NaZmiUS ORIGINALITY MOVEMENT NEW WEBSITE
































جديد المقالات مخطوطات البحر الميت

اخبار الموقع

Dead Sea Scrolls مخطوطات قمران -البحر الميت-

 
 

فاطمة الناهض 

هل قلت أنني احبك؟

كان ينتظرني كل ليله.

هو الوحيد الذي كان ينتظرني مهما تأخرت في العودة. اقتربُ منه بتجهمٍ يقول: لا أريد ان يكلمني أحد. ولكنه يفعل. فتنساب الطمأنينة نحو روحي حين يفعل، وكأنه يعلم انه غير معنى بهذا الطيش. يسألني، كل ليلة، ان كنت قد أكلت، فأهز رأسي ان نعم، ولا أقوى على الكلام. الملم أجزائي الهائمة في فضاء آخر، والتحم بالفراش، التصق به كبرادة الحديد يجذبها مغناطيس هائل، يذهب إلى فراشه بعد ان يطفئ الأنوار ويتأكد أنني غبت عن الحياة تقريبا، اشعر بشفتيه الحانيتين فوق رأسي كلمسة ملاك عابر، وأسمع دقات قلبه تبتعد وهو يأوي إلى فراشه يرافقه الإخلاص والمعوذات. في الصباح يقدم لي أحد كوبين من الشاي القاتم الذي أعده منذ مدة طويلة، وأعاد تسخينه اكثر من مره. أتناوله بامتنان وأتبادل وإياه كلمات قليلة ثم أقبل يده واذهب في سبيلي. كنت اقرب إليه من أي إنسان على وجه الأرض، حد الحسد، وكان بإمكان أخوتي ان يقرروا قتلي ليخلو لهم وجه أبيهم، لو أرادوا، ولم أكن لأفعل شيئا. كان يقول لهم أنني "غير" وأنني لا أجد وقتا لآكل، أو أنام جيدا. وان الطيبة تقطر من أرداني لو حاولوا ان يفهموني. ويكاد قلبي ينفطر حين أسمعه خلف النافذة يهمس لهم بكل ذلك وهم يتذمرون. أقرر العودة باكراً في المساء لأقضي معه بعض الوقت، وأنسى. بعد إرهاق لا يعرف الرحمة ولا المكان، أتذكره، أهبُّ في حركة ثورية إلى سيارتي، أحمل ذنب العقوق على كأهلي، أسابق الليل، أتخيله يزرع المسافة بين غرفته وباب المنزل الخارجي بالتوجس والصبر جيئة وذهابا. افتح الباب وابتسم في وجهه اقبل يده اليمنى فيضع اليسرى على رأسي، يسألني هل أكلت، وأهزّ رأسي بنشاط مفتعل: نعم. يذهب ويعود "طاسة" صغيرة مليئة بحب الرمّان يقدمه إلى فتتسع ابتسامتي، رمّان؟ الآن؟ يبتسم: لقد فرطته ونظفته لك وقلت لابد انه سيعجبك. أرمي بأغراضي في أحد الزوايا وآخذ معي "طاسة" الرمّان إلى السرير و الساعة تقترب من الواحدة بعد الحياة .

فرقت بعدها بيننا ليال، وحيوات كثيرة، وطوتنى محيطات وبحور دون أن أقول له أنني أحبه اكثر من أي شئ في هذه الفانية. كنت عقدت العزم أن أقول له ذلك منذ دافع عن عينيّ الصغيرتين أمام أخوتي بحماس طفولي بديع، لم يخل من اللجلجة، مؤكداً أن لا علاقة لجمال العيون بحجمها، وان لي عينان فيهما من السحر ما يبعث الحياة في الصخر. وحين ضحكوا حتى كادوا ان يستلقوا على أقفيتهم، قال ان جده كان شاعرا، ولم اعرف ذلك من قبل.

لا أريد ان استعيد الآن كل تلك الأوقات التي بددتها هباء أحيانا على من لا يستحقها، وكان بإمكاني ان اقضيها معه، ازرع وحشة أيامه بالبهجة، ولياليه بالراحة والأمل. أوفر قلقه علىّ وأعود من العمل في وقت مناسب، أستطيع معه ان افتح فمي وعينيّ ببعض السعادة قبل ان أبحث عن سريري. عندما كنت اشعر بالذنب، اقنع نفسي بأن المحبة لا تقال لكننا نشعر بها وانه حتما يعلم كم أحبه، ويا لبؤس العذر.

تقادمت السنون ولم أهدأ أو اتعظ. اعتقدت انه سيعيش للأبد. سيكون هناك دائما لي، وحتى عندما وضعت طفلتي الأولى في عباءته التي تنبعث منها رائحة الوداع، تجاهلت تلك الرعشة في يده المعروقة وقلت أنها شئ عابر. بالنسبة لي لم يطعن في السن، فتحت عينيّ عليه هكذا ولا أتذكر انه كان فتياً أو رأيت له صورة أيام شبابه، ولم اشغل تفكيري بالتوقف لحظة والتفكير به بطريقة عمليه. كان تركيبة من المشاعر، لا تقترب منها الماديات. ولذلك هويت من عل حين تلقيت تلك الكلمات ذات ليل ظالم، تقول انه أصيب في قلبه الأسطوري، إصابة لا تقبل الشفاء.

كانت محركات الطائرة غير قادرة على اخفاء ذلك الدوي الذي ملأ عالمي الداخلي والذي تداعى إلى عوالم شديدة التفاهة ومتناهية الصغر في تلك اللحظات، وتمنيت ان أراه والمسه لمرة أخيره.

لم أميزه من كثرة الأنابيب الداخلة والخارجة من جسده الأسمر النحيل الذي ضمر بفعل الزمن. كان البياض المنتشر يتسلل إلى روحي فيملأني بالرغبة بالتمدد إلى جانبه لنرحل معا. أمسكت يده المعروقة اليابسة بين يدي برقة متناهيه كأنني أحمل فراشة جريحة، قالت الممرضة : انه لا يشعر بشيء، إنها مسألة وقت، استغربت من حيادها، وقلت ماذا تعرف هي، ان بيننا ما لا يمكن ان يفهمه أو يشعر به الآخرون.

فتح عينيه الواسعتين الجميلتين، ولم يبد عليه أنه ميز أحدا من المحيطين به. تلاقت نظراتنا لثانية، ثم عاد إلى غيبوبته، قلت لنفسي ربما عرفني، وبقيت على أمل ان يفتح عينيه مرة أخرى ويتحسن فأنا لم أقل له بأنني أحبه بعد، وكم أحبه، وبأنني لولاه ما كنت أنا،

لكنه لم يتحسن.

عدت. كنت اطمئن عليه كل يوم دون أمل. ثم ما لبث ان رحل في هدوء. تدافعت الذكريات والآلام كموج البحر فأغرقتني، لم أتذكر سوى ذلك البياض الذي يدعوني إلى مرافقته، وبيننا كلام كثير لم يقل، واعترافات مؤجلة عدد الرمل. وكنت هدأت قليلا لو انه عرفني . وأنني جئت من مكان بعيد لرؤيته وحده. وأنني احبه بطريقتي، وانه يعرف أنني احبه وان لم اقل له ذلك.

كنت ابحث عن راحة الضمير. عن عزاء لا استحقه، في نعمة لم اقدر وجودها في حياتي. ابحث عن سلوى لفجيعة لم يفهمها أحد.

لقد مات جزء كبير منى في صمت.

ودون ان أقول له ماذا كان يعني بالنسبة لي. استعدت في يأس كل اللحظات التي عشتها معه منذ فتحت عيني، وحتى اغمض عينيه، فلم أجد لحظة واحدة تقول له: كم أشعر بالامتنان لوجودك في حياتي، هل قلت zلك أنني احبك؟؟

حتى تلك الثانية التي التقت فيها نظراتنا وهو يعبر هذه الحياة إلى حياته الأخرى؛ لم يبد عليه فيها انه عرفني. رغم أنني لحظتها لم أكن في تلك الغرفة البيضاء، كنت في مكان لا علاقة له بالمكان، احتضن يده، وبها "طاسة" فخارية صغيرة من حب الرمان، وابتسم ملء قلبي

كل الآلام تبدأ كبيرة ثم تصغر..

إلا ذلك الألم

إلا ذلك الألم..@

Declared Death من وداعيات تيسير نظمي

In The Way to Baakora في الطريق إلى بعقورة

Farm In The Heights المزرعة في الأعالي -فصل من رواية-Part of A Novel

Sharon awakens from coma

By Mr. Hanini  hanini@comcast.net


   It is a rainy night, and we are at Tel HaShomer Hospital . Only one orderly is around. He is on night duty tonight in the room of the "sleeping" former Prime Minister, Ariel Sharon. Everyone but Sharon himself knows that he is no longer the Prime Minister of Israel . The orderly is sitting, peeling an apple; and G, the Israeli Secret Service (Shabak) agent, is nodding off.Suddenly, all of the machines start to beep. The PM is waking up! Sharon says, "I haven't slept like that for a long time! Get me mystrategist, Reuven Adler. I have some ideas for a new direction."The orderly says, "Good morning, sir. How do you feel?" Sharon answers, "I am dying of hunger. Where am I?"The Shabak agent continues to sleep, while the orderly explains to Sharon what had happened to him. Sharon does not take him seriously and says, "So tonight you try to fool the PM, eh?"The orderly says, "Sorry, sir; but you are really no longer the PM." After a few minutes, Sharon asks, "So--who replaced me?"The orderly answers, "Ehud Olmert." Sharon reacts, "Olmert? What will happen if war breaks out? He does not know how to run the army! At least, Shaul Mofaz is still there!" The orderly answers, "Mofaz is the Minister of Transportation."  "So who is the Defense Minister?"The orderly says, "Peretz." "That old man is still alive?!" asks Sharon in wonderment. The orderly whispers, trembling, "Not Peres. Peretz, Amir Peretz."  "What? Are you crazy? I close my eyes for a minute, and you guys let a Labor leader take over the defense of the country? Not all the factories in Dimona are the same.Does he know that? Listen, get Omri here right away. He will fix everything." "Sorry, sir; Omri is on his way to jail."

"My son in jail? For that nonsense? I can't believe it. So get me my lawyer quickly. Get Klagsbald." The orderly responds, "Klagsbald is on his way to jail." Sharon calms down and says, "I knew I could count on Klagsbald. He will get Omri out of it."The orderly corrects him and says, "No, sir. Klagsbald is also on his way to serve time in jail. He was driving and not paying attention and caused an accident, unintentionally hitting a car and killing a young woman who was on her way to an Olympic career, and her son." Sharon said, "So bring me Avigdor Yitzchaki. He always knows how to fix these situations." "Sorry, sir. Yitzchaki is under his own investigation for tax fraud.He fixed things too much this time."  "Can't be. I know Yitzchaki. They must be framing him. So get me the Head of Police."
"Sorry, sir, but Karadi is under investigation for corruption." "Of course, he is. He is the head of police. I am sure he is in the middle of a number of investigations!" "No, sir. This is an investigation against him!. And now he's had to resign." Sharon takes a deep breath. "It can't be. The whole justice system  has been ruined! We must get them out of this. Get me the Minister of Internal Security, Tzachi Hanegbi." "Sir, Hanegbi has been indicted for fraud, bribery, and job fixing. He is not a minister anymore." "So get me the Justice Minister. Who did Olmert appoint?" "Chaim Ramon." "So get him here!" "Sorry sir. I can't. He resigned in the wake of accusations of sexual misconduct. At trial, he was found guilty." "What? So get me the President. That is still Katzav, right?" "Sorry sir, but Katzav may be indicted for rape. Though still technically President, he has returned to his private home in Kiryat Malachi." "So get me the Chief of Staff, Boogie (Moshe Ayalon). Sorry, I mean Halutz, right?" "Sir, he got into some trouble in the Lebanon War. Nothing criminal.
He sold some stocks on the eve of the war. But he resigned, too."
"Halutz? He was a young Piper pilot during the Lebanon War!" "Sir, that would be the Second Lebanon War. It happened while you were sleeping. We lost the war, but the Prime Minister said we should  be patient. Victory is coming." Sharon looked around his room. "Who are you? What is your position? "I am a hospital orderly, sir." "OK. Do not tell anyone about this conversation." "You can count on me, sir." "So I'm going back to sleep."

 

عـــصـــيـــــــــــــــــــــــان

قصة : فاطمة الناهض

 

-"...لا تبدد ثروة أحلامك علىّ ،أنت لا تملك الكثير في الحقيقة، ادخر بعضها للأيام السوداء.

وبمفهومك أيضا، هذا ليس انقلابا مدروسا، انه عصيان بكل غضبه المفاجئ وسوء تنظيمه.."

هكذا أعلنت تمردي الأول، وأنا اطعن الهواء بيدي، تلوحان في كل الاتجاهات، لا أكاد أرى ما حولي..فيما تابع الجميع ما كانوا يفعلونه، دون أن يلتفت احد إلى الجهة التي جاء منها الإعصار.كأنهم غير مقصودين بكل علامات التعجب والاستفهام التي تطايرت في إنحاء المنزل.

نعم هذه أنا..حتى حين أردت أن اغضب..لم استطع اختيار الوقت، أو الكلمات المناسبة،

هذه أنا.

، بيت تعمه الفوضى..تسرح فيه الحيوانات الأليفة، التي لم تالف بعضها البعض حتى الآن، ببغاء، لا اعرف من احضره، ولا متى تعلم كل هذا السباب الوقح

،وقط لا يتركه وشأنه اغلب الوقت ،وفأر ابيض وسلحفاة وثعبان وسمكه. تستخف بوجودي ولا تخاف خطواتي المترددة. بيت يقتتل فيه الأطفال على جهاز التحكم بتلفاز قديم، خادمة، متبرمة مسّنة، اجمع وراءها إطباقا وكؤوسا مكسورة، أكثر من تلك التي غسلت، وزوج حاضر غائب، يحدق معظم الوقت في الجريدة كأنها خارطة كنز مفقود، أو كأنه يوشك على ارتداءها.

اترك كل شئ خلفي واندفع في حماس طائش، وألم ممّض.

إلى أي مكان، لا تفوح منه الأمومة ولا الأنوثة أيضا،

ودون أن اترك ملاحظة على باب البّراد كما اعتدت أن ا فعل.

لا أريد أن يعرف الجميع أين أنا..في كل ساعة من النهار..الأطفال، الزوج، الخادمة، المدرسة، أم زوجي وأمي..الحي كله، والمدينة المجاورة.. ودرب التبانة ربما. كأنهم يترصدون الهواء الذي أتنفسه..أريد أن انفلت من هذا الانتهاك غير المعلن.الذي يجبرني على عد خطاي القصيرة، وفواتيري الطويلة.ولو ليوم واحد...يوم واحد فقط.

تدفعني الريح الغاضبة باتجاه مقهى قديم، تتأرجح فوقه يافطة من النيون المطفأ، في يوم غائم،

انظر إلى النادل بتوجس وأنا اردد كمن يسمع صوته للمرة الأولى: قهوة ثقيلة.. سوداء مثل هذا اليوم، يتحاذق بلزوجة لا يحتملها فار في مصيدة:أليست ضارة بصحتك؟ أرد بابتسامة أكثر لزوجه: أتحاول أن تكون طيبا أم شريرا؟

ذلك كان فوق قدرته على الاستيعاب، مسح الطاولة بحركة بهلوانية قادمة من طبيعة المهنة، واختفى.

حاولت تعديل النهار المائل، بالاسترخاء على الكرسي المصنوع من القصب، وبتطمين نفسي على أنها شراييني أنا.

الشئ الوحيد المسجل باسمي وحدي.

