع" لم يكونوا سوى الفلاحين الجزائريين والفقراء الذين ناضلوا عشرات السنين ضد المستعمر الفرنسي، بدءا من الانتفاضة الوطنية بقيادة عبد القادر الجزائري عام 1830، ومرورا بالانتفاضات الفلاحية المتتالية وبروز الطبقة الفلاحية كقوة نضالية وسياسية هامة واصلت النضال مع الأحزاب الوطنية والحركة العمالية الحضرية إلى أن نالت الجزائر استقلالها عام 1962، ولم يبق بعد ذلك إلا أن ينال الفلاح حقه في وطنه المستقل. لكن بو الارواح يترحم على أيام الفرنسيين(!) وبمقدار مساحة اراضيه التي يمتلكها ولا يفلحها، حيث يعمل مديرا لاحدى المدارس الثانوية بالعاصمة، تمتلىء نفسه بالحقد والكراهية للمواطن الجزائري وللمدينة الجزائرية، التي امتلأت "بالرعاع" بعد ان كانت هادئة بشكل ملفت للنظر تنطلق منها العطور والحسان الاوروبيات والاسرائيليات كالحوريات يملأن الشوارع بهجة وحبورا"!" والصخرة التي تقف عليها مدينة قسنطينة يتمنى لها بو الارواح ان تتحرك"فتذوب بمن عليها فلا تجد الحكومة لمن تعطي الارض".

 

الواقعية النقدية

 

تنتمي رواية"الزلزال" فنيا لروايات الواقعية النقدية، وترسم شخصية حية لبطلها في حركته،تجواله، ردود فعله، فأبو الارواح حاضر في كل صفحة. حاقد في كل خلجة من خلجاته. ينتمي ذهنيا لثقافة كان لها محتواها الثوري ضد المستعمر الاجنبي عندما نظم رجال الدين وبعض المفكرين عام 1930 انفسهم بقيادة عبد الحميد بن باديس تحت شعار" الاسلام ديني، والعربية لغتي، والجزائر وطني" وينتمي بو الارواح اجتماعيا واقتصاديا للبورجوازية المدينية- وملاك الاراضي، وكل من يقفون في صف العداء تجاه قوى التحرر الاجتماعي والتحول نحو مجتمع اشتراكي بثورة زراعية، امام هذا"الزلزال" بمعناه الوطني يعود بو الارواح الى الاولياء والصالحين(!).." ان يتطاول الحفاة العراة، رعاة الشاة في البنيان، وان تلد الامة ربتها. ان ينقلب الاسفل على الاعلى،وان لا يبقى هناك اسفل واعلى، فتلك علامة قيام الساعة. وها هي تحل..ان زلزلة الساعة شيء عظيم".

 

بو الارواح مقنع، بل شخصية تتمتع بملامح حية كما قدمه الطاهر وطار،وكما سبق له وأن ارتقى في روايته"اللاز" باللاز الشخصية الواقعية الى الرمز للشعب الجزائري برمته، فانه في"الزلزال" يرتقي بشخصية"بو الارواح" الى الرمز للقوى المعادية لمستقبل الجزائر وشعبها وكل ذلك بعد أن يستكمل تقديم الشخصية بشروطها وملامحها الواقعية التي تكاد تكون مع بطل"الزلزال" في نظرنا، شبه خرافية أو اسطورة.

 

فالواقعية النقدية في"الزلزال" تبدو في اروع تجلياتها كمنهج فني، ربما يفوق اخفاقات الاقتراب من" الواقعية الاشتراكية" كمنهج فني في رواية" العشق والموت في الزمن الحراشي"

 

امتداد" بو الارواح"

 

في نهاية"الزلزال"تلقي الشرطة الجزائرية القبض على بو الارواح قبل ان ينتحر.وفي"عرس بغل" ينتهي خريج جامع الزيتونة في ماخور، والمصلح الديني في مقبرة يتعاطى الحشيش، غير ان القوى المعادية، والمعرقلة لتقدم الجزائر تجد في كل فترة مخارجها الخاصة وامتداداتها،ففي رواية"العشق والموت في الزمن الحراشي" تقف شخصية الطالب الجامعي مصطفي كرمز ودلالة على هذه القوى التي يمثلها سي منصور"همه في ادارة الضرائب التي يشرف عليها ان يتحايل على ان لا يدفع الاغنياءالضرائب.. لانه يأخذ عليهم الرشى. استطاع وهو الموظف العادي ان يبني قصرا لا يضاهيه سوى مقر الدائرة بالمدينة، وترشح لانتخابات القسمة وفاز قبل حمو المجاهد،اعتمد على العروشية على المسؤولية السياسية الوحيدة في القرية".

 

هذا هو سي منصور، اما الطالب الجامعي مصطفي فكل همه ان يخرب على الطلبة المتطوعين لتنفيذ برامج الثورة الزراعية،فيعمل مع طلبة مضللين لمصلحة شخصيات وقوى خارج الجامعة، لدرجة انه أراد حرق وجه جميلة المناضلة بالحامض(!) لتشويهها حيث يعتبرها من أعوان إبليس(!).

 

* * *

 

" العشق والموت في الزمن الحراشي" رواية من طراز جديد بين روايات الكاتب بطولتها مسندة لطالبلت جامعيات يشاركن في الثورة الزراعية كمتطوعات. جميلة،و ثريا، وفاطمة، ودليلة وسهيلة واليامنة و لطلاب جامعيين وهي الكتاب الثاني من رواية" اللاز".... فاللاز وحمو والربيعي وبعطوش وغيرهم من شخوص رواية ما قبل الاستقلال تتابع ما الت اليه احوالهم في جزائر ما بعد الاستقلال من خلال صفحات هذه الرواية... ومن البطولة الفردية في رواياته السابقة يخطو الطاهر وطار نحو بطولة الجموع. ومن الواقعية النقدية نحو الاقتراب من " الواقعية الاشتراكية"

 

* * *

 

في كتابه "تاريخ الجزائر الحديث" يذكر المؤلف الدكتور عبد القادر جغلول ان الطلاب" كانوا من اول من تصدر طريق الريف واخذو يفسرون ميثاق الثورة الزراعية ويبررون تضليل كبار الملاكين العقاريين ويبينون" الخطوط العريضة"، مفسرين ضرورة التعاونيات والاتحادات الفلاحية. كما لم تكن الطبقة العاملة غائبة عن حركات التطوع: تطوع الجماهير والمشاركة في بناء القرى الزراعية وتنظيم التعاونيات. فساعدت الطبقة العاملة ماديا المستفيدين واطلعتهم على تجربتها في التنظيم".

 

* * *

 

غير أن هذا ليس مبررا كافيا لغياب الفلاحين تقريبا عن الرواية، و حضور الطلبة،الذي هو حضور للمثقفين وغياب للجموع التي جاء من اجلها ميثاق الثورة الزراعية. حتى حضور اللاز،جاء في الكتاب الثاني باهتا، وبعد ان كان في الجزء الاول وايام الثورة بطلا يجمع بين الواقع و الرمز،جاء في الجزء الثاني كما لو انه ولي،من الاولياء، او معتوها من معتوهي القرى، انه لم يصح من الصدمة بعد(!) منذ ان شاهد ذبح ابيه زيدان من قفاه على يد مجاهد من مجاهدي الثورة قبل الاستقلال وحتى تمر تسع سنوات على الاستقلال،يبقى اللاز غائبا عن الوعي، لا يفيق من الصدمة الا عندما يوشك المشهد المأساوي ان يتكرر، وهو فعلا تكرر عندما هجم مصطفى على جميلة يحمل الحامض لتشوية وجهها...! هنا تتكرر الصدمة فيتذكر اللاز ما حصل لابيه زيدان، والذي كاد ان يحصل لجميلة، فيستيقظ ليواصل خوض المعركة، ضد الرجعية المحلية،ويبدأ بالاستفسار عن ما حدث طيلة السنوات التي قضاها غائبا عن وعيه، وكأنما استعاد الشعب الجزائري وعيه،بأن النضال ضد المستعمر- العدو القومى- انتهى وان النضال ضد العدو الامبريالي والرجعي قد بدأ، ولا بد من ان يحسم.

 

في الصفحة 35 من الرواية نقرأ: " ترددوا كثيرا فبل ان يسجلوا انفسهم في قوائم المستفيدين من الثورة الزراعية. لقد راجت الريف الجزائري بسرعة فائقة بعض الفتاوي الدينية مفادها ان الاستفادة من الارض حرام، ذلك ان هذه الارض مستولى عليها بالقوة، وهي عند الله شاء العبد أم ابى،ملك لاصحابها الاصليين، ثمرتها حرام والاستفادة منها كفر" وفي الصفحة التالية نقرأ التالي:

 

"ثم ان السلطات المعنية بتسجيل الراغبين في الارض نفسها. كثيرا ما تقوم عائقا هاما في ذلك.ولا غرابة فمعظم الموظفين في البلديات والدوائر، هم ملاكون عقاريون،او من منبت اقطاعي. تبدأ الصعوبة اولا وقبل كل شيء في التسجيل. عد مرة اخرى. الموظف المختص ليس هنا. لا انت لا تستحق الاستفادة،فقد بلغنا انك تملك عنزة،نحذرك من الان. ان السكن منعدم، وان الاجر لا يتعدى.. وهناك مسجلون كثيرون قبلك فعليك بالصبر الطويل".

 

* * *

 

مثل تلك المباشرة مع الميل المستمر للتسجيلية،خلخلا بنية الرواية، التي تحاول ان تصل الى مستوى الرمز. وجه جميلة المناضلة، انما هو وجه الجزائر،وصحوة اللاز، انما هي صحوة الشعب الجزائري، والاقتراب خطوات من "الواقعية الاشتراكية" رغم اخفاقات الخطوة الاولى، هو اقتراب لادب المستقبل، فالطاهر وطار اليوم،وهو الكاتب الجزائري الذي يكتب بالعربية،ليس مالك حداد الثورة الجزائرية، الذي كتب بالفرنسية محروما من لغته العربية، ولا كاتب ياسين ولا غيرهم،انه واحد من ابرز الروائيين العرب الذين عرفهم القارىء العربي في سبعينيات هذا القرن له ما يميزه من الكتاب العرب في اسلوبه ووعيه الفني بشكل الرواية الذي كان حكرا على فئة معينة من الروائيين العرب، مثل نجيب محفوظ، وجبرا ابراهيم جبرا... وغيرهم ،، فالطاهر وطار اسم يعرفه القارىء العربي اليوم في وقت عرف به اسماء اخرى من كتاب الرواية العربية الجديدة، صنع الله ابراهيم وجمال الغيطاني في مصر وغائب طعمة فرمان من العراق واميل حبيبي من فلسطين، واسماء كثيرة اخرى ما يزال القارىء العربي يجهلها

 

طلقات الرحمة الاختيار والنصّ *

د. محمد عبدالله القواسمة

طلقات الرحمة عنوان الكتاب الذي صدر عن أمانة عمان الكبرى عام 2008 للشاعر ابراهيم نصرالله ، احتوى الكتاب مجموعة من قصائد الشاعر التي كتبها في المدة من عام 1987 وحتى عام 2008 ، العام الذي صدر فيه الكتاب ، وقد اختارها من أربعة دواوين ، هي: عواصف القلب 1989 ، شرفات الخريف 1996 ، وكتاب الموت والموتى 1998 ، وحجرة الناي ,2007

لا شك أنّ اختيار مجموعة من القصائد وضمها في كتاب ، ظاهرة قديمة عرفها الشعر العربي منذ عصر التدوين في العصر العباسي ، تحت مسمى المختارات الشعرية ، التي بفضلها وصلت إلينا روائع الشعر في العصر الجاهلي والإسلامي ، مثل: المفضليّات للمفضّل الضبّي ، والأصمعيّات للأصمعي ، وجمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي ، وحماسة أبي تمام وغيرها..

كما عرفت هذه الظاهرة في العصر الحديث ، وتنوّعت كتب المختارات في موضوعاتها ، وحدودها الزمنية والمكانية: فعلى سبيل المثال جمع خليفة محمد التليسي قصائد تمثل عصور الشعر العربي المختلفة في كتابه (من روائع الشعر العربي) 1982 ، وقد بدأه على غير السائد بقصائد من العصر الحديث ، وسوّغ اختياره للقصائد بأنها"دخلت في تكويننا الثقافي" ، وتوالت كتب المختارات ومنها المختارات التي صدرت ضمن مشروع كتاب في جريدة الذي تشرف عليه اليونسكو منذ العام 2004 ، فكان هنالك مختارات من شعر عبدالله البردوني ، وعمر أبي ريشة ، والمتنبي ، ومختارات من الشعر السوداني وغيرها.

يلتقي كتاب طلقات الرحمة للشاعر إبراهيم نصرالله بظاهرة المختارات الشعريّة المعروفة ، ولكن ما يلفت الانتباه إلى أن المختارات التي تضمنها الكتاب أعدّها الشاعر نفسه دون تمهيد ، أو مقدّمة تسوّغ العمل ، وتقدّم إضاءات عنه ، حتى إن القارئ يظن لأول وهلة أن الكتاب عمل جديد من أعمال الشاعر الغزيرة ، ولا يتضح له أنّه كتاب مختارات إلا من خلال صفحة العنوان الداخلية ، وقائمة المحتويات في نهاية الكتاب.

لا شك أن هذا الكتاب مهم لدى الشاعر ، فلابدّ أن يكون لهذه القصائد المختارة مكانة عالية في قلبه ، وأنها تمثل جوهر تجربته الشعرية ، وهو كذلك مهم لدينا لأنه وفّر لنا الحصول ـ كما هو مفترض ـ على أروع ما تمخّضت عنه تجربة الشاعر من قصائد عبر سنواته الشعرية من عام 1984 حتى عام 2008 .

يقدم الكتاب مجموعة من القصائد القصيرة جداً يمكن أن نسميها ومضة ، أو لقطة ، أو لمحة§ وهي في معظمها تنطوي على تأملات في جزئيات الحياة المعيشة ، أو في أشياء أو ظواهر طبيعية أو نفسية: ففي قصيدة خسارة التي تتكون من أربعة أسطر ، نقرأ جملتين فعليتين ، يتقدّم كلاً منهما سطر من علامات الحذف:.

حاولت ترتيب يومي

فبعثرت قلبي (ص115)

فهذا القول لا ينحرف عن الكلام العادي الذي يمكن أن نسمعه من إنسان في شارع من شوارعنا المضطربة ، فلم تستطع العلامات البصرية ، ولا التجانس اللفظي أو التوازي الصرفي النحوي أن يمنح الجملتين روح الشعر: فقد اغتالته الاستعارة المبتذلة ، بعثرة القلب ، و المعنى الساذج ..

وعلى الطريقة نفسها تأتي قصيدة خفاء:

ستراني العتمة.......

ويخبئني الضوء (ص 117)

وتأتي قصيدة ثقة أقل شأناً من القصيدتين السابقتين ، نقرأ:

ربحت الكثير

خسرت الكثير

ولم يزل بعد

عمري قصير (128)

فهذا الكلام العادي الركيك يمكن أن نسمعه من تاجر ، وليس من شاعر: فلا يقاس العمر بالربح والخسارة ، وانما بامتلائه بالفعل . ومثل هذه القصيدة قصيدة وفاء من كتاب الموت والموتى:

لا..

أنا لا أفكر به

لكنه أكثر وفاءً

إنه يفكر بي دائماً (ص169)

وتقدّم بعض القصائد القصيرة أقوالاً على شكل لافتات أو شعارات ، تفتقد إلى الشعر الذي يأسر الوجدان ، وإلى الأفكار أو الحكم ، التي تعمق فهمنا للحياة ، إنه كلام يجعلنا نأسى لحكمة بوذا و كونفوشيوس و زراوشت ، التي حاولت القصائد أن تتبنى إطارها ، مثل قصيدة البداية:

تلك أغنيتي

قبل هذا الختام

لا خريف مع امرأة ..

والسلام(ص256)

وتتنزل بعض القصائد إلى النثر الذي لا طائل من ورائه ، والذي يقوم على التكرار الممل ، والقول المباشر والممجوج ، فنقرأ من قصيدة حب:

أحبك ..نعم أحبك

وهذه الوردة لك

أحبك ..نعم أ حبك

وهذه القصيدة لك (ص180)

ومثلها قصيدة حياة: فهي تعلمنا أنّ الذات الشاعرة تتمثل الحياة في كل شيء ، في الظل والنور والشارع والبيت والحديقة والوردة ..الخ ، وأنها تحب هذه الأشياء" من أجل البيت (ص205).

فهذه التكرارات الاستهلالية ،"إنه في.." وتكرار المفردات لم تستطع النفوذ إلى قلب القارئ ، أو تخرق افق توقعاته ، أو تنقله إلى خيالات لذيذة بل يرى بعد قراءتها أن بمقدوره أن يأتي بمثلها ، كأن يقول ـ على سبيل المثال ـ إنه في السماء والأرض والشجر والحجر والماء والبحر وفي الدجى والفجر ، لكنني سأحب السماء ، أحب الأرض ..من أجل الوطن..

ومثلها قصيدة خسارات التي يمكن أن تتردد على ألسنة العاشقين في ثرثرة دلع وولهْ:

ـ سوف ينتهيي ربيعي

قالت لي باكية

ـ سوف ينته

ولم يكتب لي شاعر قصيدة..(ص223)

وتأتي بعض القصائد على شكل لغز يحتاج حله إلى مندل أو ضارب ودع ، وليس إلى ناقد ، مثل قصيدة بورتريه التي تقوم على ضمير المخاطب: فتلك المخاطبة لا نستطيع معرفتها ، فلا ندري إن كانت من البشر أو من عالم الجن. فهي تبتسم كامرأة ، وتضحك كطفلة ، و تُقْبل كطيف ، وتذهب كالحقيقة..(ص274) في النهاية لابد للقارئ أن يتساءل على لسان الذات الشاعرة: من هي؟ أو من أنت؟

خلاصة

 ربما يمكننا القول بشيء من القسوة إنّ كتاب طلقات الرحمة إذا كان عنوانه يبعث التشاؤم لدى القارئ فإن محتوياته تستحق طلقة رحمة ، فلا أرى مسوغاً منطقيّاً أو وجدانياً لصدوره من قبل الشاعر أو من غيره: فقد جاءت القصائد المختارة من أربع محموعات فقط ، وتكرّر بعضها في أعمال الشاعر الكاملة ، التي صدرت عام م1994 ، كما أنها لم تحمل في طياتها شعراً ذا قيمة تعكس هذا الألق الذي يحظى به في وسائل الاعلام ، ولدى كثيرين من النقاد: مما يترك أسئلة كثيرة حول حياتنا الثقافية بشكل عام ، وحياة الشعر والنقد بشكل خاص

ابراهيم نصرالله ، طلقات الرحمة ، عمان: منشورات أمانة عمان الكبرى ، 2008 ، في 283 صفحة من القطع المتوسط

mdkawasm@gmail.com

Date : 15-08-2009

القصة القصيرة.. إلى أين؟

د. محمد عبدالله القواسمة

من المعروف أن القصة القصيرة ظهرت متأخرة عن غيرها من الفنون الأدبية ، ويمكن الإشارة إلى القرن التاسع عشر بأنه كان البداية لهذا الفن ، مع قصص أدجار ألان بو في أمريكا وجوجول في روسيا. وقد مدح الكاتب الروسي ديستويفسكي ما قدّمه جوجول من قصص في قوله عن قصته المعطف: كلنا خرجنا من معطف جوجول ، ثم بلغ هذا الفن نضجه في مدرستي تشيخوف وموباسان بعد ذلك.

ووجه الغرابة أن مصطلح القصة القصيرة لم يعرف إلاّ في العقد الثالث من القرن العشرين ، كما يوضح ذلك قاموس أكسفورد ، ففي هذا القرن راج هذا الفن في الغرب بفضل انتشار التعليم ، وتقدّم الطباعة ، وظهور الاذاعة ، وبروز دور المرأة في الحياة العامة ، وصعود الطبقة الوسطى على انقاض الطبقة الإقطاعيّة ، وفي البلاد العربية ازدهر هذا الفن للأسباب نفسها ، وكما كان لاكتشاف النفط وتصديره في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي دور فاعل في ما أصاب المجتمع من تغير في نواحي الحياة كافة.

من الملاحظ أنّ فن القصة القصيرة في منطقتنا العربية حظي باهتمام كبير من القراء والنقاد ، وسار جنبا الى جنب مع الشعر في معالجة كثير من القضايا التي كانت تمور بها الحياة في القرن الماضي ، أما في هذه الأيام فتراجع الاهتمام بهذا الفن ، ودب فيه الضعف: فلم يعد على ساحته من الكتاب المجيدين إلاّ قلة ، ولا نكاد نجد حتى من بين المجموعات التي تروج لها الصحافة وبعض النقاد قصصاً متميّزة ، ونتيجة لهذا الوضع الذي آلت إليه القصة القصيرة علت أصوات هنا وهناك تعلن موتها وتأبينها ولجأت بعض لجان التحكيم للجوائز الأدبية إلى حجب جائزة القصة القصيرة لضعف المجموعات القصصية التي تقدمت لها ، كما جرى لجوائز الدولة التشجيعية في الاردن وفي مصر عام ,2007

لعلّ من أهم الأسباب التي أوصلت هذا الفن إلى هذا المستوى من الانحدار استسهال كثير من أدعياء المعرفة والموهبة هذا الفن ، وبعض الكتاب جعلوه مقدمة أو تدريبات أولية للانتقال إلى كتابة الرواية دون أن يدرك هؤلاء أن القصة القصيرة أكثر تعقيداً من الرواية ، ولها من الخصائص ما يقربها من الشعر. ثم إنّ كثيراً من الكتاب لم يدركوا طبيعة هذا الفن واختلافه عن فنون المقالة والخاطرة والحكاية والحدوتة. ورافق استسهال الكتاب وعدم الانتباه إلى خصائص هذا الفن تساهل النقاد في مقاربتهم لما ينتج تحت مسمى القصة القصيرة.