وها أنا اجلس على هذا الكرسي..عارية من كل شئ. عارية من القدرة على الحلم..ومن الرجاء..من البكاء ومن الحزن الودود.والمتقطع.ين استيقظ من نومي المتقطع..عقابي الذاتي..ووسيلتي لحل كل الأمور التي تحتاج إلى حلول سريعة..جالسة على هذا الكرسي المواجه لطاولة اكبر من قدرتها على تبرير سبب مقنع لوجودها في هذا المكان، أراجع حساباتي للمرة الأخيرة..وأنا اشف..مثل ورق مصنوع من الماء.. أكاد أرى القفر الذي يدور حول شراييني..في طريقي إلى التلاشي..بين لحظة وأخرى.ماذا افعل الآن؟

قررت أن اخذ بنصيحة النادل الذي لم يعد.وأنسى أمر القهوة.

ظللت اشترى بقية النهار. كل ما لا يلزمني... احقق ما يقولونه عن ربات البيوت.المجنونات.. .المتفرغات لتربية الأطفال والأزواج والخادمات..والحياة كلها..

اللواتي لا يستطعن تحويل النهار إلى تسع وثلاثين ساعة، أو جعل الأبناء يكبرون بمعدل ثلاث سنوات في العطلة الصيفية.

ربات البيوت..المحسودات على كوابيس الصباح، وكآبة المساء.السمينات مثل حيتان صغيره والمبحوحة أصواتهن..لكثرة الصمت.

الواقفات على أطراف الأصابع حتى تصلبت أرجلهن بين الأرض والهواء، المتأهبات لمتابعة عبوديتهن من مطلع الشمس إلى مطلعها،

من قال بوذا عنهن ينصح تلميذه :لا تقربوهن يا اناندا،لا تلمسوهن يا اناندا،وان كلمتك إحداهن، لا تردن عليها،لا تردن عليها يا اناندا!

.من نسين أسماءهن الأولى، ولم يعدن يذكرنها لأن أحدا لا يناديهن بها، زوجة احمد وأم خالد وابنة عبد الله، يمّه وماما، وأمي، تبخرت أسماءهن لأنها لم تعد تستعمل..اذكر أن إحداهن ظلت تتلفت..وتفكر ما إذا كانوا يقصدونها عندما نوديت في العيادة آخر مره، باسمها الأول..بل أنها تابعت للحظات قراءة مجلة قديمة ملقاة بإهمال على الطاولة قبل أن تبتسم لها الممرضة بإشفاق وتقودها من يدها إلى غرفة الفحص ظنا منها أنها لا تسمع!

ضاق الشارع..

لمحت زميلة قديمة على الرصيف المقابل، رشيقة كانت وأنيقة، تضع نظارة سوداء في هذا اليوم الغائم، تزيدها سحرا وغموضا، وتكاد ثيابها تفتح لها الأبواب. فاختبأت خلف بائع الفواكه الطازجة، لان ما أرتديه لم يكن مناسبا للقاء أي شخص كان يعرفني قبل أن تتهافت علىّ الأيام التي تشبه بعضها والتي لم اعد اعرف تواريخها وما إذا كانت مقبلة أو مدبره.

ابتسم بائع الفواكه وقدم لي تفاحة حمراء ففررت إلى محل الأحذية آخر الشارع وتشاجرت مع البائعة، لأنها أخبرتني أن مقاسي غير متوفر.

ابتعت زهورا، منذ زمن لم افعل، منذ زمن لم افعل أشياء لي، أحبها وتحبني لأنني انشغلت عنى كثيرا بغيري.

فقدت علبة دوائي الصغيرة، في نقطة ما بين البيت ومحل الأحذية دون أن أذعر، أو أحاول البحث عنها. قدّرت أن الحياة يمكن أن تستمر هكذا، وتابعت سيرى بهدوء.فاصطدمت بالصديقة نفسها، كانت ملامحها مرهقة عن قرب، وبدت كما لو أنها تعانى من فقر دم مزمن، وبدا وجهي المتورد من برودة الهواء أكثر عافية أمام شحوبها في الواجهة الزجاجية لمخبز الحلويات لكنها كانت مفعمة بالحياة حد الانتشاء، دست في يدي بطاقة عملها، وقالت بإخلاص مرهف، خذي وقتك، ما زلت اعتقد انك ستعودين للعمل ذات يوم، قبلتني مسرعه وانطلقت بذات النشاط فيما كان قلبي يختلج بمرآها الآسر وعطرها الذي غمر المسافة بالضوء.

كادت تدهسني حافلة رعناء وأنا أتابع احتفاء الحياة بالفراشة التي اختفت في الزحام، تقبلت وعيد سائقها بصدر أرحب من البحر، بل كدت اعتذر.وكان لا بد أن تمطر، لتكتمل تفاصيل النهار ولتستمر الحياة هكذا..وحسب التوقعات، فلم تخّيب ظني أبدا.

لم أكن احمل مظله..لكنني لم اكترث، وقفت على الرصيف بأكياسي مثل فرس حرون، لم أكن أفكر بشيء أبدا، وكأنني كنت اطهر روحي من الغبش الذي علق بها لكثرة الرضا، حتى بللني المطر تماما فانتشيت، ثم تحركت بذات الهدوء المفعم بالسكينة.

تابعت سيري نحو فوضاي الغامرة وكنت قد بدأت اشعر ببعض السعادة، سعادة من تغير يومه إلى أكثر من امتداد لسابقه، وقبل أن ادخل المنزل لمحت الأطفال وأبيهم والخادمة المسنه وقد التصقت وجوههم بنافذة غرفة نومي، بلهفة لا تقدر بثمن..

كانت أنفاسهم الحارة قد نشرت الضباب دوائر مبهمة حول أنوفهم التي التصقت بالزجاج، تكاد تخترقه..بحثا عن ظلي القادم من زاوية الشارع...بدوا للحظه، قلقين علىّ، ضائعين بدوني..

ابتسمت..وأنا أتحسس البطاقة في جيبي.

وشعرت أنى بت مستعدة للتفاوض.

---------------------------------------------Mailto:fateema002@yahoo.com

 

بحر الرمل إحدى قصص الأديبة المبدعة فاطمة الناهض. لا أقول أن النص أجمل ماكتبت فاطمة ، ولكنه يختلف بروحه و معاناته ، فوجدتني معه. سيدة الشوق عرضت أن أترجم لها ، ولم يسعني إلا التحليق مع نصوصها ، ولا زلت بين يدي شمة. لم تكن ترجمة النص يسيرة ، لكني أقدمها بين أيديكم راجيا أن تكتمل بملاحظاتكم.

عبد الله الطيب

 

A Sea of Sand

Written by : Fatima Al Nahidh

Translated by : Dr. Abdallah Altaiyeb

We disregard; I emphasized every syllable of the word. Times change, we change, grow up, and start looking the other way to stay alive. But he said one sentence only, while staring at the horizon stretching endlessly before him; if only those who said this would experience what I had been through

It hadn’t been easy for me to know, in those moments whenever we reached that edge, the sun would drown in a well of darkness, and we would part with heartache. But I could swear that we, as creatures blended with myriad lusts, tended to forget our traumas so we could go on. Our enemy, the time, deliberately awarded us one motive after another to jostle forward with our pains and broken dreams on the road to the terra incognita of oblivion, only to lose them there and go back to perhaps resume the same sins and harvest desire and agony

It was neither a confession session nor a sudden strike of transparency, let a lone a planned one. We just walked and let our feet take us towards calmness, and silence walked kindly between us like a mutual friend

He stopped for a while as if trying to ascertain the place, so I stopped as well. He then marched on, and I walked next to him and the silence

There was nothing but sands across the land. They rose a bit to form a dune, rose more to look like a hill, rose more and more to perhaps become a mountain, but then went flat like a sea spreading mercilessly, and then leveled some more like an infertile dry valley

There were only sands, and nothing else! The astronomical moon seemed extremely close, much like a shield ornamenting a wall, sprinkling glistening silver on the peaks, and leaving us in a peaceful unknown

We shall have a rest on top of that dune; he clarified when we got closer to a sand dune about fifty steps away. I sensed that he said so because I had started panting with the effort of disentangling my bare feet from the softness of the sands with each step. I felt my back stoop a little as the walk upward towards the dune got steeper, as if the desert had been tilting

We walked a distance immeasurable with any decimal system ever since we left the camp an hour ago, going silently most of the time through silken sands, content merely with the company of each other

When we finally reached the top of the dune, we emerged onto a large open area of green meadow, with grass springing from the sands and extending to an end unknown to us. I screamed childishly: O God, why didn’t we camp here; my God where did this grassland come from? Is this your secret hideout

We sat down, silence along with everything before us bathed in an ocean of silver. He was looking at the far horizon, my hands were playing with the soft and juicy grass, not believing it was filling the spaces between my fingers, caressing it, touching the little flowers that glowed with sweet dew under the moonlight, forming circles, stars, lines, letters, and unlinked points

Then, like reading from a book, he said

We cannot continue looking the other way. Our pasts don’t die; we are prisoners behind no bars, we foolishly think we left them behind, but they rise in their due time, to announce their barbaric presence

My hand was still holding on to the coolness that was slowly slipping through my fingers; he was not waiting for a reply, and continued reading

That stormy night, they put us in the prison bus after covering our heads with sacks. I cannot remember how long we traveled, but it sure was a long drive, the only sound we heard was that of the squeaking joints of the bus. Sometimes we heard the sound of air ripped by a car speeding like an arrow, and every so often a coughing sound from the end of the bus broke our anxiety. We finally stopped, they got us down, uncovered our heads, and we found ourselves on sands like these

He held his arm high with a handful of sand from the heart of the grass and started slowly scattering it in the wind away from my face. He then took a deep breath

We didn’t know that there was another truck behind us, they brought from it excavating tools, piled them in front of us, and told us to get to work

Our hearts were gripped with terror. The first thing we thought, while digging under the threats of the loaded guns and the slowly growing sandstorm that had been stroking our spines, was that they were going to bury us in mass graves dug by our own hands. They didn’t talk much; they were just prompting us to dig faster, but we stalled fearfully for more time to live, and slowed down the digging

We consumed about all the time we could stall for; after all how much time do you need to dig a hole your size, and in a sandy area? We were around fifteen prisoners but they asked each of us to dig two holes

Our hearts were roaring violently, and maybe their tumult reached climax as we stood in front of our open holes waiting for orders. Some of us struggled to keep standing straight, with knees knocking in fear, before destiny gave us a break; each one of us was ordered to bring a corpse from the truck and bury it in a hole. Just then, we realized that the covered truck was carrying a load of dead people too

We walked to the truck with steps heavy like iron. Each one carried a corpse on his shoulder, headed towards his two holes, buried it hurriedly, and ran again to the truck to bring another one. I guess we were just afraid they would change their minds and ask us to jump into our second holes

We couldn’t believe when we finally got back on the bus that we had actually survived, just like that. We didn’t talk on our way back but when we reached our cells, the dawn was approaching, so we just collapsed on our bunks from tiredness and restlessness. Those of us who had dozed all through the journey continued the rest of their nightmares till sunrise

For seven nights and in the same manner, we labored in burying countless corpses. By then, we had known the exact location by calculating the distance, but we had become like machines that failed to recognize their own parts. It didn’t matter much, because we had lost forever our humanity along with our dreams

I buried fourteen people, dug their graves with my own hands, and carried them on my weary shoulders. I laid them in small holes and large holes all the same, and covered them with sands. I still could feel their smell in my lungs. Some of them were lightweight and petit, some had fresh wounds, and some had broken jaws or limbs; one of them dropped one of his eyes on my hand

In many instances, our shovels hit corpses that we had previously buried because we were so disoriented from stress. Many times, we found the graves and the corpses uncovered by the blows of the passing winds and we had to rebury them again. Sometimes the dead were actually not completely dead

He suddenly stood up and looked far away, as if to seek refuge in the stretching horizon

The dead used to visit me in the night, looking the same way they did when I buried them, and ask me, why? And honestly, all I could remember was fourteen corpses; after that I got mixed up and could not distinguish between what was real and what was mere optical hallucination. After the fourteenth corpse, whenever they got us out of the bus, we would see a large area of corpses thrown out of their graves, waiting for us, as if the sand sea spat them out to float on its waves again

Illness then rescued me from the burying rituals. I was admitted to the prison hospital for a long time before they eventually pardoned a group of us old prisoners, those whose opinions were a threat to no one any more, not even to stray animals. We were finally free of our obsession of being buried half-alive by our friends one day

I saw him clearly in the moonlight, my throat was dry, and my stomach was churning. I was afraid he would hear the beating of my heart or hear my soul fighting not to wail. He was looking straight at me and pointing to the moonlit grassland, when he said

We … buried them here

 

بحر الرمل

فاطمه الناهض

 

نتجااااااااااااااااااوز، أكَّدتُ عليها بكل (الألفات) المتجاوره،

الزمن يتغير،نحن نتغير، ننضج،و نتجاوز ،لنعيش.

لكنه قال جملة واحدة فقط، وهو ينظر الى امتداد الأفق اللانهائي: لو أن من يقول ذلك، مرّ بما مررت به.

ليس من السهل أن أعرف ، في كل اللحظات التي نصل فيها الى ذلك الحائط ،تسقط الشمس في بئر الظلام ونفترق على حزن، لكنني أكاد أجزم أن طبيعتنا كمخلوقات معجونة بالشهوات التي لا تحصى ،ميّالون لنسيان الأذى كي نستمر ،وأن عدوّنا الوقت يمنحنا السبب تلو الآخر كي نتدافع بآلامنا وأحلامنا الكسيرة نحو مجاهل النسيان،نضيّعها هناك ونعود نستأنف ربما الخطايا نفسها ونحصد اللّذائذ وآلامها..

لم تكن جلسة مصارحة ولا شفافيه مفاجئه ولا حتى مخطط لها. نحن مشينا فقط كما أخذتنا أقدامنا صوب السكينه، وصديقنا الصمت يسير بيننا حنوناً إلى ابعد مدى.

توقف قليلا كأنه يستجلي المكان فوقفت،تابع فمشيت الى جانبه، بمحاذاة الصمت.

لم يكن هناك غير الرمل على مد البصر. يرتفع قليلا فيصبح كثيبا،يرتفع أكثر فيصبح شبه هضبة،أكثر فأكثر ليبدو ربما جبلا ،ثم ينبسط كبحر ممتد بلا هواده، أكثر فيغدو مثل واد غير ذي زرع ولا ماء.

رمل ولا شيء آخر.

القمر الهائل يبدو قريبا جدا ،كأنه ترس معلق على حائط ، ينثر فضته اللامعة على كامل التخوم ويتركنا آمنين في مجهول رحيم.

سنرتاح بعد ذلك الكثيب.أوضح ونحن نقترب من ارتفاع رملي على بعد خمسين خطوة تقريبا،كان يملأني شعور بأنه قال ذلك لأني بدأت ألهث قليلا وأنا انتشل قدماي الحافيتان من الغوص في نعومة الرمل الفائقة بعد كل خطوه،ويتقوس ظهري بعض الشيء كلما ارتفع المسار صوب الكثيب، وكأن الصحراء بدأت تميل!

قطعنا مسافة لا يمكن ان أحسبها بالوحدات القياسيه،لكنا تركنا المخيم منذ ساعة تقريبا ،نجوس في رمل رقيق،صامتين اغلب المسافة وراضيين بمجرد الصحبه.

ما أن وقفنا على الكثيب حتى انكشف على نحو مفاجيء بساط ممتد من العشب ،يبدأ من الرمل ولا نعرف أين يتوقف .صرخت بطفولة: الله...لماذا لم نخيّم هنا..يا الله من أين جاء كل هذا العشب والنوّير،أهو مخبأك السري؟

جلسنا،وصديقنا الصمت، وكل ما أمامنا يعوم في الفضّه.