إن القصة القصيرة قادرة على التعبير عن حياتنا بما فيها من تعقيدات على المستويات النفسية والاجتماعية والسياسية والبيئية ، وهو فن يحتاج الى الموهبة لأنه يمتاز بالتركيز والتكثيف بخلاف الرواية التي تتسع لتتناول مجتمعا كاملاً ، أو شريحة واسعة من المجتمع ، وتتعدد فيها الشخوص والأماكن ووجهات النظر ، وتتداخل فيها الأجناس الأدبية والخطابات.

فإذا ما أردنا أن نعيد الحياة إلى هذا الفن الجميل فلا بدّ من إعادة النظر في مفهومنا السائد للقصة القصيرة ، وعلى مؤسساتنا الثقافية والنقاد ألا يتساهلوا في قبول ما يكتب من خواطر ومقالات وألغاز وحكايات وحواديت بأنها قصص قصيرة دون ذلك فإننا سنضل الطريق ، ويضيع هذا الفن ونقف على أطلاله.

mdkawasm@gmail.com

Date : 06-11-2009

http://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?ac=\Supplement2\2009\11\Supplement2_issue759_day06_id187572.htm

مسرحية (كلمات متقاطعة) إيقاع متناغم بين النص والعرض

 

مؤيد داود البصام

 

عرضت مسرحية (كلمات متقاطعة) تاليف واخراج د. محمد خير الرفاعي، علي المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي ضمن عروض مهرجان المسرح الاردني السادس عشر، وقد سبق ان قدمت المسرحية محليا في اكثر من مسرح، ولاقت الاستحسان عندما عرضت خارج الاردن في ايطاليا، ولاسم المسرحية اغراء، فقد ظهرت اكثر من قصة ومسرحية بهذا الاسم، اشهرها المسرحية التي كتبها الراحل نجيب سرور وهو احد اعلام الشعر والتاليف المسرحي المصري، ما بعد منتصف القرن الماضي ، ومن مؤسسي حركة المسرح المصرية والعربية الحديثة مع الفريد فرج وميخائيل رومان ويوسف ادريس ومحمود ذياب وآخرين.

 

وقد انحاز نجيب سرور في تجربته المسرحبة الي المسرح الشعبي، الذي يحمل في طياته نقدا اجتماعيا وسياسيا للواقع، وتعتبر هذه المسرحية اول خروج علي فكر نجيب واخر عمل قدمه في حياته، لايربطها التسلسل والحتمية ، وقابلة الي التغيير حسب متطلبات العرض او تطور الفكرة، اذ لايؤثر عليها التقديم والتاخير، او الحذف ولايشكل اي خلل، لانها في الاصل تتكون من مجموعة من المشاهد المنفصلة، ولكنها كلها تدور حول واقع المجتمع المصري ما بعد حرب حزيران عام 1967 . وفي نفس الاسم قدم المسرح السعودي للمؤلف محمد رجب من اخراج احمد مجدي ، مسرحية بهذا العنوان ولكن تختلف المفاهيم النصية والمعالجة المسرحية، ولكن مسرحية الرفاعي تقترب في مفاهيمها من مسرحية نجيب سرور، وتبتعد تقنية، فقد استخدم لغة الجسد للتعبير قي نقل الصورة البصرية، ليحولها في ذهن المشاهد الي لغة بصرية، وان اتفقت مجمل الاعمال التي ظهرت بهذا الاسم، ومن ضمنها قصص قصيرة، علي نقد الواقع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، كل حسب طريقته الخاصة، او حسب الواقع المستجد.

 

البعد الفكري للنص

 

حاول المؤلف ان يقدم نصا لادانة الانهيار الاخلاقي في المنظومة القيمية في المجتمع الشرقي من خلال المؤثرات الخارجية، ابتداء من الاعلام، والقهر الاجتماعي، والصراع اللاارادي بين قوي غير متكافئة، فاعطي مستويات لهذا الصراع، حاول ان يناقشه عبر محطات منفردة، كل واحدة تختص بنفسها ويلتقون في الرؤية الموحدة بالرفض، لاجل ايجاد حل لسقوط المنظومة الاخلاقية، او ادانة من كان وراء سقوطها، فابرز مستويات متعددة للصراع، صراع بين الانسان والانسان، ان كان مقهورا او علي وشك القهر، وصراع الانسان المقهور مع ظالميه.، اي انه اراد ان يبرز حيرة الانسان فيما يحدث بما انتهي له، لماذا هذا الاقتتال؟( وكما هو معروف فان المسرح فعل متغير، وقد نجح المؤلف في ايضاح هذه النقطة واوصلها للمشاهد في نهاية العرض، عندما طرح لنا السؤال لماذا الصراع والاقتتال؟، ليترك المشاهد في دهشة الحدث يسال نفسه، وبهذا الاستفزاز اراد ان يجعله يفكر ويتامل، وجرنا هذا الي السؤال الذي اطلقه(الناقد تيسير نظمي) اثناء مناقشة المسرحية في الجلسات التي اعقبت العرض،"هل العرض يقع تحت بند العرض المقاوم" اذا كانت الاجابة قد تحددت، بنعم فلذلك اسبابه، ان المسرحية انطلقت في مفاهيمها من الماضي والحاضر لتؤسس رفضها، عبر الشكل والمضمون، واستطاع المؤلف ان يوصل لنا الفكرة المدمرة التي نعيشها وهناك اكثرية غافلة عنها، وحاول عبر الاستفزاز الذي استغله الاخراج، ليجعل لغة الجسد المعبر بدل الحوار واوضح رؤيته في رفض كل اشكال الظلم الواقع علي الانسان، وتاكيده علي الحب والسلام، بين الانسان واخيه الانسان وبين الشعوب، وهو ما يحيل البعد الرؤي الذي استند عليه الكاتب، لانتاج نص متماسك، تتحرك فكرته بمرونة وتلقائية، واسبابها ليس الحرفية، وانما الايمان بما يفكر، وفلسفة حياة في رفض الظلم والقهر)

 

الممثلون

 

والمعالجة الاخراجية

 

اهتم المخرج بايقاع العرض، وايجاد وحدة تناغم بين النص والعرض،وكون النص من تاليف المخرج، فان الحالة الانفعالية في فهم ما يريد ان يقوله متوفرة، لهذا اهتم ان يضع اللمسات الاولي في المقدمة السينوغرافية، التي وضع فيها قدراته التقنية والفكرية، مفتتحا العرض بمقدمة جمالية وسمعية، توضح الابعاد الفكرية للنص والبعد الاخراجي في التعامل معه، عندما انهي عرضه السينوغرافي، بسقوط تمثال الحرية علي جنبه, وهو ما يجعلنا نقول ، ان مجموع التحولات التي قدمها داخل فضاء العرض، اوضحت لنا دلالة الاعمال التي سبق للرفاعي ان قدمها، وحملت الابعاد الفكرية والامكانية لعقل اخراجي مبتكر، فالمسرح عبارة عن مجموع الحركات المتداخلة الاجزاء، والصراع المتواصل، هو الذي يبرز لنا المضمون الفكري والفلسفي ، ولهذا فان للايقاعين الصوتي والحركي اهمية في نظر اي مخرج مبدع. لاستمرار تواصل الجمهور في الشد، وبما ان العرض استعاض عن الحوار المنطوق بحوار الجسد، صار لزاما علي المخرج، ان يهتم بحركة الممثل وعناصر العرض الاخري كالسينوغرافيا والديكور والملابس والاكسسوارات والموسيقي، ليعطي هذا التناغم الذي يعوض عن الحوار المحكي ، ولتؤدي بمجموعها الاسس والبواعث الجمالية، وتحرك موقع النص والافكار نحو القيم الجمالية، وهو ما قدمه لنا الرفاعي في الاداء المتناغم بين مجموع العناصر التي الفت العرض المسرحي، ولابد من الاشارة ان الجهد الرائع الذي قدمه الممثلون في الاداء، ان كان في المرونة الجسدية اوفي التعبير عن الحالات الشعورية، تنم عن الجهد الذي بذل من خلال التمارين المتواصلة للوصول الي مثل هذا الاداء، خصوصا اذا عرفنا ان الممثلين هم طلبة وليسوا ممثلين محترفين، او علي تجربة واسعة، وقد استطاعوا ان يوصلوا لنا عبر السيطرة علي الجسد بالتناغم مع الموسيقي، اللغة التي افتقدناها في الحوار المحكي بين الاطراف المتصارعة، ومما كان واضح للعيان التفريق بين الرقص العادي والرقص الايقاعي الذي يشكل احدي سمات الموسيقي في العرض المسرحي، فالموسيقي لاتفسر وانما تتوحد مع التعبير الجسدي لتصبح كلا واحدا، كما نشاهده في رقصات (الطرق الصوفية) ، فقد استطاع المخرج ان يقود المجاميع، بلوحات تعبيرية، واداء رائع محافظا علي التوازن العام في فضاء العرض، ولم نشاهد انكسار للشكل العام بين الكتلة والفراغ، مع السيطرة علي الحركة وتوازنانها، ولكننا وقفنا امام استعراض الممثل الذي يقود احد جناحي الصراع، في اظهار بطنه وتحريكها اثناء الرقص، وهي مسالة طبيعية عندما تكون متلائمة مع النص، فقد شاهدنا عروضا يظهر لنا بها الممثل عاري الا مما يستر عورته، ولم يكن هناك اعتراض لان فكرة النص تتماشي وروح العرض، ولكن في هذه الحالة كانت مخدشة، لان العرض يناقش قضية اخلاقية)، وفيما عدي هذه النقطة، فقد سيطر المخرج علي فضاء العرض بقدرة، ومثل لنا عبر الادوات التي استخدمها، وبالذات الممثلين حالة التوهان والتشوش، والدهشة، ونجح بان يقدم لنا فكرة ان تحرير الجسد من عقده يحرر العقل من توقفاته، ونجح في اظهار الابعاد الفكرية، بالانسجام الايقاعي بين الممثلين والموسيقي والسينوغراف وبقية العناصر، وقدم لنا عرضا جاء مفسرا لكلمته في دليل العرض :

 

حاصل جمع الحروف.........كلمة

 

الكلمة تخلق معني...........

 

والمعني في بطن الشاعر

 

اذن ما هي الحقيقة

 

انا لااخشي الحقيقة..وانا كذلك لاابحث عنها

 

فهي هنا وهناك واضحة لاتحتاج الي بحث....

 

ولكننا نجدها حيث نريد....