مد بصره صوب أفق بعيد خافت ،ويداي تعبثان بالعشب كأنني لا أصدق أنه بين أصابعي،تمشط طراوته..تتحسس "النوّير" المغموس بالضوء والندى...تصنع دوائر ونجوم..خطوطا وحروف..ونقاطا لا يصل بينها شيء.

ثم ، وكأنه يقرأ من كتاب: لا نستطيع ان نتجاوز..لأن مواضينا لا تموت..نحن أسرى بلا قضبان، نظن أننا نسينا..لكنها تنهض في وقتها،لتعلن عن وجودها الهمجي.

ظلت يدي قابضة على البروده المنسابة بين الأصابع،وهو لم يكن ينتظر أي رد ،فاستأنف القراءه:

أخرجونا في تلك الليلة العاصفة في باص السجن وقد غطوا رؤوسنا بأكياس القماش.لا أتذكر كم قطعنا كان الدرب طويلا،والصوت الوحيد الذي كنا نسمعه كان لرفّاصات الباص واحتكاك مفاصله الجافه ،أحيانا كنا نسمع صوت الهواء تشقه سيارة تمرق كسهم،وأحيانا صوت سعال في آخر الباص يقطع التوجس.

توقفنا. أنزلونا،كشفوا رؤوسنا فوجدنا أنفسنا في رمل مثل هذا،

رفع يده بقبضة رمل ناعم من بين العشب وراح يذروها ببطء بعيدا عن وجهي ثم اخذ نفسا عميقا:

لم نكن نعلم أن هناك شاحنة خلفنا. جلبوا منها أدوات للحفر ألقوها في أكوام أمامنا وقالوا هيّا.

قبض على قلوبنا الذعر ، أول ما تبادر الى أذهاننا ونحن نحفر تحت تهديد السلاح والعاصفة الرملية المتأنيه في مشيها تتحسس جذوعنا، أننا سندفن في قبور نحفرها بأيدينا،وهم لم يكثروا الكلام،كانوا يحثوننا على الإسراع ونحن نشتري وقتا إضافيا لأعمارنا بالتباطؤ في الحفر.

استهلكنا كل ما يمكن من وقت نقدر عليه، كم تحتاج لحفر حفرة على مقاسك، وعلى أرض رمليه؟كنا خمسة عشر وطلبوا أن يحفر كل منا حفرتين.

كانت قلوبنا تصخب بعنف ولربما وصل لغطها الى الحدود ونحن واقفون كل أمام حفرتيه بانتظار الأوامر.بعضنا خارت قواه واصطكت ركبتاه في الانتظار قبل أن يأتي الفرج: "كل واحد يحمل جثة من الشاحنة ويضعها في الحفرة ويهيل عليها التراب".

وعرفنا أن الشاحنة المغطاة بالقماش السميك كانت تحمل أكواما من الموتى أيضا!.

مشينا صوبها بخطوات ثقيلة كالحديد،حمل كل منا جثة على كتفه واتجه صوب حفرته، وقام بالدفن السريع ليجلب جثة أخرى كأنهم سيغيرون رأيهم فجأة ويطلبون منا القفز الى الحفرة الثانيه.

لم نصدق ونحن نصعد الى الباص أننا نجونا هكذا. لم نتكلم لكنا حين عدنا الى الزنزانات كان الفجر يقترب فارتمينا شبه مغمى علينا من التعب والهلع وكان بعضنا قد غفا في الطريق فأكمل ما تبقى من كوابيسه قبل الشروق.

.. ولسبع ليال ..وبالطريقة نفسها..كنا نكدح في دفن جثث لا تنتهي ،ورغم أننا عرفنا المكان من حساب المسافة لكننا أصبحنا في نهاية الليلة السابعة كالآلات التي لا تنتمي أجزاءها إليها، ولم يعد ذلك مهماً وقد تجردنا من إنسانيتنا وأحلامنا إلى الأبد.

دفنت أربعة عشر إنسانا ، حفرت قبورهم بيدي حملتهم على كتفي رتبت وضعهم في حفر تصغر عليهم أو تكبر قليلا، وأهلت التراب.

روائحهم ما زالت في رئتي، بعضهم كان خفيفا وضئيلا،بعضهم طري الجروح، بعضهم مهشم الفك أو مكسور الساق، وأحدهم سقطت إحدى عينيه في يدي.

كثيرا ما ارتطمت معاولنا بجثة سبق أن دفناها ونحن نخطيء مكان الحفرة الجديدة، وكثيرا ما وجدنا الرياح وقد عرّت القبور و كشفت الجثث، فدفناها من جديد. وأحيانا لا يكون الموتى...ميتون تماما!

هبّ واقفا ونظر بعيدا كأنه يحتمي بالامتداد:

كان الموتى يأتونني في الليل،بأوضاعهم التي دفنتهم عليها ،ويسألونني : لماذا؟وأُصدقك أن كل ما أتذكره هو أربعة عشر جثة، بعدها اختلطت الأمور علىّ ولم أتمكن من التمييز بين ما هو حقيقي ومستمر في الحدوث، وما كان هلوسات بصريه،فبعد الجثة الرابعة عشرة،كانوا كلما أنزلونا من الباص تراءت لنا ساحة هائلة لا متناهية من جثث ملقاة خارج قبورها وبانتظارنا،كأن بحر الرمل لفظها فطفت على سطح الموج من جديد.

تجاوز بي المرض بعدها طقوس الدفن ولازمت مستشفى السجن فترة طويلة قبل أن يصدر عفو عام شمل مجموعة قديمة من سجناء الرأي ممن لم تعد آراءهم تهدد حتى الهوام،فتحررنا من هاجس أن يدفننا أصحابنا نصف أحياء ذات يوم..

كنت أراه بوضوح في ضوء القمر، حلقي جاف وأمعائي تمور وأخشى أن يستمع الى دقات قلبي،أو يسمع روحي تقاوم النحيب . كان ينظر الىّ مباشرة حين قال مشيرا الى العشب: دفنّاهم هنا.

___________

أغسطس

 

م

 

النص

 

القراءات

 

التعليقات

 

تاريخ النشر

 

1

 

الحزن..وما تبقى

 

1091

 

9

 

الثلاثاء 29 نوفمبر 2005

 

2

 

ها انذا الان لا احبك

 

1078

 

17

 

الجمعة 23 ديسمبر 2005

 

3

 

مساء غامض بعيد

 

979

 

11

 

السبت 28 يناير 2006

 

4

 

امرأة من برج الحياه

 

677

 

2

 

الخميس 16 فبراير 2006

 

5

 

اليقظه الاخيره

 

664

 

3

 

الخميس 2 مارس 2006

 

6

 

الذى كان هناك..كأن لم يكن

 

1209

 

23

 

الثلاثاء 21 مارس 2006

 

7

 

صدف مع سبق الاصرار

 

784

 

8

 

الثلاثاء 11 ابريل 2006

 

8

 

فى اختفاء الورده

 

987

 

23

 

الثلاثاء 18 ابريل 2006

 

9

 

عزف منفرد

 

713

 

3

 

الأحد 7 مايو 2006

 

10

 

سيرة الحب

 

842

 

20

 

الثلاثاء 23 مايو 2006

 

11

 

متع الحياة الصغيره

 

844

 

12

 

الأربعاء 7 يونيو 2006

 

12

 

هل قلت اننى احبك؟

 

908

 

11

 

الجمعة 30 يونيو 2006

 

13

 

السيده الصغيره التى جنّت

 

763

 

10

 

الأحد 23 يوليو 2006

 

14

 

ما آلت اليه الحياة

 

752

 

16

 

الأربعاء 9 اغسطس 2006

 

15

 

خفيفا، مثل ريح صديقه

 

681

 

16

 

الأحد 27 اغسطس 2006

 

16

 

لمس الفراغ

 

807

 

19

 

الخميس 14 سبتمبر 2006

 

17

 

عصيان

 

739

 

24

 

الاثنين 25 سبتمبر 2006

 

18

 

ازهار..لحديقة مريم

 

922

 

20

 

الجمعة 20 اكتوبر 2006

 

19

 

غياب ..يليق بمهره

 

811

 

12

 

الاثنين 30 اكتوبر 2006

 

20

 

حين كان الليل احمر

 

1037

 

27

 

الأربعاء 15 نوفمبر 2006

 

21

 

سمعت نشيجك واضحا كنصل

 

739

 

17

 

الخميس 30 نوفمبر 2006

 

22

 

السير على جليد رقيق

 

790

 

9

 

الاثنين 25 ديسمبر 2006

 

23

 

كل مائة عام او اقل قليلا

 

849

 

26

 

الأربعاء 24 يناير 2007

 

24

 

هكذا كنت غاضبا

 

667

 

22

 

الثلاثاء 13 فبراير 2007

 

25

 

الطيش كما ينبغى

 

937

 

23

 

الخميس 1 مارس 2007

 

26

 

واذ رأيت شمّة واعترانى ما اعتراها..

 

1393

 

43

 

السبت 24 مارس 2007

 

27

 

اذا ارتفعت بك الارجوحه..

 

841

 

22

 

السبت 28 ابريل 2007

 

28

 

رابطة الاشباح السعداء

 

769

 

19

 

الخميس 10 مايو 2007

 

29

 

الوحيد خلف الطاولة الثالثه.

 

759

 

25

 

الجمعة 8 يونيو 2007

 

30

 

ليس بما يكفى...!

 

613

 

5

 

الخميس 14 يونيو 2007

 

31

 

مدحا...التى..

 

678

 

12

 

الجمعة 6 يوليو 2007

 

32

 

وقيل أنهم كانوا من لحم ودم ايضا.

 

748

 

28

 

الجمعة 20 يوليو 2007

 

33

 

أشياء تحدث.

 

1121

 

15

 

الخميس 16 اغسطس 2007

 

34

 

جدتي لا تنام.

 

755

 

18

 

الجمعة 7 سبتمبر 2007

 

35

 

إلى أجل غير مسمّى.

 

901

 

19

 

السبت 29 سبتمبر 2007

 

36

 

تمرين..

 

763

 

15

 

الجمعة 26 اكتوبر 2007

 

37

 

يوم غريب كبيضة ديك!

 

766

 

16

 

الاثنين 12 نوفمبر 2007

 

38

 

ثلاث طبقات من طلاء أخضر..

 

945

 

15

 

الخميس 29 نوفمبر 2007

 

39

 

أفكار شيطانيه.

 

864

 

15

 

الأحد 30 ديسمبر 2007

 

40

 

شمس صغيره.

 

717

 

10

 

الأربعاء 20 فبراير 2008

 

41

 

ما لن يُعرف من سيرة السواد

 

1297

 

26

 

الاثنين 3 مارس 2008

 

42

 

عام الذئب

 

699

 

4

 

الخميس 6 مارس 2008

 

43

 

تيهه....

 

907

 

19

 

الثلاثاء 13 مايو 2008

 

44

 

غافة عليا

 

944

 

10

 

الثلاثاء 27 مايو 2008

 

45

 

عري..

 

670

 

26

 

السبت 30 اغسطس 2008

 

46

 

بحر الرمل..

 

731

 

20

 

الخميس 25 سبتمبر 2008

 

 

ها انذا الان لا احبك 

 

التاريخ:الجمعة 23 ديسمبر 2005  القراءات:(1077) قراءة  التعليقات:(17) تعليقاً      

 

  قصة ، من : فاطمه الناهض  

 

هاانذا الآن لا احبك...

 

اعرف تماما اننى لا انسجم مع اى شئ اقف الى جانبه او اتكئ عليه او امر به صدفه..اكثر مما تستغرقه الفراشة العابره فى رفيف جناحيها..مثل ليل عائم على ضفة الفجر..ومثل فجر مسفوح على ناصية العتمه.

 

لا احب القمر اكثر مما يحب الفقير يدا غريبة .. لاتعرف اسمه.. او من يكون..يد تبحث عن غفوة بلا محاسبه،واجر بلا عمل. بعيد، وآمن ،و لا يستحق لفتة ثانيه.

 

احب المطر،لأنه يهزمنى فى كل مرة،اكاد اغيب عن الوعى حين يغسلنى، معه تتوفز كل حواسى.. وتقودنى الى طفولة لم اعد املكها..وجسارات احسن مصادقتها حين يستدعى الامر.لكننى لا احب البحر..انه شاسع ولا حدود له..وانا من برج نارى.انطفئ تماما اذا اقتضت الحكمة ان اقترب منه حد العناق.

 

وتائهة اغلب الوقت ..كما تحب.. تمسك بيدى وتقودنى للضلال ولا اشكو ،تخترق عتمتى بكل شموسك القاسيه،واظل مستلقيه مثل حريق صغير،مضطرب،ينتظر ان يهدأ من تلقاء نفسه.

 

معك ،تداهمنى الحقائق مثل الاكاذيب..ولا اتوجس.اختبئ من اشواقى المتمردة واخبئها عنك،لتبحر فيها وحدك دون مساعدتى..هكذا،تستطعم الحياة فى شراستى المطلقه.وتعرف اننى حين اقول لا احبك،لا اقصد الا ان حبك يقودنى للهلاك،وبتواطؤ كامل منى.

 

اتظاهر بالدهشة..حين تتذكر يوم مولدى الذى لا يمكن ان يكون صحيحا ..لانه كذبة بيضاء فى باقتى المذهله،التى تحيل عالمك الى بستان مسحور .

 

ومعك ،احب االنوم باكرا..لانه يرحمنى من النظر الى العشرة آلاف سبب التى تجعلنى افكر فى الهرب الى مكان ليس له وجود على خريطة العالم..لمجرد ان اختبا من عينيك فلا ترى مالذى افعله بعيدا عنك.

 

فبعيدا عنك استطيع ان اتردد قدر ما اشاء،وانا احاول ان اميز يمينى من يسارى،ومتى احتفت بى شياطين الغضب او ملائكة الصبر آخر مرة،حين فكرت بان حبك ينازعنى على اشياء لا اساوم عليها،وبأنى لا اعرفك كما اعرف نفسى حقا،لانحاز اليك،انت تربكنى ،وبحواسى الحاليه، لا استطيع احتمال هذا الحصار،

 

فقبلك، لم يتوجنى احد على ممالك او عروش، كنت اضرب فى دروب العشق االمحفوفةبالعطش والبياض، فى عمى العاشق،يتحسس خطاه فى حماس الياس، يطفو،لا يمشى على قدم، ولا يحلق بجناح، يعانق الحماقات،فى التباس الرؤى، وينكب على خساراته مثل نساج ماهر.

 

حين اعلنت حبك علىّ،مثل عبء اضافى، يضغط على اوردة الانتظار،كنت اتارجح بين موتين،فانقذتنى من طيشى ،وتركتنى فى مهب الغضب.

 

قاسية اكون معك حين استرجع نفسى واقسى حين لا اتمكن من استردادها..اكاد اذيبك..بكل هذه الحمى..التى تسميها غيرة...واسميها سكرات الموت..تلك التى يشرق بها الحب.. قبل ان ينطفا.

 

لكننى..

 

لا اريد ان تحبنى هكذا ..لا احب ان اكون مسكونة بك مثل شغف غامض،اخوض فى المسرات مثلما اخوض فى الهموم ،ابتسم لفرط الحزن،وابكى فى نشوة الضحك، وانت لا تريد ان تلملم تناقضاتى المبعثرة حولك،تانس لها آناء الليل واطراف النهار...ولا اعلم نصف الوقت اكنت تحبنى حقا لهذا الحد..ام تكرهنى.

 

انت كثير علىّ..منضبط وآسر، وانا كثيرة عليك معبئة بالفوضى ولا اعرف ما اريد، حين نلتقى تتدافع رعود وتثوربراكين،وتنفلت ذئاب ووعول وعصافير لا تعرف الى اين تتجه،واشعر وقتها فى بهجة الالم ان نهايتى تقترب،لكنها ليست لحظة الخلاص.

 

اريد ان استريح،وقت طويل مر، مذ اعترفت لك آخر مرة باننى لااحبك ،وهاانذا لا احبك الآن حتى الموت.

 

فاطمه الناهض2005.

 

إسرائيل تدق طبول الحرب؟!

عبداللطيف مهنا

لأيام بدى وكأنما الإسرائيليون يوشكون على الذهاب لا محالة إلى الحرب. لم يقتصر الأمر على الاستعدادات والمناورات التدريبية العسكرية المصورة والمروّج لها إعلامياً، وإنما ساهم المستوى السياسي مع العسكري، وعلى أعلى المستويات، في إطلاق سحب التوتير في سماء المنطقة، وتبادل صقور إسرائيل وصقورها، حيث لم يعد هناك من حمائم، الأدوار التوتيرية والتخفيفية. فلم تقلّ إسهامات باراك، مثلاً في اللعبة عن صنائع ليبرمان، وبدى وكأنما نتنياهو هو الأكثر إعتدالاً!المنطقة والعالم انشغلا بالموجة التصعيدية الإسرائيلية وغذى الإعلام الإسرائيلي هذا الإنشغال. كثر المحللون وكثرت التوقعات. وحتى كان هناك من بادر إلى وضع بعض السيناريوهات المحتملة للحرب الموشكة، وآخرون من طرحوا تصوراتهم كيف ستبدأ وأين؟ بل حتى المدة الزمنية التي تفصلنا عن اشتعالها، أياماً أم شهوراً، أم خلال عامين، استناداً إلى تصريحات للجنرال غابي اشكينازي رئيس الأركان أمام ضباطه المشاركين في التدريبات الأخيرة التي جرت استعداداً للحرب في صحراء النقب..

أولاً، وبادئ ذي بدء، علينا أن نضع في حسباننا، ونحن نتوقف أمام مثل هذه الجلبة التصعيدية الإسرائيلية المنذرة، حقيقةً كون أن هذه الثكنة المدججة التي تنام وتصحو على قعقعة السلاح، هي كيان تم استيلاده سفاحاً من رحم الحروب العدوانية ولا يعيش إلا بها. وعليه، فإن جنوحه إلى اشعال فتائلها في أية لحظة يظل على الدوام وارداً، أو هو أمر في حكم القدر بالنسبة لهذه المنطقة، مادام هذا المستولد الاستعماري المصطنع الذي نكبت به قائماً في قلبها.لكنما ينبغي، ونحن إزاء مثل هذه القعقعة الإسرائيلية الراهنة، التوقف ملياً أمام حقائق أخرى ونحن نستقرئ ما وراء غبارها الذي يلبد الآن سماء المنطقة.أولاها، أن إسرائيل لم تكن لتقدم ولن تقدم مستقبلاً على شن أي من حروبها العدوانية دونما أن تضمن، أو تعتقد أنها ستضمن، حسمها لصالحها مئة وواحد في المئة، وأن تحسم في أسرع وقت ممكن وبأقل الخسائر الممكنة. ذلك لأنها، وهي الكيان المفتعل والهش، والذي، وكغريب عن المنطقة، تتحكم فيه عقدة عدم الاطمئنان إلى مستقبله، أو مصيره واستمرار وجوده، ونظراً لنقطة ضعفها الديموغرافية القاتلة، وهي المفروضة عنوة بالحديد والنار في أحشاء محيط مترامٍ يلفظها ولا يقبلها، لا تحتمل خسارة أي حربٍ تخوضها... يدلل على هذا سيل من الدراسات التي لا ينقطع اعدادها فيها حول الأمر، والمؤتمرات الدورية الدائمة الباحثة التي تقيمها في هذا الشأن، وأشهرها ما تواترت أنباؤه قبل أيام قليلة في هرتسيليا. أو مستمر هذا الجدل الذي رافق إيجاد الكيان منذ أول يوم زرع في المنطقة وإلى هذه اللحظة... ولا ننسى، اللجان التي يعقب تشكيلها عادة أية حالة قصور تشوب حرباً من حروبها، أو في حالة عدم تمكنها من تحقيق أهداف تلك الحرب، كتلكما اللتين أعقبتا حرب العام 1973، والحرب الأخيرة على لبنان عام 2006.

وثانيها، أن إسرائيل لا تقدم على حرب دونما أخذ الضوء الأخضر من الحليف الراعي لها ولعدوانيتها، والحامي الداعم لنزوعها التوسعي، المغطي لكل فعائلها الخارجة على مألوف الشرعية الدولية، الولايات المتحدة الأمريكية، والحصول على مباركة ضمنية لاحقة مضمونة من حلفائها الأوروبيين. وتاريخ حروبها جميعاً وما كشفتها وثائقه تخبرنا بهذا.إذن، وعلى ضوء هاتين الحقيقتين اللتين لا يكاد يجادل فيهما أحد من الإسرائيليين قبل سواهم، ما مدى جديّة مثل هذه التهديدات الإسرائيلية الأخيرة التي حملتها هذه الحملة التصعيدية للتوتر والتي نجم عنها ما نجم من ردود الأفعال، أو استدعت كل هذا الحشد من التحليلات والتوقعات الإعلامية والعربية منها تحديداً؟لقد ثبت للإسرائيليين، وهم الحريصون دائماً على التعلم من تجارب حروبهم التي يشنوها على العرب، لاسيما نتائج حربيهما العدوانيتين الأخيرتين على لبنان وغزة. أن زمن التفوق النوعي الذي توفره لهم الآلة الحربية الضخمة فائقة التطور قد ولى وإلى غير رجعة، ومعه انتهت قدرة الحسم السريع التي كانت لهم في ساحة الحرب، أي تقليل مدة الزمن الذي تتطلبه تفادياً لعدم قدرتهم المعروفة على خوض حروب طويلة، وكذا الأمر بالنسبة لانتفاء قدرتهم السابقة على نقل المعركة إلى الساحة المقابلة بعيداً عن ساحتهم، والأمر نفسه بالنسبة للنجاح في تقليل خسائرهم البشرية التي يدفعونها كما كان يتسنى لهم في الماضي. وهذا الدرس تعلموه من تجربتهم القاسية التي لقنت لهم من قبل إرادتين مواجهتين لعدوانيتهم المنفلتة لا تعملان وفق منطق موازين القوى ولا تقارنان بأي شكل من الأشكال وفق واقع هذه الموازين في ساحة المعركة، وهما كل من المقاومة اللبنانية والفلسطينية في الحربين السالف ذكرهما، الأمر الذي هو مدار دراسات أنجزت مؤخراً في فلسطين المحتلة حول ما وصفته ب"المقاومات العربية"، والتي أضيف لها مؤخراً في هذه الدراسات مصطلح استحدثته هو "دول المقاومة"، والمقصود هنا هو سوريا وإيران. لافتة إلى أن المثالين في لبنان وغزة أنعشتا ثقافة المقاومة العربية إجمالاً، وكان فيهما من الدروس والعبر ما سوف تستفيد منها حتى الدول في المنطقة، لاسيما منها الموصوفة بدول "الممانعة".لعل فيما تقدم ما يعني أن إسرائيل اليوم سوف لن تفكر في شن حرب جديدة قبل أن تعد إلى العشرة. ولعل الرد السوري الحازم والحاسم والفوري على تهديدات ليبرمان الأخيرة، والقائل بأن أية حرب ستنشب لن تستثنى منها تجمعاتكم ومدنكم التي ستغدو من ساحاتها، هو وراء تلك المسارعة لمحاولة تخفيف الإسرائيليين لحدة تصعيدهم، أو محاولة نتنياهو لملمة ذيول بلطجة ليبرمان وغطرسته، وقبله كانت وراء تلك التناقضات التي شابت تصريحات باراك الذي حاول تصريحه الأخير، نوعاً ما، جبّ ما قبله... وإذ كان هذا شأن إسرائيل فماذا عن عرابها الأمريكي أو ماذا عن ضوءه الأخضر المطلوب؟قد لا يختلف اثنان بأن راهن الولايات المتحدة التي تستنزفها ثنائية الحروب والديون، أو هذين اللذين يرى جون غري بأنهما "مقبرة الإمبراطوريات"، ليست في وارد احتمال حرب ثالثة في المنطقة، تضاف إلى حربين تحولتا بالنسبة لها إلى ورطة في العراق وأفغانستان، وحيث في الأخيرة قد غدت الهزيمة قاب قوسين أو أدنى... دون أن ننسى حرباً ثالثة على نطاق أشمل لا أفق لها ولا منطق تشن على عدو لا مرئي تتسع ساحاتها وسع العالم كله اسمها الحرب على "الإرهاب". وتكاليف هذه الحروب الباهظة في ظل أزمة اقتصادية تعصف بها، الأمر الذي حذر منه نائب الرئيس بايدن عندما اعتبر العجز في الميزان التجاري الأمريكي "يهدد الأمن القومي".بايدن هاله بلوغ العجز في الميزان التجاري الأمريكي 1،6 مليار دولار. وأن عجز الموازنة التي أعلنها الرئيس أوباما هو 3،8 مليار دولار. من المتوقع بلوغه 12 ترليون نهاية العقد. أما الدين العام حتى نهاية الشهر الجاري فحسب فهو 12،4 ترليون دولار... عجز في الموازنة، عجز تجاري، وعجز في السيولة... إن في هذا ما يبدد الدهشة الأمريكية من رد الصين غير المعتاد، والذي كان قد صيغ لأول مرة بلغة قاسية وغير معهودة، عندما أعلنت واشنطن عن تزويد تايوان بالأسلحة الأمريكية المتطورة التي تم الإعلان عنها مؤخراً... الصين، التي يرعب الولايات المتحدة مجرد احتمال بيعها لسنداتها الأمريكية، أو هذا العملاق القادم للقطبية بأسرع مما يتوقع، والذي بدأ يطالب بدور كوني يتناسب مع حجمه... لم تعد الامبراطورية الأمريكية المتراجعة سطوتها قادرة على التصرف باعتبارها صاحبة امتياز التحكم وحدها في قرار العالم.هناك من يربط بين طبول الحرب الإسرائيلية في المنطقة ومسألة البرنامج النووي الإيراني، أو آخر تجليات الموقف الأمريكي منه، لاسيما مسألة الدرع الصاروخية المزمع إقامتها في دول الخليج، ويتجاهل كون أن الولايات المتحدة لو قدرت بأن أية ضربة من الممكن توجيهها في ظل حربيها، أو ورطتيها، المجاورتين لإيران هي في صالحها، أو من الممكن أن تأتي بأكلها في ظل توزع هذا البرنامج جغرافياً وعدم ضمان نجاعة ضربة، ثم توفر معرفتها لحدود الرد الإيراني، لكانت هي أو إسرائيل قد أقدمت على مثل هذه الضربة المنشودة منذ أمد. لكنما أوراق إيران العراقية والأفغانية، ومسألة تدفق النفط من مضيق هرمز وذيول انقطاعه الكارثية على اقتصاديات العالم لاسيما في ظل الأزمة الراهنة، ثم وقوع إسرائيل لامحالة تحت طائلة الصواريخ الإيرانية، وإيران لا تفرق كثيراً بين واشنطن وتل أبيب، وقبل هذا وبعده، موقف "المقاومات العربية"، لاسيما في ظل أجواء مستجدة من التحولات الإقليمية والدولية، ما يجعل من مسألة الضوء الأخضر الأمريكي لإسرائيل للقيام بأية حرب لا ضمانة بأنها لن تتسع أمراً متعذراً. لاسيما وأن الأمريكان يدركون بحكم تجربتهم العراقية والأفغانية أن الحرب من الممكن اشعالها لكنما ليس من الممكن في مثل هذه المرحلة التحكم فيها أو حصرها، أو توقع إلى أي مدى قد تبلغ حدودها أو أين نهاياتها.قبل أشهر جاءت الأساطيل الأمريكية إلى سواحل فلسطين المحتلة، ونقلت إليها الجند والمعدات الأمريكية الأكثر تطوراً، ناصبةً الصواريخ والرادارات في صحراء النقب... كان هذا في سياق مناورات مشتركة، سبق أن دفعت ذات المحللين يومها إلى توقع شبيه ما يتوقعونه اليوم.  ثم كان أن تلاشت الضجة المصاحبة لذلك الحدث مع الوقت. كما ان موضوع التلويح الإسرائيلي بالحرب هي عادة تليدة لطالما دخلت بازار المزايدات الحزبية الداخلية بين الصقور والعقبان أو هؤلاء الذين يصعب التفريق بينهما. ثم إن مسألة البتريوت الخليجية أوليست تأتي في خدمة محاولات تطويق ذيول الأزمة الاقتصادية الأمريكية التي يرى بايدن أنها خطر على أمن بلاده. أي أنها نوع من جاري ابتزاز المزيد من عائدات الخليجيين النفطية!؟لم تعد الحرب بالنسبة لإسرائيل نزهة، ولا بالنسبة للولايات المتحدة فيلماً هوليودياً أو رامباوياً... بيد أن علينا أيضاً أن لا ننسى أيضاً أن إسرائيل ثكنة عدوانية قد استولدت ذات يوم سفاحاً من رحم حرب عدوانية مستمرة ودائمة على شعب جاءت لتحل محله، وترعرعت وتغوّلت في كنف حاضنة استعمارية اصطنعتها وتكفلتها، أي أنها لا تحيا ولا تعيش ولا تستمر بلا ما هي قد استولدت منه... الحرب!

تأملات الرفيق فيدل كاسترو

الثورة البوليفارية وجزر الأنتيل

كنت أحب التاريخ، على غرار جميع الفتية تقريباً. وكذلك الحروب، وهي ثقافة كان المجتمع يزرعها عند الذكور من الأطفال. وجميع الالعاب التي يقدّمونها لنا كانت عبارة عن أسلحة.وأنا في طفولتي أرسلوني إلى مدينةٍ حيث لم يأخذوني أبداً إلى دار السينما. لم يكن يوجد حينها تلفزيون، ولم يكن يتوفر مذياع في المنزل الذي كنت أعيش فيه. كان عليّ أن أستخدم خيالي.في المدرسة الأولى التي كنت فيها داخلياً، كنت أقرأ بدهشة عن الطوفان وعن سفينة نوح. ولعلّني رأيت في وقت لاحق بأن البشرية كانت تحتفظ بذلك بصفته أثراً لآخر تغير مناخي شهده تاريخ جنسنا.  وربما كان ذلك نهاية العصر الجليدي الأخير، والذي يفترض أنه قام قبل آلاف كثيرة من السنوات.