 

ونتعامي عنها حين نريد

 

Controversy And Missunderstood By Dr. Omnia Amin

 

TAYSEER NAZMI HAS been writing since he was 20 years old .His early writings caused much controversy when they were published as he was always after the unfamiliar and the improbable ,which he always thought were never out of reach .A lot of fantasy is involved in his... creative writing, but Nazmi is more known as a critic in the literary and cultural field in the Arab World .He has a piercing vision that responds to the effects of life from an angle that needs a special person with a sensitive perception to understand .More often than not he is misunderstood and misinterpreted as he avoids the familiar in search of different shores.Nazmi is a creative writer, a critic and a translator and has several books that are at the moment pending publication.His latest collection entitled A Feast ,Silk and A Bird's Nest published by Al Karmel Press in 2004and sponsored by the Greater Amman Municipality.

 

 

اسباني

 

 

La controversia y el Missunderstood Por el Dr. Omnia Amin

 

Tayseer Nazmi ha estado escribiendo desde que tenía 20 años de edad. Sus primeros escritos causado mucha controversia cuando se publicaron como era siempre después de lo desconocido y lo improbable, a la que siempre pensé que nunca fuera de su alcance. Mucha de la fantasía está involucrado en su ... escritura creativa, pero Nazmi es más conocido como un crítico en el ámbito literario y cultural en el mundo árabe. Él tiene una visión penetrante que responde a los efectos de la vida desde un ángulo que necesita una persona especial con una percepción sensible de entender. Más información a menudo que no es mal interpretado y mal interpretada como que evita el familiar en busca de shores.Nazmi diferentes, es un escritor creativo, crítico y traductor y tiene varios libros que están en este momento en espera de publication.His última colección titulada Una Fiesta, Seda Y un pájaro's Nest publicado por Al Karmel de prensa en 2004and patrocinado por la municipalidad del Gran Ammán.

 

 

الماني

 

 

Kontroversen und missunderstood Von Dr. Omnia Amin

 

Tayseer Nazmi schreibt seit er 20 Jahre alt. Seine frühen Schriften sorgte für viel Streit, wenn sie veröffentlicht wurden, wie er immer war nach dem unbekannten und das Unwahrscheinliche, das er immer dachte, waren nie außerhalb der Reichweite. Viel Phantasie ist beteiligt seine ... Kreatives Schreiben, sondern Nazmi ist mehr als ein Kritiker in der literarischen und kulturellen Bereich in der arabischen Welt bekannt. Er hat eine Vision, Piercing, um die Auswirkungen des Lebens aus einem Winkel, eine besondere Person mit einem empfindlichen Wahrnehmung zu verstehen, muss reagiert. Mehr nicht selten ist er missverstanden und falsch interpretiert, als er die vertrauten auf der Suche nach verschiedenen shores.Nazmi umgeht, ist ein kreativer Schriftsteller, Kritiker und Übersetzer und hat mehrere Bücher, die im Moment stehen noch aus publication.His neueste Kollektion mit dem Titel Ein Fest, Seide und A Bird's Nest von Al Karmel Presse in 2004and herausgegeben von der Greater Amman Gemeinde gesponsert.

 

 

ايطالي

 

 

Polemiche e missUnderstood By Dr. Omnia Amin

 

Tayseer Nazmi sta scrivendo da quando aveva 20 anni. Suoi primi scritti causato molte polemiche quando sono state pubblicate, come era sempre dopo la familiarità e l'improbabile, che ha sempre pensato che non sono mai stati fuori dalla portata. Molta fantasia è coinvolto in la sua ... scrittura creativa, ma Nazmi è più conosciuto come un critico nel campo letterario e culturale nel mondo arabo. Ha una visione penetrante che risponde agli effetti della vita da un angolo che ha bisogno di una persona speciale, con una percezione sensibile da capire. Maggiori informazioni spesso di quanto non si è frainteso ed equivocato, come egli evita il familiare in cerca di shores.Nazmi diverse è uno scrittore creativo, critico e traduttore e ha molti libri che sono al momento in attesa publication.His ultima collezione intitolata una festa, di seta e A Bird's Nest pubblicato da Al Karmel stampa in 2004and patrocinato dal Comune di Amman.

 

 

تشيكية

 

 

A spor Missunderstood Dr. Omnia Amin

 

TAYSEER NAZMI bylo psaní, protože mu bylo 20 let. Jeho raná díla způsobilo hodně diskuse, kdy byly publikovány jako on byl vždy po neznámém a nepravděpodobné, který si vždycky myslel, že nikdy nebyli v nedohlednu. Hodně fantazie je zapojen do jeho ... tvůrčí psaní, ale Nazmi je znám jako kritik v literární a kulturní oblasti v arabském světě. Má piercing vize, která reaguje na důsledky života z úhlu, že potřebuje zvláštní člověk s citlivým vnímáním pochopit. Více často než ne, že je špatně a nesprávně vyložil, jak se vyhnout známý při hledání různých shores.Nazmi je kreativní spisovatel, kritik a překladatel, a několik knih, které jsou v současné době před publication.His nejnovější kolekci s názvem Hostina, Silk a Ptačí hnízdo zveřejnila Al Karmel Press v 2004and sponzorovaný Greater Amman obce.

 

 

سويدي

 

 

Kontroverser och Missunderstood By Dr Omnia Amin

 

Tayseer Nazmi har skrivit sedan han var 20 år gammal. Hans tidiga skrifter orsakade mycket kontroversiella när de publicerades som han alltid efter det okända och det osannolika, som han alltid trott var aldrig anträffbar. Mycket fantasi är inblandade i hans ... kreativt skrivande, men Nazmi är mer känd som en kritiker i den litterära och kulturella området i arabvärlden. Han har en piercing vision som svarar mot effekterna av livet från en vinkel som behöver en speciell person med en känslig uppfattning att förstå. Mer Oftast han är missförstådd och misstolkas som han undviker det välbekanta i jakt på olika shores.Nazmi är en kreativ författare, kritiker och översättare och har flera böcker som just nu pågår publication.His senaste kollektion rätt en fest, Silk och ett fågelbo publiceras av Al Karmel Tryck i 2004and sponsrade av Greater Amman kommun.

 

 

تركي

 

 

Tartışmalara ve missunderstood By Dr Omnia Amin

 

Beri 20 yaşında TAYSEER NAZMI yazıyor. Yaşamının ilk yazıları çok tartışmalara ve olan hep dışarı asla ulaşamayacağı sanıyordum olanaksız. Fantezi bir çok yer olduğunu bilmediğiniz gibi o her zaman sonra ne zaman yayınlandı neden Onun ... yaratıcı yazma, ama Nazmi daha Arap dünyasında edebi ve kültürel alanda bir eleştirmen olarak bilinir. O bu anlamak için hassas bir algı ile özel bir kişinin ihtiyaçlarını bir açıdan hayatın etkilerine yanıt delici bir vizyona sahiptir. oku çoğu daha o yanlış değildir ve yanlış yorumlandığı gibi o farklı shores.Nazmi bulmak tanıdık kaçınan yaratıcı bir yazar, bir eleştirmen ve çevirmen ve publication.His bekleyen o anda birkaç kitap son koleksiyonuna sahip olan bir Bayramı, İpek başlıklı ve A Bird's Nest Aksoy Karmel Press tarafından 2004and yılında Amman Büyükşehir Belediyesi sponsorluğunda yayımlandı.

 

 

روسي

 

 

Споры и Missunderstood По Доктор Omnia Амина

 

Тайсир Назми Был письменном виде, поскольку он был 20 лет. Его ранние писания вызвали много споров, когда они были опубликованы, как он всегда после незнакомые и невероятным, которую он всегда считал, никогда не были вне досягаемости. Много фантазии, участвующих в его ... литературное творчество, но Назми больше известен как критик в литературной и культурной областях, в арабском мире. Он пронзительно видение, которое реагирует на последствия жизни от угла, нужен специальный человек с чуткое восприятие понять. Подробнее Зачастую он не будет понято и неверно истолкованы как он избегает знакомым в поисках различные shores.Nazmi творческий писатель, критик, переводчик и несколько книг, которые на данный момент в ожидании publication.His последней коллекции под названием "Праздник, шелк и Птичье гнездо "опубликовала" Аль-Кармель в пресс 2004and под эгидой муниципалитета Большого Аммана.

 

 

يوناني

 

 

Διαμάχη Και Missunderstood Από το Δρ Omnia Amin

 

TAYSEER NAZMI έχει γράψει από τότε που ήταν 20 ετών. Νωρίς γραπτά του προκάλεσε μεγάλη διαμάχη, όταν από τη δημοσίευσή τους, όπως ήταν πάντα μετά το άγνωστο και το απίθανο, το οποίο πάντα πίστευα ποτέ δεν ήταν μακριά. Πολλές φαντασίας ασχολείται με του ... δημιουργικό γράψιμο, αλλά Nazmi είναι γνωστός περισσότερο ως κριτικός της λογοτεχνίας και πολιτιστικό τομέα στον αραβικό κόσμο. Έχει ένα διαπεραστικό όραμα που να ανταποκρίνεται στις επιπτώσεις της ζωής από μια οπτική γωνία που χρειάζεται ένα ειδικό πρόσωπο μια ευαίσθητη αντίληψη για την κατανόηση. Περισσότερα συχνά από ό, τι δεν έχει παρερμηνευθεί και να παρερμηνευθεί ως αποφεύγει το γνωστό σε αναζήτηση διαφορετικών shores.Nazmi είναι μια δημιουργική συγγραφέας, κριτικός και μεταφραστής και έχει αρκετά βιβλία που είναι αυτή τη στιγμή εκκρεμεί publication.His τελευταία συλλογή με τίτλο «Μια γιορτή, Silk Μια και η φωλιά του πουλιού που δημοσιεύθηκε από το Al Karmel Τύπου στο 2004and χρηματοδοτείται από την ευρύτερη περιφέρεια του Aμμάν Δήμου.

 

 

الهولندية

 

 

Controverse en Missunderstood Door Dr Amin Omnia

 

Tayseer Nazmi is schrijven sinds hij 20 jaar oud. Zijn vroege geschriften veroorzaakte veel controverse toen ze werden gepubliceerd als hij altijd was na het onbekende en het onwaarschijnlijke, die altijd dacht hij nooit buiten bereik. Veel fantasie is betrokken bij zijn ... creatief schrijven, maar Nazmi is meer bekend als een criticus in de literaire en culturele veld in de Arabische wereld. Hij heeft een doordringende visie die beantwoordt aan de gevolgen van leven uit een hoek die een bijzonder iemand met een gevoelige waarneming te begrijpen behoeften. Meer wel dan niet hij is verkeerd begrepen en verkeerd uitgelegd als hij het bekende, op zoek naar verschillende shores.Nazmi vermijdt is een creatieve schrijver, criticus en vertaler en heeft verschillende boeken die op dit moment in afwachting van publication.His nieuwste collectie getiteld Een feest, Silk en A Bird's Nest gepubliceerd door Al Karmel Druk in 2004and gesponsord door de Greater Amman gemeente.