وكما هو منطقي، قرأت بنهم في وقت لاحق تاريخ الإسكندر والقيصر وهنيبعل وبونابرت، وكذلك طبعاً كل كتاب كان يقع بين يدي عن ماسيو وغوميز وأغرامونتي وباقي الجنود العظماء الذين ناضلوا من أجل استقلالنا. لم يكن عندي قدراً من الثقافة يمكنّني من إدراك ما يكمن وراء التاريخ.في وقت لاحق ركّزت اهتمامي على مارتيه[1]. والحقيقة أنني أدين له بمشاعري الوطنية والمفهوم العميق القائل بان "الوطن هو البشرية". لقد ساعدتني الجرأة والجمال والشجاعة والخلقية في فكره على أن أتحول إلى ما أظنني: إنسان ثائر. فبدون أن تكون مارتيئياً لا يمكنك أن تكون بوليفاريا[2]ً؛ وبدون أن تكون مارتيئياً وبوليفاريا، لا يمكنك أن تكون ماركسياً، وبدون أن تكون مارتيئياً وبوليفارياً وماركسياً، لا يمكنك أن تكون مناهضاً للإمبريالية؛ وبدون أن تكون ثلاثتهم، لما كان بالوسع في عصرنا بلورة ثورة في كوبا.قبل حوالي قرنين من الزمن، أراد بوليفار أن يرسل حملة بقيادة سوكري من أجل تحرير كوبا، التي كانت بأمسّ الحاجة لذلك في عقد العشرينات من القرن التاسع عشر، بصفتها مستعمرة إسبانية لإنتاج السكر والبن، وفيها 300 ألف عبد يعملون في مزارع ملاّكيهم البيض.بعد إخفاق الاستقلال وتحوّل كوبا إلى مستعمرة من الطراز الجديد، لم يكن بالإمكان فيها أبداً تحقيق الكرامة الكاملة للإنسان من دون ثورة تضع حداً لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان."... أريد للقانون الأول لجمهوريتنا أن يكون تقديس الكوبيين لكرامة الإنسان كاملة"[3].وقد ألهم مارتيه بفكره الشجاعة والقناعة التي أدّت بحركتنا لشن الهجوم على قلعة "مونكادا"، وهو أمر ما كان له أن يخطر ببالنا أبداً لولا أفكار مفكّرين عظام آخرين كماركس ولينين، ممن جعلونا نرى ونفهم حقائق العصر الجديد الذي كنّا نعيشه بالغة التنوع والاختلاف.باسم التقدم والتنمية، جرى على مدى قرون من الزمن في كوبا تبرير الملكية الإقطاعية الكريهة وقوة العمل المستعبَدة، اللذين سبقتهما إبادة السكان الأصليين لهذه الجزر.قال مارتيه عن بوليفار شيئاً رائعاً وتستحقه حياته الأبية: "... ما لم ينته هو من إنجازه، ما زال حتى يومنا هذا بدون إنجاز : لأنه ما زال أمام بوليفار ما يفعله في القارة الأمريكية حتى الآن".

"فلتعطني فنزيلا ما أخدمها به: إنني بمثابة ابن لها".

وكما فعلت قوى أخرى في جزر الأنتيل، زرعت القوة الاستعمارية في فنزويلا قصب سكر وبن وكاكاو، وحملت إليها رجالا ونساءً من أفريقيا كعبيد. المقاومة البطولية من جانب سكانها الأصليين، المدعومين بطبيعة واتساع الأراضي الفنزويلية، حالت دون القضاء على سكانها الأصليين.باستثناء جزء من شمال هذا النصف من العالم، وقعت الأغلبية الساحقة من أراضي قارتنا الأمريكية بأيدي ملكَين اثنين[4] من شبه الجزيرة الإيبيرية.ويمكن التأكيد بدون خوف بأن بلداننا وثمار عمل شعوبها تعرضت خلال قرون، وما زالت تتعرض، للنهب على يد الشركات الكبرى عابرة الاوطان وعلى يد الأوليغارشيات العاملة في خدمة هذه الشركات.على مدى القرنين التاسع عشر والعشرين، أي خلال نحو مائتي سنة، بعد الاستقلال الشكلي لأمريكا الإيبيرية[5]، لم يتغير شيء في الجوهر. فالولايات المتحدة، وانطلاقاً من المستعمرات الإنكليزية الثلاثة عشر، وسّعت رقعتها نحو الغرب والجنوب. اشترت لويسيانا وفلوريدا، واغتصبت من المكسيك أكثر من نصف أراضيها، وتدخلت في أمريكا الوسطى، واستولت على أراضي ما أصبحت عليه مستقبلاً قناة بنما، التي ربطت المحيطين الكبيرين شرق وغرب القارة، عند النقطة التي كان بوليفار يرغب بأن يقيم فيها عاصمة كبرى الجمهوريات التي تنشأ عن استقلال أمم القارة الأمريكية.في ذلك العهد لم يكن يسوِّق النفط والإيثانول في العالم، ولا كانت موجودة منظمة التجارة العالمية. قصب السكر والقطن كان يجنيهما العبيد. وكانت الآلات ما تزال قيد الاختراع. وكانت الصناعة تسير بقوة داهمة انطلاقاً من الفحم.

الحروب دفعت الحضارة والحضارة دفعت الحروب. طابع هذه الحروب تبدّل، وأصبح أكثر ترويعاً. وأخيراً تحوّلت إلى نزاعات عالمية.وفي الختام تحوّلنا إلى عالم متحضّر. بل وأننا نعتقد ذلك كمسألة مبدئية.ولكننا لا ندري ما نفعله بالحضارة المحرزة. فقد تجهّز الإنسان بأسلحة نووية ذات دقة لا تصدَّق وقوة مبيدة، بينما تراجع من الناحية الأخلاقية والسياسية على نحو مخجل. من الناحية السياسية والاجتماعية نحن اليوم على درجة من التخلّف أكبر من أي وقت مضى. الرجال الآليون آخذون بالحلول محل الجنود، ووسائل الإعلام آخذة بالحلول محل المعلّمين، وشرعت الأحداث بمداهمة الحكومات لتجعلها على غير دراية بما تفعل. وفي خضم حالة اليأس التي يعيشها كثير من القادة السياسيين العالميين يلاحَظ العجز أمام المشكلات التي تتراكم في مكاتب عملهم واجتماعاتهم الدولية التي أصبحت أكثر تكراراً يوماً بعد يوم.ضمن هذه الظروف حلّت بهايتي كارثة لم يسبق لها مثيل، بينما يتواصل من الجهة الأخرى للكرة الأرضية قيام ثلاث حروب وسباق تسلّح في خضم الأزمة الاقتصادية والنزاعات المتنامية، التي تمتص أكثر من 2.5 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وهي نسبة يمكن بواسطتها تنمية جميع بلدان العالم الثالث خلال مدة زمنية قصيرة، وربما تفادي التغير المناخي، من خلال توفير الموارد الاقتصادية والعلمية، وهي موارد لا غنى عنها من أجل تحقيق هذا الهدف.مصداقية المجتمع الدولي تلقت للتو ضربة قاصمة في كوبنهاغن، ولا يبدي جنسنا قدرته على البقاء.فاجعة هايتي تسمح لي بعرض وجهة النظر هذه انطلاقاً ممّا فعلته فنزويلا تجاه بلدان حوض الكاريبي. ففي الوقت الذي تتردد المؤسسات المالية العالمية في مونتريال بشأن ما بوسعها القيام في هايتي، لا تتردد فنزويلا دقيقة واحدة في إلغاء ديونها الاقتصادية، البالغة قيمتها 167 مليون دولار.على مدى نصف قرن من الزمن قامت الشركات عابرة الاوطان باستخراج النفط الفنزويلي وتصديره بأسعار لا تذكر. وتحوّلت فنزويلا خلال عشرات السنين إلى أكبر مصدّر للنفط على المستوى العالمي.من المعروف أنه حين أنفقت الولايات المتحدة مئات الآلاف من ملايين الدولارات في حرب الإبادة التي خاضتها ضد فيتنام، حيث قتلت وعوّقت ملايين الأشخاص من أبناء هذا الشعب البطل، فإنها ضربت بعرض الحائط أيضاً معاهدة بريتون-وودز، عبر إلغائها لتحويل الدولار إلى ذهب، وفقاً لما نصت عليه تلك المعاهدة، وإلقائها على كاهل الاقتصاد العالمي عبء تكاليف حربها القذرة. قيمة العملة الأمريكية آخذة بالانخفاض وإيرادات البلدان الكاريبية بالعملة الصعبة لا تكفيها لدفع ثمن ما تستهلكه من النفط. تقوم اقتصادياتها على السياحة وعلى الصادرات من السكر والبنّ والكاكاو وغيرها من المنتجات الزراعية. ضربة قاضية تهدد اقتصاديات الدول الكاريبية، باستثناء اثنتين منها مصدّرة للطاقة.وفي وقت ألغت فيه بلدان متقدّمة أخرى تفضيلاتها التجارية للصادرات الزراعية الكاريبية، مثل الموز؛ اتخذت فنزويلا بادرة لم يسبق لها مثيل: أمّنت لأغلبية هذه البلدان مؤناً أكيدة من النفط وتسهيلات خاصة بالدفع.غير أن أحداً لم يعباً لمصير هذه الشعوب. ولولا الجمهورية البوليفارية لكانت قد حلّت أزمة مريعة بالدول المستقلة من حوض الكاريبي، باستثناء ترينيداد-توباغو وباربادوس. في حال كوبا، دفعت الحكومة البوليفيارية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بنمو ما فوق العادي لحركة التجارة بين البلدين، تشمل تبادل السلع والخدمات، مما سمح لها بمواجهة واحدة من أقسى مراحل تاريخنا الثوري المجيد.الحليف الأفضل للولايات المتحدة، وربما العدو الأكثر دناءة وحقارة للشعب، كان المنافق والمتملق رومولو بيتانكور، الرئيس المنتخب لفنزويلا حين انتصرت الثورة في كوبا عام 1959.كان هو المتواطئ الرئيسي مع هجمات القرصنة والأعمال الإرهابية والاعتداءات على بلدنا وحصاره اقتصادياً.عندما كانت قارتنا الأمريكية بأحوج ما تكون إليها، انتصرت الثورة البوليفارية.تلبية لدعوة من أوغو تشافيز إلى كاراكاس، تعهّد أعضاء مجموعة "آلبا" بتقديم أكبر دعم لشعب هايتي في أقسى لحظة من تاريخ هذا الشعب العريق، الذي قام بأول ثورة اجتماعية ظافرة في تاريخ العالم، حيث قام مئات الآلاف من الأفارقة في خضم تمردهم وإقامتهم لجمهورية في هايتي على مسافة آلاف الأميال من الأراضي مسقط رؤوسهم، بواحدة من أكثر الحركات الثورية في هذا النصف من العام مجداً. في هايتي توجد دماء سوداء ودماء هندية حمراء ودماء بيضاء؛ الجمهورية تولّدت عن مبادئ المساواة والعدالة والحرية لجميع أبناء البشر.قبل عشر سنوات من اليوم، في لحظات فقد فيها الكاريبي وأمريكا الوسطى عشرات الآلاف من الأرواح خلال مأساة إعصار "ميتش"، تم في كوبا إنشاء المدرسة الأمريكية اللاتينية للطب[6] لكي تبني أطباء أمريكيين لاتينيين وكاريبيين يمكنهم يوماً ما إنقاذ ملايين الأرواح، ولكنهم ينفعون بشكل خاص، وفوق أي اعتبار، كنموذج للممارسة النبيلة لمهنة الطب. سيتواجد إلى جانب الأطباء الكوبيين في هايتي عشرات الشبان الفنزويليين وغيرهم من الأمريكيين اللاتينيين خريجي المدرسة الأمريكية اللاتينية للطب. من جميع أركان القارة تصل أنباء عن رفاق كثيرين ممن تلقوا علومهم في المدرسة الأمريكية اللاتينية للطب الراغبين بالتعاون إلى جانبهم في المهمة النبيلة المتمثلة في إنقاذ أرواح أطفال ونساء ورجال وشبان وشيوخ.سيكون هناك العشرات من المستشفيات الميدانية ومراكز الإنعاش والمستشفيات، حيث سيقدم الخدمات أكثر من ألف طبيب وطالب في السنوات الأخيرة من اختصاص الطب قادمين من هايتي وفنزويلا وسانتو دومينغو وبوليفيا ونيكاراغوا والإكوادور والبرازيل وتشيلي وباقي البلدان الشقيقة. يشرّفنا التمتع منذ الآن بمشاركة عدد من الأطباء الأمريكيين[7] الذين اجتازوا علومهم في المدرسة الأمريكية اللاتينية للطب أيضاً. إننا مستعدّون للتعاون مع تلك البلدان والمؤسسات الراغبة بالمشاركة في هذه الجهود من أجل تقديم الخدمات الطبية في هايتي.ها هي فنزويلا قد ساهمت بمساكن ميدانية ومعدات طبية وأدوية ومواد غذائية. الحكومة الهايتية قدّمت كل تعاونها ودعمها لهذا الجهد الرامي لتوفير الخدمات الصحية المجانية لأكبر عدد ممكن من الهايتيين. سيشكل هذا بالنسبة للجميع عزاء في خضم أكبر مأساة تحل بهذا النصف من العالم.

فيدل كاسترو روز

7 شباط/فبراير 2010

الساعة: 8:46 مساءً

----------------------------------

 [1]   المقصود خوسيه مارتي البطل الوطني الكوبي.

 [2]    المقصود سيمون بوليفر محرر امريكا اللاتينية من الاستعمار الاسباني. ولد بوليفار، المعروف في اميركا اللاتينية بلقب المحرر El Liberatador، في كاراكاس ـ فنزويلا  يوم 24 تموز/ يوليو 1783. قضى حياته في نضال لا  يعرف الكلل وشارك في معارك وحروب عديدة من أجل تحرير بلاده وبلدان أميركا اللاتينية من الاستعمار الاسباني. وافته المنية مصاباً بداء السل يوم 17 كانون الاول/ديسمبر 1830.

 [3]    هذا القول الماثور يعود الى خوسيه مارتي.

 [4]   المقصود ملك اسبانيا وملك البرتغال.

[5]  المقصود ذلك الجزء من امريكا اللاتينية الذي كان تحت الاستعمارين الاسباني والبرتغالي.

[6]   المدرسة الامريكية اللاتينية للطب "إيلام" هي جامعة طب وكانت قبل ذلك مقرا للبحرية الحربية الثورية الكوبية ، ويدرس فيها حوالي عشرة آلاف طالب من معدمي الحال واولاد الفقراء والهنود الاصلانيين. اسهاما من كوبا في توفير طاقات بشرية طبية للقارة المنكوبة.

[7]   اطباء من الولايات المتحدة الامريكية، القوة العظمى، تخرجوا من المدرسة الكوبية وهم من ابناء الفقراء والاقليات المضطهدة في جنة الامبريالية.

ملاحظة: التوضيحات من 1 الى 7 من كنعان.

مستعرب وعـرب ..

حُـب .. وحوار !؟

بسام الهلسه

- 1 -

* قبل سنوات، روت لي الأديبة والأكاديمية المعروفة "د. سلمى الخضراء الجيوسي" صاحبة ومديرة برنامج "بروتا" لترجمة الآداب العربية إلى اللغات الأجنبية، حكاية لافتة عن مستعرب غربي مهتم بالأدب العربي، أبدى دهشته وإستغرابه ممّا يضمه الشعر العربي القديم من قصائد حب، وممّا تحفل به هذه القصائد من مشاعر ومعانٍ إنسانية شفيفة، بدت له متضادة مع ما عليه العرب من بداوة وشظف عيش. فتساءل –حسب رواية الدكتورة سلمى-: كيف أمكن لهؤلاء الجُفاة أن يقولوا مثل هذا الشعر الرقيق العذب؟

- 2 -

بدت لي ملاحظة المستعرب في غير محلها لسببين:

- الأول: إنطلاقه من فرضية تعتقد أن البدو، وبسبب ظروف حياتهم القاسية، لا يمتلكون مشاعر كتلك التي أفصح عنها شعر الحب العربي. وهي فرضية غير صحيحة بالطبع، يعرف خطأها كلُّ من لديه معرفة بالبدو –عرباً وغير عرب- ويعرف بالتأكيد ما تنطوي عليه نفوسهم من مشاعر مرهفة تعبِّر عن نفسها بتلقائية صادقة.

- أما السبب الثاني، فهو تعميمه –أي المستعرب- لصفة البدو على جميع الشعراء العرب القدامى. وهو تعميم خاطئ أيضاً يفتقد إلى الدراية بالشعراء العرب وبيئاتهم. ولو أنه بذل جهداً في المعرفة، لتبيَّن له أن كثيرين منهم نشأوا في بيئات حضرية، أو انتقلوا للعيش فيها، أو ترددوا إليها. أقول هذا من باب تصحيح معلومة المستعرب فقط، مع تأكيدي على أن لا علاقة لحضرية أو بداوة شاعر بمشاعر الحب، وقد تكون لها علاقة بمفرداته وأساليبه وتشبيهاته، وحكاية الشاعر "علي بن الجهم" صاحب:

عيونُ المها بين الرصافة والجسرِ

جلبنَ الهوى، من حيث أدري ولا أدري!