 

  أستاذ النقد الأدبي بالجامعة الأردنية يقر بجهله بأحد رواد التحديث في القصة القصيرة العربية منذ 1972 وحتى اليوم ويبرر لكتابة الخواطر والأحكام العرفية المنتجة للهزال القعواري   :

تحولات القصة القصيرة وتداخل الأجناس الأدبية  

 

* د. إبراهيم خليل

 

في كتابهما "نظرية الأدب" يؤكد كلّّ من "رينيه ويلك" و"أوستن ورن" أنَّ الأدب الحديث - بصفة عامة - لا يميل للتقيد بالأسس التي تقوم عليها نظرية الأجناس ، خلافاً لما كان شائعًا في الماضي ، ولا سيَّما في الأدب الكلاسيكيّ. وإذا كثرَ هذا اللونُ من الانزياح عن الطابع النقيّ الخالص للأنواع في الشّعر ، والمَسْرحيّة ، والرواية ، فالحريُ بكاتبً القصَّة القصيرة ، دون غيْره ، أنْ يبتعد عن الأسُس التي تقومُ عليها فكرة التّجْنيس. وسببُ ذلك - في رأينا - أن القصة القصيرة عصيّة على القـَولبة ، متأبًّية على الامْتثال لقواعدً النوْع الإبداعيّ. فكثيرّ من الدارسين ، ونقادً الأدب ، يختلفونَ في تعريف القصّة القصيرةً ، ويتحدَّثونَ عنْها ، في مُعْظم الأحْيان ، مُسْتعملينَ مُصْطلحاتْ من: المسرحية ، أو المقالة ، أو الخاطرة ، أو الحكاية ، أو الرواية. أما إذا تأملنا نماذج من القصة القصيرة كتبتْ في أزمنة متباعدة ، لكتّابْ من أجيالْ مختلفة ، مُتعدًّدة ، فمن المؤكـّد أننا سنفتقدُ فيها عنْصر التماثل ، والتجانُس ، الذي يجْعَلها تنتمي إلى جنْس أدبي ، أو نوْع ، ذي صفاتْ مُحددة ، تميًّزهُ عنْ غيْره من أجناس ، مثلما هي الحالُ في المسرحية ، أو الملحمة ، أو القصيدة الغنائية ، أو أيًّ نمَطْ أدبيّْ آخر.

 

 

فما يجْمًع القصة القصيرة مع أنماط السَّرْد هو أنها نثرية ، تحتوي على ملامح زمنية وَمَكانية ، وشخصيّة ، ولكنَّ هذه الملامح موْجودة في الرواية ، والحكاية ، والخاطرة ، والقصة الطويلة ، والقصة وَحيدة الحدث والحكاية الرمزية وقصص الحيوان وأخيرًا الأساطير ، لذا لا نستغرب أنْ نجد القصة القصيرة - عُمومًا - من الأنماط السردية التي تتأثر بما عداها تأثرًا كبيرًا ، يُضفي عليها خصائص نمطْ ثان ، يقرًّبُها من جنس الشعر ، أو المسرح ، أو السيناريو. لوحظ ، على سبيل المثال ، وليس الحصْر ، في مجموعة "حكاية بلا بداية ولا نهاية" لنجيب محفوظ وهي مَجْموعَة قصصْ ، مثلما تشير الكلمة المنشورة على غلاف الكتاب ، أن النصوصَ فيها تتجاوز الصفات التجْنيسية لكلّْ من القصة القصيرة ، والمسرحية ، إلى نمطْ ثالثْ ، لا هو بالقصة الخالصة ، ولا بالمسرحية الخالصة ، وقد عدَّتْ القصص فيها نوعًا مُرْتبكاً ، فقيل: هي (حواريّاتّ) وقيل: بل هي أقرب إلى السيناريو التلفزيوني ، أو السينمائي ، منها إلى القصص ، وأنها لا تحتاج إلا لقليلْ من التعديل لتغدو قابلة للتمثيل التلفزيوني. وهذا الوصفُ ينْسَحًبُ على قصة "حارة العشاق" ، مثلما ينسحب على قصة "عنبَر لولو" و"الرجل الذي فقد ذاكرته مرتيْن" وغيرهما من قصص.

 

 

انحراف عن الركائز الأولى

 

 

والقصة القصيرة ، التي تقترنُ - غالبا - بالرواية ، توصفُ في نقد الدارسين لها بمصطلحات: كالتشكيل الاستعاري ، والمجازي ، والرمزي ، والإيقاعي ، والحديث عمّا فيها من الذاتي ، والغنائي ، ومن النزوع الدرامي. وعن غياب الشخصية عنها ، والتباسها بالقصة وحيدة الحدث. وهو شكلّ يوصف بأنه أكبر من قصة قصيرة ، وأقل من رواية ، على النحو الذي نجده في "الشيخ والبحر" لهمنغوي. وانحرافُ القصة عن ركائز قامتْ عليها عند كتابها الأوائل ، أمثال: موباسان ، وأنطون تشيخوف ، وهي التقاليد التي تتمثل في السرد المرتَّب زمنياً ، والشخصية المكتملة ، والخلفية الاجتماعية ، أدى هذا الانزياح ، بصورةْ من الصوَر ، إلى ظهور قصة جديدة ، قد تبدو لبعْض أهل النظر ، غريبة عن المألوف ، شاذة عن المعهود والمعروف.

 

 

ففي مجموعة "يونس البحر" لاعتدال عثمان مثلما هي الحال في "عنبر البنات" لمحمّد المخْزَنجي ، لا نجدُ قصصاً بالمعنى المتعارف عليه بين الناس ، فالحدثُ - إن صحّ وصفه بهذه الكلمة - يختلط فيه الحاضر بالماضي ، واللغة التي تكتب بها القصة يَختلط فيها الشعر بالنثر اختلاطاً لا يقوى القارئ عنده على التفريق بين ما هو نثر وما هو شعر. وقد يتعمّد القاصّ الخروجَ على القوالب النحّوية ، والبلاغية ، المرعيّة التماساً منْهُ للمُغايرة ، والاختلاف ، الذي يؤدي إلى الإحساس بجماليّات الأسلوب ، عوَضًا عن الانقياد للعُرْف البراغماتي (التداولي) الرامي لتأدية المَعْنى من أقرب الطرق: "يأتي الطير فيحطّ مستطلعًا أول الأمر ، تتوفـَّز رأسُه المستديرةُ بنظرةً قلق ، لا ترْكنُ إلى أمان ، إلا ريثما يخْدُشُ الرأسُ قشرة الأرض ، بسلاح مُدبَّبْ. ولا يلبَث كي يزْدردَ حبّة التقطها ، وإنما يعاود التوفـّز ، والفزعَ ، وكأنما يرصد في كلّ لحظةْ إشارات تحذير تلوحُ له منْ مكان خفيّ.. وكأنّما يداخله يقينّ ثابتّ بأنَّ حياته منذورَةّ لفخاخ غيْر مرئيّة ، تطبق الآن على عظام ساقيْه ، وتضغط على جلدهما الخشن ، المشوب بحُمْرة تزدادُ قُنُوّاً باحْتباس الدّم. أفزع أنا إليه ، ولا أطيقُ رفـّات جناحيه المستغيثة اليائسة ، ولا أطيقُ ضحكتك المتقطـّعَة ، وصوتك يستوقفني غريبًا صادراً من كهوف سحيقة فيك ، يفحّ :"خليه لما انشوف حيعْمَلْ أيه". وتلتقط الفخّ ، والضحكة الغريبة تسبقك. وتضغط عليه ، حتى تسْمع طقـّة العظام وهي تنكسر بين فكـّيْ المَعْدن ، ويختلط أزيزُ صوتُها بصوت حادّْ ، ممْطوط ، يخيَّلُ إلى أنّهُ عويلُ لظىً".

 

 

احتفاء بالتجريب

 

 

وهذه الظاهرةُ تمثل امتدادًا لظاهرة التجريب ، التي عرفتها القصّة في مطلع سبعينيات القرن الماضي ، فقد مثلت قصص زكريا تامر ، ولا سيما مجموعتاه: "ربيعّ في الرّماد" ، و "الرّعْد"، نماذج تقومُ على نبْذ القواعد التقليدية من بدايةْ ، وَوَسط ، وخاتمة ، ومن تقديم للشخوص ، أو تحليلْ لأبْعادها النفسية ، والإنسانيّة ، أو من توضيح لملامح الزمان ، والمكان.

 

 

فالتركيزُ انصبَّ على المغزى الذي يبرُز بوُضوح من خلال الخاتمة التي تنتهي بها حكاية مكثفة ، سريعة الإيقاع ، كما لو كانتْ خبَراً ، أو أليغورة. وقد تخلى الكتابُ ، من باب الاقتراب بالقصة القصيرة من الحكاية الرمزية (الأليغورة) عن الشخصية ، فلم يعد الإنسان هو الذي يحتل بؤرة اهتمام الكتاب. ففي قصة "الثأر" لفخري قعوار نجد الحيوان يحتل موقع البطل ، وقد خلع عليه الكاتب من خصائص التفكير ، والتمثل لقضايا الشخصيّة ، ما يؤكد أن هذه القصة أقرب إلى ما يُعرف بالحكاية الرمزية ، أو الأمثولة. وفي واحدة من قصص جمال أبو حمدان"من هنا طريق قيس" نجد الكاتبَ يستبدل النموذجَ التاريخيَّ (قيْس) بالنموذج الإنساني العادي. فهذا النموذجُ يحيلُ القصة إلى ما يُشبه الأسطورة ، فهو يجري وراءَ ليلاهُ الجديدة في مدينة لم تعد فيها آثارّ للصحراء ، وإنما هي أكمَة من الإسْمَنت ، تشعرُهُ بالضيق تارة ، وبالاختناق تارةً أخرى. وبعضُ القصص في المجموعة "أحزان كثيرة" تتحوَّلُ إلى حوار خالص ، مًثلَ: قصة"سبارتاكوس ".

 

 

ولا يقتصر التغييرُ الذي يمسُّ القصة على الاقتراب من فنًّ الخبَر ، أو قصص الحيوان ، أو الأليغورة ، أو السيناريو ، أو المشهد المسرحي ، بديلا للسَّرْد ، الذي هو عًمادُ القصة القصيرة. فقد امتزجت أيضًا بالمقالة ، ولجأ الكتابُ كثيراً لكتابة مقالاتْ صحفيّة ذات أغْراض ، وموضوعات متعدًّدة ، في هيئة تقتربُ بها من القًصّةً القصيرة. ومنْ يَطلعْ على كتاب"يوميات فرحان فرح سعيد" لفخري قعوار يجدُه في الواقع مجموعة من النصوص التي ترْتكز - في الغالب - على بدايةْ سرْديّةْ ، وشخصيَّةْ قصصيَّةْ ، ثم تنتهي إلى شيءْ من التحليل غيْر السَّرْديّ. وفي كتاب "إليها بطبيعة الحال" و" يحدث لي دون سائر الناس" للراحل محمّد طمليّة نجد الكثيرَ من المقالات التي كتبتْ بأسْلوبْ قصَصيّ ، فتقرأ المقالة كما لو أنها قصَّة قصيرة ، غير أنَّها ليست كالقصة التقليدية ، التي تعتمد قواعد البناء المعروفة: من ترتيب زمنيّْ ذي بداية ، ووَسَطْ ، وخاتمة.

 

 

إلى جانب تلك الظواهر ، برزت في الأفق القصة القصيرة القائمة على مبدأ المفارقة ، والتناقض الظاهري ، وربَّما على المفارقة الدراميّة ، والساخرة. وقد شاعت هذه الظاهرة لدى بعض الكتاب ممن يميلون عادة للتجريب ، وفي مقدمة هؤلاء مؤنس الرزاز في قصة "النمرود" ومحمود الريماوي في أكثر قصصه ، ومحمد طمليّة في مجموعته "المتحمسون الأوغاد" وسامية العطعوط في "طقوس أنثى" وأحمد النعيمي في خطوة أخرى ، وفي أكثر قصص مجموعته "يدّ في الفراغ" و"حصان العصر". ففي أقصوصته: "مقال" تتبدى لنا المفارقة من التضادّ الظاهري الذي يُفصح عنه موقف الصحفي الذي يقضي ساعات في كتابة مقاله عن التدخين ، وزخرفته بجلًّ أنْواع البديع ، ليختمَهُ بعبارة"وهكذا أيها الأخوة القرّاء تروْن أنّ التدخين عادة سيئة يجبُ ترْكُها ، وأعتقد أننا قادرون على ذلك ، ما دُمْنا نمتلك الإرادة. وهذا الصحفيّ سرعان ما يكتشف أنّه دخَّن في أثناء كتابته المقال علبة سجائر كاملة. والتناقضُ الظاهرُ - هنا - واضحّ في دعوته لتجنُّب التدخين فيما هو يدخّن بشراهة ، داعيًا للاتصاف بالإرادة القوية ، فيما هو إرادته ، وعزيمته ، خائرتان ، فقد طفق يتأفـفُ حين اكتشفَ أنّ علبة سجائره خاوية ، وأنَّ عليه أنْ يُبادر لشراء عُلبةْ أخْرى.

 

 

اقتراب من فضاء الشعر

 

 

ويمثل ظهورُ القصة القصيرة جداً الوجه الآخر لاقترابً القصَّة منَ الشًّعْر.

 

 

فالشًّعْر يتميز عن أجناس النثر ، والسَّرْد ، بما فيه من الإيحاء ، والإيماء ، والتعبير غير الصريح ، واللجوء إلى الموارَبة ، والتلميح. وفي ذلك تقومُ اللغة المجازيَّة بإغناء النصّ المُكثف ، وتوفير البدائل الممكنة للاطراد ، والتفصيل ، الذي تتميّزُ به الكتابة السَّرْديّة التقليديّة. وظاهرة القصة القصيرة جدًا من الظواهر التي شاعتْ في العقود الأخيرة ، وبدأتْ إلى حدّْ قريب تحلُّ محلّ القصة القصيرة. فعند محمود شقير ، وهند أبو الشعر ، وبسمة النمري ، وأحمد النعيمي ، وسامية العطعوط ، الكثير من التجارب في كتابة القًصّة الوَمْضة ، إذا ساغ التعبير ، وصحَّ التصنيف. ففي "رهان" و"إنقاذ" و"مظلة" نماذج تبتعدُ فيها الكاتبة عن الهيْكل التقليدي للقصة ، وتقتربُ بقصصها هذه منَ القصيدة التي توحي أكثرَ ممّا تروي. ففي "مظلة" يجري التركيزُ ، بصفةْ لافتةْ ، على إحساس الفتاة المُنتظرة ، وإحساس الشاب بالوحدة ، في فضاء يغسله المطر ، كما لو أننا نندمج في طقس خرافيّ ، أو أسْطوري ، لا علاقة له بالتراث. وفي قصّة"قاعة" لسامية العطعوط نجد أنفسنا أمام قصة هي أشبه بالنكتة التي يجري التأكيد فيها على المفارقة الساخرة ، والموقف التمثيلي ، المنتزع من المشهد المسرحيّ. ومن القصص التي تبهر القارئ بما فيها من صورةْ تنْحَتُ بالكلمات قصة "أسرار" لبسمة النمري من مجموعتها: "سفر الرؤى": (ينهمرُ المطر بغزارة ، يجري أنهرًا على زجاج النافذة. يرسم عليها خطوطًا أتأملها ، أرى فيها وجوهًا تستقرُّ للحظاتْ قبل أنْ يغسلها المطرُ ، وتغيب. أحدّقُ بالوجه الذي رسمه الماءُ للتوّ أمامي. يَحْكي فأفهَمُ كلّ شيء. وجوهّ تتوالى. أعرفها ، تبوح لي بأسْرارها. وتمضي. أقفُ الآنَ على الجًمْر. أنتظرُ وجْهَه ). فالفتاة تلهو بمراقبة الوجوه التي يرسمها المطر المتساقط بغزارة على الزجاج ، وجوهّ تظهر تارة ، وتختفي أخْرى ، وهي بين ذلك وذلك توحي بالكثير من الأسرار ، لكنَّ الوجه الذي تنتظرُه هو وحده الذي لا يظهر. مما أشاع في القصة "الوَمْضة" توترًا يشْبهُ التوتر الذي تقوم عليه بنية القصيدة القصيرة. وذلك بلا ريْب يُؤكّد أنّ القصَّة - القصيدة ، بتعبير إدوار الخراط ، تتمثل بصورة خاصّة ، ودقيقة ، في القصة القصيرة جداً ، وليس في أيًّ نوع آخر من القصص.

 

 

وما نريد تأكيدهُ ، بإيجاز ، هو أنّ القصة القصيرة تمثلُ - أساسًا - نوعًا مرتبكًا من الأدب ، بمعنى أنه لا يمتلك سماتْ مستقرّة خاصة به تمنحه الاستقلال عن الأجناس الأخرى. وبسبب هذه المرونة يتمتع بحرّية التنقل بين أنواع من الأدب ، فيَكسَبُ من الرواية شيئاً ، ومن القصيدة شيئًا ، ومن الأليغورة شيئًا ، ومن قصص الحيوان أشياءَ أُخَر. وهذا - في المحصلة النهائية - يؤدي إلى الغنى ، والتنوُّع ، في أشكال القصص القصيرة ، والقصيرة جدًا ، وهذا الثراءُ ، والغنى - بلا ريب - يضمَنُ لها الدوام ، والسيرورة ، وإن لم يضمن لها الاستقلال الذي تتمتع به الأنواعّ الأخرى.

 

 

التاريخ : 15-01-2010

 

 

 

«الآن.. هنا» : رواية التفاصيل المرعبة للسجون والسجّانين وسجناء الرأي

 

د. محمد عبدالقادر

 

ذات يوم كتب الدكتور محمد عبد القادر مقالة تحليلية هامة عن المجموعة القصصية الأولى للكاتب تيسير نظمي 1979 وعندما قام الشاعر علي عبد الله خليفة بنشرها في مجلة كتابات البحرينية المتخصصة تم منع الفصلية البحرينية من دخول الإمارات العربية وطويت صفحة واحدة من أهم المجلات التي كفت عن الصدور في الخليج. واليوم تنشر حركة إبداع مقالة عبد القادر دون أن يحجبها أحد على الشبكة العنكبوتية وفاء من تيسير نظمي لصديقه محمد عبدالقادر وبالتزامن مع ملحق الدستور وفاء لصديقين آخرين من أصدقاء نظمي وهما الدكتور نبيل الشريف والمسؤول عن ملحق الدستور بسام هلسه.

 

 

«الآن.. هنا»

 

في معرض أقيم ذات يوم للفنان العظيم الراحل ناجي العلي ، انتصبت لوحة هي عبارة عن مرآة حقيقية رسمت عليها خطوط طولية سوداء ، يقف المشاهد بعيداً عنها نسبياً فيرى المرآة وخطوطها ولا يرى شيئاً خاصاً مميزاً لهذه اللوحة. وحين يسأل مشاهد ناجي: ما هذه اللوحة؟ لا نرى فيها شيئاً، يقول: اقتربوا أكثر من المرآة. حينها يرى المشاهد صورته في المرآة معتقلاً وراء القضبان. وهكذا الحال حينما يدخل القارئ عالم "الآن .. هنا" لعبد الرحمن منيف فإذا به في جوف السجن ومعترك التجربة ، وكأنه طالع العريفي ، أو عادل الخالدي ، أو التركي مصطفى أوغلو ، أو رضوان فرج وغيرهم من سجناء الوعي والضمير في معتقلات عربية تربض في قلب المدن أو في الصحارى مترامية الأطراف. إنها التفاصيل المرعبة للسجون والسجانين والسجناء ، التي وصفها منيف في رواية ضخمة تربو على خمسمائة صفحة ، وما تحمله من صور التعذيب والصمود والآلام والآمال في معتقلات يفتخر سجانوها بالقول "نحن نخلي البلبل ينهق والحمار يغرد" ، "والدجاجة تطير وتعلّي ، والصقر يهوي ويركع". وأياً كانت أشكال المعاناة التي تصورها رواية منيف فإن ما يلفت النظر في هذا النص المدهش هو قدرة الكاتب على الغوص في أعماق الذات المريضة للسجان ، والحالات النفسية لسجناء الوعي والضمير ، في رواية هي في واقع الأمر ثلاث روايات تستقل في بنائها وتتكامل موضوعاً ورؤى.

 

رواية أم روايات؟

 

"الآن.. هنا" تبدو وكأنها رواية قائمة على أقسام ثلاثة أولها "الدهليز" وثانيها "حرائق الحضور والغياب" وثالثها "هوامش أيامنا الحزينة". وإذ أزعم أنها في الحقيقة روايات ثلاث فإنما مرد ذلك إلى أن كل "قسم" منها يحكي رواية مختلفة ، فالدهليز رواية "اللقاء" بين مناضليْن عربييْن أمضيا سنوات في سجون بلديهما ليجتمعا مصادفة في مستشفى كارلوف في براغ قبيل المرحلة الحرجة التي عصفت بالكتلة الشرقية. في المستشفى يلتقي عادل الخالدي وطالع العريفي ويتبادلان الآراء والأفكار والآلام والآمال حيال الواقع السياسي والحزبي في بلديهما (عمورية ، وموران) وتدور بينهما حوارات عميقة حول فلسفة السجن. يتبدى عمق الإدراك لهذه الفلسفة لدى العريفي بقوله "نحن خلقنا السجانين .. تنازلنا .. استسلمنا حتى أصبحنا ضحايا لا نعرف كيف نتعامل مع هذه الحالة". العريفي يحتفظ بمذكرات سجنه ولا يرى ضرورة لنشرها ، فيما يسلمها لعادل الخالدي لقراءتها وإبداء ملاحظاته فيصرّ الأخير على ضرورة نشرها. يموت طالع العريفي في المستشفى ، وفي نقد مرير لسلوك الدولة "الاشتراكية" - بل والتجربة الاشتراكية برمتها - يغادر الخالدي إلى باريس بعد أن طولب من قًبل إدارة المستشفى "بفاتورة العلاج" في زمن الانتقال والتحول ، والتقرب من عالم "البترودولار".