مشهورة في الكتب التي أرَّخت للشعر العربي.

أضيف إلى هذين السببين ملاحظة أخرى، وهي تكوُّن ذائقة عند جمهور من المستمعين العرب للشعر، وشيوع تقاليد تعبيرٍ صارت مطلوبة من هذا الجمهور، ومتداولة بين الشعراء من كل البيئات على مر السنين. أشير هنا على سبيل المثال، إلى تقليد المقدمة الغزلية والتشبيب الذي درج عليه الشعراء، وهو تقليد تمرَّد عليه عددٌ من الشعراء فيما بعد -كما هو معروف في تاريخ الشعر العربي وتطوره-.

وقد نتذكر قصيدة "أبي نؤاس" التي مطلعها:

لا تبكِ ليلى، ولا تطربْ إلى هِندِ            واشربْ على الوردِ، من حمراء كالوردِ

وكذا تهكُّمه من تقليد الوقوف على الأطلال:

قل لمن يبكي على رَسْمِ دَرَسْ          واقفاً، ما ضرَّ لو كانَ جَلَسْ!

كما نتذكر تساؤل "أبي الطيب المتنبي" مستنكراً:

إذا كان مدحٌ، فالنسيبُ المقدَّمُ            أكُلُّ فصيحٍ، قال شعراً، مُتيَّمُ؟

- 3 -

لكن ملاحظة المستعرب -على علاّتها- ذكرتني بشعر الحب عند العرب وهو –في حدود ما أعرف- خصبٌ، متنوع، يمتاز من بين أغراض الشعر الأخرى (كالمدح والفخر والرثاء) بصدق العاطفة في معظم نصوصه، وليس كلها بالطبع. فاتباع التقاليد الدارجة، والاستجابة للذائقة الشائعة، يُحيلان القولَ إلى مجال المهارات الحِرَفية، وينأيان به عن التعبير عن تجربة خاصة.

فإذا كان الوقوف على الأطلال، أو التشبيب، قد صار عند الشعراء المتأخرين مجرد عادة شعرية يَستهِلُّون بها قصائدهم –كما كان المغنون إلى وقت قريبٍ يَستهلُّون غناءهم بالموَّال والليالي-، فقد كان بالنسبة للمتقدمين تجربة معاشة نابضة بالحياة، سواء كتعبيرٍ حيٍّ مباشر عن هذه التجربة، أو كتعبير رمزي ذي أبعاد شعورية أعمق، كما رأى عدد من النقاد والدارسين.

- 4 -

لا أريد أن أُسيء الظن بالمستعرب المشار إليه، فقد تكون معلوماته واطلاعاته منقوصة، لكنني متأكد من وجود صِوَر نمطية مكرسة عن العرب القدامى في العديد من مراكز الأبحاث والدراسات والإعلام في الغرب، تنظر إليهم بإستغراب كزوبعة بدوٍ قساة أجلاف اكتسحت عالم القرون الوسطى. وهي صِوَرٌ راسبة في الوجدان والذهنية الاستشراقية، مثلها مثل الصور النمطية المعممة حالياً عن العرب والمسلمين، كإرهابيين وهمجٍ تحركهم غرائزهم وشهواتهم وعصبياتهم المغلقة. والكثير من هذه الصور لا يصدر عن جهل وسوء معرفة فقط، بل عن سوء نوايا مسبق، ووعي عارفٍ مصمِّم على تشويه العرب والمسلمين تمهيداً للعدوان عليهم وتسويغاً له.لكن هذا لا يعفي العرب من مسؤولياتهم.. فبدل الاكتفاء بالشكاوى التي لا يصغي إليها أحد، عليهم العمل على تصحيح الصور المشوهة عنهم، ليس لدى الجماعات الصهيونية والمؤيدة لإسرائيل، والمراكز والدوائر ذات المطامع الاستعمارية في بلادنا، فهذه جهاتٌ تحركها المصالحُ وليس المعارف، بل لدى القطاعات الواسعة غير المطلعة من الرأي العام الغربي التي تتأثر بما يقالُ لها ويُعرض عليها.وإذ نذكر الأثر القوي الذي احدثه نقد الراحل الدكتور إدوارد سعيد للإستشراق، وتغطية الإسلام، في أميركا، فإنما لنشير إلى ما يمكن عمله في هذا المجال. والأكيد أن مشروعاً منظماً مثابراً لترجمة الآداب العربية، أو مختارات منها في مختلف عصورها، إلى اللغات الحية الأجنبية، وترويجها عبر دور النشر والدراسات والجامعات ووسائط الإعلام، سيكون ذا أثر مفيد. وأحسب أنه أثرٌ أكثر جدوى من عشرات اللقاءات والمؤتمرات التي تمضي وقتها في الثرثرة حول حوار الحضارات... - أوليس من الواجب، أولاً، أن يعرف أهل الحضارات بعضهم بعضاً بشكل صحيح، ليتحاوروا؟

- 5 -

       تحدثنا عن الحُب...

          - ونسينا ما قاله شاعرنا قال ذات مرة مُنبِّهاً:

          " ولا رأيَ في الحُبِّ، للعاقِل!"

تأملات الرفيق فيدل كاسترو

 

اللقاء الأخير مع لولا

 

 

تعرفت إليه قبل ثلاثين سنة من اليوم، في ماناغوا، في شهر تموز/يوليو من عام 1980، خلال الاحتفال بالذكرى الأولى لانتصار الثورة الساندينية، وذلك بفضل علاقاتي بأنصار لاهوت التحرير، التي بدأت في تشيلي عندما زرت الرئيس أليندي في عام 1971.علمت من فريه بيتو بأنه يُدعى لولا، وهو قائد عمّالي علّق مسيحيو اليسار الآمال عليه باكراً.إنما كان الأمر يتعلق بعامل صناعة معادن يبرز بذكائه ومكانته بين النقابات في ذلك البلد العظيم الذي كان يصعد من غياهب الدكتاتورية العسكرية التي فرضتها الإمبراطورية اليانكية في عقد الستينات.كانت علاقات البرازيل بكوبا ممتازة إلى أن قامت القوة المهيمنة في المنطقة بإنزالها إلى الحضيض. وقد مرت عقود من الزمن منذ ذلك الحين إلى أن عادت شيئاً فشيئاً لتصبح ما هي عليه اليوم.كل واحد من البلدين عاش تاريخه. وقد تحمّل بلدنا ضغوطاً غير معهودة في المراحل التي عاشها على نحو لا يصدّق منذ عام 1959 في كفاحه في وجه اعتداءات أعتى إمبراطورية عرفها التاريخ.ولهذا فإنه يكتسب أهمية كبرى الاجتماع الذي انعقد للتو في كانكون والقرار المنبثق عنه بتشكيل "منظومة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي". لم يبلغ أي حدث هام آخر شهدته قارتنا خلال القرن الأخير من الأهمية ما بلغه هذا.ويأتي هذا القرار في خضم أشدّ أزمة اقتصادية تحدث في العالم المعولَم، ويتوافق مع أكبر خطر يحدث كارثة بيئية يتعرض لها جنسنا البشري، وفي ذات الوقت مع الزلزال الذي ضرب بورت أو برنس، العاصمة الهايتية، وهي أفجع كارثة إنسانية في تاريخ قارتنا، وذلك في البلد الأفقر فيها، وهو أول بلد تمّ  فيه القضاء على العبودية.أثناء كتابتي لهذا التأمل، بعد ستة أسابيع فقط على مقتل أكثر من مائتي ألف شخص، حسب الأرقام الرسمية الصادرة عن ذلك البلد، وردت أنباء مأساوية عن الأضرار التي ألحقها زلزال آخر في تشيلي، ونجم عنه مقتل عدد من الأشخاص يقترب من الألف، حسب الأرقام التي أوردتها السلطات، وأضرار مادية جسيمة. تحرّك المشاعر على وجه خاص مشاهد معاناة ملايين التشيليين المتضررين مادياً ومعنوياً من تلك الضربة القاسية التي وجهتها الطبيعة. لحسن الحظ أن تشيلي هي بلد ذو خبرة في مواجهة هذا النوع من الظواهر، وهو بلد أكثر تطوراً بكثير  من الناحية الاقتصادية وصاحب موارد أكبر. فلولا تمتعه ببنى تحتية وأبنية أكثر متانة، لكان عدد لا يُحصى من الأشخاص، ربما يبلغ عشرات أو حتى مئات الآلاف من التشيليين، قد قضوا نحبهم. يجري الحديث عن مليوني منكوب وخسائر محتملة تتراوح قيمتها ما بين 15 و30 مليار دولار. ويحظى هذا البلد في محنته بتضامن وتعاطف شعوب من بينها شعبنا، مع أنه نظراً لطبيعة التعاون الذي يحتاجه، فإنه قليل ما بوسع كوبا أن تفعله ، التي كانت حكومتها من بين الحكومات الأولى التي عبّرت للحكومة التشيلية عن مشاعرها التضامنية، في وقت كانت الاتصالات فيه ما تزال منهارة.مما لا شك فيه أن البلد الذي يضع قدرة العالم على مواجهة التغير المناخي وضمان بقاء الجنس البشري قيد الاختبار هو هايتي، كونها تشكّل رمزا للفقر الذي يعانيه اليوم آلاف الملايين من الأشخاص في العالم بما فيه جزء كبير  من شعوب قارتنا.ما حدث في تشيلي والزلزال البالغة قوته درجة لا تصدَّق هي 8.8 بمقياس ريختير، مع أنه وقع، ولحسن الحظ، في عمق أكبر من عمق ذلك الزلزال الذي دمّر بورت أو برنس، يجبرني على التشديد على أهمية ووجوب تحفيز الخطوات الوحدوية التي أحرزت في كانكون، مع أني لست واهماً فيما يتعلق بما ستبلغه صعوبة وتعقيد كفاحنا الفكري في وجه جهود الإمبراطورية وحلفائها داخل بلداننا وخارجها الرامية لإحباط مهمة شعوبنا الوحدوية والاستقلالية.أود أن أثبت خطياً ما لزيارة لولا وآخر لقاء معه من أهمية ورمزية من الناحية الشخصية والثورية. لقد ذكر، وهو المشرف على إنهاء عهده الرئاسي، بأنه يودّ زيارة صديقه فيدل؛ وهو توصيف مشرف وجدته من جانبه. أظن بأنني أعرفه جيداً. وليست بقليلة المرات التي تحادثنا فيها بودّيّة داخل كوبا وخارجها.تشرفت في إحدى المناسبات بزيارته في منزله الواقع في حيّ متواضع من ساو باولو، حيث كان يقيم مع عائلته. كان بالنسبة لي لقاءً محركاً للمشاعر معه ومع زوجته وأولاده. لن أنسى أبداً المناخ العائلي والسليم في ذلك المنزل، والمحبة الصادقة التي كان جيران لولا يكنونها له، بعدما كان هو قد أصبح قائداً عمالياً وسياسياً مرموقاً. لم يكن أحد يعرف آنذاك إن كان سيصل إلى سدّة رئاسة البرازيل أم لا، فالمصالح والقوى المفروضة عليه كانت كبيرة جداً، ولكن كان يطيب لي التحدث إليه. ولا لولا كان يهمّه المنصب كثيراً؛ فهو كان يتلذذ على نحو خاص بالنضال، وكان يفعل ذلك بتواضع لا تشوبه شائبة؛ وقد أثبت ذلك بفيض حين لم يوافق على ترشيح حزب العمال له للمرة الثالثة، بعد هزيمته مرتين من قبل خصومه الأشدّاء، إلا بعد ضغوط قوية عليه من قبل أصدقائه الأوفياء.لن أسعى لعرض المرات التي تكلّمنا فيها قبل انتخابه رئيساً؛ إحدى هذه المرات، وهي من بين أولاها، كانت في أواسط عقد الثمانينات، حين كنّا نخوض في هافانا كفاحاً ضد الديون الخارجية لأمريكا اللاتينية، والتي كانت تصل آنذاك إلى 300 مليار دولار وكان قد تم تسديدها أكثر من مرة. إنه مكافح بالفطرة.كما ذكرت، ألحق خصومه الهزيمة به مرتين في صناديق الاقتراع مدعومين بموارد اقتصادية وإعلامية هائلة. غير أن أقرب معاونيه وأصدقاؤه كانوا يعلمون بأنه قد حان الوقت لأن يكون ذلك العامل البسيط مرشحاً لحزب العمال ولقوى اليسار.معارضوه استخفوا به بكل تأكيد، فظنوا أنه ليس بوسعه التمتع بأي أغلبية داخل الهيئة التشريعية. كان الاتحاد السوفييتي قد اختفى من الوجود. ماذا كان بوسع لولا أن يعني في قيادة البرازيل، هذا البلد ذي الموارد الكبرى، ولكنه ذو قدر قليل من التطور المحكوم إلى برجوازية ثرية ومؤثرة؟غير أن النيوليبرالية كانت على عتبة الدخول في أزمة، والثورة البوليفارية قد انتصرت في فنزويلا، و[كارلوس] منعم آخذ بالسقوط بشكل عمودي، وبينوتشيه قد اختفى من الساحة، وكوبا تقاوم. ولكن لولا انتُخب في لحظة انتصر فيها بوش زوراً في الولايات المتحدة، مغتصباً النصر من خصمه آل غور.مرحلة صعبة كانت مقبلة. فالدفع بسباق التسلح، والدفع معها بدور المجمّع العسكري الصناعي وخفض الضرائب على القطاعات الغنية كانت الخطوات الأولى التي قام بها رئيس الولايات المتحدة الجديد.بحجة مكافحة الإرهاب استأنف حروب النهب وأعطى طابعاً دستورياً للقتل والتعذيب كأداة للهيمنة الإمبريالية. إنها غير قابلة للنشر الأعمال المتصلة بالسجون السرية، والتي تكشف تواطؤ حلفاء الولايات المتحدة مع هذه السياسة. وعلى هذا النحو، تسارعت عجلة أسوأ أزمة اقتصادية من الأزمات التي ترافق الرأسمالية المتطورة بشكل دوري ومتزايد، ولكنها مشفوعة هذه المرة بامتيازات معاهدة بريتون وودز ومن دون أي من التزاماتها.البرازيل من ناحيتها أخذت خلال السنوات الثماني الأخيرة، بقيادة لولا، بتذليل صعاب والارتقاء بتطورها التكنولوجي وتعزيز ثقل الاقتصاد البرازيلي. الجزء الأصعب تمثّل بعهده الأول، ولكنه نجح واكتسب خبرة. بكفاحه المتواصل ورباطة جأشه وبرودة أعصابه وتفانيه المتزايد في أداء مهمته، ضمن ظروف دولية بالغة الصعوبة، حققت البرازيل إجمالي ناتج محلي يصل إلى حوالي بليوني دولار. المعطيات تتفاوت حسب المصادر، ولكنها تتفق جميعاً في وضع اقتصادها بين أكبر عشرة اقتصاديات في العالم. بالرغم من ذلك، فإن البرازيل بمساحتها البالغة ثمانية ملايين و524 كيلومتراً مربّعاً، بالكاد تصل، بالمقارنة مع الولايات المتحدة، ذات المساحة التي تزيد بقليل عن مساحتها، إلى 12 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي لهذا البلد الإمبريالي الذي ينهب العالم وينشر قواته المسلحة في أكثر من ألف قاعدة عسكرية في كل أصقاع المعمورة.حظيتُ بشرف حضور مراسم تسلّمه لمقاليد الرئاسة في عام 2002. وكان حاضراً أيضاً هوغو تشافيز، الذي كان آنذاك قد انتهى للتو من مواجهة انقلاب غادر في الحادي عشر من نيسان/أبريل من تلك السنة، وفي وقت لاحق الانقلاب النفطي الذي نظّمته واشنطن. كان بوش قد أصبح رئيساً. العلاقات بين البرازيل والجمهورية البوليفارية وكوبا كانت على الدوام وما تزال علاقات جيدة وعلاقات احترام متبادل.وقع لي حادث خطير في شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 2004 قيّد نشاطاتي بشكل كبير على مدى أشهر، وفي نهايات شهر تموز/يوليو من عام 2006 ألمّ بي مرض شديد الخطورة لم أتردد بفعله في تفويض مهامي على رأس الحزب والدولة في رسالة الحادي والثلاثين من تموز/يوليو من تلك السنة، بصفة مؤقتة، وسرعان ما جعلتها نهائية، حين أدركت بأن الظروف لن تسمح لي بتولّيها مجدداً.في ما يتعلّق بخطورة وضعي الصحي، فقد سمح لي ذلك بالدراسة والتمعّن، وكرّستُ نفسي لهذه المهمة ولمراجعة مواد تتعلق بثورتنا ونشر بعض التأملات بين الفينة والأخرى.بعدما مرضت، تشرفتُ باستقبال زيارة لولا كلّما جاء إلى وطننا والتحدث إليه بشكل مسهب. لن أقول بأنني كنت على اتفاق دائماً مع كل سياسته. فأنا، من حيث المبدأ، أعترض على إنتاج الوَقود الحيوي انطلاقاً من سلع يمكن استخدامها كمواد غذائية، وذلك إدراكاً منّي بأن الجوع هو مأساة كبرى للإنسان ويمكنه أن يكون كذلك على نحو أكبر يوماً بعد يوم.لكن هذه المشكلة -وأقولها بكل صراحة- ليست مشكلة خلقتها البرازيل، وأقل من ذلك شأناً لولا. إنها تشكل جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي الذي تفرضه الإمبريالية وحلفاؤها الأثرياء الذي يقومون، عبر دعم منتجاتهم الزراعية، بحماية أسواقهم الداخلية ويتنافسون في السوق العالمي مع الصادرات الغذائية لبلدان العالم الثالث، المرغمة على أن تستورد مقابلها سلعاً صناعية يتم إنتاجها من ذات موادهم الأولية ومواردهم الطاقية، وهم الذين ورثوا الفقر عن قرون من الاستعمار. أتفهّم تماماً بأنه لم يكن أمام البرازيل من خيار آخر في وجه المنافسة غير الشريفة ومعونات الولايات المتحدة وأوروبا، غير زيادة إنتاج الإيثانول.نسبة الوفيات بين الأطفال في البرازيل ما تزال تقف عند 23.3 بين كل ألف مولود حي، ونسبة وفيات الأمهات 110 بين كل  100 الف حالة ولادة، بينما هي في البلدان الصناعية والغنية دون الخمسة الأولى والخمسة عشرة الثانية. ويمكن ذكر معطيات أخرى كثيرة.سكّر الشمندر، الذي تدعمه أوروبا، انتزع من بلدنا سوق السكر، المصنوع من القصب، الذي يعتمد على عمل زراعي وصناعي غير مأمون ومؤقت كان يجعل عمال السكر في حالة بطالة خلال مدة زمنية طويلة [ قبل الثورة]. الولايات المتحدة من ناحيتها استولت أيضاً على أفضل الأراضي لدينا وكانت شركاتها هي صاحبة الصناعة. وفي أحد الأيام، حرمونا بشكل مفاجئ من بيع كوتة السكر المخصصة لنا وحاصروا بلدنا من أجل سحق الثورة واستقلال كوبا.لقد طوّرت البرازيل محصول قصب السكر والصويا والذرة بآلات عالية المردود يمكن استخدامها في هذه المحاصيل بإنتاجية مرتفعة جداً. عندما رأيت في أحد الأيام مشاهد مصورة لمساحة تبلغ أربعين هكتاراً من الأراضي في سييغو دي أفيلا [كوبا] مخصصة لمحصول الصويا بالتداور مع الذرة حيث ستتم محاولة العمل على مدار السنة، قلت: إنه الأمر الأنسب لشركة زراعية اشتراكية، بآليات متقدمة ذات إنتاجية عالية للفرد وللهكتار الواحد.مشكلات الزراعة ومنشآتها في حوض الكاريبي هي الأعاصير التي تخرّب أراضيها بأعداد متزايدة.لقد أعد بلدنا ووقّع مع البرازيل تمويل وبناء مرفأ حديث جداً في مارييل [كوبا]، وسيكون مرفأً بالغ الأهمية بالنسبة لاقتصادنا.يقومون في فنزويلا باستخدام التكنولوجيا الزراعية والصناعية البرازيلية في إنتاج السكر واستعمال حثالة القصب كمصدر للطاقة الكهرو-حرارية. إنها معدّات متقدّمة يجري تشغيلها في شركة اشتراكية أيضاً. وفي الجمهورية البوليفارية يقومون باستخدام الإيثانول من أجل تحسين أثر البنزين الضارّ بيئياً.لقد طوّرت الرأسمالية المجتمعات الاستهلاكية وكذلك تبذير وقود ولّدتها على أساس مخاطرتها بتغيّر مناخي دراماتيكي. احتاجت الطبيعة لأربعة ملايين سنة لتكوين ما يقوم جنسنا البشري باستهلاكه خلال ما لا يزيد عن قرنين من الزمن. لم تجد العلوم بعد حلاً لمشكلة الطاقة التي ستحل محل الطاقة التي يولّدها النفط في يومنا هذا؛ ولا أحد يدري كم سيلزم من الوقت وكم ستبلغ تكلفة حلها في الوقت المناسب. وهل ستجد هذا الحل؟ هذا ما تمت مناقشته في كوبنهاغن وانتهت القمة إلى فشل تام.روى لي لولا أنه عندما تبلغ كلفة الإيثانول 70 بالمائة من كلفة البنزين، فإن إنتاجه لا يعود مربحا. واعرب عن أنه في وقت تتمتع البرازيل بأكبر غابة على وجه الأرض، فإنها ستقلّص قطع الأشجار اضطرادياً بنسبة 80 بالمائة من حجمه الحالي.تتمتع اليوم بأكبر تكنولوجية في العالم للحفر في البحر، ويمكنها استخراج وقود يقع على عمق سبعة آلاف متر من المياه والقاع البحري. أمكن لذلك أن يبدو قبل ثلاثين عاماً من اليوم ضرباً من وحي الخيال.شرَح البرامج التعليمية رفيعة المستوى التي تعتزم البرازيل تنفيذها. يقدر بشكل كبير دور الصين على الساحة الدولية. صرّح بفخر بأن قيمة التبادل التجاري مع هذا البلد تصل إلى أربعين مليار دولار.هناك أمر لا يقبل الجدل: عامل تعدين تحوّل في الوقت الراهن إلى رجل دولة بارز ومرموق يُسمع صوته باحترام في كل الاجتماعات الدولية.يشعر بالفخر لتحقيقه شرف استضافة البرازيل للألعاب الأولمبية في عام 2016 بموجب البرنامج الرائع الذي تم تقديمه في الدانمارك. وستكون أيضاً مقراً لمباريات كأس العالم في كرة القدم عام 2014. وكل ذلك جاء كثمرة للمشاريع التي عرضتها البرازيل، وتفوقت بها على برامج منافسيها.دليل كبير على نزاهته تمثّل في تخليه عن السعي لإعادة انتخابه، وهو على ثقة بأن حزب العمال سيواصل حكمه للبرازيل.بعض من يحسدونه على مكانته وعلى مجده، بل والأسوأ، أولئك الذين يخدمون الإمبراطورية، انتقدوا زيارته لكوبا. ولذلك، استخدموا الافتراءات الدنيئة التي يستخدمونها ضد كوبا منذ نصف قرن من الزمن.يعرف لولا منذ سنوات كثيرة بأنه لم يتم تعذيب أحد أبداً في بلدنا، ولم يتم الإيعاز أبداً بقتل أي خصم، ولم يتم الكذب أبداً على الشعب. إنه على ثقة بأن الحقيقة هي رفيقة لا تفارق أصدقائه الكوبيين.غادر كوبا متوجهاً إلى هايتي المجاورة. أطلعناه على أفكارنا حيال ما نزمع القيام به في ما يتعلق ببرنامج مستدام وفاعل، وعلى نحو خاص من الأهمية واقتصادي جداً بالنسبة لهايتي. يعلم بأن أكثر من مائة ألف هايتي تمت العناية بهم من قبل أطبائنا وخريجي المدرسة الأمريكية اللاتينية للطب بعد الزلزال. تكلمنا في أمور بالغة الأهمية، وأنا أعرف رغبته الجامحة في مساعدة هذا الشعب النبيل والمعذّب.سأحتفظ بذكرى لا تُنسى عن لقائي الأخير مع الرئيس البرازيلي، ولا أتردد في إعلان ذلك.