 

أما القسم الثاني ـ أو الرواية الثانية "حرائق الحضور والغياب" ، فهي سرد فني لتجربة طالع العريفي من خلال مذكراته التي سلمها لعادل الخالدي الذي قرر أن ينشرها بعد وفاة طالع. وفي هذه الرواية نتعرف على السجون التي خبرها العريفي ونلمس عذابات السنوات العشر التي عاشها في المعتقلات العربية ومدى سادية الجلادين ، فيما يخلص إلى مقولة هامة مفادها أن السجن والجلاد هما نتاج خلل عميق ، وإفراز لعلاقات غير متكافئة ، علاوة على أنهما يمثلان فهماً خاطئاً لطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم ولحقوق وواجبات كل منهما.

 

كذلك يمثل القسم الثالث ـ أو الرواية الثالثة ، مذكرات عادل الخالدي في سجون "عمورية" "مدينة الصمت والموت والانتظار" ، والتي يدون فيها تجربة القمع والألم والمعاناة والصمود في العديد من المعتقلات. وهي بالفعل رواية ذات بناء مشابه لبناء الرواية السابقة. على أن ما ينبغي التنبه إليه ، هو أن الذكاء الفني لمنيف والخبرة السردية العميقة ، هي التي مكنت عملاً من ثلاث روايات أن يبدو عملاً فنياً واحداً ، وذلك باستخدام وسائط ربط بسيطة كلقاء الغريبين في المنفى ، وتوظيف أسلوب المذكرات ، ووضع مقدمات تمهيدية عند مدخل كل رواية تستعيد الأسماء والحوارات السابقة من دون أن تحدث خللاً في البناء السردي لكل رواية. هذا الفصل والوصل ، أو التعدد والدمج ، إنما هو استراتيجية فنية ماهرة أراد منها منيف أن يمد المعاناة إلى شرق المتوسط برمته ، فتتعدد السجون والقصص وأشكال المعاناة ، ويتعدد الضحايا في وطن عربي يشكل السجن أبرز معالمه

 

بل إن رواية الخالدي ذاته تمثل مسرحاً لمعتقلات عدة تنقّل فيها في بلده عمورية ، فقد قضى زمناً في السجن المركزي ، لينتقل إلى سجن العفير ، ثم إلى سجن القلعة ، ومنه إلى سجن العاصمة ، ليغادر وطنه بعد ذاك إلى براغ طلباً للعلاج. ولعل منيف وظف استراتيجية أخرى هامة في الإشارة إلى البعد العربي للمعتقلات ، تتمثل في استخدام اللهجات المحلية ومفرداتها المميزة من بلد إلى آخر ليؤكد تنوع الأدوات ووحدة الغايات والنتائج.

 

"الآن ... هنا" رواية تزيل حدود الأمكنة ، فيما يظل الزمان "عدواً" شرساً بطيء الحركة ، ثقيل الوطأة ، بارداً وشامتاً وتافهاً إلى أبعد الحدود ، حتى أن أحد السجناء طوّح بساعته في المدى دلالة على عبث البحث عنه ولا جدواه ، وحيث الانتظار سيد الموقف ، وهي حالة تذكرنا بما فعله "حامد" في رواية "ما تبقى لكم" للراحل غسان كنفاني.

 

سايكولوجيا" القهر وآليات الصمود

 

حين يتأمل قارئ "الآن ... هنا" مسوغات إنشاء معتقلات من هذا القبيل ، يخلص إلى نتيجة مؤداها أن الغاية منها ليست وضع الإنسان في "اللا زمان" و "اللا مكان" فحسب ، بل العمل الدؤوب على تدمير مفهوم الذات لدى سجناء الوعي والضمير ، ووسائل ذلك عديدة متنوعة. وهذا هدف نفسي في أساسه. بالمقابل هناك آليات مضادة ترد في سياقات السرد يلجأ إليها السجين لحماية مفهوم الذات وصيانة روحه من الأذى والانهيار. "الآن ... هنا" تصف بتفاصيل دقيقة أكثر من تجربة ، وتصور آليات السجان والسجين في صراعهما على الروح الإنسانية: واحد يسعى إلى تدميرها ، وآخر يحميها بكل ما توافر لديه من إمكانات. السّجّان -في "الآن ... هنا" - لا يعدم الخيارات: لديه السوط وقوة التعذيب المبرح ، ولديه اللسان الطافح بكل مفردات الشتائم القبيحة ، وهناك العزل (الانفرادي) والازعاج ، والحرمان من النوم ، وقوى الطبيعة التي تغدو ملك يمينه: الشمس الحارقة والبرد القارس. أما حرمان الجسد من حاجاته الأساسية فتلك تسلية السجان: لا طعام ، لا ماء ، لا حمام ، لا مرحاض. وله أن يستدرج الضحية مرة بالمساومة والترغيب ومرات بالترهيب. وحين يغدو السجين رقماً في سجل المعتقلين القدامى يعيش حالة المقاطعة والتجاهل ، والشتم والعنف اللفظي والسخرية. يرصد عبد الرحمن منيف ، في مشاهد روائية متعددة ، مواقف السجناء في صمودهم إزاء آليات القمع والقهر والإذلال ، وفي اجتراحهم لآليات الدفاع عن الكرامة ومفهوم الذات ، هذا يرفض عروض السجان :"سيجارة وفنجان قهوة" فيتخلص من إدمانه على التدخين مرة وإلى الأبد ، وذاك يجلس يتأمل التجربة ليدوًّن في الذهن تفاصيل أيام يخشى أن تتلاشى بمرور الزمن ، وذاك يستند إلى الذاكرة فيستدعي أيامه الجميلة ليستمد منها الكرامة والصبر ، وهناك من يتمسك بالحلم حتى ولو كان وهماً ، وأحدهم يوظف عناده مستنفراً الجانب "البدائي" في الإنسان ، وذاك لا يتردد في تعميق إيمانه بالحياة والحرية لأن قضيته عادلة ، وهناك من يناجي الأم في لحظة التعذيب الشديد "آخ .. يمّه" ، وهناك من يواجه الجلاد بالصمت. لقد أصبح الجلاد "الشهيري" رمزاً للسجون والسجانين ، لكن السجناء يواجهونه بالغناء ، والكتابة. على أن منيف لا يغض البصر عن السجين المنهار ، ولا على ذلك المنكفيء على ذاته. ولم يفُت منيف أن يقتحم "سايكولوجيا" السجان ـ الجلاد ، فتبرز صورته كإنسان مشوّه ، مخترق ، معطوب النفس ، رجل من تبنْ ، أجوف و جبان. هكذا يصوّر منيف قطبي الصراع: سجّان يرمي إلى جعل حياة السجين عبثاً بلا جدوى ، حياة نادمة على ماضيها ، يائسة ، حائرة ، تتآكل ذاتياً ، وسجين عقد العزم على أن يحرم جلاديه من لذة الإنتصار. مات طالع العريفي غريباً في المنفى وهو يقول "لم نفعل ما يجب لكي لا تكون هناك سجون أصلاً". وظل عادل الخالدي يردد أن الإنتصار على السجن لا يتمثل فقط في الصمود ، بل يكون في تدميره ، تماماً مثلما ظل يحلم في منفاه أحلاماً لا تخلو من "فرح حزين" ولهذه الخاتمة دلالاتها العميقة.

 

د. محمد عبد القادر

 

التاريخ : 22-01-2010

عبدالرحمن منيف : في الكلمات مؤانسة مفيدة وايقاظ للعقل

 

د. فيصل درّاج

 

 

قال الشاعر التركي الراحل ناظم حكمت: "المنفى مهنة شاقة يا صاحبي" ، واصفاً تجربة ذاتية واختياراً يحرم الإنسان المتمرّد من الراحة. ولعل هذا الاختيار ، الذي يضع الإنسان المنفيّ بين البشر وخارجهم هو الذي جعله يموت في المنفى واقفاً: "لم يكمل جملته وصمت" ، وحين انتظر صاحبه بقية الكلام ، وجد شخصاً واقفاً فارق الحياة ، تركياً يموت في براغ ، معبّراً عن إنسان مختلف ، يموت ولا يقع. شارك عبد الرحمن منيف الشاعر التركي مهنة المنفى وتجربة الاختيار الصعب ، وتقاسم معه إرادة حرة وكلمة مسؤولة وكرامة تساوي قلماً عنيداً لا يعرف المساومة. توازع الطرفان "جمالية المقاومة" ، تعبير كان يمر عليه عبد الرحمن في سنواته الأخيرة ، وهو يلخص حياة التزمت بقاعدتين: على الإنسان أن يتصرّف بحياته ، كما يريد وأن يمنع الآخرين عن التصرّف بها ، حتى لو كانوا مدججين بالأسلحة والذهب. وعلى الأديب أن يعير صوته إلى هؤلاء الذين لا صوت لهم ، وأن يكتب نيابة عن الذين لا يحسنون الكتابة. استأنف ، في الحالين ، تاريخاً من القيم ، فكان داخله مرجعَه ، وكانت كلماته امتداداً لمكتبات التمرّد والنور والعصيان.