 

فيدل كاسترو روز

 

1 آذار/مارس 2010

 

الساعة: 12:15 ظهراً

 

أصوات شيوعية تغرد خارج الحزب

 

محمد العرسان

 

فرج يطلق نداء لرفاقه في الحزب للخروج من الازمة

 

 

 يتريث عضو المكتب الشبابي و الطلابي في الحزب الشيوعي الأردني محمد فرج قبل كتابة مقالته "وحدة تنظيم الحزب، بين القدسية والواقع" التي خص بها موقع عمان نت.إلا إن فرج يقرر الكتابة بعد تفكير طويل و يقول: قبل البدء بكتابة هذا المقال فكرت للحظات بتبعاته، فعادة ما يبادر الأعضاء الحزبيين للكتابة في الإعلام بعد استقالتهم من تنظيماتهم أو كخطوة نهائية باتجاهها وذلك اعتباراً للمحاسبات التنظيمية بمنطق الماركسيين الأرثوذكس، أو خوفاً من تهمة "تصدير الأزمة للخارج"، ولكنني رأيت في هذه الخطوة خروجاً عن منطق الحريصين على إخفاء عيب أو عطب ما في مكان ما، كما رأيت فيها مبادرة حريصة على مستقبل هذا الحزب ونداءاً لكل مريديه للوقوف لحظة في سبيل تصليده”. الخلافات بين أبناء الجلدة الواحدة بقيت نارا تحت الرماد حتى بداية هذا العام حتى أتى من يوقدها  عندما خرجت أصوات شيوعية تدعو الأمين العام للحزب الشيوعي د.منير حمارنة للتنحي بهدف ضخ دماء جديدة في قيادة الحزب، وللعدول عن مواقف سياسية تنتهجها الأمانة الحالية من أبرزها الموقف من احتلال العراق، والموقف من السياسة الاقتصادية للبلاد"، وذلك حسب تلك الأصوات حمارنه نفى في حديث سابق لعمان نت وجود هذه الخلافات، قائلا: لا يوجد خلافات حول قيادة الحزب، وإن الحديث عن قيادة الحزب يكون محله المؤتمر العام فقط”.وحول هذه الخلافات يعلق فرج في مقالته "مؤخراً تم نشر خبر تحت عنوان "خلافات الحزب الشيوعي تمتد إلى مادبا" على إحدى المواقع الالكترونية وعلى ذات الموقع كان الرد الرسمي للحزب، ليس المطلوب هنا هو التنبيش في تفاصيل الخبر والرد، وإنما دراسة ثقافة التعاطي مع هذا الحدث، فقد كانت ردة الفعل الداخلية تتمثل في هبة عاطفية جياشة لدحض تهمة الخلافات ووقع العديد في فخ المقاربة المطلقة بين الخلاف والشقاق. هذه الخلافات نفاها أيضا أمين سر منظمة مادبا عبدالله بسوس السريانــي في رده على خبر نشر في موقع كل الأردن ونفيه صحة ما نقل عن وجود في خلافات في فرع الحزب في مادبا قائلا : لا انقسامات في الحزب، ومنظمة مادبا لم تهدد بالاستقالة، و إن ما ورد بهذا الخصوص عارٍ عن الصحة تماما”.مؤكدا أن "أية منطقة حزبية لها الحق في إبداء رأيها في مختلف القضايا التي تهم الحزب، وتضمينها برسالة خطية أو شفوية إلي القيادة، وهذا دليلُ شيوعِ الديمقراطية في حياة الحزب.إلا أن فرج يعود و يلمح إلى أن الحزب خرج عن مساره إذ كان الهدف من اتحاد الشيوعي والشغيلة "إنتاج حزب ماركسي جذري " يقول: "ما لا يخفى على أحد أن وحدة الحزبين الشيوعي والشغيلة جاءت نتيجة لاستحقاقات عديدة كان قانون الأحزاب المعدل إحداها – ونحن لا نعيب هذا المبرر وإنما نحاول استثماره لإنتاج حزب ماركسي جذري-، على كل حال تمت الوحدة والتقى الطرفان بمواقف سياسية متباينة وبقيت المسألة الأهم هي آلية التعاطي مع هذا التباين وإدارة الخلاف إلى حين انعقاد المؤتمر الحزبي”.المؤسف في المسألة –حسب فرج- " أن العديد في طرف " الأغلبية العددية" رفع شعار الحفاظ على الوجود ووحدة الحزب على حساب الحوارات المطولة في سبيل إنتاج موقف سياسي جذري تجاه مجمل الأحداث محلياً وعالمياً، في هذه المرحلة تم الخلط بين مفهومي الاختلاف والانشقاق وتحولت أي مطالبة بمراجعة موقف سياسي من هذه المسألة أو تلك تمثل محاولة لتفتيت وحدة الحزب وشقه إلى صفين من جديد”. بالجانب الآخر "العديدين في طرف “ الأقلية العددية" سيروا سلوكهم الحزبي باتجاه المحافظة على التمثيل العددي في قيادة الحزب ورأوا في استفزاز الخلافات السياسية تهديداً لهذا التمثيل.يتابع فرج "ضمن هذه الحسابات لم يكن ممكناً للحزب إنتاج مواقف سياسية واضحة فكانت النتيجة إفراز مواقف سياسية رمادية وتوافقية، وكأن كلا الطرفين تنازلا عن جزء من قناعاتهم في سبيل الحفاظ على وحدة الحزب وكان اللقاء في منتصف الطريق " لا مع لا ضد” . ويرى أن هذه الحالة من غياب الموقف ولدت امتعاضاً عاليا لدى القواعد ولدى العديد من العناصر القيادية الحريصة على ثورية مواقف الحزب بذات السوية مع وحدته، كما عطلت هذه الحالة الحركة على الأرض وغيبت المنظمات الحزبية عن نشاطها المنخرط في النسيج الاجتماعي الأردني.وأخيرا يقترح فرج في مقالته مهمات ملحة للخروج من هذه الأزمة " التي لايمكن إنكارها" وللعودة به على "رأس المشروع المقاوم في الأردن"  ومن هذه المهمات حسيب فرج:

 

1) طمس فوبيا الانشقاق من ثقافة المجموع الحزبي، وتكريس ثقافة الحوار الديمقراطي داخل الأطر الحزبية، وتعميم آليات النشر الداخلي، والوقوف بجدية وبتجرد لمراجعة مواقف الحزب السابقة جميعها.

 

2) تجذير الخطاب الماركسي ولعب الدور القيادي المطلوب في حركة المعارضة الأردنية لتخطي حاجز الخطاب الليبرالي المتمثل في محاربة الفساد والتنمية السياسية ومشاركة الشباب في العمل السياسي وغير ذلك من الشعارات الزائفة.

 

3) إضفاء صفة الاستعجال على انعقاد المؤتمر العام للحزب، والذهاب جميعاً إلى قاعته بتجاوز الأحكام المسبقة على الأشخاص واعتماد التحليل الصادق والموضوعي للمواقف السياسية معياراً وحيداً للتصويت والانتخاب، عندها فقط ستكون نتيجة الأغلبية والأقلية مختلفة تماماً عن مرحلة "مابعد الوحدة” .وفي نهاية المقال يتمنى فرج على الناظرين إلى هذا لمقال أن "يتريثوا قليلاً ويفكروا أكثر" فنحن الشيوعيون لم نكن يوماً من التردد والخوف أن نخفي ما نفكر فيه، ولم نكن يوما من الخبث أن نستغفل جماهيرنا عما يجري، ولن نكون مستقبلاً إلا بوصلة للعدالة الاجتماعية”، على حد قوله.هذا و يتربع منير حمارنة على الأمانة العامة للحزب منذ عام 1997 بالتزامن مع انشقاق حزب الشغيلة عن الشيوعي، وكان الحمارنة عضواً في الخلايا الماركسية في أواخر الأربعينيات قبل تشكيل الحزب عام 1951 بقيادة فؤاد نصار الذي اعتقل و حكم بعشر سنوات يقضيها في سجن الجفر ليخلفه فيما بعد د.يعقوب زيادين ثم د.منير حمارنة.وفي عام 1956 استطاع الحزب الوصول إلى البرلمان، حيث نجح في تلك الدورة نائبان د.يعقوب زيادين عن مقعد القدس رغم أنه ولد في الكرك، وفائق وراد عن مقعد رام الله.

 

ersan@ammannet.net

 

عمان نت، 01 آذار 2010

 

http://ammannet.net

 

من أجلِ حزبٍ شيوعيّ في الأُردن

 

الأوهام الليبرالية للحزب الشيوعي الأردني

 

هشام البستاني

 

 

سيقول قائل: ولكن هناك حزب شيوعيّ في الأردن. وسيكون معه كل الحقّ في ملاحظته إن كان العقل يقنع بالظواهر فقط لا بالعمق. لكن المنطق يأبى علينا أن نتوقف عند الاسم كمؤشر على المحتوى.كان مقال محمد فرج المنشور أمس في عمّان نت (1) واضحاً في نقده لـ"التوفيقية" التي تسيطر على منهج الحزب الشيوعي الأردني. ورغم أن الدياليكتيك الماركسي يدعو الى تعميق التناقضات لأن التقدم لا يحصل بتصالح البنى القديمة المتنازِعة وبالتالي دوامها، بل يكون بتصارع البنى القديمة المتنازِعة وصعود الجديد على أنقاضها، إلا أن الحال لا يبدو كذلك في حزبنا الماركسي اللينيني العتيق.لم أكن شيوعياً حزبياً في أي مرحلة من مراحل حياتي، لكنني أزعم أنني ماركسي بما يكفي لأقول أن حزباً شيوعياً (بالمعنى الماركسي للكلمة) لم ينشأ بعد في المنطقة. الحزب الشيوعي ليس حزباً سياسياً يتصارع من أجل التمثيل البرلماني (كما هو الأمر في الديمقراطيات البرجوازية)، ولا هو حزب يهدف إلى إدامة وجوده السياسي كإطارٍ ومقرٍّ وأمينٍ عام (كما هو الأمر في الديمقراطيات الأكثر وهمية مثل بلادنا حيث لا أمل بالصراع البرلماني على السلطة). الحزب الشيوعي هو أداة ثوريّة، هو طليعة الطبقة الثوريّة: محفّز الطبقة المستغَلّة التي من مصلحتها قلب نظام الاستغلال وإحلال العدالة الاجتماعية الشاملة بدلاً منها. وليكون الحزب أداة لطبقة ثورية، عليه أن يقدم مساهمات نظرية جبّارة تتعلق بمن هي الطبقة الثورية (ونحن هنا في القرن الواحد والعشرون)، وكيفية تمليك هذه الطبقة القدرة على وعي ما تتعرض له من استغلال، ورسم برنامج التحرر الطبقي ومشروعه العادل البديل. بدون أن يكون الحزب أداةً لا غاية، وبدون أن يقدم الحزب أرضيات نظرية يستطيع أن يتحرّك في الواقع من خلالها، وأن يبني مواقفه السياسية عليها، وبدون أن ينطلق الحزب من المفاهيم الماركسية الأساسية في فهم الواقع، فسنكون أمام حزبٍ هو أي شيء آخر سوى كونه حزباً شيوعياً.سنأخذ مجموعة من الأمثلة المستقاة من مواقف ومقولات الحزب الشيوعي الأردني لنوضّح الصورة:

 

1)  إن مقولات "الإصلاح" و"تعزيز المشاركة السياسية" و"الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" (التي يتبناها الحزب الشيوعي الأردني) هي مقولات ليبرالية وليست ماركسية. الماركسية تَنْظُر للأفراد بصفتهم أجزاء في المتحدات الجماعية، وبالتالي فإن كل المقولات الليبرالية حول الحريّة والحقوق لا معنى له في غياب اللامساواة الطبقية (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية). الديمقراطية لن تلغي الاستغلال الطبقي (الهند كمثال ساطع، والولايات المتحدة نفسها)، أما تصفية الاستغلال الطبقي فسيحقق الديمقراطية بالضرورة.

 

2)  إن مقولات الصراع داخل المنظومة السياسية/الاقتصادية المهيمنة (التي يتبناها الحزب الشيوعي الأردني)، لا الصراع من أجل تغييرها، هي مقولات الاشتراكيين الديمقراطيين (في أحسن الأحوال) لا الشيوعيين. الملعب السياسي العالمي الآن هو للرأسمالية في المراكز ووكلائها في الأطراف. اللعب في ملعب الرأسمالية ووكلائها يعني ضمناً القبول بالقواعد والمحددات التي يمليها هؤلاء: أي الخسارة مسبقاً. عندما طرحت الماركسية العدالة الاجتماعية بوصفها مشروعاً أممياً يتجاوز الأطر الصغيرة المفتتة وقواعد اللعبة المرتبطة بها، كان بذهنها هذه النقطة بالذات.

 

3)  واستناداً إلى ما سبق، يصبح التنظير لـِ والاستناد على ما يسمى "الشرعية الدولية" و"القانون الدولي" في الخطاب السياسي (وهو ما يقوم به الحزب الشيوعي الأردني) انضماماً الى الجهود الدعائية الليبرالية الكبيرة التي تجعل من تعبيرات القوّة العالمية (القانون والمؤسسة الدولييين) حَكَماً عادلاً (منحازاً بالضرورة للقوة التي أفرزته: أي المنتصرون في الحرب العالمية الثانية – الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن).

 

4)  وبناء عليه، لن نستغرب أن يقوم الحزب الشيوعي الأردني بالتواطؤ أولاً ومن ثم السكوت عن مشاركة شقيقه العراقي (فصيل حميد مجيد) بمجلس الحكم العميل الذي أنشأه الاحتلال الأمريكي تحت إمرة بريمر، في رفضٍ واضحٍ لأبجديات الماركسية المعادية حتى العظم للإمبريالية.

 

5)  ولن نستغرب أن يقبل الحزب الشيوعي الأردني بقيام كيان صهيوني استيطاني إحلالي توسعي وظيفي من جهة ارتباطه الكامل بالإمبريالية ومشروعها الهيمني في المنطقة، على الأراضي العربية، وهو ما قبله الحزب عند اعترافه بقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 وترويجه، ومن ثم قبوله لقرارات 242 وما تلاها وترويجها، وقبوله لحل الدولتين. وهذأ طبعاً رفضٌ لأبسط أبجديات الماركسية التي لا تقبل بالامبريالية، فكيف بمشروع هيمنة ذي طابع استيطاني احلالي توسعي وظيفي؟

 

6)  كما لن نستغرب أن يقيم الحزب الشيوعي الأردني علاقات "كفاحية" مع حزب يتبنى الهوية الإسرائيلية (هوية الاستعمار الاستيطاني الاحلالي التوسعي الوظيفي)، ويقبل أن يقيم دولته الاستعمارية على أراضٍ عربية محتلة (هي فلسطين المحتلة عام 1948)، هو الحزب الشيوعي الإسرائيلي. وهي مخالفة لأبسط أبجديات الماركسية التي تخبرنا أن أي حزب إسرائيلي هو حزب استعماري بالضرورة، ولو اختبأ خلف اسمٍ شيوعي.

 

7) ولن نستغرب غياب التحليل الإقتصادي المستند إلى الإقتصاد السياسي الماركسي في الحزب الشيوعي الأردني، فما يطرح في الصفحة الإقتصادية لجريدة الجماهير هو تحليل سطحي لآليات حركة النظام الرأسمالي يفسّره من داخله دون أن يطرح بديله الجذري النقيض. بل ربما سيخجل الرفاق في الحزب من مصطلحات مثل الملكية العامّة (وليست ملكية الدولة) لوسائل الإنتاج، أو خيار الدولة الاشتراكية بوصفها وسيطاً نحو انحلال الدولة الكامل في الشيوعية.

 

8)  وفي القضايا المحلية الراهنة، لن نستغرب أيضاً موقف الحزب الشيوعي الأردني من حل مجلس النواب الأخير، والذي جاء مرتاحاً ومشجّعاً لهذا الحل، وكأن الخلل ليس في البنية السياسية العامة في البلاد، بل هو في إفرازاتها الجانبية. وكأن الحزب يحمّل برلماناً (لا حول ولا قوة له فعلياً) جريرة توجه السلطة السياسية المثابر نحو الليبرالية الجديدة والخصخصة منذ 1989 وحتى الآن (وهو بالمناسبة نفس العام الذي خرج فيه الحزب الشيوعي وبقية الأحزاب إلى العلن برفع الاحكام العرفية واقرار الميثاق الوطني ومن ثم قانون الأحزاب. طبعاً ليست صدفة، بل خدعة الليبرالية الدائمة: التلهّي بديمقراطية وهمية بينما يسير الانقلاب الاقتصادي/الاجتماعي على قدم وساق)، وهو أمر من شأنه تضليل الجماهير لا توعيتهم.هذه بعض أمثلة توضّح لا ماركسيّة الأرضيات والمقولات السياسية للحزب الشيوعي الأردني، وهي ليست مقتصرة عليه بالمناسبة، بل تتبناها أكثر الأحزاب الشيوعية في المنطقة العربية والعالم، الأمر الذي استدعى حصول انشقاقات وظهور تنظيمات جديدة تتمسك بماركسيّتها بدلاً من إعادة تدوير الليبرالية تحت يافطة يسارية.كنّا نظن أنه بدخول حزب الشغيلة (الأكثر جذرية بقليل) إلى الحزب الشيوعي تحت ضغط قانون الأحزاب الأردني الجديد (ها هي وحدة الشيوعيين تتم بضغط الحكومة!)، سيكون فاتحة لمخاضٍ فكريٍّ سياسيٍّ يعيد إنتاج الحزب ويدفعه ولو قليلاً باتجاه الماركسية، لكن جاذبية الوجود السياسي كانت أقوى على ما يبدو، فالموقع أهم من الموقف، والوجود أهم من القضية، والذات أهم من الموضوع. حزبٌ ماركسيّ لينينيّ أداة التثقيف فيه جريدته! حزبٌ ماركسيّ لينينيّ ليس فيه مدرسةٌ فكرية للكادر! حزبٌ ماركسيّ لينينيّ لا يُنظّر، وبالتالي تصدُر توجهاته السياسية بلا أرضيّات نظريّة! حزبٌ ماركسيّ لينينيّ يدعو إلى "الإصلاح السياسي والاقتصادي" على الطريقة الليبرالية! حزبٌ ماركسيّ لينينيّ يحارب النّقد ويخاف منه! هذه ليست ماركسيّة يا رفاق. لهذا تحوّل الحزب الشيوعي الأردني إلى مكانٍ لاستقطاب الشباب ذوي الميول اليسارية، وطردهم بعد ذلك (بالانشقاق أو الاستقالة أو التهيئة النفسية) نحو يسار الأردن أولاً (اليسار الاجتماعي الأردني والمبادرة الوطنية الأردنية) (2) الذي يستكمل الحلقة المفرغة عبر تعزيز الهويّة القُطرية والتنظير لإمكانية انجاز التحرر الوطني داخل هذا الإطار الذي صممه الاستعمار ليكون، وبالضرورة، غير قابل للتحرر (نعود مرّة أخرى لنتذكر أمميّة المشروع الماركسي). ؤبالمناسبة، فقد تحالف الحزب الشيوعي الأردني مع هذا اليسار القُطري في عدة مواقع مثل نقابة الأطبّاء ومنتدى الفكر الاشتراكي، مما يدلل أن الحلقة المفرغة المتشكلة من الأطر اليسارية الرسمية المختلفة تشمل الجميع.أنا من الميّالين للقول بأن حزباً شيوعيّاً لم يظهر بعد في الأردن والمنطقة العربية. كانت هناك محاولاتٌ تأثّرت كثيراً بحركات التحرر الوطني من الاستعمار، وتأثّرت أكثر بالسياسة السوفيتية (بل وكانت تابعة لها)، هذه المحاولات لم تنضج وجنحت باتجاه الليبرالية في غياب الإنتاج النظري، وغياب المعلّم السوفيتي. بين الحين والآخر، تظهر محاولات من داخل الحزب لدفعه نحو الماركسية، غالباً ما تكون محاولات شابّة، مثل تلك التي يحاولها محمد فرج الذي لم ييأس –حتى الآن-، والتي تستند إلى مراجعة وإعادة إنتاج المواقف السياسية للحزب بما يتفق والماركسية، ودفع الحزب نحو النظريّة كأرضية ضرورية لإنتاج الموقف السياسي. ولأن الشباب في الحزب أقليّة جداً، ولأن الشباب المتمكن فكرياً أقل من هؤلاء، فغالباً ما تبوء محاولاتهم بالفشل. هذا الفشل الذي سيجرّ مصيراً مأساوياً، لأن هذه المحاولات هي أنفاس الإنعاش لهيكلٍ هرمٍ يعاني احتضاراته الأخيرة بسبب ضعفه المعرفي وسوء اختياراته السياسية.

 

(1) أصوات شيوعية تغرّد خارج الحزب: http://ammannet.net/look/article.tpl?IdLanguage=18&IdPublication=3&NrArticle=39540&NrIssue=5&NrSection=1

 

(2) أنظر: الأوهام القطرية لليسار الاجتماعي الأردني على الرابط: http://www.shabeeba.org/index.php?option=com_content&task=view&id=257&Itemid=1  

 

واليسار الأردني برعاية حكومية على الرابط:

 

http://www.dctcrs.org/s6025.htm

 

 

صدور كتاب جديد في الاراضي المحتلة

 

الكاتب د. إسماعيل ناشف.

 

الكتاب: "العتبة في فتح الإبستيم"

 

الموضوع: يتناول قضية المعرفة الحداثية وموقع فلسطين فيها.

 

للحصول على نسخة منه الرجاء الاتصال بـ:

 

 مواطن، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية

 

ص. ب. 1845، رام الله فلسطين

 

هاتف: 22951108 (970)، فاكس: 22960285 (970).

 

البريد الألكتروني: muwatin@muwatin.org

 

 

 
free counters

Available Album(s):

Current Album is:
A?

To change albums, highlight your
choice and click the 'Change Album' button.
         
 http://originality.jeeran.com/o/index.html

Body Painting 1-Poetry Index-T.Nazmi Articles at alwatanvoice.com
 
       1     2     3     4     5     6     7     8     9    10  

 11    12    13    14    15    16    17    18    19    20    21  

 22    23    24    25 
    

powered by
Soholaunch website builder
 

©2012 Originality Movement / Tayseer Nazmi