 

بين مسافتين

 

انشغل عبد الرحمن ، الذي أذكر مشيته الواثقة وضحكته الراضية ، بمفهوم المسافة: أن يبتعد عن طرف الابتعاد كله ، وأن يلغي المسافة بينه وبين الذين أعارهم صوته. والمسافة الأولى واضحة ، محددة ، جليّة ، فصلته عن سلطات تكره الحق وتحتفي بالسفاهة ، وصفها في روايته "مدن الملح" ، التي اعتبر فيها النفط كارثة جديدة تضاعف كارثة فلسطين. والمسافة الثانية ، التي محاها بإصرار نجيب ، تحيل على الفقراء والمضطهدين والمنفيّين والمهمّشين والمغيّبين ، بلغة إدوارد سعيد ، وكل هؤلاء المقاومين ، الذين يستمطرون وعداً لا يأتي. حال الصياد الفقير الجميل الذي قتلته "الخيول الحديدية" في رواية "النهايات" حيث الأرواح الميتة تهلك البشر والطيور وتعبث بقوانين الطبيعة.أراد عبد الرحمن منيف أن يجابه مكتبات الظلام ، المحروسة بالبنادق والكتابة الكاذبة ، بمكتبات التساؤل والمواجهة ، التي تحتشد فيها حيوات مغبونة محرومة منسية ، تُعنى بها أقلام المبدعين المنفيين ، الذين يموتون وقوفاً. وبسبب ذلك كتب الرواية مرتين: مرة أولى حين مزج ، كغيره ، بين الواقعي والمتخيّل ليحدثنا عن إنسان طيب عاثر الحظ في "الأشجار واغتيال مرزوق" أوعن مقاتل معطوب أرهقته الهزيمة في "حين تركنا الجسر". ومرة ثانية حين ردّ على الرواية السلطوية ، في "مدن الملح" ، برواية أخرى متحررة من التسلط ومن الكتابة السلطوية للتاريخ. فلكل واقعة تاريخية أكثر من رواية ، يُكتب بعضها من وجهة نظر المنتصرين ، الذين يختصرون الانتصار إلى المصلحة ، وبعضها يكتب من وجهة نظر الذين فاتهم الانتصار وينتظرون معركة جديدة.من أين تأتي الحقيقة؟ ومن هو الإنسان الذي ينصر الحقيقة ويثبّتها ويضعها في كتاب؟ عاش عبد الرحمن هذين السؤالين وتأملهما ، وأعطى حياته للإجابة عنهما. تأتي الحقيقة من أحوال الأمة ، التي كلما حاولت النهوض قصفتها الطائرات والبوارج الاستعمارية ، وتأتي من وجوه الفقراء الذين يرون في القمر رغيفاً ، ومن شعور الإنسان العربي بالهوان ، وتأتي من سطوة المنفى المتعدد ، التي تضيف قلقاً موجعاً إلى الإنسان المسؤول في جميع الأمكنة.ولعل هذه الحقيقة ، التي يمزّقها المؤرخون الرسميون تمزيقاً لا اقتصاد فيه ولا اعتدال ، هي التي أملت على الروائي عبد الرحمن منيف أن يصبح مؤرخاً ، وأن يستدرك ما حجبه المؤرخون أو قصروا في قوله ، بلغة الراحل العزيز الآخر سعد الله ونوس. ولهذا عاد إلى نهايات القرن التاسع عشر ، وهو يبني حكاية النفط العربي مرحلة مرحلة ، باحثاً في الكتب والوثائق والأرشيف الحديث والقديم ، وباحثاً في الحدس السليم ، الذي يرى نفطاً يتلوه خراب ، ويرى خراباً مستديماً محروساً بالريع النفطي.

 

بيد أن عبد الرحمن لم ينصرف إلى التاريخ ليكون مؤرخاً ، فمهنة المؤرخ وحدها لا تفضي إلى المنفى ، إنما شاء أن يكتب تاريخاً آخر ، وأن يواجه بالتاريخ الحقً الحقَ الكاذبَ الذي تدّعيه السلطة ، بلغة قريبة من لغة إدوارد سعيد. كتب الروائي رواية الحق العربي ، وأراد أن تكون الرواية ذاكرة ثانية ، كما كان يقول ، ترد على مكتبات الظلام ، وتأخذ بيد الإنسان السوي إلى موقع محايد ، يقرأ فيه التاريخ كما جرى ويعرف أسباب هوانه المستديم.

 

قضايا القارئ وهمومه وهواجسه

 

من هو الكاتب الذي ينصر الحقيقة؟ هو الذي يصطحب في مساره الكتابي قارئاً يحترمه ويعترف به ويتبادل معه الحوار ، وينتظران معاً يوماً عادلاً ، يأتي ولا يأتي. ومع أن بعض المهتمين برواية منيف يرى فيها رواية سياسية ، ويختصر السياسة فيها إلى المضمون الذي تصرّح به ، سجناً كان أو نفطاً أو هزيمة قومية ، فإن السياسي في أدب عبد الرحمن ، وليس بعيداً عن مسرح ونّوس ، قائم في القارئ ، الذي اجتهد الروائي ـ المؤرخ في التعرّف على قضاياه وهمومه وهواجسه واجتهد أكثر في صياغة "لغة وسطى" ، كما كان يقول ، يعرفها القارئ وتمتعه وتحرّض عقله ولا تدفعه إلى الذهاب إلى القواميس.في لغته الوسطى كان عبد الرحمن يعلن عن سياسته في الكتابة ويعلن ، في الوقت ذاته ، عن تصور ديمقراطي للقراءة والكتابة والحياة. فلا بلاغة مصطنعة تشعر القارئ أن كاتبه أعلى منه مرتبة ، ولا أسلوب يحتشد بزخارف ترهق القارئ وتأمره بالانصياع إلى مشيئة "الأديب الخالق" ، كما يقال ، ذلك أن عبد الرحمن كان ينتج ولا يخلق ، معتمداً على تجربة حياتية ذاتية ، تتمازج بتجارب البشر يتوّجها ، أو ينقّحها ، وعي أدبي ـ سياسي يعرف أن بين القارئ والكاتب حلفاً ، يتطلع إلى مثال بعيد. ولعل هذا الحلف الأخلاقي ، الذي يمحو المسافة بين من يحسن الكتابة ومن لا يحسنها ، هو الذي أتاح لعبد الرحمن أن يرسم ، بشكل مضيء وضيء وأليف ، شخصياته المتوالدة في "أرض السواد" ، وهو يقيس أقدار "عراق اليوم" بأقدار عراق مضى ، أراد له حاكمه "داود باشا" ، في الربع الأول من القرن التاسع عشر ، الحداثة والتقدم والإصلاح ، قبل أن تُغرق مشروعه البوارج البريطانية. عراقان ومآلان وروائي يقارن بين المآلين ، ويعطف استعماراً جديداً على استعمار قديم .

 

قلق الأدب التحريضي

 

لم يشأ عبد الرحمن أن يقلق قارئه بالصنعة البلاغية ، بل أراد أن يقلقه بشكل مختلف ، حين واجه "الأدب التعويضي"بـ "الأدب التحريضي" ، عارفاً الغاية والوسيلة. فعلى خلاف "أدب واقعي" ، عاش طويلاً ، أوكل إلى البطل المتميّز المفرد أن ينتصر نيابة عن الجميع ، أي أن يهزمهم قبل الذهاب إلى المعركة ، جاء عبد الرحمن بأدب جديد ، ينقد الواقع ويحرّض عليه ويحرّض قارئه على التمرّد عليه ، دون أن يقترح انتصاراً أو يَعًد ببشارة ، مدركاً أن الأدب لا يغيّر الواقع بل يغيّر وجهة النظر إليه لا غير. ولهذا يأتي أبطال روايات عبد الرحمن ، في بساطتهم وأحزانهم واغترابهم ، ويذهبون ، لا ينصرون أحداً ولا ينتظرون نصرة أحد ، بل يضعون في وجه القارئ تجربة حياتية ، تقول من أين تأتي التعاسة ، ولا تقول شيئاً عن طرق السعادة المؤجلة. فلا تلقين ولا مواعظ ولا ذلك التعالم الغليظ ، الذي يوزّع البشر على مراتب ، ذلك أن عبد الرحمن اعتنق مبدأ المساواة بين البشر ، الذي يؤكد أن للبشر حظوظاً متساوية من العقل ، وأنهم يتقاسمون لغة واحدة ، لغة هامسة لا وعد فيها ولا وعيد.مع ذلك فإن "أدب صاحبنا" الذي عاش جملة ناظم حكمت "المنفى مهنة شاقة يا صاحبي" ، ليس أدباً تهذيبياً بسيطاً ، بل هو أدب من نوع جديد ، قوامه حوار القارئ والأديب ، وحوار الطرفين مع قضايا الحياة . فعلى خلاف "الخطاب التعويضي" ، الذي يوهم القارئ بانتصاره ، أو يأخذه إلى النصر عن طريق "بركة الكلام" ، أو "الكلام المبارك" ، أراد عبد الرحمن أدباً وطنيا له تقنية تلائمه ، لا تغترب عن القارئ ولا يغترب القارئ عنها. ولهذا جاء بـ "المتواليات الحكائية" في "مدن الملح" ، إذ كل حكاية تنفتح على غيرها ، مخبرة بمستقبل لا يقبل الانغلاق ، وأغلق "النهايات" بصوت جماعي ، يتوزع على التراث والحياة معاً ، وطبق "تيار اللاوعي" في "حين تركنا الجسر" بحذق غير مسبوق. رهن عبد الرحمن التراث الأدبي العربي ، روائياً ، مبرهناً أن ما كان يُقرأ بمعرفة جديدة ، فقراءة القديم بوعي قديم لعبة خاوية.

 

السياسة عبر الكتابة

 

ترك عبد الرحمن السياسة ، بعد الخيبة القومية الشاملة ، وعاد إليها بسبب خيبة لا تكف عن التوالد: تركها في شكلها الحزبي وعاد إليها في شكلها المتحزّب ، لأنه أراد أن يمارس السياسة بشكل طليق عنوانه : الكتابة. فكما أن الرواية ذاكرة ثانية ، كما كان يقول ، فإن الكتابة ممارسة للسياسة بشكل آخر ، تستعيض عن الحزب بالجمهور ، أو بالقارئ المحتمل ، الذي لبّى عبد الرحمن حاجته ولبى صدق عبد الرحمن وجعل رواية "شرق المتوسط" ، التي كُتبت في أثنى عشر يوماً ويعاد طبعها أكثر من خمس عشرة طبعة. كل غصن إلى هواه يميل ، والغصن اللدن المرن الصلب المزهر ، الذي كانه عبد الرحمن ، مال إلى خير البشر المتوّج بالحرية ، أو مال إلى حرية مسؤولية لا يستقيم من دونها خير البشر. ولهذا مشى وترك ما يدل عليه ، ومضى وترك آثاراً ، ورحل وأشعل شمعة تزعج الظلام ، منتسباً إلى "مكتبة النور" ، التي استضافت طه حسين وغسان كنفاني ورئيف خوري وأنطون مقدسي ومحمد مهدي الجواهري وسعد الله ونوس ، ...واجه منيف ، معتصماً بالأمل وبجهد جلود ، هزيمة ولوداً ، اتسعت لأحزان فلسطين والعراق ومباهج حفاري القبور وعجائب "النفط" ، الذي استحال إلى كارثة. أقتنع بفاعلية الكلمة ، فصَاحبَ الكلمات وأخلصت له الكلمات وأعطت لحياته شكل: الملحمة ، إذ في الكلمات مؤانسة مفيدة وإيقاظ للعقل وقصص عن العشاق وحوار بين السجين والجلاد وبين حقيقة عزلاء وحقيقة مسلّحة طائشة الرصاص ، وإذ في الكلمات ، كل الكلمات ، حوار بين الأحياء والأموات لا ينتهي ، يعلّم الأحياء مبادئ القراءة وبدايات المسار الصحيح. كل الأحياء يموتون ، والبعض يموت ولا تموت آثاره ، وعبدالرحمن منيف واحد من هؤلاء.

 

التاريخ : 22-01-2010

powered by
Soholaunch website builder
 

©2012 Originality Movement / Tayseer Nazmi